مقالات دينية

المسيحيون أحراراً أزاء الناموس

المسيحيون أحراراً أزاء الناموس

بقلم / وردا إسحاق قلّو

يجب أن نعي تماماً أن المؤمن الآن ليس تحت الناموس بل تحت النعمة ( طالع : يو6:1 . رو 15:6 )

الشعب اليهودي الذي اختاره الله أعطاه الناموس الذي يحتوي على القانون الأخلاقي الوارد في الوصايا العشرة ، ومنه القانون الطقسي الموجود في سفر الأحبار ( اللاويين ) وفي سفر تثنية الأشتراع ، والذي يحتوي على عدة أركان منها ( الختان ، التميز بين الحيوانات الصالحة للطعام ، أنواع التطهير …إلخ ) . الناموس قال عنه الرسول بولس ، بحد ذاته صالح ومقدس ( رو 12:7 ) وكان لليهود بمثابة المؤدب الذي يوجههم إلى المسيح ( غل 24:4 ) ، وهنا لا يقصد بالمؤدب المعلم ، بل العبد الذي يقود الولد إلى المعلم ، والمعلم الوحيد هو المسيح الله . وكان يفترض أيضاً بالناموس أن يهيء الأرواح إلى التحرر الذي ينجزه يسوع وحده . ورغم ذلك أدى الناموس الدور المطلوب منه للكثرين من اليهود وبلّغوا إلى مستوى من الحياة الروحية وعبّروا عن محبتهم لله . لكن الفضل الأكبر كان يعود إلى إيمانهم ، لأن الناموس بوحده غير قادر على أن يجلب التبرئة المنشودة . خطأ اليهود عندما ظَنّوا أن الناموس هو المعلم الكبير ، وتطبيقه سيجلب لهم التحرير. هذا ما يخص العهد القديم  .

أما في العهد الجديد جاء المسيح ليقطع عهداً جديداً ، وما كانت العهود القديمة إلا إشارة له والمسيحيين يدخلون فيه ، لنهم ورثاء أبراهيم بالإيمان . الناموس  لم يعط إلا كحافظ للوعد ، كمعلم يقود إلى المسيح الذي فيه تتحقق هذه الوعود . سقطت مراسيم الناموس مع حفظ تعليمه الأخلاقي الأساسي ، فلم يأتي المسيح ليحل الناموس والأنبياء ، ولكن ليتممهم ( مت 17:5 ) وعلى غرار ما حدث في العهد القديم ، ظهر  الوحي في العهد الجديد تدريجياً ، ونستطيع أن نحدد لظهوره ثلاث مراحل :

 أولاً : إعلان مجيء ملكوت الله الذي أسسه يسوع .

ثانياً : إظهار المنهج الجديد المؤدي إلى الخلاص والذي يتطلب الإقلاع عن الخطيئة والإندماج في المسيح ليصبح الإنسان  إنساناً جديداً في المعمودية ( غل 20:2 ) .

ثالثاً : إظهار يسوع كسيد في حياتنا وإبن الله ، كنور وحياة ، وإظهار الروح القدس ، والصِلة بين الأقانيم الثلاثة في ذات الله .  

الإنسان فداه المسيح بدمه على الصليب ، وعلى الصليب دفع ثمن الخطيئة ، فالمؤمن بالمسيح لم يعد خاضعاً للناموس ، أو بالأحرى لم يعد خاضعاً لأي شريعة . كان الإنسان قبل المسيح محروس تحت الناموس . إذاً كان الناموس يوجه الإنسان إلى المسيح المنتظر لكي يتبرر لاحقاً بالإيمان لا بالناموس . وبعد أن جاء الإيمان لم يعد الإنسان تحت سلطة المؤدب لأنه صار أبن الله بالإيمان بالمسيح يسوع ، يقول الرسول ( فقبل مجيء الإيمان ، كنا تحت حراسة الناموس ، محتجزين إلى أن يعلن الإيمان الذي كان إعلانه منتظراً ، إذاً ، كانت الشريعة  هي مؤدبنا حتى مجىء المسيح ، لكي نُبرر على أساس الإيمان . ولكن بعدما جاء الإيمان تحررنا من سلطة المؤدب ) ” غل 3: 23-25 ” . إذاً عندما يصير الإنسان ابناً لله يعني إنه صار حراً . فلما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة ، مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس ” غل 4:4″ فعلاً هذه الأقوال الصريحة مدهشة ، وأقوال الرسول بولس تُرَكِز فعلاً في بعض مقاطعها على إبطال الطقوس اليهودية إبتداءً من الخِتان . انه تحرير جديد ، بل عهد جديد ، عهد النِعمة والمصالحة بيسوع المسيح الذي حررنا حقاً من جميع الشرائع وحتى من الشريعة الإنجيلية ، وكما يقول القديس توما الأكويني ( من يبتعد عن الشرّ تطبيقاً لتعاليم الرب ليس حراً ، إنما من يبتعد عن الشر لأنه شرّ : ذاك هو حر ) ولكن ، أفلا يصبح الإنسان المسيحي كائناً غير أخلاقي بعد ذلك إذ لم يعد خاضعاً لأية شريعة ؟ بل وفي أحسن الإحتمالات ، أفلا يستسلم لما يوجهه له ضميره الذاتي مُعَرِضاً نفسه للخطر ؟ لقد استدرك بولس هذا الإعتراض وأجاب عليه مرتين على الأقل ( إنظروا الآيات رو15:16 و 1 قور 13:6 ) فهناك شىء آخر غير الناموس يمكن أن ترتكز عليه الأخلاق المسيحية ، وهذا الشيء هو ( المحبة ) والمحبة تحتوي كل شىء . فالأخلاق المسيحية لم تعد مبنية على شريعة مفروضة من الخارج ، بل إنها تستند إلى ( محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا ) ” رو 5:5 ” فروح الله هو الذي يقودنا إلى الله وحسب الآية ( لأن جميع الذين يقتادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ) ” رو 4:8 ” ، لهذا قال الرسول ( إذ ندرك أن الشريعة لا تطبق على من كان باراً ، بل على الأشرار المتمردين … ) ” 1 تيم 9:1″ .

الشريعة التي تحذرنا وتقول ( لا تق*ت*ل ) لا تزال قائمة ، بيد إنها لا تفرض قوانينها إلا على الذين لا يحترمون الحياة بصورة تلقائية ، فهؤلاء يعيشون تحت الناموس ، في حين أن المؤمنين أحراراً حقاً إزاء الناموس ، ويعملون بحسب إرادتهم النابعة من قلب محب كإنسان حر ذو إرادة حرة . وهذا ما قالته القديسة تريزيا الطفل يسوع ( عملت دائماً بحسب إرادتي ) والذي يعيش بالمحبة لا يستطيع أن يعمل الخطأ ضد غيره . القديس أوغسطينس كانت وصيته ( أحبب وأعمل ما تريده ) فتلك الحرية لا تعطي لنا تدريجياً ، فإننا لا نتحرر بيوم واحد ، بل يخشى أن تبقى دائماً تحت الناموس في بعض النقاط ، فلا بد من بذل الجهود تحت رعاية النعمة الإلهية بغية التوصل إلى الهدف ، نبدأ بالأبتعاد عن كل مذهب أخلاقي لا يتماثل بالمبادىء المسيحية . مع إشتراكنا بالسر الطقسي الذي سيتاح لنا خلال أسبوع الآلام والذي سيدفننا مرة أخرى . يموت يسوع ويحقق قيامتنا معه متحررين من كل القيود في صبيحة يوم الفصح

المجد والكرامة لإلهنا الواحد إلى أبد الآبدين

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!