مقالات دينية

معمودية الأطفال … هل يجوز إعادة المعمودية ؟

معمودية الأطفال … هل يجوز إعادة المعمودية ؟

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرسول ( وهناك رب واحِد وإيمان واحد ومعمودية واحِدة ، وإله واحد …) ” أف 5:4″

     المعمودية هي أجمل وأبهى عطية من عطايا الله للإنسان ، تسمى عطية ونعمة وإستنارة  وثوب عدم الفساد وغسل الميلاد الثاني ، وختماً ووسماً لا يمحى ولا ينمحي ولا يعاد لأنه ختم أبدي ، وبالمعمودية نصير أعضاء في جسد المسيح وبها نندمج في الكنيسة المقدسة . كذلك  هي سر الولادة الجديدة من الماء والروح وفي الكلمة . وبالمعمودية يصير المعتمد إبن الله ووارثاً مع المسيح ، فيستطيع أن ينادي الله قائلاً ( أيها الآب ) ” رو 15:8 ” وهذه الولادة الجديدة بالروح والنار تؤلِه الإنسان لأن جسده سيصبح سكنى لروح الله القدوس ، فيولد من فوق ، أي من زرع الله ” 1 يو 9:3 ” والمقصود هنا بزرع الله هو الروح القدس وبه يولد ولادة جديدة بالماء والروح ” يو 13:1 ” . وهذه الولادة لا تتكرر ابداً ، أي لا يجوز تكرار المعمودية مطلقاً ، لأن المتعمد مات في ماء المعمودية وقام مع المسيح ، فلا يجوز أن يموت مرة أخرى ويولد ولادة ثانية ، لهذا قال الرسول بولس (وهناك  رب واحد  إيمان واحد  ومعمودية واحدة وإله واحد . .) ” أف 5:4″ . وهذا ما نقوله في قانون الإيمان . كما لا يجوز أن تعاد الولادة الجسدية فندخل في بطون أمهاتنا لكي نولد من جديد وكما قال نقيوديمس للرب يسوع ( يو 4:3 ) . فالمعمودية أيضاً هي ولادة روحية لا يجوز إعادتها لأنها الولادة الثانية ، وإن أعيدت لأصبح المعمد مولود ولادة ثالثة وهذا لم يرد قط في الكتاب المقدس . فكل من يتعمد للمرة الثانية يقترف جرماً كبيراً لأنه يطلب من الذي يعمده لكي يدعو الروح القدس مرة ثانية للهبوط عليه لكي يولد ولادة ثالثة .

هل يجوز تعميد الأطفال ؟

كل الطوائف في الكنائس الرسولية تعمد اطفالها منذ بداية المسيحية ، لكن بعض الطوائف الغير رسولية تدعي بأن المعمودية هي للكبار فقط بعد أن يؤمنوا أولاً بالمسيح وحسب الآية ( من آمن واعتمد يخلص ومن لم يؤمن يدن ) ” مر 16:16″ . وكذلك توصية الرسول بطرس ( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح ، لغفران خطاياكم ،  فتنالوا موهبة الروح القدس … ) ” أع 38:2 ” .فالرد على هذا نقول : لا يجوز لأحد أن يستشهد بنص من الكتاب المقدس لينسف نصوصاً أخرى تتناول نفس الموضوع ، فمعمودية الأطفال تظهر لنا جلياً من خلال معموديات الرسل لعوائل بأكملها مدونة في العهد الجديد ، بل في بعض المناسبات عمّدَ الرسل جميع الحاضرين بعد أن حل عليهم جميعاً الروح القدس ، ولدينا آيات تثبت معمودية عائلات بكل أفرادها ، وهذه هي المرحلة التي يغفلها الرافضون لمعمودية الأطفال ، فإيمان الطفل مرتبط بإيمان عائلته التي آمنت وتقدمت إلى سر المعمودية بكامل أفرادها كباراً وصغاراً . أي لا يجوز تعميد طفل لعائلة غير مؤمنة . ومعمودية الأطفال ضرورية جداً لأن المولودون بطبيعة بشرية ساقطة وملطخة بالخطيئة الأصلية ، ويحتاجون من ثمّ ، إلى أن يولدوا هم ايضاً ولادة جديدة في المعمودية ، ويعتقوا من سلطان الظلام ، وينتقلوا إلى رحاب حرية أبناء الله ، فالذين يحرمون ولدهم من نعمة المعمودية لكي يصيروا أبناء الله سيتحملون خطيئة كبيرة إذا الطفل وافته المنية قبل أن يولد ثانية من عل ، من الماء والروح  . نقرأ في ” يو 5:3 ” ( إن لم يولد أحد ” وهذه تشمل الكبير والصغير ولا تذكر سناً ما “ من الماء والروح فلا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ، وهذا ما يوضحه الرسول بطرس أيضاً فيقول ( وليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا فتنالوا موهبة الروح القدس ، لأن الموعد هو لكم ” الكبار “ ولبنيكم ” الصغار “ ولكل الذين على بعد ، كل من يدعوه الرب إلهنا ) ” أع 2: 38-39 ” . فالمعمودية هي نعمة للطفل أيضاً لكي ينال الروح القدس فيغسل بالميلاد الثاني من خطيئة الأصلية . وفي التناول الأول يكررالمعتمد منذ طفولته كل ما قاله عنه الأشبين في أثناء معموديته أمام أبناء الكنيسة ، فيكفر بالشيطان وأعماله . في الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية ينال المتناول سر الميرون المقدس ” سر التثبيت “ كسمة أخرى لا تمحى ولا تتكرر أيضاً ، أي هناك ثلاث أسرار لا يجوز أن تتكرر وهي  ( المعمودية والميرون والكهنوت )  ومن ثم بتناول أول قربانة بعد أعترافه بخطاياه أمام كرسي الأعتراف .

هل توجد نصوص عن معمودية الأطفال في العهد الجديد ؟

أجل ، الرسل الأطهار أعتمدت على أيديهم منذ القرن الأول بيوت بأكملها ، بل في بعض المناسبات جميع الحاضرين بعد أن حل عليهم الروح القدس ، وهذه الآيات تثبت معمودية كل أفراد العائلة وهذه المرحلة لا يتطرقون عليها أخوتنا الرافضون لمعمودية الأطفال . كان اليهودي والوثني يتعلم ويؤمن مع كل أفراد أسرته بأسرِها . والآن نذكر خمس عائلات نالت المعمودية بأكملها ، أفرادها كباراً وصغاراً :

1- قائد المئة كرنيليوس وجميع أهل بيته الحاضرين ( أع 10: 44-48 ) .

2- ليديا بائعة الأرجوان من مدينة طياثيرة . نقرأ أن الرب فتح قلبها لتصغي إلى ما يقول بولس ” غير أن المعمودية تصل غلى جميع عائلتها : ” فلما أعتمدت هي وأهل بيتها ( أع 16: 14-15 ) .

3- سجان فيلبي  الذي كان مسؤلاً عن بولس الرسول ورفيقه سيلا : ” سار السجان بهما في تلك الساعة من الليل فغسل جراحهما واعتمد من وقته ، وأعتمد ذووه جميعاً . ” ( أع 16 : 32-33) .

4- آمن بالرب رئيس المجمع كريسبس وأهل بيته جميعاً ، وكان كثير من الكورنثيين يسمعون كلام بولس فيؤمنون ويعتمدون . ( أع 8:18 ) .

5- معمودية بيت استفانوس : قال الرسول بولس ، عمدت كريسبس وغايس ، كذلك باسمي عمدت أيضاً أسرة أستفانوس ( 1 قور 16:1 ) .

كما نذكر معمودية جماعة جمهورية بسبب وعظة بطرس الأولى عندما أنضم في ذلك اليوم ثلاثة ألف نفس ( أع 41:2 ) راجع أيضاً ( أع 8:18 ) ثم ( 8: 14-17 ) ومعمودية الجماهير بفتح الباب رحباً أمام معمودية الأطفال والقاصرين . أما الآيات التي تسند موضوع عماد الأطفال فهي دعوات الرب يسوع له المجد المتكررة أن يدع تلاميذه الأطفال يأتون إليه ولا يمنعوهم لأن لمثل هؤلاء الأطفال ملكوت الله ، والمولود من الجسد هو جسد فقط ( وهذه هي حالة الطفل والمؤمن الراشد غير المعتمد ) في حين أن المولود من الروح هو روح ، بالإضافة إلى كونه جسداً بالميلاد الجسدي ( طالع يو 3: 5-6 ) .

شهادة التاريخ لمعمودية الأطفال

يشهد كتاب ” تعاليم الرسل الأثني عشر “ ( نهاية القرن الأول والقرن الثاني ) على معمودية الأطفال وعلى مسح المعمّدين بالزيت المقدس . ويشهد لنا تاريخ الكنيسة أن المسيحين الأولين عمدوا أطفالهم لا بناءً على ممارسات الرسل والتلاميذ الأولين فحسب ، بل سعياً في تنقية الطفال من الخطيئة الأصلية ، والعماد طهارة ، ولا يجد المرء رفضاً لمعمودية الأطفال ، كما لا توجد آية واحدة تمنع معمودية الأطفال . مورس تعميذ الأطفال منذ العصور التي تلت العصر الرسولي مشهوداً لها كثيراً ، فأوريجانيس كتب لنا : أن الكنيسة تقلدت من الرسل أن تمنح المعمودية للأطفال أيضاً ( في الرسالة إلى الرومانيين 9:5 ) . والقديس إيريناوس قال : أن الأطفال عمدوا شرقاً وغرباً ( راجع مؤلفه ” في مجابهة الهرطقات 2: 33: 2 ) .

كذلك يشهد ترتليانوس ( نحو 155-220 م ) على الظاهرة نفسها . وفي روما كانت معمودية الأطفال مألوفة في القرن الثالث . أما القديس كبريانس القرطاجي فيقول : أن المسيحيون يقولون بضرورة منح المعمودية في اليوم الثامن لولادة الأطفال . وإن معمودية الأطفال كانت نظاماً شائعاً كل من القديسين يوحنا ذهبي الفم ( الموعظة 11ن 17، 28 ) وأمبروسيوس ( في كتابه ” عن إبراهيم : 2، 81 ) في القرن الرابع . أما في القرن الخامس فكتب البابا أنو شنسيوس الأول : ” من الحماقة أن نعلم أن الأطفال يقدرون أن يرثوا الحياة الأبدية بغير المعمودية ) . وهذا ما يطابق قول الرب ( فمن لم يولد من الماء والروح ” المعمودية “ لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ” يو 5:3 ” . وثبت في الغرب رأي القديس كبريانس الذي عبّرَ عنه في أحد المجامع الأقليمية في إمكان تعميد الأطفال بعد ولادتهم مباشرةً ، أما في الشرق فقد ذهب بعضهم في القرن التاسع إلى أنه يحب تعميد الصغار في اليوم الأربعين .

 في الختام نقول : المعمودية واحدة لا تتكرر . وعماد الإنسان يعني صلبه ، وفي هذا المعنى قال الرسول ( ونحن نعلم أن إنساننا القديم قد صلب مع المسيح ) ” رو 6:6 ” وقوله ( دفنا معه بالمعمودية وشاركناه في موته ) ” رو 4:6 ” فإذن المعتمد ثانيةً إنما يعيد الصلب ، وكما أن السيد المسيح له المجد مات على الصليب مرة واحدة ، هكذا نحن متنا بالعماد مرة ، فلا يجوز أن نموت أيضاً ، ونولد روحياً مرة أخرى بالعماد الثاني .

ليتمجد أسم الرب يسوع .

 المصادر

  • الكتاب المقدس
  • التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية
  • الجواب من الكتاب – للأب يعقوب سعادة
  • معمودية المسيح ومعمودية المسيحية – للقمص سيداروس عبدالمسيح

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!