مقالات دينية

العنصرة وعمل الروح في الكنيسة

العنصرة وعمل الروح في الكنيسة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

العنصرة وعمل الروح في الكنيسة

        ( … من لم يكن فيه روح المسيح فما هو من خاصته ) ” رو 9:8 “

أولاً يجب أن نعلم أن الله الآب والإبن واحد . كلامهم واحد . وعملهم واحد موحد وهو عمل الروح القدس أيضاً . لأن الله واحد موحد في كيان واحد . والروح القدس الذي سيرسله في يوم العنصرة لا يخرج من الآب فحسب ، بل من الإبن أيضاً لأنه ينبثق من كليهما لأنهما واحد . لهذا يقول الرب يسوع ( أنا والآب واحد ) ” يو 30:10 ” أي الآب مقيم في الإبن . ويسوع أكد هذه الحقيقة بقوله ( صدقوني إني في الآب ، والآب فيّ ) وهذا التعبير هو تأكيد للوحدة بين الآب والإبن . وهّم يسوع هو أن يتمجد الآب فيه . وهو سيرتفع إلى الآب ، والآب أيضاً متجه نحو الأبن . إذاً هناك حركة دائمية ، فالآب يكشف ذاته في الإبن ، وبالعكس . لهذا قال يسوع ( من رآني ، فقد رأى الآب ) ” يو 9:14 ” فتوارى الآب عن أنظار البشر هو ليظهر في الإبن . قال يسوع أسأل الآب لكي يرسل لكم المعزي ليقيم معكم إلى الأبد ( طالع يو 16:14 )  . وهذا الطلب هو تعبير عن تواري الإبن ليظهر عمل الآب . والإبن يرد كل ما أعطي له إلى الآب . نعم الآب هو المصدر ، لكنه يتجه إلى الإبن في كل حين . فيعطي للتلاميذ المعزي . إذاً هناك معزًّ آخر ، أي هناك معزيّاً أول ، وبعد ذلك يصير هناك معزًّ آخر . فمن هو المعزي الأول ؟

   المعزي الأول كان الرب يسوع الذي أتى من عند الآب معزياً للبشرية ، وعلمهم طري الملكوت والخلاص . أما المعزّي الثاني فسيأتي إلى العالم بعد صعود يسوع إلى عرشه السماوي ، إنه الروح القدس المعزّي ( الفارقليط ) .

   المعزي الأول أقام بين البشر في الجسد المرئي المنظور . أما المعزي الثاني فيقيم فيهم بالروح الذي لا يرى ، وسيحل محل الإبن في الكنيسة المنظورة . ، وسيشير دائماً إلى الإبن ، ويشهد له الإبن بإعتبارهِ الكلمة . إذاً الروح القدس الهابط على التلاميذ لا يلغي وجود الإبن ، بل يجد له حاضراً وفاعلاً إلى الأبد . وهكذا يتمم قول الرب يسوع لتلاميذه . قال ( هئنذا معكم كل الأيام ، وإلى منتهى الدهر ) ” مت 20:28 ” إذاً كما حل يسوع في أحشاء مريم يوم البشارة بقوة الروح القدس ، هكذا يحل ويولد أيضاً وبتلك القوّة ذاتها في قلوب المؤمنين بكلمة الله المتجسد فينا . فيتحول المؤمن إلى خليقةٍ جديدة لأن روح الله يسكنه ( طالع 1 قور 19:6 ” فيرفع الروح المؤمن الذي يسكنه في كل لحظة ويزوده بالفضائل والنِعَم ، إنها صرخة نبوية ، لأن يسوع الذي آمن به يطبع في قلبه ثقتهِ النبوية بروح القدس فيصبح الإنسان مستعد لتقديم ذاته من أجل المسيح ، لأن الروح يشدد الإيمان ويقويه .

   ليس الروح القدس يكون مع تلاميذ المسيح فقط ، بل الإبن أيضاً ، لكن بطريقةٍ مختلفة لكي يبقوا يتامى . رحل إلى السماء أمام أعينهم ليجلس على يمين الآب . لكنه سيعود إليهم بروحه القدوس . لهذا قال : بعد قليل ، لا يراني العالم . أما أنتم ، فتروني . أعطيت فرصة للعالم لكي يروا يسوع بالجسد فقط . أما الذين آمنوا به فيستطيعوا أن يروه بالروح . بل سيكون حياً بينهم بالروح إلى الأبد . فكما يقيم الآب في الإبن ، والإبن في الآب ، أعطي للتلاميذ أن يقيم يسوع فيهم . وأن يقيموا هم فيهِ إبتداءً من يوم العنصرة . ففي ذلك اليوم نزل الروح القدس على الكنيسة ، أنه روح الحياة ، والنبع المتدفق ماءً حياً للحياة الأبدية ( طالع يو 14:4 . و يو 7: 37-39 ) . تكلم مجمع الفاتيكان الثاني عن حضور الروح الفاعل في التاريخ ، تاريخ العالم وتاريخ الكنيسة . ويرى أنه يقود مجرى الزمن ويجدد وجه الأرض . ويراه في أسرار الكنيسة كمن يسكن فيها ، ويحيي الكنيسة ، ويقدسها . ويسير بها إلى إكتمالها الميعادي في إنتظار مجىء المسيح . والروح القدس هو الدافع إلى كل إكتشاف وتجدد في الكنيسة . يحفظ لها بقوة كلمات الإنجيل شبابها ، ويجددها باستمرار .

   عطية الروح القدس للكنيسة هي ميزة العهد الجديد ، فزمن الكنيسة هو زمن الروح القدس ، تولد من فيض حنانه ، وتحيا بتأثيره الدائم . وهذا الروح يعمل في العالم ، ويشفع المؤمنين بأناة لا تنضب . ويدفع المؤمنين إلى الصلاة والتقوة .

    قال الرب يسوع لتلاميذه (  من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها أنا ، يعملها هو أيضاً ، ويعمل أفضل منها ) فعلى أي عملٍ تكلم ؟ تكلم عن عمل الله الذي يشير إلى سكنى الله في التلاميذ ! ما كان بإمكان التلاميذ أن يعملوا أفضل منها لو لم يشأ الرب الإله أن يقيم فيهم . فيسوع كان يشير إلى أعمال الله ، لأن الاب هو الذي يعملها ، بإعتبار الآب هو ساكناً فيهم . هكذا بات تلاميذ المسيح عبر الأجيال أن يعملوا أعمال الله ، لأن يسوع بات مقيماً فيهم  بروحه القدوس .

   وهكذا نقول : بعد الإيمان والعماد يحل الروح القدس في الإنسان ليولد بالروح ويصبح إبن الله فيصبح كل شىء له واضحاً ومكشوفاً ، وذلك لأنه عملياً سيعيش تحت أنوار الروح القدس فلا يبقى هناك مجال للظلمة أبداً لأن الظلمة لم تدركه ! . كل شىء سيكون في النور واضحاً في المؤمن . الرب يسوع إذاً يعطي لمن يتقبل روحه القدوس لكي يكون شريكاً في عمله ، وكلامهِ ، والكلمة الإلهية ستغيّرهُ لكي يصبح واحد مع الثالوث الأقدس في الطبيعةِ والجوهر . نطلب ونقول للروح المعزي : أيها الروح القدوس ، روح الحق الحاضر في كل مكان ، واهب الحياة ، هلم وإسكن فينا وطهرنا من كل دنس وخلص نفوسنا ، وجدد وجه الأرض كلها .

التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!