مقالات

المَحكمة الاتحاديَّة العُليا تُوقف المادة 71 -إنهاء الإدارة بالوكالة-

أصدرت المحكمة الاتحادية العليا يوم 3/12/2023 قرارا ولائيا (15/اتحادية/امر ولائي/2023)بناءً على طلب رئيس مجلس الوزراء، يقضي بايقاف نفاد المادة 71 من قانون الموازنة رقم 13 لسنة 2023، تقضي هذه المادة بانهاء إدارة موسسات الدولة كافة بالوكالة بموعد أقصاه 30/11/2023، ويتم إيقاف جميع المخصصات الإدارية والمالية، على ان يرسل رئيس الوزراء المكلفين بالمناصب الى مجلس النواب قبل 30 يوما من التاريخ انفا. وقد مضت المدة ولم تقدم الأسماء لمجلس النواب، وبذلك تطلب توقف صلاحيات جميع هؤلاء “الوكلاء”. والامر الولائي الصادر عن المحكمة جمّد هذه المادة القانونية حتى موعد نتيجة الدعوى الأصل (223/اتحادية/2023)التي طعن فيها رئيس الوزراء في هذه المادة. اي سيستمر “الوكلاء” بممارسة اختصاصاتهم الادارية والمالية خلافا لما كانت تَهدف له المادة 71.
بالنظر لأهمية هذا القرار وأثره في توازن السلطات، لابد من الملاحظات الاتية:
– ان اصدار هذا الامر يعد بمثابة ابداء راي مسبق للمحكمة في الدعوى، بدليل ان المحكمة رفضت فيما سبق الاعم الاغلب لطلبات اصدار أوامر ولائية، بحجتين، الأولى عدم وجود “ضرورة” والثانية بان اصدار الامر يعني”ابداء لرأي المحكمة” في الدعوى، الى درجة انها رفضت اصدار أوامر تتعلق بالحفاظ على المال العام، مثل قراراها (7/اتحادية/امر ولائي/2022) المتلعق بالدعوى (29/اتحادية/2022) الطاعن في دستورية الأوامر والتعاقدات المتخذة من قبل مُدير شَركة النفط الوطنيَّة ، فقد رفضت ((إيقاف التعاملات التجارية والتعاقدية”بيعا وشراءً” وكافة التعاملات الإدارية “تعيينا ومخاطبة” مع الجهات الداخلية والخارجية لما تحمله تلك التعاملات باعبائها المستقبلية المالية والسيادية من خطورة اتجاه المصالح الخاصة والعامة)) لحين حسم الدعوى. ومثال آخر قرارها (8/اتحادية/امر ولائي/2022) الذي رفض ((إيقاف كافة إجراءات بيع العقارات التي وافق على بيعها رئيس الوزراء تجازوا لصلاحيته كرئيس لحكومة تصريف الاعمال اليومية)) وفقا للدعوى المنظورة (34/اتحادية/2022)، ومثال آخر رفضها اصدار امرا ولائي فما يتعلق بالمناصب الحكومة حين رفضت اصدار الامر الولائي لايقاف الامر الديواني القاضي بانهاء تكليف سعد حميد كمبش من مهمات تسير شؤون ديوان الوقف السني(11/اتحادية/امر ولائي/2022). هذه بعض الامثلة عن امتناع المحكمة اصدار الأوامر الولائية. من ثم فان اصدار المحمكة لهذا الامر تكون قد دخلت في موضوع الدعوى وأبدت رأيها فيه.
– نص المادة 71 موضوع الطعن، سبق للمحكمة ان نظرت الطعن فيها وفقا لقراراها 153/اتححادية/2023 قبل 4 اشهر فقط، وقضت بانها لاتخالف الدستور. وبقبولها اصدار الامر الولائي تكون قد عدَلت عن رأيها السابق وان لم يصدر القرار النهائي في الدعوى الاصل، بدليل انها سبّبت قرارها الولائي بان إيقاف الصلاحيات يؤدي الى تعطيل الدوائر المُدارة وكالةً، كما ان المحكمة-وِفقا لقرارها- الزمت نفسها بـ((إيجاد المخرج القانوني الذي يلزم الحكومة بتطبيق النص وعدم تعطيل عمل المرافق))، وهذا التسبيب يحمل الكثير من التعارض، اذ كيف “يلزم الحكومة بتطبيق النص” اذا لم تحدد مدّة لانهاء “الوكالات”، فالمدة التي جاء فيها نص المادة 71 كان الأداة الوحيدة لاجبار الحكومة وارغامها على تقديم المرشحين لمجلس النواب للتصويت عليهم. وبايقاف هذه المدة تكون الحكومة مطلقة اليد في الإبقاء على “الوكالات”الى امدٍ غير معلوم. كما أنّه، كيف يمكن ان يكون “الواقع” الذي هو صنيعة الحكومة سببا ومسوّغا لايقاف المدة القانونية بدلا من ان يكون إدانة لها لعدم احترامها المدد القانونية والدستورية. ان المحكمة جَعلت من “الواقع الحكومي” بديلا عن “النص الدستوري”.
– المادة 71 محل الطعن ومادامت موضوعة من قبل مجلس النواب ومادام هذا المجلس يمثل الشعب بأكمله فان ماجاء فيها يعد تعبيرا عن “ارادة الشعب” في انهاء ملف الوكالات، فكان الاجدر بالمحكمة تعزيزها وتاكيدها، لا ان توقفها وتُحل محلها “إرادة السلطة التنفيذية” التي في أساسها “هيئة” لتنفيذ “إرادة الشعب” وليس العكس. فالمبدأ العام عند تزاحم الامر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، يكون الترجيح لجانب السلطة التشريعية لانها تمثل الشعب بأكمله ومنعب السلطات.
– المحكمة بقرارها هذا تكون قد أكّدت قرارها التفسيري ذي العدد 92/اتحادية/2010 الصادر في 19/12/2010 الذي أسس وقواعد “الوكالة”في المناصب العليا، حين منحت رئيس الوزراء “صلاحية” تسمية أعضاء الحكومة “اصالةً او وكالةً”، إذ منذ هذا العام -2010- استمرت “حكومة الوكالات” حتى يومنا هذا، واهملت السقوف الزمينة الدستورية الواردة في المادة 76/ثانيا. كان الاجدر بالمحكمة العدول عن قرارها بدلا من التأكيد عليه، على الرغم من مرور 13 عاما عليه، والعمل على ارغام الحكومة بمغادرة هذه المرحلة نحو مرحلة تطبيق الدستور واحترام سقوفه الزمنية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!