مقالات عامة

تأبَّط كتاب هكذا تكلَّم زرادشت

دخل مكتبة “المدى” في زقاق المسيحيين غرب كنيسة الروم الأرثوذكس يُريد بالتحديد كتاب “هكذا تكلَّم زرادشت” تأليف الألماني فريدريك نيتشه ترجمة اللبناني فليكس فارس، وكانت رائحة الخمر تفوح مع كلماته، فاستغربت ما عليه الحال، لأننا في الصباح ما نزال، وفي مدينة إدلب في الشمال الغربي من سورية! ومن باب الفضول سألت عن اسمه، فقال مُجيباً عن السؤال:

-عبد المسيح موسى.

-أنت مسيحي!؟

-أعوذ بالله! أنا مُسلم.

-أنت مُسلم وتشرب خمراً في الصباح يا عبدالمسيح موسى!؟

-نعم، الأمر لله، وهو الغفور الرحيم.

-تصلي؟

-نعم، أُصلي الجمعة جماعة في المسجد، ولا أعرف أن أُصلي وحيداً.

-تصوم؟

-كلا، لا أصبر على الصيام.

-تزني؟

-نعم، في بعض الأحيان.

-تتصدّق من مالك؟

-أحياناً.

-هل أنت شيوعي؟

-أعوذ بالله يا رجل.

-هل تؤمن بالكتب السماوية المقدَّسة؟

-بكل تأكيد، أو مهلاً، ربما نعم في أحيان، وربما لا في أحيان أخرى.

-هل تعتقد أن هناك في السماء ربَّاً يُسيّر هذا الكون الفسيح؟

-أعتقد أن الأمر كذلك.

-أنت عربي؟

-نعم، أو ربما لا، فأنا كما ترى أشقر الشعر بعينين زرقاوين، وسحنتي تُشبه سحنة أهل الإمبراطورية الرومانية والتي أقامت مدناً عامرة في ديارنا، نعم، أقصد “المدن المنسيَّة” في الهضبة الكلسيَّة في جبل الزاوية وعموم محافظة إدلب في الشمال الغربي من سورية. ولا أعتقد بأنها سحنة عربية، على كل حال عشت وأجدادي هنا وأتحدث العربية، تقدر أن تقول، نعم، أنا من العرب.

-أنت من العرب، أو من أهل روما، لا فرق عندك، مسلم، ولست من جماعة عيسى بن مريم، والعياذ بالله، تشرب خمراً، تصلي الجمعة جماعة في المسجد ولا تُصلي وحيداً، لا تصوم، تزني، تتصدق أحياناً، ولست من أهل الشيوعية والحمد لله. والسؤال الذي يخطر في البال: هل تشعر في وجدانك في ضميرك بأنك تعيش حرية تُرضيك أم عبودية تأنف منها في هذا البلد متعدد الأعراق والطوائف؟

-بصراحة أُحسُ في قرارة نفسي بعبودية غير متناهية في هذه الرقعة الجغرافية من العالم.

-مع أنه لا عبودية إلا للخالق.

-إذن؟

-أنت مؤمن على طريقتك، لا ولاء لك، لا مبدأ ولا دين، أنت ضائع بين بين، ما عندك هوية، ما رأيك أن تخرج من رتق العبودية التي تعيش وتدخل ملكوت الرحمة والحرية. ألم تصلك رسالة المفكر العراقي هادي العلوي البغدادي التي يقول فيها مخاطباً الحسين بن منصور بلا فواصل أو نقاط: (أيها الباحث عن المستقر بكل أرض لو استعبدتك المطامع لما ق*ت*لوك لكنه كيد التنين وغفلة من ينادمه في عز الصيف فخذ مني العهد أن لا أنادمه وأن أرفض الشرب من كأسه ما دمت مترعاً بكأسك وأن لا أقرب الواسطة بعد أن علمتني أنّ الحق لا يؤخذ من غير الحق ولن يكون دليلي بشراً يأكل الناس من يديه وقد خرجت من شرط الإيمان إلى شرط العلم ثم تخلصت منه إلى شرط المعرفة فشربت من أسرار الوجود ما أغرقني في بحار الاستغراق ولما غرقت في البحر لقيت الذين سبقوني إلى قراره فأخذوا بيدي إلى مقام الصعود وقالوا المالك للشيء مملوك له ومن أراد الحرية فليخرج من ملكوت الرغبة وبيوت الأغنياء لا تصح فيها الصلاة ومن استمع إليهم لم تدخل الحكمة إلى قلبه قلت لهم أجوع مع الجائعين فذلك هو شرط المعرفة وألتحف بالمنافي، فذلك هو شرط الحرية وإذا رضي عني الحسين بن منصور فليغضب عليّ كل سلاطين العالم)

– قرأتُ ما قال في الرسالة من زمان، ولكنني لم أخرج من مقام صاحب “قفا نبك” في قوله: بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دُونه/ وأيقنَ أنا لاحقان بقيصرا فقلتُ له: لا تبك عينك/إنّما نحاولُ مُلكاً أو نموت فنعذرا. وعلى كل حال الأمر أصعب مما تتصور، وأنا في نهاية الحال لي حرية اختيار الدروب التي يسلكها البشر، والدروب تصنعها الأقدام كما تعلم.

-هذا خيارك، سر في الدروب التي تريد يا عبد المسيح موسى.

-أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد.

-خذ معك هذه النسخة القديمة من كتاب “هكذا تكلًّم زرادشت” هديَّة من مكتبتي، لعل وعسى يهديك إلى الدرب المستقيم.

قال وهو يُغادر متأبطاُ كتاب نيتشه:

-هذا إذا وجدنا الدرب المستقيم على هذه الأرض، شكراً على الهديَّة الهادية.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!