مقالات دينية

مفهوم الموت و القيامة في المسيحية

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

 

مفهوم الموت و القيامة في المسيحية
نافع البرواري
      الغالبية من الناس يصيبهم الخوف والهلع من الموت وتصبح حياتهم كابوسا وتراهم يعيشون في حالة الذعر والخوف والكآبة, لأنهم لايستطيعون أن يسيطروا على خوفهم هذا ولا أن يفهموه, أما المؤمنين بالمسيح فهم على يقين أنّهم سيهزمون الموت بقيامتهم مرة ثانية لحياة أبدية مع المسيح, وما الموت الا جسرا به يعبرون من الحياة المادية الى الحياة الروحية”1كورنثوس15:20 ” .
     قد يختلف المسيحيون الواحد عن الآخر اختلافا كبيرا, فقد يتمسكون بمعتقدات شديدة التباين حول السياسة وأسلوب الحياة بل وحتى الأفكار اللاهوتية, ولكن هناك عقيدة واحدة, وهي أنّ يسوع المسيح قام من بين الأموات ، انّ القيامة هي عقيدة فريدة  ومحور التاريخ للمسيحية فعليها تُبنى الكنيسة وبدونها لن يكون هناك كنيسة للمسيح, فقيامة يسوع فريدة ومتميّزة وهي لب الأيمان المسيحي, فكل العبادات الأخرى قد يكون لديها نظم أدبية أخلاقية قوية ومفاهيم عن الفردوس, كما أن لها كتُبها المقدسة الخاصة بها, لكن ليس أحد من هذه العقائد تقول انّ الله صار جسدا, ومات بالحقيقة لأجل البشر, وقام من بين الأموات في قوة ومجد ليملك على كنيسته, فقيامة يسوع المسيح من بين الأموات هي مفتاح الأيمان المسيحي والقيامة هي تاج المعجزات ومحور كرازتنا في المسيحية لأنّ القيامة هي رجاء الحياة الأبدية “واذ كان رجائنا في المسيح لا يتعدّى هذه الحياة, فنحن أشقى الناس”1كورنثوس 15:19” .
ويذكر أيوب  قبل مجيء المسيح بمئات السنين وهو يصوّر الفداء الذي سيكون بيسوع المسيح فيقول:
“أعرف أنّ شفيعي حيٌّ وسأقوم آجلا من التراب ، فتلبس هذه الأعضاء جلدي وبجسدي أُعاين الله “أيوب 19:25” ، فما أعظم الأيمان الذي كان لأيوب حتى عرف ان الله لن يتركه وسيفديه ويقيمه من الموت الى الحياة الأبدية. العالم الغير المؤمن بقيامة المسيح  يبحث عن الحي وسط الأموات “لماذا تطلُبنَّ الحي بين الأموات؟”لوقا 24:5”.
ولكننا نحن المؤمنون نبحث عن الحي بين القائمين من الموت, فالذين يبحثون وسط الأموات  فهم أموات روحيا وأدبيا أمّا الذين يبحثون عن الحي فهم احياء لأنّ القوّة التي أعادت يسوع المسيح للحياة اصبحت متاحة لجميع الذين يقبلون يسوع المسيح الحي القائم من الأموات والذي ازاح الحجر الذي كان موضوعا على قبره وهو, أي الحجر, رمز الحاجز الذي كان بين الموت (بسبب الخطية) والحياة الجديدة, وهوأيضا رمز الذي كان يفصل بين ظلمة القبر ونور الحياة, فبالقيامة انفتحت عيوننا لنرى الحياة بمنظار اخر لنفهم كلّ ما يقوله الكتاب المقدس عن مشروع الله الخلاصي لبني البشر بعد أن اختبرنا القيامة (الروحية) من بين الأموات, فمن يؤمن بيسوع المسيح القائم من بين الأموات ويؤمن برسالته الخلاصية فهو قد انتقل (الآن) من الموت الى الحياة الأبدية, لأنّ الحياة تصبح أقوى من الموت, فالقيامة هي التحدي لمفهوم الموت والزوال  بالأنتصار على الموت بقوة الحياة التي يعطيها المسيح للمؤمنين به. ويقول بولس الرسول: (عن الذين يؤمنون بالمسيح والذين لا يؤمنون بالمسيح ).
“فنحن لله رائحة المسيح الذكيّة ُ بين الذين يخلصون َ أو الذين يَهلكون . فهي للذين يَهلكون رائحةُ موت ِتُميتُ, وللذين يَخلصون رائحةُ حياةِ تُحيي“2كورنثوس2:15,16” .
كانت غاية الرسول بولس أن يعرف المسيح  وأن يعرف قوّة قيامته ليتشبه به على رجاء القيامة من بين الأموات”فيلبي 3:10″ فمعرفة الرب يسوع المسيح كقدوة لنا يعطينا قوّة من روحه القدوس لنشارك موته وقيامته ، القيامة هي شهادة تاريخية حية على ان يسوع المسيح حي ويملك على ملكوته وانّه ليس أسطورة أو خرافة, والقيامة تؤكد لنا عن لغز طالما حيّر الأنسان وهو كيف سيكون مصيره مابعد الموت فكان يسوع المسيح البكر القائم من بين الأموات ، فهو يقول أذهبوا وبشروا العالم بهذا الفرح العظيم  فرح قيامتنا نحن ايضا ، تحررنا من حكم الموت ( بسبب الخطية) الى الحياة الجديدة, فرح السعادة الحقيقية, فرح الأتحاد مع الأبن ومشاركته ملكوته الأبدية “متى 28:5,6,7”. فبالقيامة نجد معنى وأهمية لحياتنا حتى وسط الآلام والماسي والأضطهادات ، القيامة هي رجاء الأنسان وهدف الحياة “واذا كان رجاؤنا في المسيح لا يتعدّى هذه الحياة, فنحن اشقى الناس جميعا”1كورنثوس 15:19” .
القيامة هي محور الأيمان المسيحي الذي يختلف عن كُل الديانات بشهادة حيّة هي قيامة المسيح من بين الأموات بدليل القبر الفارغ, فالمسيح قام حقا قام, ونحن اصبحنا أبناء النور ولسنا أبناء الظُلمة ، فقيامة المسيح تعني أنّ البشريّة صار لها رجاء  القيامة الأبدية, فبدون القيامة  يظل تبشيرنا باطل فالقيامة تجيبُ على كافة اسئلة الأنسان الوجودية وهي لماذا خُلقنا والى أين نحن سائرون ، فلولا القيامة ويقين الحياة الأبدية لكان كُلُّ شيء محللِّل للأنسان طالما الموت هو نهاية الطريق وختام كُلّ شيء ، بسبب قيامة المسيح من الأموات غيّر ملكوت السموات تاريخ الأرض, فبالقيامة انهزم الموت لنحيا مع المسيح ، انّ القيامة تظمن أنّ من سيملك في ملكوت الله الأبدي هو المسيح الحي, وليس مجرّد فكرة أو أمل أو حلم, وهذا لانجده في العقائد الأخرى الغير المسيحية,  فنحن المؤمنين بالمسيح المخلّص لنا اليقين بأننا سنُقام من الأموات أيضا ، ولأنّه قام فهو حي ويشفع فينا ، انّ تجسّد  المسيح واخذه صورة بشريّتنا كان ليكمّل ثلاثة مهمّات رئيسية وهي:
1- هزيمة الخطيئة : فهو جاء لينقذنا من نتائج الخطيئة (وهي الموت) التي اصبحت متأصّلة في طبيعة الأنسان منذ أن سقط أبوينا ادم وحواء بعصيانهما الله في الفردوس”والخطيئةُ دخلت في العالم بانسان واحد , وبالخطيئة دخل الموت. وسرى الموتُ الى جميع البشر لأنّهمُ كُلّهم خطئوا”روميا 5:12″ .
فالقضاء على الخطيئة لن يتم الا بالموت الكفاري والتضحية  لفداء الجنس البشري بفدية عظيمة وهكذا قدّم يسوع المسيح نفسه فدية للجميع ولكن المسيح الذي تواضع وأخلى ذاته حتى الموت موت الصليب ولكنه قام في اليوم الثالث, ولأنّ المسيح قام ” فهو بكرُ من قام من رُقاد الموت”1كورثوس15:20″.
هكذا ثبت ثبوتا قاطعا موته من أجل خطايانا وأصبح ممكناً لنا أن ننال نعمة التبرير من الخطيئة والحصول على الغفران ونقوم نحن المؤمنين ايضا من بين الأموات (الأموات روحيا بسبب الخطيئة) لنصبح أبناء الله بالتبنّي”و كما يموتُ جميع الناس في ادم, فكذلك هم  في المسيح سيحيون”1كورنثوس15:22 “.
2- هزيمة الموت:
وكما دخلت الخطيئة بشخص واحد هكذا “فالموت كان على يد انسان, وعلى يد انسان تكون قيامة الأموات “1كورنثوس15:21”.
بعد ان دخلت الخطيئة العالم( نتيجة لخطيئة ادم وحواء) دخل الموت ايضا الى العالم هكذا اجتازت الخطيئة والموت الى كلّ الجنس البشري بسبب هذه الخطيئة الأولى, ولكن شكرا للرب يسوع المسيح الذي افتدانا بموته على الصليب وبررّنا من الخطيئة وسحق الموت بالموت ليخلق فينا انسانا جديدا ويعطينا حياتا جديدة بعد أن كنّا نعيش في ظلمة الخطيئة والموت .
“والخطيئة دخلت في العالم بانسان واحد(ادم), وبالخطيئة دخل الموت (الأنفصال عن الله). وسرى الموت الى جميع البشر لأنّهم كُلّهم خطئوا….ولكن هبة الله غيرُ خطيئة ادم ….فكما أن خطيئة انسان واحد قادت البشر جميعا الى الهلاك ، فكذلك برُّ انسان واحدٍ (يسوع المسيح)  يُبرّر البشر جميعا فينالون الحياة ” روميا5:12,15,18  “.
الأيمان المسيحي قائم على أساس لايتزحزح هو القبر الفارغ, فلأنه  قام وغلب الموت, نعلم يقينا أننا سنقوم أيضا.  فكما يقول الرسول بولس: “واذا كان المسيح ما قام , فأيمانكم باطل ٌ وأنتم بعدُ في خطاياكم , وكذلك الذين ماتوا في المسيح هلكوا”1كورنثوس 15:17″ فأيماننا هو انّ هناك حياة فيما وراء القبر وانّ حياتنا الأرضية ماهي الا أعداد لتلك الحياة , فلأنّ المسيح قام جسديا من الأموات نعلم أنّ ماقاله هو حق وانّه هو الله الذي يقيم الأموات فهو حي وليس نبيا كاذبا أو مظلّلا بل هو المسيح الذي قهر الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور, فنستطيع أن نثق من أننا ايضا سنقوم الى الحياة, لأنّه قد قام , فليس الموت هو النهاية بل هناك حياة مستقبلية, وانّ القوّة التي أعادت يسوع للحياة متاحة لنا ايضاً لتعيد نفوسنا المائتة روحيا(بسبب الخطية) الى الحياة.”أنا هو القيامة والحياة. من امن بيّ يحيا وان مات”يوحنا 11:25” نعم الهنا هو اله الأحياء وليس اله الأموات ، فلم يعد الموت مصدرا للرعب أو الخوف, فقد غلبه المسيح , وسنغلبه نحنُ أيضا يوما ما . لقد أنهزم الموت فيما وراء القبر”الموت  أبتلعه النصر, فأين نصرك ياموت ُ؟ وأين شوكتُك ياموت ؟ “كورنثوس ألأولى 15:54”.
3- هزيمة الشيطان والقوات الشريرة:
كان الشيطان ظافرا في جنة عدن (تكوين 3) وكذلك عندما مات الرب يسوع المسيح على الصليب ، وكما أغوى الشيطان ادم هكذا دخل الشيطان والقوات الشريرة في هذا العالم المفصول عن الله ، لكن الله حوّل نصرة الشيطان الظاهرة الى هزيمة ساحقة عندما قام يسوع المسيح من ألأموات وبدأت ملكوت الله تؤسس على صخرة المسيح , فرأى الشيطان أنّ مملكته وسيادته على الأرض قد تزحزحت بل أنّ تجسد المسيح وفدائه وقيامته هزّ أركان مملكة الشيطان, فبدأ الشيطان يفقد قلاعه واحدة بعد أخرى وبدأ يدرك الشيطان أنّه يعيش أيّامه الأخيرة.
جاء المسيح ليسحق رأس “الحيّة القديمة” الشيطان ويغلبه وينتصر عليه. لقد هزم المسيح الخطيئة والموت أولا على الصليب وأخيرا هزم الشيطان وكلّ القوات الشريرة بقيامته, وكلُّ الذين قبلوا المسيح وامنوا به كمخلّص لحياتهم ، لم يعد للشيطان سلطة عليهم بل هم اصبحوا جنودا في جيش الرب يسوع المسيح ،
“ثُمَّ سمعتُ صوتا عظيما في السماء يقول:”اليوم تمّ النصرُ والعزّة والمُلكُ لالهنا والسلطان لمسيحه, لأنّ الذي يتَّهم(الشيطان) أخوتنا أُلقي الى الأرض”رؤيا 12:10 .
الخلاصة:
بالأيمان بقيامة الرب يسوع المسيح اصبحنا ننظر الى العالم نظرة جديدة  فنحمن نعيش في هذا العالم ولكننا نصبح في عالم ملكوت الله فنسموا من الحياة المادية الى الحياة الروحية التي ترفعنا عن التعلق بشهوات هذا العالم الزائل, فعندما نتعمّذ يعني أننا قد مُتنا مع المسيح (بالغطس في الماء) وقمنا معه, فالمعمودية هي رمز الموت والقيامة, فان عشنا فبالمسيح نعيش وان متنا فبالمسيح نحيا, فحياتنا  (كما يقول الرسول بولس)هي للمسيح ولأجل المسيح وبالمسيح , فالمؤمنون الذين يعيشون مع الرب يموتون ويقومون وهي خبرة روحية يختبرها المؤمنون , وهذا ما اختبره الرسول بولس عندما يقول “انا ميّت ولكن المسيح يحيا فيّ” ، هكذا اليوم يقول الرب “ها أنا واقفٌ على الباب أطرقُ”الرؤية3:20” ، فكل من يفتح قلبه للمسيح ,  فان المسيح سيدخل في حياته الميتة ويقيمه من الموت ليعيش حياة الفرح والسعادة الحقيقية ،
فالمسيح يغيّر قلب الأنسان العتيق ليولد انسانا جديدا (الولادة الروحية) ويوقضه من نوم الموت ليعيش حياةً جديدة في مملكة الله الغير فانية ، فحتى الموت بالنسبة للمؤمن هو باب القيامة لحياة جديدة فلا نتوقف عند الآلام والأضطهادات, لأن الموت لنا هو باب للقيامة بالتأكيد .
“تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح لأنُّه شملنا بفائق رحمته, فولدنا بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات ولادة ثانية لرجاءٍ حيّ ولميراثٍ لايفسد ولا يتدنّس ولا يضمحلُّ“1بطرس 1:3”. آمين .

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!