مقالات

الفلك في ميزان الوحي والعلم: كشف أسرار الكون بين القرآن

لطالما كان الفضاء محور تساؤل وتأمل عبر العصور، حيث تطلع الإنسان إلى السماء ليفهم ماهية الوجود وقوانين الكون. ومع تطور العلم الحديث، ظهرت اكتشافات مذهلة عززت ما ورد في النصوص القرآنية، مما جعل العديد من العلماء يقفون في حالة من الدهشة أمام التطابق العميق بين العلم الحديث والآيات التي نزلت منذ أكثر من 1400 عام. فالقرآن الكريم لم يكن كتاب فلك، لكنه أورد إشارات عميقة تصف الظواهر الكونية بدقة لم تكن معروفة للبشر في زمن نزوله، بل اكتشفت لاحقًا بعد قرون من البحث العلمي.

الكون المتمدد: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” (الذاريات: 47)
من أبرز الاكتشافات الحديثة في علم الفلك نظرية تمدد الكون، التي أكدها عالم الفلك إدوين هابل في القرن العشرين. فقد لاحظ العلماء أن المجرات تبتعد عن بعضها بسرعة متزايدة، مما يدل على أن الكون كان في الماضي أكثر تقاربًا وهو الآن يتمدد باستمرار. هذه الحقيقة العلمية، التي كانت مجهولة للبشر وقت نزول القرآن، نجدها في قوله تعالى: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ”، حيث تشير كلمة “موسعون” بوضوح إلى عملية التمدد التي لم يُكتشف جوهرها إلا بعد ظهور علم الفلك الحديث.

الانفجار الكوني الأول: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا” (الأنبياء: 30)
عند النظر إلى نظرية الانفجار العظيم (Big Bang)، التي تفسر نشأة الكون، نجد أن القرآن الكريم قد أشار إلى هذا الحدث الكوني العظيم بأسلوب بليغ. فالنظرية تفترض أن الكون بدأ من نقطة مفردة ذات كثافة وحرارة هائلتين، ثم انفجرت هذه النقطة، وأخذ الكون في التوسع والتشكل. وهنا نجد التطابق العميق مع الآية التي تقول إن السماوات والأرض كانتا “رتقًا”، أي شيئًا واحدًا متصلًا، ثم “فتقناهما”، أي فصلنا بينهما، وهو ما يتماشى تمامًا مع المفاهيم الحديثة لنشأة الكون.

المدارات الفلكية: “وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” (الأنبياء: 33)
أظهرت الاكتشافات الفلكية أن كل الأجرام السماوية، بما في ذلك الأرض والشمس والمجرات، تتحرك في مدارات دقيقة ومنظمة. فالقرآن الكريم أشار إلى هذه الحقيقة عندما قال: “وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”، حيث استخدم لفظ “يسبحون”، وهو تعبير دقيق يعكس الحركة الديناميكية للأجرام السماوية التي لا تتوقف عن الدوران وفق قوانين دقيقة وضعها الخالق عز وجل. وقد أكدت الأبحاث العلمية أن المدارات ليست مجرد مسارات جامدة، بل هي حركات مستمرة ذات نظام بالغ الدقة، مما يبرز روعة التصميم الكوني الذي أشار إليه القرآن الكريم منذ قرون.

ظلام الفضاء: “وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا” (الحجر: 14-15)
عندما صعد البشر إلى الفضاء لأول مرة، اكتشفوا أن السماء التي نراها زرقاء على الأرض ليست إلا وهماً بصريًا ناتجًا عن تشتت ضوء الشمس في الغلاف الجوي. أما في الفضاء الخارجي، فالأمر مختلف تمامًا، حيث يسود الظلام الدامس رغم وجود الشمس. هذا ما عبر عنه القرآن بدقة مذهلة، إذ أشار إلى أن من يصعد في السماء سيشعر وكأن بصره قد سُكر، أي غُشي عليه، في إشارة واضحة إلى فقدان الرؤية بسبب الظلام الحالك الذي يواجهه الإنسان خارج الغلاف الجوي.

الجاذبية الكونية: “اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا” (الرعد: 2)
الجاذبية هي القوة التي تحفظ الأجرام السماوية في مداراتها وتمنعها من التشتت في الفضاء، وهي التي تجعل الأرض تدور حول الشمس وتحفظ القمر في مداره حول الأرض. في الماضي، لم يكن الإنسان يعرف تفسيرًا علميًا لبقاء السماوات مستقرة، ولكن القرآن أشار إلى أن هناك “عمدًا غير مرئية” تحفظ الكون في توازنه. وعندما اكتشف إسحاق نيوتن قوانين الجاذبية، ثم جاءت نظريات آينشتاين في النسبية العامة، تبين أن هذه القوة غير مرئية بالفعل، لكنها تفرض نظامًا دقيقًا على حركة الأجرام السماوية، مما يجعل الكون في حالة توازن مستمر، تمامًا كما أشارت الآية الكريمة.

النسيج الكوني: “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ” (الذاريات: 7)
من الاكتشافات الحديثة في علم الفلك أن الكون يتخذ شكل “نسيج كوني”، حيث تتوزع المجرات في خيوط ضخمة متشابكة تفصل بينها فراغات هائلة، وهو ما يشبه إلى حد كبير نسيج العنكبوت. المدهش أن القرآن استخدم تعبير “السَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ”، وهو وصف يعكس الصورة الدقيقة التي رسمها علماء الفلك للنظام الكوني، مما يدل على سبق القرآن في الإشارة إلى هذه الحقيقة التي لم تكتشف إلا مؤخرًا عبر التلسكوبات الحديثة.

القرآن والعلم، توافق لا تناقض
إن التأمل في الدلائل الفلكية في القرآن الكريم يفتح أفقًا واسعًا لفهم العلاقة العميقة بين الدين والعلم، فليس هناك تعارض بينهما، بل نجد أن القرآن أشار إلى أسرار الكون بطريقة دقيقة تتماشى مع أحدث الاكتشافات العلمية. ورغم أن القرآن ليس كتاب علوم تجريبية، فإنه قدم إشارات واضحة تحث الإنسان على البحث والتدبر في الكون، مما يجعله مصدر إلهام دائم للعلماء والمفكرين في سعيهم لفهم أسرار هذا الكون العظيم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!