مقالات

عدم الاكتراث الانساني واثره في انتشار الج#ريم*ة

عدم الاكتراث الإنساني واثره في انتشار الج#ريم*ة
ماجستير قانون جنائي
اهتم علماء النفس ولا سيما السلوكين منهم بدراسة الانسان كعلم مستقل من ناحية افعاله وسلوكياته الظاهرة فقط ، على عكس علماء مذهب التحليل النفسي الذين ركزوا بدراسة الانسان من ناحية أفكاره وتنشئته ومراحل نموه ، وينتمي كلا المذهبين لمدرسة النفس الإنسانية التي تحاول دراسة الانسان بشكل شامل و متكامل ولا سيما الطبيعة الإنسانية وكيفية تفاعلها مع العالم والوجود والسمات الفردية كالتعاطف والحضور وبناء العلاقات كما ركزت على مفاهيم إنسانيّة رئيسة والتي من أهمها : مفهوم الذات واحترامها وتقديرها و الإرادة الحرة و الاحتياجات الفسيولوجية والسيكولوجية .
لذا فأن دراسة الذات الإنسانية وتحليلها وفهمها والتعمق بمكنوناتها امر في غاية الأهمية للتوصل لحقيقة علاقتها في ارتكاب الج#ريم*ة او اتمامها او زيادتها او جعلها واقع طبيعي وليس حدث خارج عن نطاق السياق الاجتماعي و المنطقي ، فقد ظهر ما يسمى 🙁 بمتلازمة جين وفيزي ) عندما تعرضت امرأة تدعى سوزان جين وفيزي عام 1964 من أمريكا للطعن حتى الموت ، في حين كان هنالك ما يقارب 38 شخص شاهدوا الحادث ولم يتدخلوا، لذا ظهرت هذه المتلازمة والتي أصبحت تعرف بمتلازمة المتفرجين.
لا يخفى على احد ان لحظة و قوع الج#ريم*ة تكون مرعبة للأشخاص المتواجدين والتي قد تشكل صدمة لا يستطيع الانسان معها التصرف نتيجة لاختلاط مشاعر الخوف والتردد وعدم فهم حقيقة ما يحصل والذي يؤدي به الى اتخاذ وضع المتفرج ، وغالبا ما يفسر ذلك بأن عقل الانسان وزع المسؤولية عن طريق افتراض ان هنالك شخص اخر سيقوم بتقديم المساعدة ويمنع ما قد يحصل الى ان ينتهي الامر بعدم قيام أي شخص باتخاذ هذا الدور ، هذا ما قد يسبب اصابة البعض منهم ( المتفرجين) بحالة الشعور بالذنب وقد تستدعي حالتهم لعلاج نفسي . ان هذا الامر بدأ بالانتشار بشكل متزايد ، فقد يفسر البعض منها وفق التحليل سابق الذكر في حين يمكن تفسير الاخر هو عدم الاكتراث واللامبالاة في إيقاف الج#ريم*ة او منعها من الحصول او التدخل لمنع اتمامها ، فقد يكون هم المتفرج الوحيد هو توثيق الحدث من خلال تصويره وذلك لنشره والحصول على مشاهدات وتفاعل من قبل الجمهور وهذا هو المتعارف اليوم في ظل عصر التكنلوجيا و غلبة العالم الافتراضي على العالم الواقعي ، من جانب اخر قد يكون التصوير سلاح البعض من المتفرجين الذين يخشون التدخل لأسباب عدة منها هو الخوف من الجاني او الرعب من الج#ريم*ة ذاتها او المسائلة القانونية او قد تكون العشائرية التي اخذت تحتل نسبة اكبر من خشية المسائلة القانونية في ظل زمن اصبح فيه الخوف من القوة العشائرية اكثر من خشية القانون ، لذا يكون توثيقهم للحدث هو بدافع خلق دليل اثبات للج#ريم*ة وادانته مرتكبيها .
أيا كان تفسير موقف المتفرج سواء كان مبرر او غير مبرر الا ان هذا الحالة قد تكون السبب في ازدياد ارتكاب الجرائم واتمام نتائجها والتي تحولت الى سيكولوجيا جماهيرية وامر طبيعي سائد قد يفسر البعض ذلك تفسيرات اجتماعية منها انعدام روح الخوة والانتماء الإنساني والنخوة او الغيرة الإنسانية ، فترجيح كفة الذات الفردية على الذات الجماعية هي الاوضح والابرز، لدرجة اصبح ان مشاهدة الجرائم وازديادها امر طبيعي لدى المجتمع قد لا يشكل أي نوع من شعور النفسي لدى المتلقي فمشاهدة الج#ريم*ة اصبح امر عادي ومألوف سواء بالعالم الواقعي او الافتراضي او قد يكون له اثر بسيط وقتي سرعان ما ينتهي بغضون وقت قصير جدا او مشاهدة حدث اخر لافت ، على عكس السابق الذي كانت الج#ريم*ة تمثل كارثة إنسانية وتبقى حديث الناس لفترة طويلة الى ان يتم غلقها قانونيا من خلال اخذ الجناة جزائهم العادل ، ربما يعود ذلك الى انتشار الجرائم بشكل اكبر وتعرف الناس عليها نتيجة لاجتياح مواقع التواصل الاجتماعي الحياة فأصبح انتشار اخبار الجرائم اسرع واكثر لدرجة اصبح الناس لا تعير الموضوع أهمية كما كان الامر قبل ظهور مواقع التواصل .
أيا كان التفسيرات والتبريرات المطروحة سابقاً فأن الامر انتجه حقيقة واحدة وهي ان النفس الإنسانية أصبحت لا تكترث لوقوع الجرائم بشكل يلائم مع حقيقة الجرائم ذاتها ، وهذه الحقيقة لا تقتصر على المجتمع الداخلي للدولة وانما يمتد الى المجتمع الدولي بشكل اعم . فالجرائم التي كانت ترتكب بحق دولة من الدول كانت تشكل صدمة لدى كل شعوب العالم والتي تنهض للمساعدة واتخاذ مواقف جديه لوقف تلك الجرائم والحيلولة دون استمرارها او إتمام نتائجها ، على عكس الحاضر، فمثلا الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني من ابادات جماعية وجرائم ضد الإنسانية ، لم تشكل أي رد فعلي يتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية حتى من قبل أبناء الجلدة الواحدة فالجميع يتخذ مواقف رسمية مترددة جداً والتي تشكل موقف المتفرج الخائف من الانخراط بالحرب او الذي يحاول يوزع المسؤولية فينتظر بقية الدول القيام بهذا الدور ، على عكس السابق فقد كان للدول العربية مواقف عسكرية متبلوره في تحالفات عربية او محاور مشتركة لتقديم الدعم والتدخلات العسكرية حتى وان لم تنجح الكثير منها بتحقيق مبتغاها النهائي الا انها تذكر ويسجلها التاريخ ، حتى التطبيع كان يعتبر ج#ريم*ة وخيانة بحق الشعب الفلسطيني اما اليوم فقد اصبح امر طبيعي جدا تقدم عليها الدول العربية لضمان قوتها العسكرية والاقتصادية ع حساب عروبتها و كرامتها الإنسانية و هويتها الإسلامية و هذا ما صوره القران الكريم في قولة تعالى : ({كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ) سورة القيامة (20-21) .
وقال الرسول الكريم (صل الله عليه و اله وسلم ) (المُسلِمُ أخو المسلِمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه ولا يَحقِرُه)، كما اكد عليه الصلاة والسلام على ذلك بقوله 🙁 المُؤمِنون تتكافَأُ دِماؤُهم، ويسعى بذِمَّتِهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سِواهم).
ونتيجة لما تقدم نختم الحديث بتحليل رئيس قسم الطب النفسي في الجامعة اللبنانية الدكتور ايلي شديد . والذي يرى : ضرورة تثقيف وتعريف الناس بظاهرة التفرج هذا ما يجعلهم معدين ومهيئين مسبقا للتصرف وتقديم المساعدة ، يمكن ذلك عن طريق القاعدة الثلاثية وهي ( لا تتردد لا تنتظر ولا تفترض ) .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!