مقالات دينية

القديس سمعان العمودي .. سيرته .. عموده .. كاتدرائيته .. معجزاته

القديس سمعان العمودي .. سيرته .. عموده .. كاتدرائيته .. معجزاته

بقلم / وردا إسحاق قلّو

العمودي سمعان

ولد الناسك السوري سمعان في عام 389م في قرية صيص أو سيسان على حدود سوريا وكليكيا ( قرب أضنة التركية حالياً ) . أخذ عن والديه رعاية المواشي على مثال الرجال العظام ( يعقوب أبي الآباء ويوسف الصديق وموسى المشترع وداود الملك وميخا النبي ) ومال منذ صباه إلى الحياة النسكية . تكلم السريانية ، لغة وطنه سوريا وهي لهجة من اللغة الآرامية ، لغة السيد المسيح . وألم باليونانية لغة البلاد الرسمية عندما دخل إلى الدير . لم يتلقّ أية ثقافة أو علوم . سمع مرةً عظة الجبل للرب يسوع المتعلقة بالتطويبات فتأثر بالتطويبة ( طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يدعون ) فتاقت نفسه إلى رعاية النفوس بدل رعاية الأغنام . فسأل أحد الحاضرين ما العمل لنيل كل ما جاء ذكره ، فأشار عليه بالحياة النسكية وبيّن له ما في الفلسفة من سمّو . أسرع إلى ضريح الشهداء القريب وارتمى على ركبتيه وجبهته على الأرض سائلاً ذاك الذي يريد أن كل الناس يخلصون أن يدلني على الطريق التي تؤدي بي حتى النهاية إلى التقوى ، أخذه النعاس فشاهد حلم نبويّ فرأى هذه الرؤية ، فوصفها قائلاً : ( كنت أحسب نفسي أنني أحفر أساساً وأن واحداً واقفاً إلى جانبي يقول لي أن أُعَمِق الحفرة ، فتابعت الحفر كما أمرني ، ثم حاولت من جديد أن أرتاح ، لكنه هذه المرة أيضاً أمرني أن أحفر بلا هوادة دون أن أرتاح من تعبي . وبعد أن كرر أمره ثلاث أو أربع مرات ، قال لي أخيراً أن العمق كافٍ . ثم أمرني حينئذ أن آخذ في البناء دون تعب ، لأن التعب كله قد زال فيقوم البناء بلا عناء ) . والوقائع سوف تشهد بصحة هذه النبؤة ، لأنه بعد ذلك قد حدثت أمور تفوق الطبيعة .
فالتحق في دير قريته لمدة سنتين ، ثم قضى عشر سنوات في دير شهير بالقداسة والفلسفة وهو دير برج السبع القريب من دير تلعدا في السفح الجنوبي لجبل الشيخ بركات . ثم انتقل عام 412م إلى الدير الشمالي الغربي في قرية تيلانيسوس الواقعة إلى الشمال من جبل الشخ بركات وظل فيه ثلاث سنوات واصل فيها نسكه وتقشفه القاسي ، فبينما كان رفاقه يتناولون الطعام مرةً كل ثلاثة أيام ، كان هو يقضي الأسبوع بكامله دون أكل ، فكان الرؤساء يرون في ذلك غير محتمل ويعارضونه دوماً وينعتون أفعاله التي يمارسها خارج النظام النسكي ، ولم يتمنكنوا من إقناعه ببراهينهم للحدّ من ح*ما*سته ، فطرد من الدير لكي لا يتأثر الرهبان بأسلوبه القاسي الذي لا يتفق مع نظام الدير فقصد أعلى التلة المجاورة وربط نفسه في البدء بسلسلة ، فنبههُ أسقف إنطاكية لكي يتحلّى بقوة الإرادة ، فإبتكر لنفسه طريقة الوقوف على العمود . في البدء وقف على عمود إرتفاعه متران فقط وأخيراً إلى 16 متراً . إزدادت شهرته فكان يأتوه الحجاج والزوار من بلاد فارس وأرمينيا وجنوب الجزيرة العربية وجورجيا وتراسيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا والجزر البريطانية ومن مختلف البلدان . ومن الثابت تاريخياً أن القديسة جنفياف شفيعة باريس كانت ترسل له تحياتها مع التجار القادمين إلى سوريا ، فكان يطلب منهم إبلاغها أن تصلّي لأجله .
كان سمعان إبن المجتمع الآرامي وتلميذ المدرسة الأنطاكية رأى بإمكانه تقليد موسى وإيليا والرب يسوع في صومهم أربعين يوماً ، ونجح في ذلك ، بل مضى على ذلك ثمان وعشرون سنة وهو يقضي الأربعين يوماً دون أكل. طلب مرةً من باسّوس العجيب أن يوصد بابه بالطين ، فحاول باسّوس إقناعه فنبهه من خطورة هذا الصيام وحرضه على أن لا يحسب الإنتحار هذا فضيلة ، لأن الإنتحار هو الج#ريم*ة الأولى والعظمى . أجابه سمعان: ( إذا كان الأمر هكذا ، فإترك لي جانباً عشر خبزات وجرّة ماء ، فإذا رأيت أن جسدي بحاجة إلأى تغذية ، أتناول منها ) . فوضع له ما يلزم وأوصد الباب بالطين . عاد رجل الله باسّوس ونزع الطين عن الباب فوجد الخبزات والماء على حالها ، أما سمعان فكان خائر القوى لا يتنفس ولا يتكلم وغير قادر على الحركة ، فأحضر باسّوس أسفنجة بلل بها فمه فصار يتلمظ ثم ناوله شكلي الأسرار الإلهية ، فتقوى بغقتبالها ثم أنتصب واقفاً وأخذ شيئاً من الطعام ، من الخس البريّ والهندباء والخضار وصار يمضغها بلقمات صغيرةٍ ومن ثم يبلعها . استحق مديح البطريرك الإنطاكي ( ملاتيوس ) الذي زاره أيضاً . ونصحه بألا يميت جسده فالكنيسة لا تعلّم بالقضاء على الجسد ، بل بوجوب العناية به روحياً وترويضه حتى ينسجم مع الروح ويتقدس كلاهما .
كان سمعان رائداً لطريقة النسك على العمود وقد تبعه وقلدهُ الكثيرون في العالم . جاء من بعده و بنفس الأسم ( سمعان العمودي) في الجبل العجائبي ، ولد سنة ( 517 ) يقع مكان تنسكه وعموده على بعد 24كم إلى الغرب من إنطاكيا شابهَ السمعان الأول بحياته وأعاجيبه وشهرته ، وكان اسم والدته القديسة مرتا ( 551م) . توفي عام 592م .
ومن بين النساك العموديين سيدة قلّدَت الرجال على عمود ، إسمها مريم في بلاد البنط جنوب البحر الأسود في القرن الحادي عشر ، وكان آخر ناسك عمودي في النصف الأول من القرن التاسع عشر في جورجيا ( مارتن . كما لا ننسى دانيال ( 409-493 م ) عمودي البوسفور الذي كان صديق الأمبراطور زينون وهو الذي كان وراء نقل رفات القديس سمعان إلى القسطنطينية وبناء الكنيسة العظيمة المصلّية حول عموده .

عمود القديس سمعان

كان القديس رائداً لطريق النسك العمودي ، كان سمعان يقيم فوق العمود لا يبارجه صيفاً وشتاءً ، يقتات بما قلّ من الغذاء ويعظ قاصديه محققاً آمالهم التي يطالبون بها بإيمان . وكان من العار أن يغادر الناسك عموده قبل وفاته ما لم يؤمر بذلك من قبل رؤسائه ، وتذكر المصادر السريانية أن القديس أمضى 37 سنة على عموده حتى وفاته بينما تذكر المصادر اليونانية بقاءه 42 سنة على عموده .
كان القديس سمعان عمودياً وأفقياً في الوقت نفسه . عمودياً بين الأرض والسماء واسطة خير بين الله والبشر ، وكان أفقياً إزدادت وإمتدت شعبيته مع الجماهير مع مرور الزمن . كان عموده في البدء بإرتفاع مترين ، ثم زاد الأرتفاع إلى 6م و10 م و16م بزيادة إتساع رقعة الجماهير من أنحاء العالم والمتحشدة حول العمود للإستماع إلى عظاته والإستفادة مادياً وروحياً من عجائبه الباهرة .
يصعد العمودي على العمود لكي يقابل الذي نزل هو أولاً لملاقاته ، يتوق لأن يصبح إلهاً بنعمة الله . يحب الآلوهة ، لأنه يحبّ ذاك الذي يمنحها ويعتبرها هبة . يسم العمودي فوق الأشياء بشكلٍ واضحٍ وسريّ بآنٍ واحد ، خارجياً بحسب الشكل وداخلياً بحب الجوهر . يرتفع دون أن يترفع . ليست الكبرياء هدفه ، لكنه يملك سيادةً على المحيطين الخارجي والداخلي ، والذي يتجاوزه بكدّ وصبرٍ متقطع النظير ، ينتصب واقفاً بقلب منحنٍ ، جسده وذهنه يبقيان منتصبين ، أما قلبه فيركع . ينحني لأجل كل الخليقة ، التي يراها ببصره المادي ويدركها ببصيرته الروحية . خارجياً تراه يترفع عن المنظورات ، وداخلياً عن غير المنظورات . يتيقظ ويحترس ويميّز ما في أعماق نفسه ، دون أن يستخفّ بمن هم دونه .
من على العمود كان يوَزّع المواهب العظيمة ، كنعمة الإرشاد ، حيث كان يرشد الشعب مرتين في النهار فيغدق على سامعيه فيضاً غزيراً من الكلام العذب ومقدماً لهم علم الروح الإلهي ، طاباً منهم أن يرتقوا إلى السماء ويتغربوا عن الأرض ويتمثلوا الملكوت المنتظر ويخشوا وعيد الجهنم ويحتقروا ما هو أرضي ، ويتوقعوا الخيرات الأبدية .
كان العمود لكل ناسك عمودي صليب المسيح الذي به صلب أهواءه وأصبح مشاركاً في قيامة السيد . ذاك مثل الخروف ، وأنت مثل ضحية ٍ ، ذاك بالصليب وأنت على العمود ، يا سمعان ، يكتب ناظم التسابيح في إستيخونات صلاة الغروب . أصبح العمود أيضاً السلم والعربة التي صعد بها البار كإيليا آخر غلى السماء العلوية ، مثل شريكٍ للملائكة ومختار الرب ، وأصبح العمود منبراً عرف بواسطته جموع من أقوام كثيرة .
لا يرتاح العمودي على عموده ، إنما يصبح واحداً معه ، متحولاً هو ذاته إلى عمود نورٍ أبدي يرشد ويقود التائهين في صحراء الأهواء إلى الطريق المؤدية إلى الخلاص .
قلاية العمودي تصبح قلبه المتضرع واليقظ دوماً ، وسواء همس أو صرخ ، فإن صلاته مستمرة ومقبولة لدى الله . الوقت لديه لا يمر سدىً ، فهو إما يرتل أو يقرأ الكتاب المقدس . الدموع مدرارة ، تنهمر باستمرار ، سواء كانت دموع التوبة أو دموع الخشوع أو دموع الحزن البهي .
كان العمودي سمعان يوعظ للناس من فوق العمود فيسمع كل الجمهور المحتشد ، ومن هنا ولدت فكرة بناء المآذن في الجوامع الإسلامية . فأول مأذنة تم تشيدها في الجامع الأموي في دمشق بعد تحويل كنيسة مار يوحنا المعمدان إلى جامع ، والخليفة الوليد أنزل الناسك من صومعته العالية كما يعلمنا إبن عساكر وبناء مئذنة للآذان في جامعه الجديد .
كتب عن القديس سمعان هذه الأسطر
صرت للصبر عموداً ، وللآ باء القدماء ضارعت مبارياً لأيوب بالآلام وليوسف بالتجارب ولسيرة عادمي الأجساد وأنت بالجسد .
فيا أبانا سمعان توسل إلى المسيح الإله ، أن يخلص نفوسنا .
للأمور العلوية التمستَ طلباً ، وأنت مع الأرضيين منتظم ، إذ صيّرتَ العمود مركبة نارية ، وبه صوت للملائكة مناجياً أيها البار .
فلا تكلفّ عن الشفاعة معهم إلى المسيح الإله من أجلنا كافة ً .

وصف العمود

كان العمود بقطر 1.10 م ، وكانت في نهاية القسم العلوي منه قاعدة خشبية تمتد مسافة 0.50 م خارج العمود من كل جهة منه ليصبح القطر 2.10 م يحيط بها درابون بإرتفاع المتر تقريباً تتيح بمساحتها للقديس إمكانية الحركة والتمدد والنوم أعلى العمود . وكانت مزوّدة بدورة مياه تتصل عن طريق أنبوب شاقولي من الفخار بالجورة الفنية القريبة من قاعدة العمود وإلى الغرب منه ، أي أن الناحية الصحية للناسك العمودي كانت مؤمنة . كما كان هناك غطاء يحمي القديس من الشمس والمطر والثلوج . وتبيّن الذخائر ( الأولوجي ) التي كان الحجاج يحتفظون بها تذكاراً لزيارتهم ، وهي عبارة عن قطع من الفخار أو الزجاج بقطر 3سم رسم عليها صورة القديس فوق عموده وإلى القرب منه سُلم يستند على العمود لتأمين وصول صاحب الحاجة إلى القديس. كما هناك لوحات أخرى تبين وجود السلم الطويل والذي يعتقد أنّ جزءاً منه كان ثابتاً بينما جزؤه العلوي متحرك ، يمكن إزاحته لتأمين راحة وخصوصية الناسك العمودي .
لم يبقى من العمود سوى قطعة بإرتفاع مترين فقط . لماذا؟
يجيب المؤرخ ( علي أبو بكر الهروي ) المدفون عام ( 1207) م جنوب حلب ، والذي خلف لنا كتاب ( الإشارات إلأى معرفة الزيارات ) الذي حققته الباحثة الفرنسية ( جانين سورديل طومين ) يتحدث في كتابه ويقول ( غرب حلب دير سمعان فيه آثار عمارة لا يمكن أن يكون في الآفاق مثلها ، وفي وسط الدير قطعة عمود ينفع للحمّى إذا أخذ من حكاكة الحجر على إسم المريض ويُنذر له شىء فإنه نافع مجرِّب ) يفهم شهادة علي الهروي أن دير سمعان في نهاية القرن الثاني عشر وبداية الثالث عشر كان ديراً عظيماً يقصده الحجاج ويق*ت*لعون ( يكسرون ) قطعاً من العمود ويتناولون حكاكتها للشفاء من أمراض مختلفة منها داء الحمّى . ولا يهمنا هنا إذ كان المؤمنون يشفون بسيكولوجياً مع أيمانهم أم لا ، وإنما المهم أن ندرك لمذا لم يبق من العمود وهو بطول 16م سوى المترين الباقية ؟ لقد أكلهُ المؤمنون على مرّ العصور كدواء .

كنيسة قلعة القديس سمعان العمودي في موقع عموده

 

كنيسة سمغان الصليب
قيل عن هذه الكنيسة ( لؤلؤة سورية الوسطى على صعيد الآثار ) وإمتياز بنائها يعود إلى القديس دانيال العمودي تلميذ مار سمعان الذي طالب ببناء كنيسة كبيرة تخليداً للقديس من الإمبراطور زينون ، فبدأ تحقيقه في البناء عام 476 وأنجز عام 490 . تقع إلى الغرب من مدينة حلب ب60 كم .
إن روعة مخطط كنيسة القديس سمعان العمودي المنشأ على شكل صليب مؤلف من أربعة أجنحة متعامدة في ما بينها ، ما عدا الجناح الشرقي الحاوي على الحنية الذي كان يميل مع الحنية 6 درجات منحرفاً نحو الشمال ، ارتبطت الأجنحة ببعضها بواسطة شكل مثمن قطره 28م أحاط بالعمود الذي انتصب في مركزه ، وكان يعلو المثمن قبة خشبية ، وكان كل جناح مؤلفاً من بهو أوسط وبهوين جانبيين يفصل بينهما أعمدة ذات تيجان كورنثية على شكل كنائس الباليك ، ويغطي كل بهو جملون مثلثي مع وجود سقف مائل فوق البهوين الجانبيين .
تصميم الكنيسة كان يجمع بأجنحته الأربعة وسقفه الهرمي المثمن الأوسط نوعي البناء المتميّزين : الكنيسة ذات الثلاثة التي تفصل بينها الأعمدة والمثمن الأوسط المعروف في كنائس الشهادة .
أراد المعماري الذي بنى كنيسة سمعان العمودي بعد أخذ رفاته ودفنه في إنطاكية ثم في القسطنطينية ، أن يبني حول العمود قبة كنيسة الشهادة ويؤمن عن طريق الأجنحة المصلّية إطاراً حولها لطواف الحجاج ، وقد إضطرالمعماري الى وضع المدخل من الجهة الجنوبية بسبب طبيعة الأرض المنحدرة جهة الغرب .

بقايا قلعة مار سمعان في سوريا

قلعة سمعان

كاتدرائية مار سمعان العمودي في القسطنطينية

تم بناء الكنيسة لمدة 15 سنة وذلك بين ( 476-491م ) في القسطنطينية برعاية الأمبراطور زينون وجَنَّدَ لذلك الإختصاصيون والعمال من كل مكان لإنجاز أعظم كنيسة في العالم المسيحي بطول مئة متر من الشرق إلى الغرب و88م من الشمال إلى الجنوب وعرض كل من الأجنحة الأربعة 24م ويتألف كل جناح من بازليك ذات ثلاثة أبهاء يفصل بينها أعمدة .أما مساحة الكنيسة المصلّية ( 4500متر مربع ) . في عام 1991 تم الإحتفال بمرور 1500 سنة على إنشاءها وتوّجَ الإحتفال بحج 5000 مؤمن من حلب والمدن السورية زاروا فيه كنيسة مار سمعان في 7/9/1991 وسبحوا الخالق واستمتعوا بجمال هذا التراث البديع الذي خلفهُ أجدادنا للإنسانية جمعاء .
بقيت كنيسة مار سمعان العمودي أعظم كنيسة بنيت قبل كنيسة ( أجيّا صوفيّا ) في القسطنطينية التي بناها الأمبراطور جوستيان عام ( 537م) ولم يبنَ أضخم منها في أوربا سوى في كنائس الفن الغوطي في القرن الثاني عشر من أمثال كنيسة شارتر ونوتردام في فرنسا .
تم تحويل موقع كنيسة سمعان إلى قلعة دفاعية في القرن العاشر وذلك بإضافة سور و13 برجاً دفاعياً لذلك أطلق عليه تسمية ( قلعة سمعان ) .

عجائب ونبؤات وشهرة القديس سمعان

ظهر الشيطان على سمعان في سحابة قاتمة ومفزعة عندما كان يصلي وضربه على عينيه فأفقد بصره . حزن رئيس الدير عليه وأراد أن يحضر له طبيباً ، لكنه إستأذن منه وذهب إلى القبور ليصلي أربعين يوماً . أشرق نور حوله فأسترد سمعان بصره وعاد إلى الديرمعافياً .
يروي ثيودوريتوس أن المسيح كان يجري عجائب كثيرة على يد القديس سمعان . ويذكر العديد من المعجزات التي إجرحها ، منها شفاؤه لرجل ٍ مفلوج بعد أن طلب إليه أن يجحد كفر آبائه وأن يؤمن بالثالوث الأقدس ، والذي شفي بمجرد إعلائه إيمانه . وروايةً أخرى عن أميرة الإسماعيليين التي كانت عاقراً ، أرسلت بعضاً من أرفع الموظفين لديها لتلتمس من سمعان أن تصبح أماً . وعندما استجيب طلبها ، أنجبت بحسب مشتهاها ، حملت الملك الذي ولدته ، فأسرعت به إلى الشيخ الإلهي سمعان . ولما كان الدخول إليه محظراً على النساء ، أرسلت إليه المولود الجديد قائلةً : ( هذه هي ثمرة صلواتك وتضرعاتك ) .
أقبل إليه أميراً فسأله المساعدة لرجل أصيب بالفالج أحضروه إليه ، فأوعز سمعان لأن يرفض كفر آبائه ، فلبى الطلب بخشوع كامل . حينئذ سأله سمعان ، وقال ( هل تؤمن بالآب والإبن الوحيد والروح القدس ؟ ) فأجابه أنه يؤمن بذلك . فقال له رجل الله ( نظراً إلأى إيمانك بهذه الأسماء الإلهية ، قم ناهضاً ) ولما إنتصب واقفاً ، أوعز الأمير بأن يحمله على كتفيه إلى الخيمة ، وكان هذا طويل القامة فحمله فوراً وسار به . وبقي الحاضرون منذهلين وهم يلهجون بتسبيح الله . وهكذا كان يسوع يعمل المعجزات في سمعان .
ذاع صيته بسرعة فأخذ الكل يقبلون إليه منهم المرضى لينعموا باشفاء والعواقر ليرزقهن الله اولاداً ، وبعضعهم يأتونه بمخلعيهم ، وغيرهم ليمدّهم بالنصح والإرشاد لحلّ مشاكلهم المستعصية فكان الوافدين يأتون إليه من كل صوب يتدفقون إليه كالنهر , كالإسماعيليين القادمين اليه بالجملة ، مثتان أو ثلاث مئة معاً وأحياناً حتى الألف ، فكانوا ينبذون ضلال أبائهم بصراخ قويّ ويحطمون تجاه هذا المشعل العظيم الأصنام التي كانوا يعبدونها ، فآمنوا وأشتركوا في الأسرار الإلهية ويتقبلون الوصايا من فم سمعان المقدس قائلين الوداع لعادات آبائنا . كذلك الفرس والأرمن والحميريون والأيبيريين وغيرهم . كما وصلت شهرته إلى بلدان الغرب ، إلى إسبانيا وفرنسا وبريطانيا ، ويذكر المؤرخ ثيوذوريتوس أنّ القديس كان مكرماً جداً في إيطاليا إذ كانت توضع له أيقونة صغيرة في مداخل الحوانيت في روما للحماية والشفاعة . وما يزال سمعان حتى اليوم يجري الأشفية من الأمراض على أنواعها ويأتي بالمعجزات كما في حياته ، مظهراً بذلك ما للأفعال الإلهية من مقدرة مستمرة .
أما عن نبؤاته : رؤى ثيوذوريتوس أنه سمع من القديس سمعان من التنؤات الكثيرة منها عن القحط الذي لحق بالمنطقة وكان قد أخبر عنه قبل سنتين وأيضاً نبؤته عن ضربة الجراد ، كما تنبأ بهجوم الفرس والشيشانيين على المملكة الرومانية ولكنه بدموعٍ غزيرةٍ وتضرعات إلى الله بلا إنقطاع أوقف حدوث هذه الكارثة . ولا عجب أن يكتسب القديس هذه الموهبة التي هي ثمرة من ثمار الروح القدس وعيش حياة السكينة ، يقول القديس نيكيتاس أنّ ( التقدم في الحياة السكينة ترفع الإنسان إلى مرتبة الأنبياء في كنيسة الله ) والنبؤة بحسب آباء البرية تعني معرفة مشيئة الله أولاً والتنبؤ بأمور مستقبلية ثانياً . تنبأ قبل سنتين بحدوث وباء ومجاعة ، وحصلت في الوقت المحدد ، كما تنبأ عن ضربة الجراد ، فقال : إنها سوف لا تحدث أضراراً جسيمة لأن عطف الله يرافق تلك الضربة ، ومن ثم فبعد مضي ثلاثين يوماً فقط أقبلت سحابة عظيمة من الجراد حجبت أشعة الشمس وظللت البلاد . لم تحدث ضرراً فعلاً إلا بعلف الحيوانات . كما أعلم شخصاً بأن عدوه سيزول عن الوجود بعد خمسة عشر يوماً ، وقد تبينت في الواقع صدق نبؤته .
إزدادت شهرته وتوسعت إلى أن وصلت إلى بلاط العاهل الفارسي ، فقد روى السفراء المعتمدون لديه ، أنه كان يجدّ في الإستعلام عن نمط حياة هذا الرجل ، وعن طبيعة معجزاته . ويقال أنّ زوجته طلبت زيتاً مباركاً من القديس سمعان ، وإنها إقتبلته كهدية فاخرة .
كان سمعان رجل صلاة ، فقد كان يقضي ليله ونهاره واقفاً ويقوم بسجدات متواصلة . يذكر ثيوذوريتوس أنه أحد الأيام أخذ يحصى عدد السجدات التي يصنعها سمعان أثناء صلاته ، بدأ حتى بلغ 1244 مطانية فضجر وتوقف عن العد . أما في الإحتفالات الكبرى ، فكان سمعان يجعل من نفسه قدوةً في الصلاة .

وفاته

يذكر أن القديس سمعان أختلى يوم الجمعة على حسب عادته ، وقضى الجمعة والسبت والأحد في إبتهال إلى الله ، ولم يفهم حينها بمباركة الشعب كعادته ، وعندما صعد تلميذه ليعرف السبب رأى وجهه يسطع كالشمس وكان قد فارق الحياة ، فأثبت بموته أنه كان بالحقيقة إنساناً لجميع الذين لم يكونوا يصدقوا ذلك ، وأكد أنطونيوس أنّ جسده وثيابه كانت تفوح برائحة العطر ، ثم قان أنطونيوس بإعلام أسقف إنطاكية ( مرتيريوس ) الذي حضر مع ستةٍ من الأساقفة والحاكم العسكري للمنطقة على رأس حامية من 600 جندي ليمنعوا القرى المجاورة من سرقة الجثمان الذي وضع على مذبح الرخام لأربعة أيام ، وكان جسد القديس طرياً منبسطاً كما لو أنه مات مؤخراً . نقل في تابوت على عربة إلى إنطاكية وسط جموع وبخور .
لم يترك لنا القديس كتابات أو مقالات لاهوتية كونه كان أمياً ولكنه أعطى موهبة الإرشاد الروحي . كان يعظ مرتين كلّ يوم ويرفع القلوب إلى السماء بعظاته ، وكان يعطي الفرصة ليجيب عليها ، كما كان يصالح المتخاصمين ، يحكم بالعدل ، ويصدر أحكاماً مستقيمةً وعادلة
ظل القديس سمعان على العمود لمدة 37 سنة . حصل الرقاد يوم 26 تموز عام 459 وصل جثمانه إلى إنطاكية يوم 31 تموز ومن ثمّ إلى القسطنطينية . ويقع عيده في الأول من أيلول ، وهو تاريخ نقل رفاته إلى القسطنطينية . القديس هو شفيع مدينة حلب . كنائس وأديرة كثيرة شيدت بإسمه ومنها كنيسة مار سمعان العمودي في وندزر – كندا لطائفة الروم الملكية الكاثوليكية ، راعيها الأب جيرار أبو صعب .

كنيسة مار سمعان العمودي في وندزر – كندا

كنيسة مار سمعان

على العمود ، كان سمعان مصلوباً للعالم والعالم مصلوباً لهُ
على العمود ، صلب سمعان ” الجسد مع الأهواء والشهوات ” .
على العمود كان سمعان ” يحمل في الجسد باستمرار إماتة يسوع ” .
على العمود ، كان المسيح المصلوب يحيا في جسد سمعان المائت عن الخطيئة ، والحيّ ” بروح الذي أقام يسوع من بين الأموات ”
ختاماً نكتب الترنيمة التي تؤكد التفسير الرمزي للعمود الذي ارتفع عليه البار سمعان:
” أيها الأب البار ، إنك بمماثلتك لسيدك بقوة الروح الإلهي قد ارتفعت على عمود كأنك على صليب . أما ذاك فمحا الصك المكتوب على الجميع وأما أنت فكسرت حدّة الآلام ، ذاك نظير حملٍ وأنت شبه ضحية . ذاك على الصليب وأنت على العمود .
يا سمعان البار تشفع في خلاص نفوسنا .

المصادر

1-كتاب ( ندوة القديس مار سمعان العمودي ) إعداد راهبات دير سيدة البشارة
2-كتاب ( تاريخ أصفياء الله ) لصيودوريتوس أسقف قورش

 

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!