مقالات دينية

التجسد الإلهي في العذراء مريم

التجسد الإلهي في العذراء مريم

بقلم / وردا إسحاق قلّو

 ( أن كل روح يعترف بأن الرب يسوع المسيح قد أتى في الجسد وهو من الله )

 1 يو 4 : 2  . 

في عمق الزمان خطط الله لخلق الكون المتكون من السموات والأرض وكل ما يُرى وما لا يُرى ، فخلق بكلمةٍ منه الأرض ومليارات النجوم والكواكب الشبيهة بأرضنا ، يقول العلماء أن عدد النجوم والكواكب يساوي حبات الرمل على شواطىء البحار . ففي مجرتنا ( درب التبانة ) يوجد مئة مليارنجم , كما يوجد خمسون مليار مجرة أخرى في الفضاء، وكل نجومها تسير بنظام ودقة متناهية لأن الله هو الذي يُسيّر الكون وكل هذا أعده الله لخلق الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله لكي يتسلط على الأرض كلها ” تك  1 : 26 ” .

لقد أعطى الله للإنسان المخلوق حرية الأختيار في عبادته وإطاعة شرائعه وكان يعلم بأنه سيخطأ يوماً فلا يجوز أن يخلقه للهلاك فوضع له خطة لخلاصه . كانت الخُطة أنه مهّد أبنه الوحيد الأزلي لكي ينقذ الجنس البشري الخاطىء ، فكانت فكرة تجسد الأبن من الأمور المهمة قبل الخلق الأبن هو الكلمة والكلمة كان عند الله ” يو 1 : 1 ” .

وبهذا فأن الله قد هيأ جسداً طاهراً نقياً لهذه المهمة وهو جسد العذراء مريم أمنا الذي منه سيلد الكلمة الألهية المتجسد وكما تقول الآية ( أنما خرجت من فم العلي بكراً قبل جميع المخلوقات ) “سير 24 : 5 ” .

   خلق الله السموات والأرض وفي اليوم السادس خلق الإنسان وسقط في الخطيئة وبما أن أجرة الخطيئة هي الموت بسفك الدم ، فقد بدأ العهد القديم بتقديم ذبائح حيوانية من تيوس وكباش وثيران وغيرها وكانت كلها تقدم لله لمغفرة الخطايا لكنها لا تفي بالغرض المطلوب عند الله ولا حتى دم إنسان لكي يكافىء الخطيئة ويصالح الله مع البشر .

إذاً الإنسان لا يستطيع أن يعيد العلاقة بينه وبين خالقه الذي يستطيع دفع الثمن ، لهذا على الله ولمحبته الفائقة للبشر أن يدفع الثمن ، لكن الله روح وليس فيه دم لكي يُقدمه ذبيحة عن البشر لهذا قرر أن يرسل أبنه الوحيد لكي يتجسد من أجل هذا الواجب وبموته يسكب دمه كذبيحة لكي يصبح خاتم كل الذبائح وبه سيتم الصلح وينشق حجاب الهيكل هذا الحاجز الذي يرمز الى غضب الله على الإنسان فبموت الرب سيزيل هذا المانع فتبتسم السماء بوجه البشر حينذاك سيبشر ملاك الرب البشر قائلاً :

 ( المجد لله في العلى ، وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرة ) ” لو 2 : 14 ”    

بدأت فترة النبؤات عن التجسد الألهي أبتداءً من سفر التكوين 3 : 15 ، 

” وأثير عداوة دائمة بينك وبين المرأة وكذلك بين نسليكما هو يسحقرأسك “

أما أبينا يعقوب فتنبأ في بركته الى أبنه يهودا في تك 49 : 12 – 8 ” قائلاً :  “

(( يهودا أياك يحمد أخوتك وتمون يدك على . . .

( لا يزول قضيب من يهودا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب . . . ) .

شيلون هو الرب يسوع المتجسد وكما أكد لنا كاتب سفر العدد 24 : 17 نفس النبؤة قائلاً ( يبرز من يعقوب ويقوم قضيب من أسرائيل ) .

  وهكذا تعاقبت نبؤات ورموز لهذا التجسد فالعليقة المشتعلة التي رآها موسى في جبل حوريب وهي لا تحترق كانت رمزاً ورسماً للعذراء التي ستحبل بالكلمة المتجسد ، هذه الأنسانة المقدسة والمطوبة من جميع الأجيال دون أن تحترق بنار اللاهوت المتجسد الذي يضيء أحشائها ، لم يسمح لموسى أن يقترب من العليقة على الجبل لأنها مقدسة ،

فكم بالحري تكون قدسية العليقة الحقيقية مريم أم الرب وكم يجب على الأنسان أن يحترس عندما يقترب منها بأفكاره وكم يجب أن يقدسها !! ؟

أما حزقال النبي فرأى باب المقدس المتجه للشرق مغلقاً فقال له الرب :

( هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه أنسان لأن الرب اله أسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً ) ” حز 44 : 2 – 1 “.

وهذا الباب كان يرمز الى رحم العذراء التي ستحبل بالكلمة المتجسد .

أما دانيال النبي فحدد لنا زمن الميلاد بقوله :

قد صدر القضاء أن يمضي سبعون أسبوعاً على شعبك وعلى مدينة قدسك ، لأنتهاء من المعصية والقضاء على الخطيئة ، وللتكفير من الأثم ولأشاعة البر الأبدي وختم الرؤيا والنبوءة ولمسح قدوس القدوسين لهذا فأعلم وأفهم أن الحقيقة الممتدة منذ صدور الأمر بأعادة بناء أورشليم الى مجيء المسيح ، سبعة أسابيع ، ثم أثنان وسبعون أسبوعاً ، يبني في غضونها سوق وخليج ، انما تكون أزمنة ضيق ، دا 9 : 25 – 24 . أما أشعياء فقد تنبا عن ميلاد الله المتجسد في 7 : 14 قائلاً :

. ( ها العذراء تحبل وتلد أبناً وتدعو اسمه عمانوئيل)

والمقصود بهذه الآية هو أن هناك معجزة في كلمة العذراء التي ستحبل وهي عذراء وتلد وهي عذراء  .

تنبأ أشعياء بهذه الاية التي يقصد فيها بأن مريم ستبقى عذراء قبل وأثناء وبعد الميلاد لهذا لم يدعيها عذراء بل ( العذراء ) المعرفة بأداة التعريف .

 إذاً الحبل والميلاد تمّ بقوة الروح القدس

أما النبي ميخا فتنبأ بمكان ميلاد الرب قائلاً  :

( أما أنت يا بيت لحم أفراتة ، مع أنك صغيرة بين ألوف قرى يهودا ، الا أن منك يخرج لي من يصبح ملكاً في أسرائيل وأصله منذ القديم ، منذ الأزل ) ” مي 5 : 2 ” .

وهكذا عندما تم الزمان ” غل 4 : 4 ” . جاء ملاك الرب وبشر مريم قائلاً :

 (. . .   ها أنت ستحبلين أبناً وتسميه يسوع)

لأن مريم قد نذرت من قبل والديها للهيكل وتريد أن تلتزم بذلك الوعد وتحتفظ ببتوليتها دون تراجع فوضح لها الملاك بالقول بأن هذا الحبل لا يمس بتوليتك ونذرك بل ستظلين كذلك الى الأبد .

 أما طريقة الحبل فهي من عمل الله وحده لا يدركها عقل أنسان وحسب قول الملاك  :

 ( …   الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك) ” لو 53:1″ .

 وهكذا حل الروح عليها فحبلت بالكلمة الأزلي وأتخذ جسداً من لحمها ودمها لكي يصبح إنساناً ويحل بيننا ، أي سكن لاهوت الرب في أحشائها تسعة أشهر متحداً بالناسوت أذ أتحد

اللاهوت بالناسوت في أحشاء مريم أتحاداً أبدياً بغير أنفصال أو تغيير أو أمتزاج فدعيت أم الإله ، لأنها ولدت الله المتجسد وأنه ليس من زرع بشر بل من قوة الله ، بحلول الروح القدس عليها بقيت عذراء لأنها لم تلد مجرد مخلوق بل إله متجسد والذي حل فيها وهي عذراء وخرج منها وهي عذراء لأنه الله الذي لا يحده مكان وهو القادر على كل شىء ، أي أن ولد منها وتظل بتوليتها مختومة وهذا ما حدث فعلاً   ولادة الرب كانت عجيبة ، لا تدرك وكما يليق بالولادة الإلهية ، كذا يليق بكلمة الله الذي ولد من أب من دون أم أن يولد من أم دون أب ، لتكون ولادته الثانية شهادة على الولادة الأولى  .

 ” 4 : 12 ” : لقد أكد لنا سفر نشيد الأنشاد بتولية العذراء بهذه النبؤة في

( أنت جنة مغلقة يا أختي العروس !! ) ( أنت عين مغلقة وينبوع مختوم ) .

وهكذا خرج الرب من القبر والقبر مختوم ، يا لها من أعاجيب رهيبة لنا من الخالق ،

تمت نبؤة ميخا فولد الرب في بيت لحم وكان في تلك الكورة رعاة بشرهم ملاك الرب قائلاً

( فها أنا أبشركم بفرح عظيم يعم الشعب كله .  فقد ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ) ، هو نفسه أحبنا وأرسل أبنه كفارة عن خطايانا وهكذا صار الكلمة جسداً ليخلصنا بمصالحتنا مع الله . 1 يو 4 : 14 .

لقد صار الكلمة جسداً لكي يكون مثالاً لنا في القداسة فنقتدي به  .

  ( أحملوا نيري عليكم وتعلموا مني) ” مت 29:11″ 

صار الكلمة جسداً لكي يجعلنا شركاء في الطبيعة الالهية ، وهذا هو السبب الذي من أجله صار بشراً لكي يصير الأنسان أبن الله بدخوله في الشركة مع الكلمة وبنيله البنوة الألهية لأن أبن الله صار أنساناً والهاً وعلى قول الملاك زار الرعاة الطفل الألهي وبعدهم ملوك مجوس من المشرق فسجدوا له ، إذاً بشارة الملاك تشمل الرعاة الفقراء والملوك الأغنياء وكل الطبقات الأجتماعية الأخرى تقع بين قوسي الفقير والغني أي أن بشارة ميلاد المخلص هي لجميع البشر لقد سجد له الملوك وهكذا ستسجد له جميع المخلوقات في السماء وما في الأرض فيكون لها الخلاص ولهذا ولد أبن الله العلي وحسب قوله :

( لهذا ولدت أنا ولهذا قد أتيت الى العالم لأشهد للحق ،  كل من هو من الحق يسمع صوتي ) ” يو 18 : 38 ” .

ببركة العذراء التي شاركت الرب في سر التجسد نطلب من الرب المولود أن يكون نوراً للجميع ، وسلامهُ يعم كل الأمم لأنه رئيس السلام  .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!