مقالات دينية

مار مارن عمه مطرافوليط حدياب ( أربيل )

الكاتب: وردا اسحاق

 

مار مارن عمه مطرافوليط حدياب ( أربيل )

إعداد / وردا إسحلق قلّو

أصل مار مارن عمه كان من بلاد الطيرهان ، مدينته تدعى ( حطرا ) أي الحضر وتسمى ( هطرا ) جنوب تكريت ب ( 8) كم . أشرف على تربيته أبواه المؤمنان فسمياه ” مارن عمه ”  أي ( الرب معه ) وذلك لكي يكون المسيح الرب فيه وعه . تلقى العلم في كنيسة مدينته . ولأن شهرة ربان باباي كانت قد طبقت الآفاق في ذلك الزمان أكثر من اي شخص آخر في التعليم وذلك في مدينة الجبيلة ، لهذا ترك مارن عمه والديه وثروتهما وقصد ذلك المعلم وأخذ يرتشف المعلم بأرشاده إلى أن رسخ في فكره العلم الألهي وتهذب وتثقف عميقاً . وأصبح رفيقاً لربان باباي وأحد المعلمين الستين المشهورين وكان معلماً في مدرسة كفرعوزيل التي أقامها ربان باباي . فذاع خبر محاسنه في هذه البلاد لأن تعليمه كان مقروناً بطهارته ، فقد منع جسده من كل ما يلذ ، وكان يقتاد الخبز مع قليل من الطبيخ لقوام حياته ، وكانت أعمال شبابه تذهل نساك زمانه ، فبالأضافة إلى عمله ، أستطاع أن يتمسك بسيرة التجرد المجهدة والتقشف الصارم . وظل معلماً طيلة سنين عديدة في عهد الطوباوي مار أحا المطرافوليط . وكانت سفينة نفسه تجري حسناً وبرعاية الله حاملة بين دفاتها كنوزاً من جلائل المآتي .

رسامته الأسقفية

بعد أنتقال القديس أيشو عزخا إلى راحة الأبرار الراقدين بالمسيح في بلاد سلاخ الوقعة في أيران بالقرب من أذربيجلن ، والتي تسمى بيت روستافا في الرضائية . كانت تلك البلاد تتسكع بالمجوسية ، ويسجدون بغباوتهم ليس لنيران المجوسية فحسب ، بل للأشجار الزاهية أيضاً ، فأضطر الطوباوي مار أحا المطرافوليط أن يرسم القديس مارن عمه ويرسله إلى هناك لكي يستأصل الزؤان من هناك بعلمه وقداسته ، فأسيم وارتحل إلى تلك المنطقة ، بعد أن قبل من الروح القدس مع الرسامة ، قوة صنع العجائب والمعجزات ، فالحب الألهي المتأجج أواره في نفسه والطهارة التي حافظ عليها منذ صباه رفعاً شأنه في رئاسة الكهنوت ومفاعيل الروح .

خرج يوماً لزيارة القرى ، بلغ قرية أسمها ( بيث نورا ) وكان فيها رجل قد تزوج بإمرأة أخرى إلى إمرأته الشرعية . فاستدعاه ولم يحضر أمامه ، وطالبه بطرد الزانية من داره فلم يفعل . فلعنه قائلاً : ( أني واثق بالرب أن غضب الله سيأتي عليك وتترمل كلتا إمرأتيك ) . وفي الغد رفع الرجل الساطور ليقطع اللحم ، وبتدبير رباني ضرب يده اليسرى فبترها ونزف الدم حتى مات ، حسب كلام القديس له . فأخذ الخوف مأخذه من كل الذين سمعوا بالحادث . سافر القديس من هناك إلى قرية ( بيث ورك ) في منطقة ( حثر ) وكانت في هذه القرية إمرأة أرملة لها إبن صغير وحيد ، وإذا به يموت عند دخول الطوباوي ، فأتشد حول الصبي جمع غفير وأخذوه بالبكاء ، ولما علم القديس بثكل تلك العجوز . حزن جداً وأمر أن يأتوا بالجنازة إلى الكنيسة . وأخرج الكل خارجاً وشرع يبتهل إلى الله لأجل حياة الصبي . والله الذي يسهل كل شىء على قدرته ، والذي أعاد إلأموات إلى الحياة بواسطة إيليا وإليشاع منح الطوباوي طلبه وبعث الصبي حياً . فقام الولد وأعطاه لأمه وطفق الشعب كله يبتهج ويمجد الله .

كان أيضاً في البلاد قوم من ( الشهارجة ) وهم طبقة أعلى من ( الدهافنة )  أي إنهم طبقة الملاكين الكبار كانوا بالأسم مسيحيون ، ولكنهم يعترفون بالمسيح إنساناً بسيطاً ويحسبونه كأحد الأنبياء . وقد سبق وأن بذل الأساقفة الذين قاموا في البلاد جهودهم لتقويمهم ، ولكنهم لم يرضخوا لتعليم الأرثوذكية القويم ، فلما علم القديس بذلك ذهب إليهم في يوم السبت ليقضي الأحد عندهم ويصلي لأجلهم ، وأقامهم معه في الصلاة وكان يبتهل إلى الرب في قلبه من أجلهم لكي يشرق نوره في قلوبهم . ولما كان جميع أهالي القرية في تلك الكنيسة بدأوا بالصلاة التي مطلعها ( النور أشرق على الصديقين والفرح على مستقيمي القلب ) أمتلأت الكنيسة وفناؤها نوراً يفوق الشمس سطوعاً ، فتعجب كلهم ودهشوا ، فقال لهم القديس : ( الآن وقد أظهر لكم المسيح ربنا نوره ، واشرق حقه في قلوبكم ، أتقرون معنا أن يسوع المسيح هو رب وإله ، أو لعلكم بحاجة إلى رؤية أشياء أخرى ؟ ) . فأجابوا وقالوا له ( إننا نؤمن ، يا أبانا ، نؤمن بأن يسوع المسيح هو أبن الله وأنه إله ) . وفي أثناء الأسرار المقدسة حلهم من ذنبهم فصاروا أبناء أحباء للكنيسة أمهم . من جراء الأعجوبة التي أجراها أمامهم المسيح بواسطة قديسه .

وكان لأحدهم بغلة للركوب ، وكان صاحبها مغتماً جداً لأنها كانت جميلة ورائعة ، فكلم الطوباوي بشأنها ، فأمره أن يأتي بها إلى الكنيسة بلجامها ، فأخذ القديس اللجام ورسم عليه إشارة الصليب ، وقال لها ، وكأنه يخاطب شخصاً ناطقاً : ( بأسم الرب أفتحي فمك وأقبلي اللجام ) . وإذا بها فتحت فمها وقبلته بكل هدوء ، فطفق الجميع يمجدون الله .

في تلك الفترة كان الشهارجة الملاكين يأخذون نصف الغلة والخمر والجوز وجزية الرأس من من الدهافنة ، حتى ضاق هؤلاء ذرعاً بوطأة ظلمهم الشديد ، فأقبلوا إلى أسقفهم البار يشكون الجزيات والأتاوي التي تفرض عليهم . فقال لهم ( يا أولادي ، عن قريب سيأخذ فيه العرب هذه القرى كلها فيرحل جميع هؤلاء الشهارجة يطاردهم شخص أسمه ” حاتم بن صالح “ ويبيدهم وستخضعون له كلكم ، لأن الظالم ينتقم من الظالم والرب من كليهما ) . وحدث ذلك في تلك البلاد بعد سنين كثيرة إذ لم يكن في ذلك الزمان حاتم بن صالح قد ولد بعد ، ولكن حيث أن روح الأنبياء تطيع الأنبياء ، وقد سبق وأعلن ما سيكون . 

إختياره مطرافوليط لحدياب ( اربيل )

بعد أنتقال مار أحا المطرافوليط الطاهر إلى الأخدار السماوية ، أختير القديس مار مارن عمه الأسقف ، فرسمه البطريرك مار يعقوب الثاني الجاثليق فسّمَ القديس مارن عمه مطرافوليط لحدياب ( أربيل ) . وأول معجزة قام بها مارن عمه بعد جلوسه على كرسي الآباء هي ، أن نفراً من العرب الجسورين الغزاة في المنطقة إنتزعوا رحى من ممتلكات الآباء تسمى ( بيث وردا ) فقد أنتهزوا فرصة وفاة مار أحا القديس ليستولوا عليها سريعاً ويستملكوها بتدبير خاطف . حاول مارن عمه مع أشراف البلد أن يسترجعوها من أولئك الغاصبين ولم يفلحوا . وكان هو يقول أن الرحى تخص المطرافوليط وهي لي . أما هم فكانوا يماحكونه ويصرون على عدم التخلي عنها . فقال لهم ( با أنكم تخاصمون ولا تريدون الأقلاع عن هذا الأثم ، هلموا نذهب إلى الرحى ونتعلم منها لمن تعود ) . أما هم فأخذوا يسخرون من هذا الكلام الغريب ، إذ لم يؤمنوا بقوة الله التي ترافق الطوباوي ، وقبلوا الشرط وأنطلقوا معه . ورافقهم جمع غفير من الشهارجة والدهاقنة ليروا ماذا يكون من الأمر . ولما دخلوا ( إلى الرحى ) قال لخصومه ( إذا كانت لكم ، فمروها أن تظهر ذلك فنتركها لكم ونرحل ) . فأجابوه قائلين ( قل لها فهي تظهر لمن هي ) فقال لهم ( غذا أمرتها وأطاعت أمري فهل تتركونها وتذهبون ؟ ) قالوا ( إن رأينا هذا الحجر يمثل أمرك ، فلن يكون لنا حصة ” في الرحى “ بعد . بل سنذهب حالاً وهي تكون لك ) فركع وصلى إلى الله ، ثم ألتفت إلى الرحى وقال ( أيها الحجرة الصماء ، بقوة كلمة الله العظيمة الربانية المسيطرة على العلى والعمق ، إذا كنت لهؤلاء العرب فأطحني الطحين كشأنك ، وإذا كان الأمر بخلاف ذلك ولست لهم بل أنت أرث لمطرافوليط هذه البلاد ، فلينقلب طحينك رماداً ) . ولم يكد ينهي كلامه حتى شرع الرماد يخرج من الرحى وغاب الطحين ، فاستولى الرعب على الجميع وطفقوا يمجدون الله . وأردف قائلاً لأولئك القوم . ( والآن أيضاً إذكانت لكم فمروها أن تبدل الرماد طحيناً ) . ولكنهم دهشوا وخجلوا ونفضوا أيديهم من الرحى والتحفوا بالعار ، ثم سمح المطرافوليط للرحى فأعادت الرماد طحيناً علىمألوفها ، وطار هذا الخبر في كل البلدان .

أخذ مارن عمه مقاطعات أخرى من مراعيث أخرى ” أبرشيات ” ووضعها تحت ولاية أبرشيته حدياب منها مقاطعة ديبور ( هي المنطقة الوالقعة عند منبع الزاب الصغير ) ومنطقة سلاخ الخارجية ( راوندوز ) ورسم لأبرشيته الحدود وأخذ من كرسي أذربيجان ( سلاخ الداخلية ) وأعطاها لأسقف سلاخ مقابل مقاطعة ديبور . وأعطى اسطيفان اسقف داسن الدير الكبير وكل مقاطعة نحلا وطلانا التي كانت من ولاية مركا وكتب له سنداً فيها لكي لا يسمح للمطرافوليط الذي يخلفه أن يخاصم ويسترجعها من كرسي بلاد داسن ، كذلك دير برقا أو ( برقانا ) والذي يقع تحت ملتقى الزاب الكبير بدجلة ، أخذه من البار والقديس مار شليمون أسقف الحديثة وأعطاه قريتين من ولاية حدياب هما كملولوحي ومردي ، ولأجل قداسته وسمو سيبرته لم يحتج أحد او يتذمر من هذه التدابير ، بل كان الجميع يقبلون بفرح كل ما يأمر به أو يقدم عليه كأنه ملاك من الرب ، والتدابير التي أتخذها فما زالت نافذة المفعول غلى اليوم  .

ملاحظة : لن تنتهي سيرة هذا القديس بهذا المقال ، بل ستليه مقالان أيضاً .  القادم سيكون بعنوان ( ظهور ملاك الرب في الرؤيا للقديس مارن عمه ) .

هكذا كان الرب مع مؤمنيه وأقام على كنيسته مختارين عظام صانعي معجزات كثيرة .

لتكن شفاعتهم مع ابناء كنيسة اليوم لتبقى مباركة  

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!