مقالات دينية

الكلمة صار جسداً فرأينا فيه قمة الخليقة

الكاتب: وردا اسحاق

 

الكلمة صار جسداً فرأينا فيه قمة الخليقة

 

بقلم / وردا إسحاق قلّو

 

كان اسمه منذ ولادته ( الله معنا ) فإذا كان الله معنا فيجب أن يكون مثلنا في الصورة الإنسانية ، وبفكر أنساني ، وبشعور إنساني ، بل يجب أن يكون أفضل من البشر في إنسانيته وسيرته وطهارته . ومن ذا الذي جسد هذه الصورة المتعددة الأوجه والصفات كأفضل إنسان في التاريخ غير يسوع ( الله يخلص ) فإذا كان المولود من العذراء هو الله ، فكيف يمكن التوفيق بين الله المتجسد ، والإنسان الذي يعيش مع البشر عندما يتعلق الأمر بشخص يسوع إبن مريم الجليلية ، والذي قال أن الله هو أباه ، ونحن اليوم ندعوه ، معلمنا ، وربنا ، ومخلصنا ، بل كانت شهادة حية عبر العصور عكست صورة وجه يسوع عبر التاريخ ومنذ ولادته بأنه هو ذلك الناصري الذي هو المسيح أبن الله المنتظر .

رُسِمَ المسيح من قبل رسامين كثيرين فهل كانوا ينظرون إلى النموذج الحقيقي في عمق ذاته ؟ مهما يكن من أمر فإن هذه الصّوَر بعيدة كل البعد عن جوهر الإيمان المسيحي في أإلب الأحيان لأن عقل الأنسان المحدود لا يمكن أن يدرك اللامحدود ولو كان منظوراً في الجسد . وهكذا بالنسبة إلى الممثل الذي يمثل دور المسيح ، لأنه لا يستطيع الوصول إلى بعد سر المسيح الذاتي المشترك بين اللاهوت والناسوت ، فهل تدرك أبعاد كل كلمة تقال في يسوع المتجسد ، أي أن تفصح عن جوانب شخصيته وهويته من حيث هو هبة الله ذاته لنا ، وليس مجرد نبي كبلقي الأنبياء . هناك مسالك كثيرة للبلوغ إلى ذلك الهدف كالبعد التاريخي والذاتي والخلاصي ، والبعد الخلاصي هو الأفضل الذي يهم الإنسان في الواقع . ومن خلال هذه الأبعاد يكشف مجد الله في وجه الإله المتجسد ، فالمتجسد يمثل قمة الفعل الخلاق .

ان الوجود السابق ليسوع قبل التجسد يُعَبر عن تساميه على التاريخ ، قال ( … قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن ) ” يو 58:8″ ، فالوجود السابق له يعني أنه لا يأخذ جذور وجوده من التاريخ وحده ، بل أنه يتجاوز التاريخ ، وقد أكد لنا العهد الجديد على هذا الوجود بأشكال شتى ، وعلى سبيل المثال ، أكد بولس أن يسوع هو ( الأبن الحبيب للآب ) وهو صورة الله غير المنظور ، كذلك هو الذي فيه ، وبه ، ومن أجله ( خلق كل شىء ) ” قول 1: 13-20″ . ويوحنا الرسول يتكلم في مدخل أنجيله قائلاً ( في البدء ” أي منذ الأزل “ كان الكلمة ، والكلمة كان مع الله ، وكان الكلمة هو الله ، هو كان في البدء مع الله ….) ” يو 1: 1-18 ” .

لليونانيين حكمة تعتبر الجسد سجن النفس ، فتجسد الإله في جسد كان أمراً صعباً للقبول به . ففي مثل هذه البيئة الفكرية اليونانية كان على المفكرين المسيحيين أن ينشطوا في أيجاد التعابير التي تعكس وحدة يسوع الإنسان مع الله .

ومن الغنوصية انبثقت حركة دينية تعرض الخلاص عن طريق المعرفة والهروب من العالم الفاسد ( كالجسد ) لنيل الخلاص . وهذه الفكرة تضاد الخلاص المسيحي الذي افتتحه الله بمجيئه في الجسد .

قاوم القديس ايريناوس اسقف ( ليون – فرنسا ) أحد الخصوم العنيدين للغنوصية ، فقال : إذا كان المسيح لم يتخذ جسداً حقيقياً ، على حد قوله ، لما نلنا الخلاص ، لأن الخلاص لا يتحقق إلا لما ضمه المسيح إليه . فلقد كتب في بحثه ضد الهرطقة . ( أن كلمة الله صارت ما نحن ، لنصير نحن ما هو ) ” إيريناوس ضد الهراطقة 5 ” .

عن المدخل المزدوج لفهم سر المسيح كإله وإنسان والوحدة بينهما فكانوا في القرن الرابع في الأسكندرية ينظرون إلى سر المسيح انطلاقاً من أصله الإلهي ، بوصفه الكلمة الإلهية ، بالرغم من كون هذا المدخل قميناً بأن يخفف من حقيقة إنسانييته ، بل أن يهملها ( منظور ” الكلمة – الجسد ” ) أما في إنطاكية فكانوا يركزون بالأحرى على إنسانية يسوع ، غير أن هذه النظرية اللاهوتية عن ( الإنسان – الكلمة ) التي تعطي الأولوية لأصالة يسوع الإنسانية ، لم تكن صلبة بما يكفي لتسند إتحاده مع الله وآلوهيته . إن الأشكالية الأساسية لهذين المدخلين هي كيف أن الله تدخل في التاريخ ليقاسم البشرية وضعها الجسداني ، كيف يمكن التأكيد في الوقت عينه على تسامي الله المتعالي عن العالم ، وعلى ولوجه التاريخ بالشكل الذي تم بواسطته الكلمة المتجسدة ؟ لقد عملت الآريوسية على إرغام الكنيسة إلى توضيح مفرداتها لحماية إيمانها المهدد من قبل النزعة العقلانية اليونانية . آباء مجمع نيقية ( 325) واجهوا آريوس بالبرهان عن أن يسوع هذا الإنسان الذي تألم من أجل خلاصنا في عهد بيلاطس البنطي ، هو من كيان الله ذاته . وهذا ما تعنيه عبارة ( المساوي لله في الجوهر ) وبهذا ركز الآباء المجمعيون على سمو الله المطلق إزاء العالم ، مع محافظتهم على فكرة أن هذا السمو لا يتعارض مع الصلة المطلقة لله مع البشر . أي هناك وحدة بين الطبيعتين في شخص يسوع الإبن الأزلي لله ، والإنسان يسوع ما هو إلا شخص واحد الذي هو الأبن الأزلي .

في يسوع الإنسان صار الله إنساناً حقاً ، وفيه اقترب الله واقعياً من البشر . الله صار إنساناً ، ليصير الإنسان إلاهاً بأتحاده مع المتجسد الإله .

( المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرة )  

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!