مقالات دينية

حياة الإنسان في روحه

حياة الإنسان في روحه

بقلم / وردا إسحاق قلّو

قال الرسول ( وأما أنتم فلستم في الجسد ، بل في الروح ) ” رو 9:7 “

  الإنسان المسيحي الذي يعيش وفق وصايا الإنجيل المقدس يجب أن يختلف تماماً عن البشر الغير مؤمنين ، فيتميزعنهم نفسياً وأخلاقياً لأن محبة الله تتجلى في صفاته وسيرته فعندما ينال المؤمن المعمودية عليه أن يدخل في حياة الروح أكثر من حياة الجسد . أي يبحث عما يريد الروح أكثر مما يبحث عن متطلبات الجسد المتعلقة بمقتضيات هذا العالم ، والجسد هو هيكل لسكنى الروح وخادمه ، فالإنسان الروحي يجب أن لا يكون من أبناء هذا العالم ، وأن كان بينهم ، لأنه يعيش السر الفصحي الذي يطلب منه أن يهاجرالإنسان العتيق ، لهذا قال مار بولس ( وأما أنتم فلستم في الجسد ، بل في الروح ) . وأكد الرسول قائلاً ( إن عشتم بحسب الجسد فستموتون . ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون ) ” رو 3:9 ” . أذاً هناك صراع بين الجسد والروح . فعلينا أن نعمل لما للروح الخالد أكثر من الجسد الترابي الزائل ، والجسد هو لخدمة الروح . هناك طبيعة مشتركة بين الجسد والموت . وبين الروح والحياة الأبدية من جهة أخرى . حياة الإنسان هي مسرح لصراع دائم يبارز فيه الجسد مع الروح . الإنسان الذي يختار العيش للجسد فهو الخالي من الله في حياته لأنه يعيش لغرائزه فقط . والإهتمام بالجسد على حساب الروح هو عداوة لله ، لأن كل من يحب الأشياء المنظورة أكثر من الله الغير منظور فلا يستحقهُ ، لهذا قال الرب يسوع ( من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني ، ومن أحب أبناً أو إبنة أكثر مني فلا يستحقني ) ” مت 37:10 ” . وما ذكره يسوع عن ذاته في هذه الآية هو الأثمن لدى الإنسان من كل مقتنيات هذا العالم .

  لا يرى الإنسان في هذه الحياة أي إنعكاساً ملموساً لخالق الكون ، إنما يجعله معبوده . أي يخلق العالم على ذاته ويبعدهُ عن سماع صوت الله في حياته ليتمتع بحرية أكثر . الإنسان الجسدي إذاً متروك لقواهُ هو وحدهُ . ومن هنا تبدأ المآساة ، لأن الإنسان الجسدي لا يلبث أن يدرك أن التغني بالدنيا لا يكفي ، بل عليه تنظيمه وترتيبهُ . لكنه لا يستطيع ، فيصطدم بمقاومة الحقائق لأن النظام العالمي وخاصةً الجديد يسيرعلى أن يلتهم الكبير الصغير ويستعبدهُ ، فلا صوت للضمير في غابة هذا الزمن .

   أما من يعيش في الروح فمنذ المعمودية ينبغي ان يموت عن هذا العالم ويقوم إلى حياة جديدة ، والموت في المعمودية هو أحد جوانب الحقيقة الإيجابية التي يتحد بها الإنسان مع المسيح القائم من بين الأموات ، وهو الذي يعطيه الحياة الجديدة ، فلا يتركهُ ليعمل لذاته ولأنانيتهِ كباقي المخلوقات لأنه أنتسب إلى عائلة الله . فصار جسدهِ هيكلاً للروح القدس الذي يحيى فيهِ ، وهو روح البنوّة ، وبه صار إبناً لله ، قال ( ثم بما أنكم أبناء ، أرسل الله روح إبنهِ إلى قلوبكم صارخاً : أباً ، أيها الآب … ) ” غل 6:4 ”  إذاً يستحيل أن تُفصَل في المؤمن البنّوة الإلهية ما دام الروح القدس ساكن في روحه . إذاً المؤمنين هم روحين وأبناء الله الروح . فلا أحد بدون هذا الروح يستطيع أن يقول ( يسوع رب ، إلا بالروح القدس ) وحتى الصلاة المسيحية لا تأتي من عقولنا ، إنما يمليها علينا الروح القدس الذي يجعل سلوكنا سلوك أبناء الله . فلبلوغ الكمال الروحي علينا أن ( لا نحزن روح الله القدوس الذي به ختمنا ليوم الفداء ) ” أف 30:4″

الروح القدس يستقر في كل المؤمنين كشاهد لمحبة الله لهم ( طالع رو 5:5 ) . الحياة المسيحية هي وفاء وأمانة للروح القدس الذي ينوِّر الساكن فيهم ، بل يكشف لهم ما في أعماق الله من أسرار خفية ما داموا باقين في الوفاء لسر العماد .

نختم بالقول : هناك كفاح روحي ضد الحياة بحسب الجسد ما دمنا على هذه الأرض ، فنحن حتماً منقسمون بين هاتين الحياتين المتناقضتين والإثنان يعيشان معاً في داخلنا ومن المستحيل أن يتعايشا بسلام ، لأنهما تقاوم إحدهما الأخرى ( غل 17:5 ) فلم يموت الإنسان القديم فينا على الصعيد النفسي كما هو ميّت على الصعيد السريّ ، إلا عندما نلفظ أنفاسنا الأخيرة . لذا يجب أن نقود كفاحنا الروحي بحكمة وذكاء وصبر بإتكالنا على الروح القدس أكثر من إتكالنا على قدراتنا الذاتية ، وهكذا نقود الكفاح بثبات فنخوض المعركة ضد أنفسنا يومياً لننال النصر في الساعة التي يريد الله أن يخرجنا من حياة الزمن إلى حياة الأزل . والنصر ابداً لم يكون نصرنا ، بل نصر روح الله الساكن فينا .

ولروح الرب المجد دائماً  

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 ” 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!