مقالات عامة

الشهيدة الفيلسوفة الأدبية بنت الهدى

الشهيدة الفيلسوفة الأدبية بنت الهدى

بقلم / مجاهد منعثر منشد

الشهيدة الفيلسوفة الأدبية بنت الهدى

ولدت العلوية أمنة حيدر اسماعيل الصدر عام 1937بجوار قبة الكاظمين ,لتسجل في صفحات الزمان حروفا وكلمات , وجملاً وعبارات , أتعلم في شبابه ستغطي شمسها الدافئة يوماً غمامات ؟

بعمر سنتين توفي والدها ليعلمها أخيها المفكر الفيلسوف كيف تمسك القلم بأناملها الطرية وتحفظ حروف الأبجدية وتكتبها همسات للزمان , وتنحتها بالقلوب وجداً وتبعث في الجماد شعاعاً من حياة ..

هو أبوها من بعد والدها , كلما أشرق عليها تسارعت خفقات قلبها , يعانقها ويضخ في أوردتها عشق المعاني السامية , ويغذيها مشاعر القدسية والطاهرة .

موهوبة , نهلت من علوم شقيقها مناهج العلوم الدراسية والدينية في منزل أسرتها العلمية .

رحلت معه في سن الحادية عشرة إلى النجف الأشرف ,فغدت مرافقة جهاده ورسالته وطالبة علم .

باشرت العمل الإسلامي في ريعان شبابها في عدة اتجاهات وعلى الأصعدة التالية :

أولاً: توليها المناصب

1.أدارة شؤون جمعية الصندوق الخيري الإسلامي.

2.التأسيس والإشراف على المدارس الجعفرية (مدارس الزهراء عليها السلام) والملحقة بوزارة التعليم العالي عام 1972.

  1. الإشراف على مدارس الجواد عليه السلام للبنين بمرحلتيها الابتدائية والثانوية بمدينة الكاظمية.

ثانيأً: الثقافي

بعد أن شخصت أمراض المرأة المسلمة , جعلتها ضالتها المنشودة للوصول بها إلى أرقى سمو إنساني من خلال الرسالة الإلهية العظيمة ,فكان لها  دوراً فعالاً وملموساً في هداية الفتيات، ورجوعهن إلى التمسك بتعاليم الدين الحنيف.

وكمربية فاضلة تصدت لتعين مناهج التدريس , و تتابع الطالبات في مدارس الزهراء بعد انتهاء الدراسة، وتواظب على زيارتهن ومعالجة مشاكلهن , كما تشجعهن على عقد جلسات أسبوعية .

وتقدم محاضرات تربوية تلقيها على المعلمات بعد انتهاء الدوام الرسمي للمدرسة، وبعد الظهر كانت لديها لقاءات مع طالبات الجامعة حيث تجيب على أسئلتهن، وتلقي عليهن محاضرات ودروساً في المعارف الإسلامية.

وتعقد جلسات شهرية عامة منذ عام 1968ـ 1978 في بغداد,و محاضرات اسبوعية تلقيها في منزل أخيها في الكاظمية.

وككاتبة وناشطة في مجال السياسة والثقافة الدينية , فكتبت العديد من المقالات والقصص والأشعار في مجلة الأضواء الصادرة عن تجمع علماء النجف الأشرف.

نشاطها الأدبي :

1.الشعر

نظمت في فجر عمرها الغض شعراً , شاركت أخيها الجهاد لبناء المجتمع وإقامة دولة النبوة , كلما سألت , هل أنتِ شاعرة ؟

ـ ردت , كلا .

 لم تكتب الشعر عن هواية، بل وجدت نقصاً ثقافياً سائداً في ذلك الوقت, فكانت تنظم مقاطع شعرية تعبيرا عن معاناة المرأة المسلمة من انحطاط في المستوى الثقافي الديني.

من نظم شعرها :

إلى المجد يا فتيات الهدى …لنحيي مأثرنا الخالدات

ونمضي سويا إلى غاية …لآجل لقاها تهون الحياة

ونكتب تاريخنا ,ناصعا … مضيئا بأعمالنا الزاهرات

فأما مقام العلى نرتقبه… وإما قبوراً تضم الرفات

وأيضا من شعرها :

إن قيل عنـك! فـلا تبالي واصـمدي***  قولي:أنا بنت الرسالة، من هداها اهتدي

لم يثنني خجلي عن العليا، ولـم يغلل يدي ***كلا، ولا هذا الحجاب يعيقني عن مقصدي

فغد لنا، أُختاه، فامضي في طريقك واصعدي ***والحـــق يا أُختاه يــعلو فــــوق كيد المعتدي

2.المؤلفات :

اختارت من الجنس الأدبي كتابة القصص , وأول مؤلف صدر لها عام 1966 ( كلمة ودعوة) , تلتها مجاميع قصصية عديدة منها (الفضيلة تنتصر),( زيارة العروس),( صافرة إنذار), (امرأتان ورجل),( اختيار زوجة),( لقاء في المستشفى),( لي)تني كنت أعلم), (قلب يتعذب)، (فكر في مهب الريح) , (حشرجة روح),( مقاييس),( صمود),( الباحثة عن الحقيقة), (الخالة الضائعة), (مذكّرات),( آخر هدية),( قصص), (الأيام الأخيرة)، (فترة ركود)، (الساعات الأخيرة),(ثبات). وغيرها .

*إبداعها القصصي :

 من اسمها المستعار( بنت الهدى) تظهر الغاية ,تبرقعت وتحجبت عن ظهور الاسم الصريح كإشارة إلى أهمية الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة الرسالية .

وهذا ما يؤكد بأن كتابتها لم تكن ترف أدبي للترفيه عن الإنسان الذي يرزح تحت أعباء مشاكل الحياة والتسلية للهارب عن الواقع المعاش الكثيب .

كانت نتاجاته فناً جميلاً يفصح عن مغزى تهدف إليه بين ثنايا الرواية والقصة , وتعرب عن فلسفتها بوجهة نظرها من خلال العمل الأدبي .

تخاطب الجيل الناشيء بأسلوب السهل الممتنع ولغة صحفية , تعتمد أسلوب السرد البسيط (بضمير المفرد الغائب) في معظم قصصها، وتارة تعتمد أسلوب المذكرات أو الرسائل، كما في قصة (مذكرات)، (فيتم السرد بضمير المفرد المتكلم).

وقدمت لغة متنوعة عن طريق الاستفادة من إمكانات اللغة الدينية التي تضفي قوة معنوية على السرد القصصي، فتزيد فكرتها مضاءً وشرعية.

إنّ نبل الفكرة إحدى الجماليات الأساسية لقصصها , يلحقها تمتعها بأسلوب سردي شيق , هذا النوع من الأسلوب لا يشتت ذهن القارئ ويجعله كلما مسك خيط الفكرة يفلت منه, إنما تجد بين ثنايا السطور إيمانها بالثورة والرغبة في تغير الواقع يشد المرأة المسلمة لمعرفة وسائل التغير.

وبأسلوبها المحبوك تدعو إلى التمسك بالقيم والأخلاق , توجه المجتمع نحو الإسلام , وتنقذ الشعب من الانحطاط والرذائل من خلال الحكايات والأحاديث العذبة الروائية , لترسم صورة طريق الهدى في كتابتها الإسلامية .

لقد وظفت الكلمة لخدمة حياة الإنسان , وصرحت بأنها ليست كاتبة للقصة، وأن ما تقدّمه لا يعدو أن يكون (صورة من صور المجتمع الذي نعيش فيه وأنموذجاً من واقع الحياة التي نحياها، حيث تتصارع قوى الخير والشر وتلتحم العقيدة بجيشها الفكري والروحي في معركة مع حضارات الاستعمار وأخلاق المستعمرين).

وهنا تبرز لنا هذه الفيلسوفة الأديبة جوهر الصراع بين الفكرين وتجسده في شخصياتها ضمن وقتها المعاصر .

ويبدو وعي الكاتبة النقدي يجردها من الادعاء بأنها قاصة أو ما تكتبه ليس بالمعنى الفني للقصة , إنما تعنونه (رسائل وخواطر).

فعندما يتأمل الناقد بالعنوان ويبحث عن الغاية يجد إبداعها بكل وضوح , فالغاية دينية , إذ تقول في إحدى مجاميعها القصصية : (إنّ تجسيد المفاهيم العامة لوجهة النظر الإسلامية في الحياة هو الهدف من هذه القصص الصغيرة؛ لأنني أؤمن بأن إعطاء المفهوم على المستوى النظري لا يمكن أن يحدث من التغيير والتأثير ما يحدثه إعطاؤه مجسداً ومحدوداً في أحداث وقضايا من واقع الحياة، ومن أجل ذلك اهتمّ القرآن الكريم بإعطاء المثل والقيم عبر صور قصصية من حياة الأنبياء).

إنّ الفكر الإسلامي بكل مبادئه وروحانيته متجلياً في قصصها, لذا  تسعى الكاتبة لمخاطبة جميع الناس وليس المختصين , فما تؤمن به من أفكار وقيم تجسده في القصة ,ليجذبهم ويتأثروا بأفكارها .

أما إحدى فروع الجمال الفني في قصصها , فأن أحداث القصة وحبكتها من نسج الخيال، وأبطالها من واقع الحياة , وتقدم أفكار تسلّح الفتاة المسلمة بالفكر الإسلامي, فتبين لها مساوئ حياة أفكار الغرب, وتكشف لها معالم الطريق المستقيم .

أنها مفكرة وسياسية قبل أن تكون كاتبة , توقد في قصصها مشعل الفكر والعقيدة ليضيء عتمة التيه في العقول .

مرأة رسالية نوعية حتى في توجيهها المسلم سواء كان امرأة أم رجلاً، توقظ سبات قلبه وتنهضه بالقيم ومبادئ الإسلام ليسعد في الدارين .

وما نتاجها القصصي إلا عملية بناء الإنسان من الداخل بمفتاح السر الإيمان والعبادات, ليكون إنساناً قوياً في مواجهة أعباء الحياة , مما ينعكس على حياته الاجتماعية فيبدو أكثر عطاء للآخرين وأكثر فاعلية في مجتمعه. وبذلك يصبح الإنسان بفضل الإيمان بالله ومبادئ الإسلام متميزاً بحيوية وفاعلية، واثقاً بنفسه وبقدراته، لا يسمح للضعف أن يسيطر عليه، فهو مسلّح من الداخل مما يجعله متجاوزاً ضعفه.

والعبادات التي هي منابع قوة داخلية تستطيع إنقاذ الإنسان من حالات ضعفه وبؤسه , فيشعر بأنّ هناك قوة عظمى تقف إلى جانبه، هي القوة الإلهية.

3.معارضتها السياسية وجهادها:

واجهة الأفكار الغربية من خلال كتاباتها ونشاطها الثقافي النسوي كما عارضت أداة تنفيذ تلك الافكار والمتمثلة في حزب البعث وسلطته الجائرة ,إذ أدركت في وقت مبكر عمالة هذا الحزب للغرب ومحاربته الإسلام , واتخذت قرارها في أولى إصدارات قوانينه المسماة بقانون تأميم التعليم في العراق حيث قدمت استقالتها من عملها عام 1972 , وقد خاطبتها الدولة عدة مرات بخطابات رسمية لغرض عودتها , إلا أنها أعربت عن رفضها قائلة : «لم يكن الهدف من وجودي في المدرسة؛ إلا نوال مرضاة الله، ولما انتفت الغاية من المدرسة بتأميمها فما هو جدوى وجودي بعد ذلك؟!هذه خطوتها الأولى التي جاءت نتيجة الالتزام بفتوى المرجع السيد محمد باقر الصدر بتحريم الانتماء إلى حزب البعث .

عاصرت اعتقال المرجع عدة مرات أخرها عام 1979 يوم واحد بفضل وقفتها الشجاعة حيث خرجت صباح اليوم التالي إلى ضريح أمير المؤمنين عليه السلام وهتفت صارخة  أمام العلماء والحشود الزائره : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر,الظليمة الظليمة، يا جداه يا أمير المؤمنين لقد اعتقلوا ولدك الصدر… يا جداه إني اشكو الى الله واليك ما يجري علينا من ظلم واضطهاد.

ايها الشرفاء المؤمنون، هل تسكتون وقد أعتقل مرجعكم، هل تسكتون وأمامكم يسجن ويعذب، ماذا ستقولون غداً لجدي امير المؤمنين ان سألكم عن سكوتكم وتخاذلكم ؟ اخرجوا وتظاهروا واحتجوا.

لهذه المناشدة الإيمانية الجهادية انتفضت الحشود بمظاهرة عارمة , مما اضطر السلطات لأطلاق سراح على الفور .

شهادتها :

حيرت عقول السلطة , هزت نفوسهم , اضرمت نار الخوف في قلوبهم !

شخصية صلبة ,مؤمنة ,لا يرهبها التهديد, لا تخشى الموت . لاتكترث بفرض الإقامة الجبرية على أخيها في المنزل .

بعد ستة أشهر , فجر يوم 5|4|1980 اقدم الآمن العام على اعتقال شقيقها ونقله إلى بغداد .

يوم 7|4| 1980 طرق رجال أمن السلطة باب الدار قائلين لها : يريدك سيد محمد باقر ؟

تبسمت ,وكأنها ترى وقفت السيدة زينب مع الإمام الحسين عليه السلام , تمتمت بدعوه: اللهم أرزقني الشهادة , لبت النداء .

صدى صوتها هز عرش طاغية عصره في قعر مبنى الآمن العام , أمر حمايته بتعذيبها , انتهكوا سترها , اغشي عليها .

سحبوها لغرفة تعذيب أخيها , هدده الطاغية , ضربه بسوط على وجهه.

رد عليه : لو كنت شجاعا فك وثاقي , وقابلني رجل لرجل , لكنك جبان وسط حمايتك .

أخرج الطاغية مسدسه ورمى رصاصة برأس بنت الهدى , والأخرى براس أخيها .

خرج مرعوبا يثرثر , طلب من الجلادين صهر الشهيدة بالتيزاب , ونقل جثمان الشهيد إلى النجف الأشرف .

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!