مقالات عامة

جنة عدن بين الحضارة والأيمان .. وموقعها الجغرافي

الكاتب: وردااسحاق
جنة عدن بين الحضارة والأيمان .. وموقعها الجغرافي

 
( أخذ الرب الأله آدم ووضعه في جنة عدن ليفلحها ويعتني بها ) ” تك 8:2 ”
 

 
جنة عدن ذكرها الكتاب المقدس في الأصحاح الثاني من سفر التكوين . أين هو موقعها الجغرافي من خارطة العالم اليوم ؟ لم يذكر الكتاب المقدس موقع هذه الجنة ، لكنه كتب عنها بوجود أربع أنهر عظيمة تجري فيها وذكر أسماء تلك الأنهر . للبحث عن موقع تلك الجنة يجب أن نبحث في ما أتحفتنا به الأكتشافات الآثارية التي تنقب في صفحات التاريخ المدفون تحت الأرض ومنها نكشف أسراراً خفية تتلائم وتتناغم أخبارها لما هو مكتوب في الكتاب المقدس . بما أن موضوع جنة عدن هو من المواضيع التي تحتل الصفحات الأولى من سفر التكوين أذاً علينا أن نبحث عن أقدم المصادر التي تمتلكها أقدم حضارة وهي حضارة سومرلكي نحصل منها على أفضل المعلومات عن جنة عدن ، علماً بأن جنة عدن سبقت حضارة سومر بقرون من السنين . أسم جنة عدن المتداول في ثقافة سومر هو ( أيدنو ) أو ( أدن ) أي عدن ولا علاقة بأسم مدينة عدن اليمنية بهذا الأسم ، علماً بأن اليمنيون يدعون بأن جنة عدن كانت عندهم وكذلك تدعي بلدان كثيرة بأن تلك الجنة كانت في بلدانهم وفيها خلق آدم وحواء . فالأفارقة يدعون بأنها كانت قريبة على خط الأستواء وتحديداً بين كينيا وتنزانيا . والأثيوبيون يقولون بأنها كانت في الحبشة . والهنود الحمر في أميركا الشمالية يقولون بأنها كانت قرب جبال كولورادوا المرتفعة جداً . أما اللبنانيون فيحددون مكانها في بلدة إهدان اللبنانية والتي تطور أسمها من عدن الى إهدان . وهناك من يعتبر بلاد أرمينيا أي جنوب شرق تركيا الحالية ، كان فيها جنة عدن ، لأن نهري دجلة والفرات المذكورين في الكتاب المقدس ينبعان من أرضها . أما سكان ما بين النهرين فيقولون أنها في بلاد سومر في جنوب العراق ومن سلالة أبناء الجنة أنحدر أب الآباء أبرام ( أبراهيم ) وهكذا . علينا الآن أن نبحث في مصارد الدين وأفضل مصدر هو الكتاب المقدس ، سفر التكوين ، مع قراءة تقارير الآثاريين وآخر ما توصلوا اليه من أكتشافات عن موقع جنة عدن ، وهكذا سنصل الى نتيجة تدحض كل تلك التوقعات فنجد جنة عدن في أرض أخرى لا نستطيع أن نرى سطحها اليوم . حسب قرائتنا للأكتشافات الآثارية الجديدة ولما وصل اليه البحث والتنقيب الحديث مع فك شفرات ورموز الكتابات القديمة المكتشفة ، تم الوصول الى الحقيقة المتوارية عن جنة عدن التي ظلت مكتومة عبر آلاف السنين . تم الوصول الى تحديد مكان جنة عدن وحسب المعلومات التي توصل اليها الخبراء المختصين بأنها لا تعدو أن تكون سوى منطقة سهل واسع يسمى اليوم بالخليج العربي والذي يبدأ من مصب شط العرب شمالاَ وحتى مضيق هرمز جنوباً . أي أرض جنة عدن كانت في السهل الذي تغمره مياه الخليج اليوم . كيف غمرت المياه جنة عدن ؟

قبل ذوبان الجبال الجليدية كانت هذه المنطقة من أخصب البقاع على الأرض تسقيها أربع أنهر عظيمة بحسب الأكتشافات الأثرية وهذه الأنهر هي :- 1- نهرالكارون القادم من أراضي بلاد فارس ( أيران ) . 2- نهر البطين الذي كان يجري في الجزيرة ماراً بسهل جنة عدن . 3- نهر دجلة ( حداقل ) . 4- نهر الفرات ( فراتو ) . وهذه الأنهر الأربعة تتطابق مع الأنهر المذكورة في سفر التكوين الذي يذكر بأن تلك الأنهر كانت تسقي جنة عدن وأسمائها حسب الكتاب المقدس هي :- 1- نهر جيحون الذي يحيط بأرض كورش أي بلاد فارس والمقصود به نهر كارون والذي يجري لحد اليوم . 2- نهر فيشون أي نهر البطين . 3- نهر حداقل أو ( دقلث بالآرامية ) الذي هو نهر دجلة الخالد . 4- نهر الفرات أو ( فراتو ) أو ( برات بالآرامية ) . علينا أن نتعرف على معلومات تاريخية عن تكوين سطح الأرض ونقارنها بما هو شكل الأرض اليوم ، فنجد أختلافات كثيرة لأن الكرة الأرضية تعرضت الى تقلبات كثيرة نتيجة عوامل البيئة من الفيضانات والزلازل وزحزحة قارات مما أدى الى تغيير خارطة وجه الأرض فبعد ذوبان الجبال الجليدية حدث أرتفاع كبير في مستوى سطح البحر فحدثت فيضانات عارمة ومدمرة أدت الى أكتساح مساحات كبيرة من السهول المنبسطة لتحولها الى مستنقعات مائية كبير . وكانت تلك السهول يوماً من أخصب المناطق وكانت تأوي ألحجم الأكبر من الكثافات السكانية في تلك الحقبة الزمنية من التاريخ ، ومن الأمثلة على ذلك سهل البحر الأبيض المتوسط حيث أندفعت مياه الأطلسي اليه من مضيق جبل طارق قبل خمسة ملاين سنة . وقبل 7600 سنة أندفعت مياه البحر المتوسط الى سهل البحر الأسود ، حيث كان قبل الطو*فا*ن الكبير يأوي مدن وقرى وفيه حضارة عريقة لكن بعد الطو*فا*ن الكبير الذي أدى الى عبور مياه المحيطات عبر البحر المتوسط مندفعة بقوة هائلة عبر مضيق بوسفور مما أدى الى أنسحاب سكان ذلك السهل الأخضر الى الشرق والغرب والشمال. للمزيد عن موضوع الطو*فا*نات في التاريخ ، طالع مقالنا السابق ( طو*فا*ن نوح بين الأساطير والعلم والأيمان ) . وعلى الرابط : http://mangish.com/forum.php?action=view&id=3227 هكذا حدث أيضاً لأبناء سهل ( يدنة ) أو أدن أو عدن لما حدث فيضان عظيم ولثلاث مراحل أندفعت فيها مياه البحر العربي والمحيط الهندي بقوة عبر مضيق هرمز فغُمِر سهل عدن الأخضر، ويعتقد بأنه حصل في نفس الفترة التي غُمِرَ سهل البحر الأسود . كان سهل يدنة كجنة هذه الأرض فهرب الساكنين فيه الى دلتا فسيوبوتاميا أي ( ما بين النهرين ) فسكنوا في أقرب منطقة من بلادهم والتي هي أرض سومر التي تقع جنوب ما بين النهرين حاملين معهم حنين أرضهم المعطاة وجمال تلك الجنة الخضراء التي فقدوها بسبب ذلك الطو*فا*ن المدمر . وهؤلاء الناجون نقلوا الى الأرض الجديدة أفكارهم وثقافاتهم وخبراتهم في الزراعة والحياة لأنهم كانوا من أقدم الشعوب المنحدرين من الأب الأول آدم . أستعيدت قصتهم في ملحمة كلكامش على نحو أحد يحاكي ما حدث لهؤلاء القوم مع نقل الحدث الى مستويات أخرى من التوظيف الأسطوري والملحمي . أرض الخليج الحالي أي أرض عدن ( يدنة ) كانت أرضاً غير مأهولة وفضاء ممتدا لأكثر من 200 ألف عام حيث استوطنها الانسان القديم . كانت هذه المساحة أرض خضراء تتوفر فيها أنواع عديدة من النباتات وتكثر فيها الحيوانات التي كانت توفر الغذاء الدائم للساكنين عليها . بعد أن عرفنا موقع جنة عدن علينا أن نبحث عن ما هو قريب بين الدين وبين ما نقلته لنا الحضارات القديمة في سومر والتي تعود الى الألف الثالث ق.م نبحث عن ما كان موجود في جنة يدنة وما هو موجود في سفر التكوين . نلاحظ في تلك الجنة وحسب ما وصل الينا من تلك الحضارة كان هناك شجرة والتي يسميها الكتاب المقدس بشجرة الحياة . وأدناه صورة لوحة طينية يظهر فيها رجل ( الذي نسميه آدم ) وأمرأة أي ( حواء ) تتوسطهما شجرة الحياة ذات سبع سعفات والرقم سبعة يرمز الى الكمال . نرى ثمار متدلية من أخصان الشجرة ، كما نجد الأفعى خلف المرأة ، وغاية الحية خلف المرأة هي لأغواء المرأة . أما تفسير اللوحة بحسب الأسطورة فله تفسير آخر .
 
أما عن موضوع خلق الأنسان حسب تفسير تلك الحضارة فنقرأ : موضوع قصة الخلق حسب تلك الحضارة ، هو موضوع سيدة الحياة ( التي ندعوها حواء ) … في التراث السومري حواء ما هي الا سيدة الضلع ( ننتي) …. واسطورتها تقول ، أن الاله أنكي أله الحكمة في أريدو، هو من قام بإرسال ننهارساك الى دلمون ( بحرين حالياً ) وهنالك قامت بزراعة ثمانية من النباتات ، وعندما ذهب أنكي دلمون أكل هذه النباتات الأمر الذي أغضب ننهارساك فصبت عليه جام غضبها وأصابته بعدة أمراض ولأن أنكي هو واحد من الآلهة الرئيسية . أجتمعت الآلهة الأخرى وطلبوا من ننهارساك أن تغفر له خطيئته وبالفعل أوجدت ننهارساك ثمانية معبودات كل واحدة مختصة بشفاء جزء من جسم أنكي ومن بين هذه المعبودات سيدة الضلع التي كانت مختصة بشفاء الاضلع ، و التي أصلحت اضلاع أنكي… وهي حواء ( سيدة او مانحة الحياة ) هي ذاتها الموجودة في التوراة والتي تقابلها (أنها خلقت من ضلع آدم ) . أما عن أهم منطقة في جنة عدن فكانت بحرين الحالية والتي كانت تسمى دلمون ( تلمون ) ، والتي تقع حالياُ كجزيرة في الخليج العربي وتتميز بموقع استراتيجي وكانت تشكل نقطة اتصال بين بلاد الرافدين ومجان التي هي سلطنة عمان الحالية ، وبلاد اليمن والجزيرة العربية بالاضافة الى حوض وادي جرادا في الهند . جاء ذكر دلمون في الكتابات المسمارية القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد و التي وجدت في بلاد الرافدين ودلمون كانت هي أرض الخلود حيث أن النصوص المسمارية القديمة بمراحلها التاريخية المتعاقبة تذكر انها كانت تعج بالنشاط والحيوية ، ففيها بنيت المستوطنات من مدن وقرى كثيرة و فيها المعابد المقدسة كما يوجد فيها مئات الآلاف من المدافن على مختلف الأشكال و الأحجام . وتدل الأواني الفخارية والحجرية والأختام الدائرية واللقى الأثرية الأخرى على تطور نمط الحياة و تقدم الصناعة و التجارة ، وكل هذا يدل أن الحياة والتطور طالا سنين كثيرة في هذه الأرض . لقد لعبت دلمون دور الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي نهر السند ، وأنحاء الجزيرة العربية الأخرى وعمان السومريين هم الذين أطلقوا على دلمون أرض الخلود ، وان اسطورة الطو*فا*ن التي يرد ذكرها كثيرا في حكايات السومرين الدينية وحكايات البابليين ، قد وردت في نصوص اسطورة ( أتو نوبشتم السومري) ، ( زيوسدرا البابلي ) . التي تحدثت كذلك عن الاسباب التي ادت الى حدوث الطو*فا*ن وعن كيفية نجاة بطل القصة ، وعن رحلته الى ارض الخلود دلمون . وقد دلت اللأكتشافات الأثرية في قلعة البحرين على أنها تتشكل من خمس طبقات ، السفلى طبقة سومرية ، والثانية آكادية ، والثالثة تعود الى الأسكندر المقدوني .. الخ ان هذا يدل في الواقع على ما ذهبنا اليه في السابق عن وجود ذلك الاتصال بين حضارات وادي الرافدين المتعاقبة وبين هذه الجزيرة المهمة . في الختام . نقرأ من بعض المصادر آراء تقول أن كتبة يهود عندما كانوا في الأسر في مدينة بابل والقريبين من الملك نبوخذنصر ، منهم دانيال ، حزقيال ، نحميا ، وعزرا ( وخاصة الأخيرين ) هم الذين سرقوا من تراث ميسوبوتيميا الى التراث اليهودي وأسبغوا عليه صبغة دينية تتناغم مع أيمان معتقداتهم اليهودية حيث وأسبغوا عليه صبغة دينية كجنة عدن وقصة الخلق السومرية وقصة الطو*فا*ن وبرج بابل ، فنقول لهم أن مؤلفوا الكتاب المقدس لم يستقوا معلوماتهم بأي طريقة من الحضارات القديمة ، بل كل ما دونوه في كتبهم كان موحى اليهم من السماء ” 2 تي 16:3″ ولا سيما تقاليد ثقافة ما بين النهرين . والفرق بين فترة موسى الذي كتب الشريعة بما فيها سفر التكوين وفترة السبي البابلي وكانوا هؤلاء الأنبياء من ضمن المسبين هي أكثر من الف سنة . من الواضح إننا نرى أموراً مشتركة في سفر التكوين وبعض النصوص السومرية والأكدية والبابلية ، فلا عجب في ذلك لأن شعب الله المختار كان له صلة بمختلف شعوب الشرق . ولكن علم الآثار يدل ايضاً على أن المؤلفين الذين أعادوا النظر في الفصول الأولى من سفر التكوين وأضفوا عليها اللمسات الأخيرة لم يكونوا مجرد مقلدين عميان ، بل أحسنوا إعادة معالجة المصادر المتوفرة بين أيديهم والتفكير فيها بالنسبة الى التقليد الخاص بشعبهم . المقارنة بين نصوص الكتاب المقدس والروايات المتعلقة ببداية العالم ، وأبطال العصور الأولى لا تخلو من الفائدة في نظر قارىء الكتاب المقدس ، نذكر منها الرواية البابلية عن خلق العالم على يد الأله مردوك ، ومغامرات البطل كلكامش والتي تحتوي على رواية بابلية للطو*فا*ن أو الأبراج الشامخة التي شادتها حضارة ما بين النهرين أكراماً لآلهتها وكما كان يفعلون المصريون ببناء أهرامات تخليداً لفراعنتهم . ومن أشهر الأبراج التي بنيت في حضارة ما بين النهرين برج بابل . هكذا نفسر أيمانياً تلك القصص بأطار أيماني فنقول على سبيل المثال عن رواية خلق العالم الذي ترنَّم به صاحب المزامير ( مز 8 و 104 ) ويذكر فيه سفر أيوب الذي يعتبر من أقدم الأسفار ( أي 38) وسفر أشعياء (40 ) . وكذلك وضع آدم في جنة عدن في وضع المسيح ، أي آدم الجديد الذي غير الأنسان العتيق ( طالع رسالة بولس الى رو 5 و 1 قور 15 ) ورواية الطو*فا*ن كخلقة لمآساة نهاية الزمن ( طالع مت 25 ) . اللاهوت اليهودي والمسيحي يقرأون سفر الخلقة الأول ليطلعوا على سر منشأ العالم وعلى معنى مصيره ، ويكتشف المراحل الأولى من العمل الألهي في سبيل البشر ، فسفر التكوين يؤصل حياة الأفراد والأمم في أرادة الله الذي يحب كل البشر. ولألهنا الخالق المجد دائماً بقلم وردا أسحاق عيسى وندزر – كندا المصادر 1- الكتاب المقدس . 2- كتاب طو*فا*ن نوح تأليف العالمان الأمريكيان – وليم ريان و والتر بتمان . 3- نظرية زحزحة القارات حسب العالم فيجنر . 4- تقرير د. بهنام أبو الصوف …

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!