مقالات دينية

حكمة "أحيقار السرياني" الجزء الثاني

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

 

حكمة “أحيقار السرياني” 
نافع البرواري
 ألجزء الثاني
نبذة مختصرة عن قصة أحيقار “الحكيم السرياني” 

“قصة احيقار “ هي المثال الوحيد الباقي في ألأدب الآرامي السابق للمسيحية والواصل الينا بالسريانيّة ، ومن هنا أهميَّتها الخاصة. توجد بالسريانية نسخ للقصة تختلف قليلا ، غيرُ أنَّ الخطوط العريضة تظُلُّ كما هي .
تعود هذه الرواية الممتعة للقرن السادس ق.م . على ألأقل ، وتحكي قصة احيقار “الحكيم ألآرامي ” ومستشار الملك ألآشوري سنحاريب .  أحيقار نفسهُ هو الراوي:
” لمّا عجز عن إنجاب طفل ، تبنّى ابن أُخته نادان ، آملا أن يخلِفُه في البلاط الملكي عندما يحين ألأوان . وتُمثّل تأديب نادان في سلاسل طويلة من ألأرشادات ذات الطابع ألأخلاقيّ، كما يلي :
“اِي بنيّ ، خير لك أن تؤسّس صيتا حسنا لنفسك من أن تتزيَّن بجميل الثياب . الجمال زائل ، أمّا الصيت الحسن فباقٍ الى ألأبد “.
“أِي بنيَّ ، نَقلُ الحجارة مع رجل حكيم أفضل من شرب الخمر مع رجل أحمق ” .
وحالما يُعيّن نادان في القصر ، لايعير إرشادات أحيقار أيّ إهتمام ويبدأ يستبد بخُدّام خاله وأملاكهُ . وحين يوبّخهُ أحيقار ، يقرر نادان التخلُّص من خاله  بأِتهامه بالخيانة العظمى .
 ولكي يتأتّى له ذلك يُزوّر خطابين الى ملكي عيلام ومصر اللذين كانا من أعداء سنحاريب ، موهما بأنَّهما من أحيقار الذي يدعوهما الى القدوم وملاقاته في موضع معيّن ، بحيثُ ” يستوليان على مملكة آشور بدون حرب” . ثُمَّ يزوّر نادان في الوقت نفسه خطابا آخر يوجِّههُ هذه المرَّة الى أحيقار زاعما أنّه من عند سنحاريب الذي يوصي أحيقار بحشد جيش في بقعة معيّنة ، وبأن يصطفّوا للقتال حالما يرون سنحاريب قادما ، لأظهار مدى قوَّتهم عندما يصل سفراء الملكين المعاديين . تنجح مؤامرة نادان فيأمر سنحاريب بق*ت*ل أحيقار جزاء خيانته . لكن هذا يتدبَّر ألأمر مع صديق له ، فيتم إعدام عبد (محكوم عليه سابقا بالأعدام) عوضا عنهُ ، أمّا هو (أحيقار) فيختبئ بعيدا . فور سماع فرعون مصر بنبأ وفاة أحيقار الحكيم مستشار سنحاريب ، يبعث بخطاب الى ملك اشور طالبا فيه إرسال مهندس لتشييد قصر في الهواء بين السماء والأرض ، ومكافأة على ذلك يَعِد فرعون بتقديم ما يُعادل ثلاث سنوات من دخل مصر، .أمّا إذا عجز سنحاريب  عن تقديم هذا المعماري ، فسيتعيّن عليه دفع جزية مماثلة لمصر .وإذ يحار سنحاريب، يرثي حاله قائلا:”أسفي عليلك ، يا أحيقار الحكيم ،لأنّي أهلكتُك بسبب كلام غُلام “.عندها يكتشف صديق أحيقار للملك أنّ أحيقارحيٌّ يُرزق. أخبر احيقار بالمشكلة ، فوعد بحلّها . وقد نجح في ذلك بجعل نسرين يحملان غُلامين عاليا في الجوّ، بَعد أن لقّنَ ألغُلامين أن يصيحا : ” هاتوا للبنّائين طينا وملاطا وأجُرّا وطوبا ، لأنَّهم واقفون عاطلين”..ثُمَّ يُهزم فرعون حين يعجز عن توفير مواد البناء للغُلامين في وسط الجوّ، لكنه يرفض ألأستسلام ويطرح على أحيقار سلسلة من ألألغازليحلّها ومهامّ أخرى ليؤدّيها .فكانت المهمة ألأخيرة أن : “أمرك الملك(الفرعون)بإحضار حجر رُحى علويّا مكسورا اليَّ، وقال لي :” ياأحيقار، خِط لنا حجر الرُحى المكسور هذا ” . فذهبتُ وأحضرت ُ الجزء السفلي من حجر رحى ووضعتهُ أمام الملك وقلتُ: “يا مولاي الملك ، أنا أجنبيٌّ هنا ولستُ أحمل معي آلات صنعَتي ، فهلا أمرتَ  ألأسكافيين بتقطيع شرائط من حجر الرحى السُفلي هذا ، فهو قرين الحجر العلويُّ، فأخيطهُ في الحال”. عند سماع الملك ، ضحك الملك وقال : “تبارك اليوم الذي وُلِد فيه أحيقار لدن إله مصر.ولأنّي أبصرتُك حيّا ، سأجعل هذا يوما خاصّا بوليمة”. ثُمَّ أعطاني جزية ثلاثُ سنوات من مصر، فعُدتُ في الحال الى سيِّدي سنحاريب الملك”. وما إن عاد أحيقار الى بلاط سنحاريب حتّى وضع نادان في الحديد (في السجن), وتنتهي الرواية بإسماع نادان سلسلة مطوّلة من ألأقوال المأثورة مِثلُ :
“إي بُنيّ ، قد كُنتَ مثل الرجل الذي رأى صاحبه يرتعش من البرد ، فأخذَ جرُّ ماء وسكبَها عليه “.
”  من يصنع خيرا يلقِ خيرا ، ومن حفر حفرة لأخيه يملأها بقامتِهِ”.
هناك شذرة لقطعة وثيقة الصلة ب “قصة احيقار” قد تكون جذورها عائدة ، هي ألأخرى، للأدب ألآرامي ألأسبق ، لاتوجد إلا بالسريانية ، وهي عبارة عن منافسة مشابه في ألألغاز:
“كتب ملك البابلين وأرسل الى ملك الفرس قائلا :”فسِّر لي ستّةُ أشياء فتاخذ منِّي جزية ثلاثة سنوات . أمّا اذا لم تجب عليها ، فآخذ منك جزية ثلاث سنوات : 
“ما ألأثقل من الجبل ، والأحر من النار ، وألأَحدّ من  السيف ، وألأحلى من العسل ، وألأدسم من إلية الخروف ، وما ألأكيد بين المخلوقات؟”.
” أمّا إجابة ملك الفرس التي ردَّها لملك البابلين فكانت : ” ألأثقل من الجبل هو الغُش ، وألأحر من النار غضب ألأنسان , وألأحدّ من السيف لسان إمرأة شريرة . وألأحلى من العسل الحليب في حنك الرضيع من ثديّ أُمّه . وألأدسم من إلية الخروف ألأرض والماء اللذان يجعلان كُلّ ما عليها دسما ، وألأكيد بين المخلوقات هو الموت “(1).
أهمية أحيقار الحضاريّة
يمزج خبرُ أحيقار موضوعين أدبيين: عزل رجل حكيم وإعادة الاعتبار إليه. ثم كذب ونكران الجميل من قبل قريب له. فالموضوعان، ولا سيما الأول، معروفان في حضارة عدد من الشعوب. نقرأ عنهما في الأدب البابلوني الذي يعود إلى ما قبل تأليف أحيقار. فالتقاليد الحكميّة التي ورثها القسم الحكميّ في النصّ، هي قديمة جدًا في الشرق الأوسط. فقد نُسبت مجموعة تعاليم إلى وزراء حكماء عملوا لدى ملوك مشهورين، لبناء الشبّان وتربيتهم من أجل الخدمة في البلاط الملكي، وألّفت في مصر قبل بداية الألف الثاني، ولدى السومريين والبابلونيين. إن الخبر والأقوال في أحيقار، قد دوِّنت في عالم حضاريّ، فيه كان الفن الأدبي والمواضيع قديمة جدًأ.(2)
حكمة أحيقار، هي مجموعة تُقارب المئة قول، فيها المَثل والخبر والتعليم، وقد رتّبت بطريقة الصدفة، في أكثر الأحيان. جاء القسم الكبير منها مفتّتًا، وفي أجزاء، بحيث صعُبت قراءتُه وفهمه. أما المواضيع فتتعلّق بالتربية العائليّة، واحترام الملك، والكلام الفطن، والتصرّف المستقيم. وهناك عدد من الأقوال الفرديّة تشبه ما في سفر الامثال (في الكتاب المقدّس) وحكمة الشرق الأدنى القديم. تأثَّر سفر طوبيا (اليهودي) بحكمة أحيقار، ولكن بعد أن هذَّبها وأعطاها المفهوم الحقيقي للحكمة ألأِلهية وخاصة في موضوع “الزواج الحقيقي” وألأسرة والفضائل ومنها إكرام الوالدين وألأمانة لله ووصاياه والمحبة لله والقريب . وما المصائب التي تحدث للأنسان الاّ نتيجة الخطيئة وألأبتعاد عن الله . وعمي طوبيا الجسدي ولكنه يفتح عيون الكثيرين . هكذا كما في حكمة أحيقار فالكثيرين يرون ولكنهم لايبصرون  . (راجع سفر طوبيا  كُتب حوالي 200 قبل الميلاد) 
“رأيتُ أعمى(البصير) أفضل من أعمى القلب (العقل) . فإنَّ أعمى العينين يتعلم سريعا طريقُهُ فيسلكُه وأمّا أعمى القلب فإنَّه يترك الطريق المستقيم ويهيم في الصحراء فيضلُّ”.

من حكمهِ وأقواله الخالدة والمنتشرة في التراث العالمي: 

“إذا ضربتك يا ابني فلن تموت، وإذا تركتك تتبع قلبك فلن تحيا”، “يابني لا تذع كل كلمة ولا تفش كل أمر يخطر لك لأن في كل مكان عيونا وآذانا، فاحفظ لسانك ولا تدعه يدمرك”.”.
“”أحص أقوال فمك، ثم أطلقها نصيحة لأخيك، إن دمار الفم أشد خطرا من دمار الحرب”.

“إذا جابهك مبغضك بالشر فجابهُ أنتَ بالحكمة “
“لاتَغتَم لخير يناله مُبغضُكَ ، ولاتفرح لشرِّ يُصيبُه”
“إذا سمعتَ كلمة سوء فأدفنها في ألأرض عمق سبعة أذرع “.
إذا رأيتَ رجلٌ أسنُّ منك فقف إجلالا له.
“إنَّ عين ألأنسان كنبع ماء ، لاتشبع من المال حتّى تمتلئ تُرابا “.
” إن صاحبك القريب خيرٌ من أخيك البعيد ، والصيتُ الحسن يدوم الى ألأبد وأمّا الجمال فيُبلى ويزولُ”.
“عصفور واحدٌ في يدُكَ خيرٌ من ألف عصفور طائر”.
“لاتخرج كلمة من فمك، قبل أن تستشير قلبك (عقلك)، فإنّه خيرٌ للرجل أن يعثر في قلبه من أن يعثر في لسانه “
“لاتجلب عليكَ لعنة أبيكَ وأُمَّكَ ، وإلاّ فإنّك لن تفرح بنعمة بَنيكَ”.
“لايغرنكّ جمال المرأة ، ولاتشتهيها بقلبكَ، لأنَّ جمال المرأة عِلمها وزينتها حلاوة كلامها”.
“كما تَزهو الشجرة بأغصانها وبثمرها ، وكما يزهو الجبل بغابتهِ، هكذا يزهو الرجل بزوجته وأولاده”.
“إنَّ القطيع الذي يسلك مسالك عديدة يصبح فريسة الذئاب”.

“إنَّ ألأثيم يقع لاينهض ، أمَّا المستقيم فلا يتزعزع ، لأنَّ الله معهُ”.

“لاتُقاوم من كان في أوجِّ قوَّته ولاتُناحر النهر في طُغيانه”.
“خيرٌ لك أن يضرُبُك حكيم من أن يُدهِنك ألجاهل بطيب مُعطّر”. 
“أصفع(العاقل) بكلمة حكيمة فإنّها تكون في قلبه الحمى في الصيف ، وإن صفعتَ الجاهل صفعات كثيرة فإنَّه لايفهم “.
“الكلبُ الذي ترك صاحبهُ وتبعكَ أرمهِ بالحجارة “.

 “إنني ذقت الحنظل، وكان طعمه مرا قاسيا، ولكن لا يوجد أكثر مرارة من الفقر”.
 “ناعم لسان الملك، ولكنه يكسر أنياب الأفعوان، كالموت الذي لا يرى، الملك ذو عطف، ولكن صوته رهيب، فمن يستطيع الوقوف أمامه إلا من كان الله معه”.
“رفعت الرمل وحملتُ الملح فلم أجد أثقل من الدَين”.
 “لا تفش أسرارك لصديقك لأن اسمك لن يبقى محترما لديه”.
 “لا تكن حلوا لئلا يبتلعوك، ولا تكن مرا فيبصقوك”.
“يا بني لا تحسب نفسك حكيما عاقلا، والناس لا يحسبونك كذلك”.
“إذا أردتَّ أن ترفع شأنكَ تواضع ! أمام الله الذي يذُلُّ المتكبّر ويرفع المتواضع”.
” لو كانت المنازل تُبنى بالصوت العالي ، لكان بمقدور الحمار أن يبني منزلين في يوم واحد . ولو كان المحراثُ يُقادُ بالقوَّة وحدها ، لما كان بالأمكان إنزاله من على ظهر الجمل إطلاقا”.
“أحص أقوال فمك، ثم أطلقها نصيحة لأخيك، إن دمار الفم أشد خطرا من دمار الحرب”.
“لا تكن حلوا لئلا يبتلعوك، ولا تكن مرا فيبصقوك”.
“يابنيّ ، إنَّ ألأثيم يسقط ولاينهض والبار لايتزعز لأنَّ الله معهُ”. 

هذا هو التعليم الذي علّمهُ أحيقار لأبن أُخته نادان :
” أمّأ أنا أحيقار ، فقد ظننتُ أنَّ كُلَّ ما علمته لنادان قد لصق بقلبه ، فيخلفني في باب الملك . ولم أدرك بأنَّ نادان لم يصغ الى كلماتي ، بل تركها تعصف الريح بها .
 ويعود نادان ويقول: إنَّ احيقار أبي قد شاخ وهو على حافة قبره وقد أختلت معرفته ، وضئلت حكمتهُ ….
ولمّا سمعتُ أنا أحيقار هذا الكلام ، قُلتُ في نفسي : ويحكَ يا حكمتي ، فقد ضنَّكِ إبني نادان تفاهة ، وأعتبر كلماتي الحكيمة فارغة وأقوالي أستخف بها ….الخ(3).

    
المراجع 

 

(1)كتاب الينابيع السريانية لعالم اللغات القديمة والشرقية “سيباستيان بروك:

(2)حكمة احيقار “للأب بولس الفغالي

http://boulosfeghali.org/boulos/index.php/site/ =3794&Cat=351

 

 

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!