الحوار الهاديء

السينودس يُقرر والاسقف لا يُنفذ

الكاتب: الدكتور عبدالله مرقس رابي
السينودس يُقرر والاسقف لا ينفذ
 
 
الدكتور عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي     
 
                         في الخبر المنشور بعنوان ” تصريحات مهمة للمطران مارفرنسيس قلابات حول السينودس الكلداني الاخير ” من قبل الاعلامي فوزي دلي ضمن مقابلة أجراها الاعلامي شوقي قونجا في اذاعة صوت الكلدان التي تبث من مدينة ديترويت الامريكية حيث ابرشية مار توما الكلدانية ،وذلك في 13/ 10 / 2015 والمنشورة على موقع مار أدي وعينكاوة ومنكيش .
جاء في الخبر أن سيادته تطرق الى أهم المفاصل الاساسية التي ناقشها الاساقفة الاجلاء .وبعد أن أستمعت الى اللقاء المذكور ، تبين من تصريحات سيادة المطران مار فرنسيس راعي ابرشية مار توما في امريكا ،أن جوا من الاخوة والمحبة والتفاؤل ساد بين السادة الاساقفة المشاركين في السينودس ،ويوحي من ما طرحه أن العديد من المشاكل العالقة والمسائل المهمة تمت معالجتها بالروح الاخوية ، وهذا ما نتمناه جميعا لكنيستنا الكلدانية .
أنما الذي أثار وشدّ أنتباهي كباحث أجتماعي ، ما جاء خلال حديث سيادته عن الابرشيات وتعاونها ،ما أكده بصريح العبارة ” المطران مار ربان القس راعي أبرشية  – العمادية وزاخو متحدة  – لم يقتنع بالرابطة الكلدانية ” . ولم يتضح فيما اذا لم يتعاون فعليا لدعم المهتمين في ترسيخ وتفعيل أهداف الرابطة ،فلوظهر عدم القناعة والتعاون والدعم لها سيؤدي الى مضاعفة الموقف السلبي نحو الرابطة الكلدانية ،وسيكون مؤشرا مهما في أحباط  دورها في الابرشية .
أنطلاقا من القانون رقم 15  بند 3 من مجموعة القوانين الكنسية الخاصة بالمؤمنين وما لهم جميعا من حقوق وواجبات ،والذي ينص : ” ولهم الحق ،بحسب ما يتمتعون به من علم وأختصاص ومكانة ،بل عليهم أحيانا الواجب ، أن يبدو رأيهم لرعاة الكنيسة في الامور المتعلقة بخير الكنيسة ، وان يطلعوا سائر المؤمنين على هذا الراي مع عدم الاخلال بسلامة الايمان والاحترام الواجب للرعاة ومع وضع المصلحة العامة وكرامة الانسان في الاعتبار ” أنطلاقا من هذا القانون سأناقش الموضوع وأطرح رأيي حول الامور التنظيمية ، أما اللاهوتية فليست من أختصاصي .
يوحي من عدم قناعة المطران مار ربان القس بالرابطة الكلدانية  ، أن سيادته لا يُعير أهمية لتأسيس الرابطة ،وأنه غير مُستعد للتعاون مع ذوي الشان في تطويرها ودعمها ضمن الاطار الجغرافي لرعيته.وهذا ما يحصل بحسب معرفتي في بعض الابرشيات والخورنات الاخرى ،وعليه سيكون تحليل الموضوع شاملا وعاما لاية أبرشية أو خورنة لا تتعاون لدعم الرابطة . وساناقش الموضوع من الجانب التنظيمي  في الكنيسة لغرض تبيان الاهمية التنظيمية والقانونية في المؤسسة الكنسية ،مُنطلقا من القوانين التي تخص السلطة في الكنيسة وتنظيمها .
ينص القانون الكنسي رقم 56 على ” البطريرك هو أسقف له السلطان على جميع الاساقفة – بما ذلك المتربوليت – وعلى سائر مؤمني الكنيسة التي يرئسها وفقا للشرع المعتمد من قبل سلطة الكنيسة العليا ” .القانون المذكور واضح في محتواه ، أي لابد للأساقفة أبداء الطاعة والاحترام للبطريرك بتخويل من سلطة الكنيسة العليا وليس له خيار آخر .فما هو موقف الاسقف  أو الكاهن الذي يُخالف ما يقره البطريرك وبالتداول مع الاساقفة جماعيا ؟.
وجاء في قانون 110 البند 1 ” من أختصاص سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية دون سواه سن قوانين  للكنيسة البطريركية بأسرها ،تصبح  نافذة وفقا للقانون 150 البندين 2 و3 ( المتعلقان بالابرشيات الخارجية ) ” .ويؤكد القانون 182 البند 1: من صلاحية اساقفة السينودس ترشيح وانتحاب الكاهن ليكون أسقفا . مما يدل بوضوح أن الاسقف هو جزء من السينودس وليس خارجا عنه .
ووفقا لمعطيات هذين القانونين ،أن ما يتفق عليه ويقره سينودس الاساقفة جماعيا أو بحسب  مبدأ الاكثرية  المعروف  في الفصل بين الاراء والمواقف  ،هي قوانين أو تعليمات تصبح نافذة ،وعليه وجوب على الاساقفة المشاركين في السينودس تنفيذها . ولما كان موضوع الرابطة الكلدانية مُدرج ضمن أعمال السينودس الاخير ،ومن حديث المطران مار فرنسيس تبين مناقشته ، وأن الموضوع قد حُسم بالاكثرية لدعم الرابطة . وطالما الاكثرية متفقون ، فلابد من المعترض أن ينفذ رأي الاغلبية لانه شُرع قانونيا ،مع حقه الاحتفاظ برأيه عن الموضوع .
ومن القانون رقم 178 ” الاسقف الايبارشي ، اي من يُعتمد اليه برعاية الايبارشية باسمه الشخصي ، يحكمها كنائب المسيح ومندوبه ، والسلطان الذي يقوم به شخصيا باسم المسيح تحكمها في نهاية الامر سلطة الكنيسة العليا ،ويمكن أن توضع لها الحدود في سبيل منفعة الكنيسة أو المؤمنين ” . يمكن أن نستشف بوضوح ،بالرغم من السلطة المخولة للأسقف على أبرشيته  باسم المسيح ،ألا أنها ليست سلطة مطلقة ،لان القانون صريح في تتويجه بفقرته الثانية بقول المُشرع : أن سلطته في نهاية الامر تحكمها سلطة الكنيسة العليا ويمكن ان توضع لها حدودا .اي أن كلما رأت السلطة العليا أن سلطة الاسقف قد خرجت عن السياق الذي تُقره  فيجب وضع  حدودا له . فلو لا وجود هذه الفقرة المتممة لنص القانون لسادت الفوضى والاجتهادات الشخصية في الكنيسة وانشطرت على نفسها بعدد الابرشيات.
فأن ، ما أقره السينودس كسلطة أعلى من الاسقف في الكنيسة ، يمكنه أنه يحدد سلطة الاسقف في ابرشيته ويُلزمه أن ينفذ ما توصل اليه ، لان سلطته هي غير مُطلقة ونهائية .وبما يتعلق بالرابطة الكلدانية ، هناك القانون رقم 203 البند 3 الذي يدعم رأينا ،حيث ينص  ” على الاسقف الايبارشي تشجيع جمعيات المؤمنين التي تسعى الى هدف روحي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وذلك اقتضى الامر بانشائها ،أو اعتمادها ،أو الاشادة ،أو التوجيه بها وفقا للقانون ” فيمكن اعتبار الرابطة جمعية من تلك الجمعيات التي تُحقق هدفا روحيا بطريقة غير مباشرة كما يؤكد القانون أعلاه ،والقانون واضح  في أقراره وجوبا على الاسقف تشجيع جمعيات المؤمنين .
فالرابطة الكلدانية  هي جمعية في الكنيسة الكلدانية  تسعى  الى هدف روحي بطريقة غير مباشرة على أقل أحتمال ،لان اهدافها تصب في خدمة المؤمنين وتقوية ارتباطهم ببعضهم وبكنيستهم ،بدليل ماجاء في نظامها الداخلي أنها لاتخرج عن التعاليم الكنسية في أنشطتها وفعالياتها ، وعلى سبيل المثال ، أليس أستنكار الرابطة ببيان من رئاستها على ما اقره مجلس النواب العراقي مؤخرا عن اسلام الابناء تلقائيا عند أسلمة أحد الوالدين ؟ اليس ما جاء في أهداف الرابطة من أحياء التراث الكنسي والاجتماعي من الطقوس والشعائر تُعبر عن السعي لاهداف روحية بطريقة وأخرى ؟ .
وفقا للقوانين الكنسية المذكورة ،يتم عقد اللقاءات السينودسية الدورية للأساقفة ،والاسقف هو جزء منه وهو ملتحم معهم جماعيا ،فوجود السينودس دلالة على وجود قيادة جماعية للمؤسسة الكنسية ،حيث ان السينودس هو الذي يُقرر ويُشرع ، ومن الطبيعي في مثل هكذا  تنظيمات مؤسساتية التي تمنح السلطة لجماعة قيادية في الاقرار والتشريع ،سيكون الاقرار عن طريق التصويت  على المقترح المدون في جدول الاعمال .وقد يحدث الاختلاف في الرؤى والمواقف ،ولانها قيادة جماعية ، لابد أن صوت الاغلبية سيكون هو الحائز وفي ضوئه سيتم الاقرار وتتبعه الاقلية ، وهذا يعني بوضوح ألزام الكل بتطبيق ما أُقر من القوانين والتعليمات في السينودس .وهكذا يتحقق الاستقرار والنظام في المؤسسة، وتقضي على الفوضى والاجتهادات الشخصية .
وما الذي نتوقعه عند رجوع الاسقف الى ابرشيته ويتخلى عن ما أقره المجمع السينودسي الاسقفي ؟
أن التخلي والرفض من قبل الاسقف لقرارات السينودس الجماعية له أبعاده النفسية والاجتماعية والايمانية لدى المؤمنين ،بأعتبار أن أسقفهم هو مثلهم الاعلى روحيا في الابرشية   .فيخلق هذا الموقف الاسقفي حالة من اللاتنظيم في المؤسسة الكنسية ،ويُربك الكنسية من تحقيق أهدافها الروحية ،وكل ذلك يُسبب ردود فعل سلبية لدى المؤمنين ،فيضعف أحترامهم لرجال الدين لعدم مصداقيتهم ، وتزداد ما يُسميه علماء الاجتماع بنميمة المجتمع  والتذمر والاعتراضات المتوالية من قبلهم ، وهكذا يضعف الولاء للكنيسة ، وقد يلجأ العديد منهم الى الكنائس الاخرى ، وهذا ما يحدث فعلا ، لان العصر الذي يعيشه المؤمنون ليس ذلك العصر الذي يؤمن بالفطرة وتقبل كل ما ينطقه الكاهن أو الاسقف بالايحاء اللاشعوري أي بدون التفكير والتحليل لما يستقبل من المعلومات في حياته ، بل يعيشون في عصر المعلومات والخروج من الاطار الجغرافي والاجتماعي والمعرفي الضيق الى عالم الفكر الواسع والنقاش الحر .
وفي مثل هذه المواقف والحالات ، أضع هذه التساؤلات أمام غبطة البطريرك مار ساكو والسادة الاساقفة الاجلاء جميعا :
أذا اتفق المجتمعون في السينودس بالاغلبية على قضية ما ، ويرجع الاسقف ، ويُنفذ مايشاء ويرفض ما يشاء من القرارات  المُتخذة جماعيا ،فما الحاجة الى عقد السينودس الدوري سنويا ؟ وما هي الغاية من المناقشات ؟  وهل يرضى الاسقف اذا رفض أحد من الكهنة في ابرشيته تعليمات ومقررات المجلس الابرشي ؟ .
وماهو موقفه من رأي المؤمنين أذا لم يتفقوا مع ارائه ، أنطلاقا من مبدأ أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين وليست كومة أو بناء من الحجارة ، وتُتلى العبارة في كل المناسبات من على المذبح ، أن الكنيسة هي أنتم اشارة الى المؤمنين ؟ ارى أن لا تُكرر هذه العبارة من قبلهم طالما لا يُعيرون أهمية لما يُفكر به المؤمن ،لكي لا تُفسر ” مجاملة للمؤمنين ” .
وفي مثل هذه الحالة أقترح ،عدم الاهمال والوقوف ضد القرار وأعاقة تنفيذه  ،بل تكليف من ينوب عنه ،أو اي شخص مسؤول في الكنيسة للعمل على تفعيله ومتابعته  ،بذلك سيحافظ على موقفه ويحترم موقف الاكثرية ، ويخفف من الاثار المترتبة عن عدم القناعة والاصرار على الرأي الشخصي .
وأناشد الاباء الاجلاء من السادة الاساقفة والكهنة ،ولو أنهم يدركون ذلك ولكن يغضون النظر عنها ،هناك ظاهرة تطور العقل البشري،وعلى أثره تغيرت المفاهيم والمواقف والتع-اط*ي مع الاحداث والوقائع ،فالمفروض من كل أسقف وكاهن أن يواكب المستجدات والنسق الفكري البشري ،لكي يتمكن من التكيف والانسجام مع المتغيرات ،ومع العمل الجماعي والقيادة الجماعية ،ويستوعب الاختلافات عند المؤمنين وتوجهاتهم .وهذه المتابعة لا يمكن أن تتحقق الا بالتنشئة الكهنوتية ،حيث يتطلب أحتواء المناهج الدراسية في المعاهد الكهنوتية مواد مثل ، فن الادارة ، فن القيادة ،فن التفاوض ،ليتدرب الاكليروسي للعمل الجماعي في مستقبله الكهنوتي .
كما أقترح أن يتلقى كل من الاساقفة الاجلاء الحاليين والكهنة دورات تدريبية في فن القيادة ، ليتواصلوا مع المستجدات الفكرية التي تخص ادارة المؤسسات ،والا سيبقى هؤلاء الاباء في تلكؤ ويتعاطون مع الاخرين وفقا للاجتهادات الشخصية.
تحياتي ومحبتي للجميع..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!