مقالات دينية

الحياة الجديدة في الدهر الآتي ( الجزء الثاني )

الحياة الجديدة في الدهر الآتي ( الجزء الثاني )

بقلم / وردا إسحاق قلّو

بعد تناول الموضوع في جزئه الأول وكما في الرابط التالي ننتقل إلى الجزء الثاني 

 الحياة الجديدة في الدهر الآتي ( الجزء الأول ) 

     جاء يسوع إلى الأرض في ملء الزمان ( غل 4:4) وبَشَرَ بالملكوت ، فبدأت الأزمنة الأخيرة . وبقيامته من بين الأموات بدأ الدهرالآتي ، فالذين يؤمنون به ويعتمدون باسمه القدوس يشتركون في الخلاص الذي إقتناه لنا ، فالدهر الآتي الذي ننتظره قد بدأ لنا ، بل نعيشه لأنه حاضر في أسرار الكنيسة وحياتها . إنه زمن الكنيسة ، ولكن هذا الزمن يبقى مشدوداً إلى نهايته ، حسب قول مار بولس ( لأننا نِلنا الخلاص ، ولكن في الرجاء ، فإذا شوهد ما يرجى بطل الرجاء ، وكيف يرجو المرء ما يشاهده ؟ ولكن إذا كنا نرجو ما لا نشاهده فبالصبر ننتظره . ) ” رو 8: 24-25 ” . ولتحديد النهاية نقول : دينونة الله لمن آمن قد تحققت على الصليب بموت إبنه . فساعة موت يسوع على الصليب هي في آن معاً ساعة دينونة العالم . ( فمن آمن به لا يدان ، ومن لم يؤمن به دينَ منذ الآن … ) ” يو 18:3 ” .  كتب عن تلك الساعة يوحنا في إنجيله وقال ( اليوم دينونة هذا العالم . اليوم يطرد سيد هذا العالم إلى الخارج . وأنا إذا رفعت من الأرض ، جذبتُ إليّ الناس أجمعين )  ” 12: 31-33 ” وستمتد تلك الدينونة بعد موته إلى أن تبلغ ذروتها في يوم القيامة حيث ستزول هيئة هذا العالم ( ا قور 31:7) فمجيئه الثاني سيكون عقاب الغير المؤمنين ، وتكون نهاية الأزمنة ( رؤ 12:20 ) .

    بعد قيامة أجساد الموتى يلاقي جميع المؤمنين الرب ، والأحياء أيضاً بعد أن تتحول أجساد الجميع إلى أجساد غير قابلة للفساد ( للمزيد طالع 1 قور 15: 51-53 ) بعد ذلك سيحلون في موطنهم السماوي كما تقول الآية ( أما نحن فموطننا في السموات ومنها ننتظر مجيء المخلص يسوع المسيح الذي يبدِّل جسدنا الحقير فيجعله على صورة جسده المجيد بما له من قدرة يخضع بها كل شىء ) ” في 3: 20-21 ” . سيتم التحول في عالم غير محسوس يتخطى عالم الزمن والمادة ، والذي لا يمكن لعقلنا المادي الخاضع للزمن المحدود أن يدركه إدراكاً واضحاً وكاملاً لذلك يلجأ بولس الرسول إلى أسلوب التشابيه والتصاوير لكي يعبر لنا عن مصير أجسادنا ( طالع 1 قور 15: 35-44 ) .

   أن الروح الساكن فينا هو العربون الذي نستند إليه لنشترك في قيامة المسيح بعد الموت ، وإشتراكنا معه يتم على مرحلتين ، على هذه الأرض عندما نعبر من باب الموت إلى الحياة الجديدة عند العماد ، فننتقل من الموت إلى الحياة في هذا العالم عندما نولد ولادة جديدة .

وفي اليوم القيامة ستشمل الرجاء لجسدنا نفسه . في إنجيل يوحنا نلتمس هذه الحقيقة بوضوح ، يقول الرب ( الحق الحق أقول لكم : إنها تأتي الساعة ، وما هي ذي حاضرة ” تلك هي المرحلة الأولى على هذه الأرض “ التي يسمع فيها الأموات صوت ابن الله ، والذين يسمعون يحيون ” ) وهنا يعني الأموات بالخطيئة ، وإن كانوا أحياء على الأرض . ثم يضيف مشيراً إلى المرحلة الثانية بقوله ( إنها تأتي الساعة التي يسمع فيها جميع من في القبور صوته فيخرجون منها ، فالذين عملوا الصالحات ينهضون للحياة ، والذين عملوا السيئات ينهضون للدينونة ) ” يو 5: 25-29 ” . فالحياة الأبدية إذن تبدأ من هذا الدهر ، ونعيشها ، ونرجوها للدهر الآتي ، هي الحياة مع المسيح ، ومن خلاله مع الله ، تلك العلاقة الحميمة التي يريدها الله إنشاءها مع الإنسان في الكنيسة مع كل ما فيها من أسرار مقدسة وطقوس ليتورجية . فمع الله هو مستقبل الإنسان حتى على هذه الأرض لأن ( به نحيا ونتحرك ونوجد ) ” أع 28:17 ” فدعوة بعض الأيديولوجيات العلمانية كالماركسية الملحدة إلى بناء مستقبل للإنسان بعيداً عن الله فما كان إلا تجديد قول الشيطان للإنسان عندما قال لحواء ( أن أكلتما من شجرة معرفة الخير والشر تصيران كآلهة ) كذلك تصميم الإلحاد لن يصل إلا إلى كشف عري الإنسان وعجزه عن بلوغ المعرفة والسعادة خارجاً عن الله . فبعد الفشل عادت روسيا إلى أحضان الكنيسة لتعترف بخطاياها ، وهكذا يجب أن يفعل الغرب الملحد الذي ترك الإيمان . وأن رسالة الكنيسة تظهر للبشر بما صنع الله لخلاص الإنسان العريان ، شرط أن يعترف بضعفه وأخطائه كما فعلت روسيا .

   أما عن رجاء المسيحي في الدهر الآتي بعد الموت فهو الحياة مع الله ( ثم نرفع معهم في السحاب ، نحن ألأحياء الباقين ، لملاقاة الرب في الفضاء ، فنكون كل حين مع الرب ) ” 1 تس 17:4″ . وفي سفر الرؤيا نقرأ ( هوذا مسكن الله مع الناس ، سيسكن معهم ، ويكونون له شعباً ، وهو الله معهم يكون إلههم ) وهذه هي أعظم مكافأة للإنسان ، وهذا هو فرح الحضور الدائم مع الله واللقاء به والتمتع بمشاهدته ، إنه مبدأ كيان الإنسان وغاية وجوده . هذه هي أقصى السعادة الأبدية في الدهر الآتي . فالموت لنا ربح لأننا لا نتلاشى بالموت ، بل سنلتقي بسببه مع الله في حياة أزلية . سنصير على مثال الله ، ونعرفه كما يعرفنا ، ونتحد به بوحدة كاملة ، لهذا يقول الرسول يوحنا ( أيها الأحباء ، نحن منذ الآن أبناء الله ، وما كشف لنا بعد عما نصير إليه . نحن نعلم أننا نصبح عند هذا الكشف أشباهه لِأنّا نراه كما هو ) ” 1 يو 2:3 “ . وكذلك سنشترك في مجده ( طالع يو 17: 1-5 ) وهذا يعاكس فكرة من يقولون ( المجد لله وحده ) .

    تعجز عقولنا أن تدرك ما سنناله . سينال الإنسان ما لا نستطيع وصفه وكما قال الرسول بولس ( .. أعد الله للذين يحبونه كل ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر )  ” 1قور 9:2 ” .

   في الفردوس السماوي سيزول كل شقاء عرفناه ، وهناك يجد الحزانى التعزية ، ويشبع الجياع ( مت 5:5-6 )  ولا نوح بعد الموت ، ولا نحيب ،  ولا حرج . لأن الأوضاع الأولى قد مضت ( رؤ 4:21 ) كما هناك في الدهر الآتي المطهر . نقرأ في سفر الرؤيا عندما يتكلم عن الشهداء الذين دخلوا الحياة الأبدية ، فيقول ( بعد أن غسلوا حللهم وبيضوها بدم الحمل ) ” رؤ 14:7 ” فالمقصود هنا هو تطهير كيانهم قبل الإشتراك في حياة الله تطهيراً كلياً ، لان لا شيء نجس يشترك في الحياة مع الله . فالمطهر هو تهيئة للدخول في فرح الحب الأبدي . لا يجوز الدخول إلى العرس بملابس رثة . والرسول بولس أيضاً يتحدث عن تلك التنقية فيقول ( من أحترق عمله فسيخسر ، أما هو فسيخلص ، ولكن كمن يمر في النار ) ” 1 قور 15:3 ” علماً بأن بولس لم يقصد هنا نار المطهر بل مجرد تشبيه يريد منه التعبير عن صعوبة خلاص الإنسان .

   الفترة الممتدة بين الموت والحياة للمؤمن الآن ، هي فترة تنقية وتحرير وشفاء من الخطيئة . فلا مطهر بعد قيامة المسيح ، لأن المسيح حينذاك سيحرر الجميع ، فصلوات الأحياء والقرابين التي تقدم للراقدين وأسرار الكنيسة المقدسة تشارك المسيح بعمله الخلاصي . نيران المطهر ليست للجزاء ولا عذابات للإنتقام ، بل غاية المطهر هي لبلوغ النضوج ، ولتنقية من كل الشوائب التي تلوث صفاء الروح .

  وفي الدهر الآتي يوجد الجهنم الذي فيه سيسكن الأشرار الذين رفضوا الله ونكروا تعاليم ابنه ووصاياه فعاشوا في الشر والأثم والخطيئة ، ورفضوا الله وكل عمل صالح ، فأعمال الإنسان الشريرة تقوده إلى الهلاك والعذاب . هُم بإرادتهم رفضوا عمل الخير والمحبة وأختاروا طريق الشر الذي يصل إلى الهلاك الذي لا نهاية له . يعتقد البعض بأن نار الجهنم ستنطفي في نهاية الأزمنة ، والشر سيزول ، وسيخلص كل الناس ويعودون إلى حالة النعمة مستندين حجتهم لقول الرسول بولس ( سيخضع الله للإبن كل شىء ، وحينئذ يخضع الإبن نفسه للذي أخضع له كل شيء ليكون لله كلاًّ في الكل ) ” 1 قور 15: 27-28 ” وأول من نادى بهذه النظرية كان أوريجانوس إلا أنه على فكرة ( إعادة كل شيء إلى الله في نهاية الأزمنة ) كما كان يعتقد بأمور أخرى حرمتها المجامع المسكونية ، كالوجود السابق للأنفس وغيرها ، والنقاش سيبقى مفتوحاً أمام اللاهوتيين حول خلاص الخطاة في نهاية الأزمنة وتلاشي نار جهنم ، هما من الأمور التي يمكن أن نرجوها من محبة الله اللامتناهية ، وكما يقول اللاهوتي المعاصر ( أوليقيه كليمان ) إنه أمر يجب أن يكون موضوع صلاتنا ومحبتنا العاملة ورجائنا . فموضوع جهنم ليس موضوعاً إيمانياً . فما هو موضوع إيماننا إذاً ؟ هو أن محبة الله أقوى من كل شرّ ، وحياة الله أقوى من الموت . ليتبارك أسم الله القدوس إلى الأبد

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!