الحوار الهاديء

تأملات في زمن كورنا ” قبلة الموت”

رحمن الفياض.

رحمن الفياض        

تأملات في زمن كورنا.. قبلة الموت

ليس هناك شعب يتفنن ويتقن فن من فنون الحياة أكثر من الشعب العربي الذي بات خبيرا في فن المصافحة والتقبيل، فلا نجد تجمعا او مكانا عاما او خاص في الأسواق وفي الشوراع وفي مجالس العزاء الا وتجد أصوات القبل تصدح في أذنيك، واما المصافحة فأنها من المسلمات التي لا يمكن الأستغناء عنها.

لم يشذ العراقيون عن ذلك.. فصار لكل محافظة طقوسها الخاصة في التقبيل والتحية، فهناك المفرد وهناك المثنى والثلاث والرباع ومابين هز الأكتاف والمصافحة والتقبيل “ضاعت لحانا”.

أعرف صديقا  يخرج من منزلة ليتبضع حاجيات منزلة من الأسواق القريبة منا ، وبعده فترة لا تتجاوز العشرة دقائق حضر احد أخوته ليشتري علبة سكائر، فأذا بهما بسيل من القبل يمنا ويسار مع عناق وحضن دافئ، وانا انظر بلهفة لهذا الحنان بين الأخوة سألتة: هل كان أخوك مسافرا ولم تره من فترة، فضحك ضحكة بلهاء وقال قبل عشرة دقائق تعشينا سوية، فتيقنت أن لاحياة لنا بدون القبل والعناق فنحن شعب يعاني نقص الحنان! 

في احد شوارع العاصمه بغداد أنقطع السير لدقائق، لأن شخصين تركا سيارتهما وسط الشارع وانهالا على بعضهما تقبيلا وعناقا والناس تنتظر الفرج بأنهاء الترنيمة” انت شلونك بعد شلونك” والتي تتكرر مع كل قبلة عشرات المرات! 

في ظل جائحة كورنا أصبحت القبلة قنبلة موقتة، فأنا وضعت قطعا في مكتبي ممنوع المصافحة والتقبيل، ولكني مرغما في كل يوم أصافح وأقبل القادمين كونه قبل مقدمه المبارك يقف مبتسما وتعلوه ضحكة قائلا يسذاجة بلهاء ” ولو هي كورنا بس خلي أبوسك ” وأرضخ صاغرا أمام تلك القبل بل أني لا أجرأ على تعقيم يدي أمامه، فاكون قد أهنته وقد تنالي عقوبة القطيعة في أقل تقدير هذا اذا كان حظي حسن ولم تصلني” الگوامه”! 

بعض الأصدقاء الذين نالهم التعب من مشاكل الحياة، وجدها فرصة للتهكم والهروب من الواجبات الشرعية الزوجية، فهو يضخم اضرار التقبيل في المنزل أمام زوجتة ويذكرها دائما بأن ” كورنا تنقل بالقبل” لغاية في نفس يعقوب فهو يولي الدبر خائف يترقب من واجبه الشرعي، بعد أن انتكس لوائة في ظل كورنا.. 

صحيح أننا شعب أجتماعي له تقاليد وأعراف وطقوس خاصة، لدينا راوبط أجتماعية كبيرة نحب التواصل والتزاور.. لكن في ظل هذه الظروف الطارئة بات لزاما علينا الأبتعاد عن المصافحة والتقبيل، كي نجنب أنفسنا واهلينا شر هذا الوباء، لأن أسهل طريقة لنقله هي الملامسة فلنجرب التباعد عسى أن نقترب من بعضنا أكثر.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!