الحوار الهاديء

الكلدان تحت تأثير مخدر الأسلاف، والبطريرك ساكو املنا في التجدد

الكاتب: زيد ميشو
الكلدان تحت تأثير مخدر الأسلاف، والبطريرك ساكو املنا في التجدد

زيد غازي ميشو
[email protected]
 
بعد أن أنهيت الخدمة العسكرية بسنة تقريباً، وبمحض صدفة، عملت في مجال بيع الكتب المستعملة بدوام جزئي وليس تفرغ، إذ بين الحين والآخر أشتري مكتبة شخصية تعود لشخص وافاه الأجل ولم تعد املاكه ملزمة لذويه او من عرضها للبيع لحرج مادي، وقد فرض العمل وجود كتب قديمة او نادرة ومنها بدأت رغبتي بأقتنائها.
وعند بقائي في لبنان عملت في كنيسة بيزنطية عمرها قرن وعشرة سنوات وتعلمت هناك ومن خلال المجتمع الولع في كل شيء قديم، حتى انني املك بعض القطع وما زالت معي، وقد اهديت البعض الآخر وبعت قسماً آخراً حاجةً للمال.
والسؤال الذي يطرح نفسه:
ما فائدة القديم إن كان محدود الأستعمال او لا يستعمل أساساً؟
أيهما الأفضل، قديم يستفيد منه عشرة اشخاص، أم جديد يخدم مئة وأكثر؟
في سابقة مهمة وجرأة قلة نظيرها، طرق غبطة ابينا البطريك مار روفائيل الأول ساكو فكرة تجدد الطقس الكلداني وترجمته من أجل ان لا يترك ابنائنا في المهجر كنيستهم الأم ويلتحقوا بكنائس أخرى، او يتركوا الكنيسة كلياً بعد أن أمست لهم طقوسنا القديمة دروشة او طلاسم بحاجة إلى فكّها، وأحني له هامتي على هذا المقترح الرائع، فبالنسبة لي، فهم القداس أهم بكثير من مؤلفه وملحنه ومن بينهم يوحنا فم الذهب او يعقوب القطري وجبرائيل، وأهم بكثير من اي أرث وتراث يتعلق البعض به وكأنهم منقبين عن الآثار، او كشخص يخرج أمتعة أجداده ويبكي عليها بين الحين والآخر.
يوماً ما جمعني عزاء مع شخص التقيه لمرة الأولى أعرف أسمه وأتقاطع معه كلياً  في الطرح، تبادلنا الحديث حول القومية الكلدانية وتعلقي بها، وهو من الكلدان الذين لا نفهم منه انتمائه، وكغيره الكثير، وجه نقده لي كوني لا أعرف اللغة الكلدانية، وسألني عن إسم أبنتيّ، كي يثبت لي بأنني مستعرب، وتبيّن بأن إسم الكبرى من وحي الكتاب المقدس، والصغرى من الأنجيل. ومن ثم جاء دوري بالسؤال، وقلت له ما إسم ابنائك وقد كنت متأكد من أنه أختار أسماء مستمدة من لغتنا الأم، وأتضح بأنه قد أختار اسماءً أجنبية كونه في كندا!!
ولا اعرف ما الفرق بين أن يكون الأسم دخل الله او هوشيار او سلفستر ستالون إن لم يكن الأختيار من تراث الشخص ولغتهّ!؟
ومن ثم وعلى حد علمي، أكثر المتشدقين باللغة والطقوس والمدافعين عنها، هم اقل الأشخاص ذهاباً إلى احد الكنائس الشرقية، وغالبية أبنائهم في المهجر يملأون الكنائس في دولتهم الجديدة او لا يذهبون إلى الكنيسة سوى في بعض المناسبات، ولفقر التحليل لديهم، وخوفاً من نقد أنفسهم، يملأون الأماكن ضجيجاً بحجة الحفاظ على ما فات ومات، وما يحتظر الآن!
في المدينة التي أسكن فيها، نجد أقل الناس مشاركةً في الطقوس هم أكثرهم تبجحاً بلغتهم وأرثهم! فكم هم بائسين؟
مقال أبينا البطريرك الموسوم “خارطة كنيسة الكلدان اليوم، متطلباتها وتداعياتها” وبروح التجدد الذي يملأ كيانه ووجدانه، ومن حرصه على بقاء الكلدان كلداناً، يقترح التجدد في الطقوس وترجمتها، ومن منظار (شعب رجاء وشهداء) كما يقول، ويترك الباب مفتوحا امام ما يوحيه الأقتراح من نقاط تسترعي الانتباه، كي يشارك بها المهتمين، أي أنه لم يقفل الموضوع بل تركه للدراسة والنقاش الحر، ومع ذلك لم نقرأ نقاشاً أبداً بل اتهامات باطلة وبتعابير تخفي أساءات وهذا شأنهم، والهدف هو التقليل من شأن المقترح ووأده وهو مازال فكرة، ومنيتي أن لا تنجح مساعيهم تلك.
بالنسبة لي…فأنا اقترح شيئاً آخراً يحتوي في آن شعار البطريرك الثلاثي وهو الأصالة والوحدة والتجدد، فما يهمنا وبصريح العبارة هو الوحدة المطلقة وفي كل شيء مع كنيستنا الأم الكاثوليكية، ومن سبل الوحدة هو وحدة الطقوس أيضاً، حيث تشكل لجنة من كافة الكنائس الكاثولية لغرض عمل طقوس موحدة تعتمدها الكنائس الكاثوليكية كافة، تُختار نصوصها بدقة من كل الطقوس، ليصبح لدينا طقس موحد وشامل، ويمكن ترجمته بتصرف إلى كافة اللغات في العالم، وبذلك نضمن فهمها من قبل جميع المؤمنين الكاثوليك في ارض المسكونة، ويكون للكلدان طقسهم الكاثوليكي بلغتهم، وللموارنة والسريان والأرمن وبقية الطوائف الكاثوليكية الأخرى، وبذلك لا قلق على ابنائنا من أن نفقدهم من كنائسنا، وأيضاً من اجل الحفاظ على عقولهم من الصدأ الذي أصابنا نحن المتعلقون في طقس نردده ولا نفهمه، إلا إذا قرأناه باللغة الرسمية للدولة التي ولدنا فيها.
فلنأخذ مقترح البطريرك على محمل الجد، ولننفتح على الحياة بتطورها ولنترك مدرسة السلفية التي حجّمت عقولنا ورككت إيماننا، ونلتحق بالمدارس المتجددة التي تحترم حرية العقل والتفكير والأيمان، فقد خسرنا الكثير جداً وسنخسر أكثر إن لم نرعوي!..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!