مقالات دينية

لمسة شفاء 

لمسة شفاء 
تأمل في انجيل لوقا 8: 43-48
+ سعد سيروب
يروي لنا الانجيلي لوقا حادثة (معجزة) شفاء المرأة المنزوفة. ويذكر الانجيل أن المرأة “أنفقت كلّ ما تملكه على الأطباء وما قدر أحد أن يشفيها” (لوقا 8/ 43). وهذا في اشارة منه على عجز الانسان أمام حالته، وكأنه قد فقد أمله في الشفاء. لقد أستنفذت كل الوسائل البشرية ولكنها لم تجدي نفعاً، وهي تعيش الآن حالة من العزلة والوحدة تفصلها عن جميع الناس.
الخطيئة تغربنا وتفصلنا عن ذاتنا الحقيقية التي نريد ان نكون، وتقف بيننا وبين الآخرين. وهذا يجعلنا نفهم موقفها، فهي لا تستطيع الاقتراب منه وتخبره عن شقائها: كيف لها أن تظهر أمام الجمع كلّه وهي تعيش حالة من الفشل ولا تملك الجرأة لطلب العون من أحد؟!
ومع ذلك ففي المرأة رغبة عميقة وأمل كبير يتجاوز الآمال البشرية أن تشفى من مرضها. تريد الاقتراب من يسوع؛ سمعت عنه وعن قدرته على شفاء الناس وتريد ان تستمد منه هذه القوة. فجاءت من وراءه بحيث لا يراها أحد ولمست طرف ثوبه. ماذا يوجد في طرف الثوب؟ ولماذا طرف الثوب؟ ألم يكن يكفي ظله، مثلما حدث مع بطرس (أع 5/ 15)؟ طرف الثوب هو المكان الذي أمر الله شعبه لكي يعلق كل واحد أهداباً في اطراف ثوبه ليتذكروا وصايا الله وشريعته ويسلكوا بها (عدد 15/ 38-40). انها تلتجىء الى الشريعة الجديدة الى شريعة يسوع التي تعطي المجال لجميع الناس كما هم ان يجدوا أنفسهم من جديد جزءا من شعب الله الجديد، الذي هو الكنيسة.
لقد دفعها ايمانها الى التقدم نحو يسوع، لمسته. فوقف نزف دمها في الحال. شفيت بدون دواء وبدون كلمة. لمسته فقط فحصلت في لحظة على ما لم تستطع ان يعطيها اياه الغير في سنين. انها لمست الايمان. لقد رأت في يسوع قدرة الله التي تخلص البشر. انها قوّة خفيّة ولكنها حقيقية، لا تنكشف إلا أمام المؤمن. الايمان وحده يتيح لنا ان نتجاوز الظواهر الخارجية لنصل الى المسيح. الايمان هذه القدرة التي تخرجنا من انغلاقنا على ذاتنا وعلى امكانيتنا وتفتحنا على الله وقدرة محبته ورحمته الفائقتين. الايمان قدرة على رؤية ما لا يستطيع الآخرون رؤيته، الى رؤية ما هو ابعد وما هو وراء الاشياء. انه القدرة على رؤية اللامنظور، الذي هو الله. جموع كثيرة كانت ملتفة حول المسيح، ولكنها لم تعرف كيف تنظر إليه. كانت تطلب المعجزات، ولكنها لم تعرف ان المعجزات تأتي بعد الأيمان. الايمان هو أساس المعجزة وهدفها.
في كثير من الاحيان نقف عنده ولكننا لا نعرف طريق الدخول إليه، ونراه ولكننا لا نتواصل معه. أفكارنا مغلوطة وعيوننا لا تزال مغشية بما يمنعها من الوصول إليه والتمتع برؤياه. لا يمكن الوصول الى المسيح إلا بالايمان. الايمان هو لغة تواصلنا مع الله.
عرف يسوع ان قوّة خرجت منه. ليس اللمسة الجسديى هي التي قادت الى الشفاء بل قوة المسيح التي تحل فينا بالايمان. هو وحده عرف هذا. يسوع ينظر بعمق أكبر مما نستطيع نحن؛ انه يرى ما هو خفي ومستتر. ولهذا يمكنه ان يفهم كل إنسان، ويتفهم خطيئته وبالتالي يعطيه القدرة على تجاوزها.
حين شفيت المرأة لم تعد مجهولة. فهمت ان الله اقترب منها في شخص يسوع المسيح. اكتشفت انها في الحقيقية لم تكن هي التي لمسته بل هو الذي لمسها. انها لمسة المحبة والرحمة التي يمكن ان يجد كل انسان مهما كان وضعه وحالته ان يختبرها ويعيشها. كلّ انسان يمكن ان يصبح جزءا من جماعة المسيح، الكنيسة. الايمان يعطيني السلام الآخرين ويعيديني الى شركة الجماعة.
خرجت المرأة من هذه الخبرة الايمانية لتصير شاهدة للمسيح ومحبته. أخذت تنادي بما عمل لها المسيح وكيف شفاها. ايمانها أطلقها حرّة معافية نحو العالم. وها هي تنادي أمام الشعب باعمال الله.
اننا مدعوون في هذا الاحد ان نجدد ايماننا وثقتنا بالمسيح وبقدرة المحبة والرحمة التي جاء لكي يعلنها لنا. الايمان طريقنا للشعور والتواصل مع إلهنا الحبيب.
May be an image of 2 people

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!