آراء متنوعة

البابا الإنسان

البابا الإنسان

 

البابا إنسان قبل أن يكون الزعيم الروحي
الوداع الكبير الذي شهده العالم في 26 أبريل 2025 يليق بالراحل الطيب المتواضع دائم الابتسام البابا فرانسيس الذي كان المقربون منه ينادونه جورجيو، وكان “قداسته”، والذي كان يتبادل النكات مع الكهنة، يحب كرة القدم ويتابع أخبار فريقه المفضل نادي سان لورينزو الأرجنتيني. ويغسل جواربه بنفسه، حتى تكون نظيفة في اليوم التالي. ويعشق الطعام والآيس كريم بنكهة القهوة. ويؤكد تعلقه بالموسيقى ورقصة التانغو التي قام بها العشرات من الراقصين والراقصات من أمام المستشفى حيث كان يقيم قبل وفاته.

كان البابا يتفهم المؤمنين الذين كانوا يشعرون بالملل في القداس “يجب أن تكون العظات قصيرة، ثماني دقائق كحد أقصى،” قال ذلك عدة مرات، “وإلا فإن الناس ينامون، وهو على حق.” كثيرا ما كان يعبر عن مواقفه بجرأة في القضايا الأكثر تعقيدا. ما يهمه أن يكون صادقا مع نفسه يتحرك في مساحة واسعة من التلقائية.

في 3 مايو 2022، فاجأ البابا الكثيرين بموقفه من الحرب في أوكرانيا، عندما قال في مقابلة مع صحيفة “كوريري دي لا سيرا” الإيطالية “ربما كان نباح الناتو على باب روسيا هو ما دفع بوتين إلى الرد.” هذا الموقف كان مخالفا للسائد بين صانعي القرار في الولايات المتحدة والغرب الأوروبي، وصادما لمن يحاولون النأي بأنفسهم عن تحليل الصراع وتحديد دوافع العملية العسكرية التي أقرتها موسكو وغامرت بتنفيذها في الداخل الأوكراني.

ومن بين المرات الأخرى التي فاجأ فيها البابا فرانسيس الناس بلغته غير الرسمية بشكل واضح كان في 15 يونيو 2015، عندما تحدث مرة أخرى بعد أيام قليلة من الهجوم الار*ها*بي في باريس على مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة. خلال الرحلة التي أقلته من سريلانكا إلى الفلبين، صرّح البابا “من الشذوذ الق*ت*ل باسم الله،” ولكن من الخطأ أيضا “إهانة الأديان. إذا تفوّه أحد أصدقائي بكلمة سيئة عن والدتي، فسوف أضربه.”

من الأقوال التي انتشرت عالميا تلك التي تمنى فيها البابا أن تكون الكنيسة فقيرة وللفقراء. قال “لهذا السبب اسمي فرانسيس: مثل فرانسيس الأسيزي، رجل الفقر، ورجل السلام. الرجل الذي يحب الخليقة ويحميها.. واليوم علاقتنا مع الخلق ليست جيدة على الإطلاق.” غالبا ما يتم تصوير الأسيزي وهو يرتدي ملابس بنيّة مع حبل حول خصره بثلاث عقد، والتي ترمز إلى الالتزامات الفرنسيسكانية الثلاثة المتمثلة في الفقر والعفة والطاعة. تلك الصفات تجمع بين الحبرين الأعظمين الذين خلدا اسميهما في دواوين المحبة والعطاء وأسفار القيم الإنسانية النبيلة. بصوت عال قال البابا “عندما يتجاهل المجتمع الفقراء، ويضطهدهم، ويجرّمهم، ويجبرهم على الانضمام إلى المافيا، يصبح هذا المجتمع فقيرا إلى حد البؤس.”

بعد أيام قليلة من انتخابه، في 17 مارس 2013، تحدث البابا فرنسيس في أول صلاة تبشير ملائكي له في ساحة القديس بطرس عن رحمة الله.

قال “الله لا يتعب من مغفرته لنا. نحن الذين نتعب من طلب المغفرة منه.” كانت كلماته مليئة بالمحبة ومتوهجة بالسلام الذي طالما رأى أنه لا يكتمل من دون الأخوّة. البابا الراحل كان بابا الحياة والبهجة والبساطة والتلقائية بخصوصية أميركا اللاتينية. كان إنسانا قبل أن يكون الزعيم الروحي لنحو مليار و400 مليون نسمة.

الحبيب الأسود
كاتب تونسي

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!