مقالات

-مجلة أنفاس: من المنتدى الأدبي إلى المنتدى السياسي–2

1) العدد الاول عدد مقلق

ضم الإصدار الأول من مجلة انفاس souffles – -بالفرنسية بثمانية توقيعات، لخمسة شعراء وثلاثة رسامين: من ناحية، عبد اللطيف اللعبي، وحميد الحضري، ومحمد فتح، ومحمد خير الدين، ومصطفى النيسابوري؛ ومن جهة أخرى محمد المليحي وفريد بلكاهية ومحمد شبعة 23الذين يعتنون بالجانب الجرافيكي (الرسوم التوضيحية والموديل). أثر هذا المنشور الجديد الدهشة. أولاً، من خلال اختيار العنوان[21] الذي يستهوي القارئ بالضرورة، خاصة وأنه متعدد المعاني ويحفز الخيال ومتعدد التفسيرات. ثم، غلافه الجريء: “عليك أن تتخيل المفاجأة في أكشاك بيع الصحف زمنئذ، في ستينيات القرن الماضي، عندما تم اكتشاف هذا المولود الإعلامي الجديد. لقد كان غير عاد تماما وغير مألوف. صمم المليحي وشبعة التصميم والغلاف الذي كان له تأثير بصري كبير غير مسبوق”. أعلن اللعبي22 بهذا الخصوص فيما بعد : يجب أن يقال أن الغلاف فريد من نوعه. إنه أثر ضبابي دائري أسود ينبجس فجأة من خلفية بيضاء. أعلاه، يظهر اسسم المولود الجديد- souffles- ، بأحرف كبيرة، داخل مربع أسود يبدو بارزًا على هذه الخلفية البيضاء. وبينهما عنوان فرعي: “مراجعة شعرية وأدبية”. وقتئذ، كانت تعتبر هذه البساطة فريدة من نوعها، مما اثار فضول الجميع.
—————————–
21 – أشار اللعبي إلى أن هذا العنوان مأخوذ من مجلة فرنسية.: تم إنشاء نشرة الكتاب الفرنسيين في مونبلييه، في عام 1942 تحت الاحتلال، من قبل الشاعر روبرت مارتي وبول بوغ، الرسام والشاعر.وكانشعارها “في خدمة الروح” (http://www.revuesouffles.fr/)
22ك. الصفريوي، لا ريفيو سوفلي، 1966-1973، آمال ثورة ثقافية في المغرب، الدار البيضاء، طبعات سيروكو، 2012، مقابلة ص 285.
——————————
لك ان تتخيل الفضول في مواجهة مثل هذا الدعم البصري.إذ اعتبرت هذه البساطة فريدة من نوعها.
ولكن، بالإضافة إلى هذا الغلاف الذي أبدعه رسامان من مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، فإن شكل المطبوع يلفت الأنظار أيضًا. لا يتوافق مع التنسيقات الصحفية، فأبعاده أقرب إلى تنسيق الكتاب. في الواقع، إن تلك المجلات الأدبية المعاصرة: ارتفاعها 23.5 سم وعرضها 15 سم هي التي تظهر على الفور مدى أدبية الوسيط. يضم الكتيب، في حوالي ثلاثين صفحة، مقدمة وقصائد، ولكنه يحتوي أيضًا على مقتطفات من المراسلات وفهرس للمؤلفين.

ومع ذلك، فإن الابتكار الكبير يكمن في المكان المخصص للفنانين البصريين، الذين لا يقتصر دورهم على الرسم التوضيحي. وتلعب الصورة بالفعل دورًا مركزيًا[24]: تعرض الصفحات 12 -20 -26 نسخًا من لوحات محمد مليحي ومحمد شبعة وفريد بلكاهية. وانفاس ليست هي أول مجلة أدبية مغربية، فهي مجلة تجمع بين الأدب والرسم بطريقة تشكل ثورة حقيقية في مشهد النشر المغربي انذاك.
الخط الأيديولوجي للمجلة

من الأسطر الأولى، يتم ضبط النغمة من خلال مقدمة ذات نبرة احتجاجية:
«الشعراء الذين وقعوا على نصوص العدد الاول بيان المجلة تجعل المقراء يدركون من خلال – “SOUFFLES”- بالإجماع أن مثل هذا المنشور هو بمثابة الاعلان عن موقف من جانبهم في وقت وصلت فيه مشاكل ثقافتنا الوطنية إلى درجة شديدة من التوتر. (…)
إن التأمل المتحجر في الماضي، وتصلب الأشكال والمحتويات، والتقليد المتواضع بالكاد والاقتراض القسري، ومجد المواهب الزائفة يشكل الخبز اليومي المغشوش الذي تستخدمه الصحافة والدوريات وجشع دور النشر النادرة. ومن دون ذكر دعاراته المتعددة، أصبح الأدب شكلاً من أشكال الأرستقراطية، وزهرة معروضة، وقوة من الذكاء وسعة الحيلة. »

“هذا التيار من التضخم الأدبي والثقافي الذي استثمر البلاد منذ الاستقلال”26 ، يجب أن ننتقل إلى الحداثة. “نحن لسنا في صراع بين القدماء والمحدثين”27، كما يقول الشاعر الذي يدعي القطيعة مع الماضي الأدبي، بسخرية، والذي يُحكم عليه في الوقت نفسه بأنه فقير وعفا عليه الزمن وغير مناسب للواقع والقضايا المعاصرة.
———————————
26. souffles، عدد 2، الربع الثاني 1966، “اقرأ “المغرب الصغير””، ص 5.
27 souffles، رقم 1، الربع الأول 1966، “المقدمة”، ص 3.
————————————-
“لابد من الاعتراف بأن هذا الأدب لا يعنينا إلا جزئيًا، وعلى أي حال فهو بالكاد يتمكن من الاستجابة لحاجتنا إلى أدب يحمل ثقل واقعنا الحالي، والقضايا الجديدة تمامًا التي تواجهنا. ومن هنا يخيم علينا الفزع والثورة الوحشية. . » 28.
———————————————–
28 souffles-، رقم 1، الربع الأول 1966، “المقدمة”، ص 4
——————————————–
ثم ياتي توقع الانتقادات المحتملة فيما يتعلق باختيار اللغة الفرنسية: “إن لغة الشاعر هي قبل كل شيء “لغته الخاصة”، اللغة التي يخلقها ويطورها ضمن الفوضى اللغوية، وهي أيضًا الطريقة التي يعيد بها تركيب قشرة العوالم والديناميكيات التي تتعايش داخله”29.
—————————-
29- souffles، رقم 1، الربع الأول 1966، “المقدمة”، ص 5.
—————————-
وفي إطار مقابلته مع كنزة الصفريوي، يعودعبد اللطيف اللعبي الى هذه النقطة في 2002:
“ترتبط التطلعات المكشوفة ارتباطًا جوهريًا بمفهوم الحرية: حرية التعبير واللغة والعبادة: “souffles” لا تطالب بأي مكانة أو أي مئذنة ولا تعترف بالحدود”30…
——————————————–
30 -souffles، رقم 1، الربع الأول 1966، “المقدمة”، ص 6.
————————————————-
المتعاونون هم مفكرون أحرار، متحدون حول مشروع مجلة “يستجيب لحاجة” ويهدف إلى “أن يصبح مركزًا عصبيًا للمناقشات حول مشاكل الثقافة”31…
——————-
31- -souffles، رقم 1، الربع الأول 1966، “المقدمة”، ص 6.
————————————–
كفنانين ملتزمين، وأوا واجبهم هو العمل، لفتح طريق جديد، من خلال تقديم بانوراما غنية وانتقائية للقراء. وللقيام بذلك، يدمج عبد اللطيف اللعبي القارئ من خلال إطلاق نداء إلى جميع الأشخاص ذوي الإرادة الطيبة:

“إن أصدقاءنا الكتاب من شمال إفريقيا، وإفريقيا، وأوروبا وغيرهم من الكتاب مدعوون أخويًا للمشاركة في مشروعنا المتواضع. وسوف تكون نصوصهم موضع ترحيب. »
فإذا تم توقيع الافتتاحية من قبل عبد اللطيف اللعبي، يتم تقديم المراجعة على الفور كثمرة جماعية، ويُدعى القارئ للانضمام إليها. ومن أجل إغوائه، يلعب المحرر بورقة الصراحة والموضوعية والحياد: “كل النصوص التي تصل إلينا سيتم فحصها بموضوعية ونشرها إذا احتفظت بها لجنة القراءة لدينا”. المعيار الوحيد الذي تم الاحتفاظ به هو جودة المحتوى.
فريق ينفذ مشروعه على مسافة ذراع
باستثناء المليحي، ينتمي جميع أعضاء الفريق إلى الطبقة المتوسطة، لكن أتيحت لهم الفرصة لمتابعة التعليم الثانوي (أو حتى الجامعي). وقد استفاد معظمهم من تعليم ثنائي اللغة – عربية – فرنسية، وواصل العديد منهم تكوينهم في الخارج. عاشوا طفولتهم تحت الحماية الفرنسية ثم عاينوا السنوات الأولى من الاستقلال. أولئك الذين درسوا في الخارج تحملوا المسؤولية الأخلاقية و المالية (بسبب وضعهم الدراسي)،ثم العودة إلى البلاد لنقل معرفتهم. كما أنهم لم يكونوا مهتمين بالبقاء في الخارج لأن تكوينهم أتاح لهم الوصول إلى مناصب مسؤولية. هذه هي الطريقة التي عملت بها الأغلبية في الخدمة العامة. وبصرف النظر عن المصعد الاجتماعي الذي يعنيه ذلك، فإن عددا كبيرا منهم كانوا موظفين حكوميين، ويعكس أيضًا الرغبة في العمل، كل في مجاله، من أجل بناء مغرب الغد. ولذلك فإن لديهم رأسمال ثقافي قوي ويربطهم نفس الهدف. وتتكون النواة الصلبة التي أطلقت مجلة souffles من أصدقاء قاسمهم المشترك نفس الهدف: وجوب التغلب على التصلب المحيط الذي يستمتع بالنقلوالاجترار، أو حتى بالفولكلور والغرابة. معركتهمكانت واحدة، فهم يسعون الى تنشيط المشهد الثقافي والمشاركة في تطوير و تقعيد ثقافة وطنية شعبية حقيقية. ومع ذلك، في ذلك الوقت، كان هناك نقص شديد في الهياكل والبنيات في المجال الثقافي. وكان يعاني جميع الفنانين المغاربة من هذا الوضع، كما يتضح من المحاولات المختلفة التي بدأها سابقًا المتعاونون مع مجلة – souffles: “مجموعة الجبر” –« groupe Algèbre » – عام 1963 (المليحي وشبعة…)، و”المجلة” عام 1964 (النيسبوري وخير الدين)، أو مجلة الفن المغاربي سنة 1965 (المليحي وطوني مريني- Toni Maraini). لكن هذه المبادرات المعزولة لم تشكل وزناً كبيراً. ولذلك فإن فكرة إنشاء مجلة يمكن أن توحدهم كانت فكرة جذابة للغاية. هكذا قرر الرسامون والشعراء أن يلتفوا حول هذا المشروع المبتكر، الذي تجاوز تخصصاتهم واهتماماتهم الخاصة، للوصول إلى بعد ثقافي أكثر عالمية. زإلى جانب أعضاء النواة الصلبة لهيئة التحرير،كانت جوسلين اللعبي- Jocelyne Laâbi ، زوجة عبد اللطيف اللعبي، وهيالتي تولت جميع مهام السكرتارية، وكذلك صاحبة الطبعات المغربية والدولية في طنجة، وهي صديقة ومساندة تدعم المجلة دون حساب منذ البداية حتى النهاية بمعية اخرين لم تذكر أسمائهم لكنهم مع ذلك كانوا من ركائز المشروع. ساهموا جميعًا دون أي ادعاء وبمجرد توزيع الأدوار، تعين عليهم بعد ذلك الاهتمام بالمهام الإدارية والجانب المالي. فعبد اللطيف اللعبي، الذي تولى مسؤولية مدير النشر، تكلف بالإيداع القانوني وسجل مقر المجلة على عنوانه الشخصي. وظل الهاجس المالي المتعلق بالميزانية مشروط بالرغبة في إنشاء مجلة تكون ناشطة وغير رسمية ومستقلة. وحرص الفريق بشكل حديدي على رفض كافة أشكال الدعم وابتعد عن الإعلانات والاشهار ( لم يظهر فقط الا في العدد الثالث واحتل 5% فقط من الصفحات في جميع الأعداد). ، علما أن أي مجلة زمنئذ كانت تتطلب التمويل، لذلك تم البحث عن بدائل.

– جميعهم ظلوا يعملون بشكل تطوعي إلى جانب أنشطتهم المهنية.
– اختاروا التمويل الذاتي: ساهم كل منهم بمبلغ 100 درهم، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت (إذا أخذنا في الاعتبار أن متوسط راتب الموظف الحكومي كان يتراوح بين 800 و1800 درهم،
– أقاموا اشتراكات سنوية. ولتكريم هذه الاشتراكات، تم نشر أعداد مزدوجة بسرعة كبيرة: ابتداءً من السنة الثانية صدرث ثلاثة أعداد في السنة، بما في ذلك عدد واحد مزدوج.
– على الرغم من أنهم ظلوا يرفضون الدعم المقدم من المنظمات، إلا أنهم مع ذلك جذبوا حسن نية القراء، من خلال تقديم صيغ اشتراك سنوية مختلفة (“الاشتراك البسيط” أو “الاشتراك الداعم”).

لكن في الحقيقة كان هذا الاستقلال المالي مكلفا جدا، كما أثبت ذلك العدد 4 الذي صدر في بداية السنة الثانية من وجود حياة المجلة. وفي الأخير، لم يعد نموذج الاشتراك يظهر في نهاية العدد بل في الصفحة 2. ويتبعه، في الصفحة 3، إشعار للقارئ: “نحن بحاجة إلى مشاركتك […] حتى تتمكن تجربتنا من الاستمرار والصمود
لقد تم دمج القارئ ومسؤوليته ، في عبارة “نحن”الواردة اعلاه: “مسؤولياتنا مشتركة إلى الحد الذي يجعلنا جميعًا مهتمين بالمضمون وبالاستمرارية… إننا على يقين من أنكم ستستجيبون لهذا النداء» “36.
Souffles, n°4, 4ème trimestre 1966, « A nos lecteurs », p 3- 36

وهكذاسوف تنجو المجلة. بالتأكيد وبشكل مؤلم ودون تفادي الخطر من عدد إلى آخر؛ لكنها سوف تنجو. وسيتحدث النيسابوري قائلا إنها “معجزة ” وتوضح جوسلين اللعبي أن “كل إصدار جلب ما يكفي تقريبًا لتمويل الإصدار التالي”. واستمرت المجلة بفضل عائدات مبيعاتها، وبلا شك بفضل فريق التحرير الذي ظل يؤمن بمشروعها ويدعمها. “
______ يتبع _____________

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!