مقالات

في أهمية علم الاجتماع القانون

يشير علم اجتماع القانون إلى الدراسة الاجتماعية للقانون وللظواهر المتعلقة به، و يعود تاريخ علم اجتماع القانون إلى الأعمال الكلاسيكية لماكس فيبر وكارل رينر و إميل دوركهايم وفيلهلم أوبيرت وغيرهم من علماء الاجتماع الآخرين. ويهدف هذا الحقل إلى تجاوز الحدود القانونية التقليدية من خلال الأخذ في الاعتبار دور المجتمع ونظام القيم والأعراف. لقد ساهم هذا الحقل بشكل كبير في تعميق التحليل النقدي للقضايا المدروسة من خلال ربطه النظرية القانونية بالممارسة العملية. و يمكن تعريف علم اجتماع القانون بأنه معرفة تجريبية، ذات أسس نظرية، تهدف إلى وصف وشرح العلاقات المتبادلة بين القانون بأشكاله المختلفة، والبنى الاجتماعية، والمؤسسات الاجتماعية، والثقافة، والأيديولوجيات، ومنظومة القيم.
لقد ظهر علم الاجتماع القانوني كرد فعل على النظريات القانونية السائدة في القرن العشرين، وخاصة الشكلية القانونية والوضعية القانونية. بحيث ركزت الشكلية القانونية على تطبيق القواعد القانونية بشكل صارم، دون مراعاة للسياق الاجتماعي الذي تعتمل فيه. في حين ذهبت الوضعية القانونية إلى فصل القانون عن الأخلاق والاعتبارات الاجتماعية؛ و هذا ما دفع علماء الاجتماع القانوني إلى تجاوز هذه الرؤى المعرفية المتصلبة والسعي إلى فهم العوامل الاجتماعية والسياقية التي تؤثر في القواعد والممارسات القانونية.
لقد أكد الفقهاء التحليليون أن القانون قطعة أثرية اجتماعية أو بناء اجتماعي، يتم الحفاظ من خلاله على النظام الاجتماعي، ويقوم بتوجيه وتنسيق السلوك الاجتماعي، ويفرض القانون المعايير الاجتماعية والأخلاقية، فهو أداة للسيطرة الاجتماعية، كما أنه أداة لخدمة الأغراض الاجتماعية. و يؤكد المنظرون الوضعيون القانونيون أيضا على أن القانون يعتمد على مصادر اجتماعية، وحقائق اجتماعية، وأعراف اجتماعية.
يظهر أن القانون ظاهرة اجتماعية معقدة مرتبطة بظواهر اجتماعية أخرى تشكل حياة البشر الذين لديهم قدرات و احتياجات مختلفة وأهمها الحاجة إلى العيش معا. ويختلف القانون من مجتمع بشري لآخر، وذلك باختلاف الظروف الاجتماعية والسياسية والطبيعية التي يعيشون فيها، وأن هذه الاختلافات نفسها تختلف بمرور الزمن. إن الرؤية التي تنطلق من فرضية كون القانون بناء اجتماعي، والتي تعتمد إلى حد كبير على أعمال جورج هربرت ميد، توضح ما ينطوي عليه النظر إلى القانون كمؤسسة اجتماعية. وهذا ما عبر عنه “جون ديوي “بقوله «لا يمكن وضع «القانون» كما لو كان كيانًا منفصلاً، ولكن لا يمكن مناقشته إلا من حيث الظروف الاجتماعية التي ينشأ فيها وما يفعله هناك بشكل ملموس».
إذا كان القانون بناء اجتماعي كما توقفنا عند ذلك، فهو أيضا منتوج تاريخي يتشكل من خلال السياق التاريخي الذي يتطور فيه، بحيث يعكس التقاليد القانونية والسوابق والتغيرات التي تحدث مع مرور الزمن. كما للقانون ارتباط وثيق بالمجتمع وليس كيانًا منفصلاً عنه، وذلك عبر تنظيمه للسلوك الاجتماعي والحفاظ على النظام والاستجابة للاحتياجات والتحديات الاجتماعية. بمعنى آخر أن القانون ليس مجموعة ثابتة من القواعد ولكنه كيان حي يتكيف مع الاحتياجات والديناميات المتغيرة للمجتمع الذي يعتمل فيه.
في ضوء ما تقدم، يمكن فهم العلاقة بين القانون والمجتمع على أنها علاقة تفاعلية، و يتفاعلان على العديد من المستويات المختلفة، بحيث تتشابك بنيتهما وجذورهما إلى حد يصعب فصل أحدهما عن الآخر. في هذا السياق، يؤكد علماء اجتماع القانون على دينامية العلاقة بين القانون والتغيير الاجتماعي والتأثير المتبادل بينهما. وبالتالي فإن علم اجتماع القانون يرفض فكرة القانون باعتباره نظاما مستقلا يمكن تفسيره فقط من خلال نظامه الداخلي، هذا في حين، تتعامل النزعة الدوغمائية القانونية مع التشريعات والقوانين القائمة ككيانات ثابتة. وفقا لهايدن، فإن المحامين الممارسين لا يقومون بتفسير القانون فحسب، بل هم في الواقع يتوسلون منظور علم اجتماع القانون في مرافعاتهم، ومع ذلك، لا يخصص سوى القليل من الاهتمام لهذا الأمر في التدريب والبحث القانونيين.
إن علم اجتماع القانون هو مجال بحث متعدد الأوجه ومتطلب. وهو يتطلب الكفاءة في أساليب البحث في العلوم الاجتماعية، إلى جانب فهم التفكير القانوني، والعمليات التي تحدد المحتوى القانوني، والمنطق وراء القرارات القانونية. يتمتع هذا التخصص بالقدرة على توفير نظرة أعمق للظواهر القانونية بما يتجاوز ما يمكن أن تقدمه العلوم القانونية التقليدية. علاوة على ذلك، فإنه يقدم وجهات نظر جديدة للعلوم الاجتماعية، مما يثري فهمنا للتفاعل المعقد بين القانون والمجتمع.
إن علم اجتماع القانون له دور مهم في تعزيز فهمنا للثقافة القانونية من خلال تقديم إطار منهجي لاستكشاف الأبعاد الاجتماعية والثقافية للقانون؛ فهو بقدر ما يسمح لنا بفهم كيفية تأثير المعايير والقيم والتقاليد الثقافية على تطور المعايير القانونية وتفسيرها وتطبيقها، بقدر ما يساعدنا على تعميق النظر في طبيعة المعتقدات والممارسات غير الرسمية التي تحكم ديناميات البنى القانونية، من خلال تسليط الضوء على كيفية تفاعل المهنيين القانونيين والمؤسسات القانونية ضمن ثقافة قانونية معينة.
كما تسمح لنا دراسة العلاقة بين القانون والمجتمع، بتسليط الضوء على أسباب ضعف الثقافة القانونية لدى بعض الأفراد والمجتمعات، بحيث غالبا ما تكون علاقتهم بالقانون متوترة من خلال التحايل عليه أو انتهاك قواعده، سواء كان ذلك بسبب عوامل اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية. فضلا عن ذلك، يمكن لعلم اجتماع القانون أن يُقدم أرضية معرفية وعملية لتوثيق العلاقة بين القانون والمجتمع، وتعزيز تَمسك المجتمع بمبدأ سيادة القانون ودعمه.
وأخيرا، من خلال دراسة القانون في سياقه الاجتماعي الأوسع، يمكن للطلبة والمهنيين القانونيين اكتساب فهم أكثر عمقا لتعقيدات النظام القانوني وكيفية عمله وتأثيره على الأفراد والمجتمعات. كما أنه يجعل طلبة القانون و الممارسين القانونيين يتعاملون مع القضايا القانونية بطريقة تراعي ليس فقط النص القانوني ولكن أيضًا آثاره الاجتماعية.
المراجع:
1- Brian Z. Tamanaha, Sociological Approaches to Theories of Law, Cambridge University Press, Year: 2022
2- WHAT IS LAW AND SOCIETY?´-or-THE SOCIOLOGY OF LAW? https://ashleytrubin.com/what-is-law-and-society-or-the-sociology-of-law/
3- The Significance of the Sociological Approach to Law for the Development of Jurisprudencehttps://ojs.mruni.eu/ojs/societal-studies/article/view/1298,
4- Håkan Hydén , Sociology of Law as the Science of Norms, Routledge (2021)
5- Henri Lévy-Bruhl, Sociologie Du Droit, que sais-je?(1976)
6- لورانس فريدمان، كيف يؤثر القانون في السلوك، ترجمة مصطفى ناصر، سلسلة عالم المعرفة، عدد 482.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!