آراء متنوعة

فاجعة المزونة في تونس أكبر من جدار متداعٍ للسقوط

فاجعة المزونة في تونس أكبر من جدار متداعٍ للسقوط

ردود فعل غاضبة
فرضت فاجعة “المزونة” التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب تونس) بعد سقوط جدار متداعٍ راح ضحيته ثلاثة تلاميذ من الصف الثانوي، حالة من الغليان داخل الأوساط التونسية غلّفها توتر عام عرفته البلاد وتقرر على إثره تنفيذ إضراب عام في قطاع التعليم الثانوي دعت إليه الجامعة العامة للتعليم. والحادثة على مرارتها ودرجة التفاعل معها لاقت صدىً إيجابيا وجدلا واسعا بعد أن أذنت النيابة العمومية بالقيام بتقرير مفصل حول الحيثيات والأسباب التي تقف وراءها.

مباشرة بعد التأبين الذي قام به أهالي الشبان الثلاثة داخل المعهد وتوديعهم من مدرسيهم ليواروا الثرى تزايدت حالة الاحتقان لتنتقل من فضاء المعهد إلى وسائل التواصل الاجتماعي من اتهامات وتبادل للمواقف كالعادة مع كل فاجعة تشهدها تونس.

الكل يعبّر بطريقته عن الضحايا الشبان الذين كانوا يستعدون لاجتياز امتحان الباكالوريا (الثانوية العامة) هذا العام، فهذا ينقل صورا لأحد أهالي الضحايا في حالة هستيرية على فقدان ابنه وذاك يعبر بطريقته عن الوضع الذي آلت إليه البلاد، والآخر علّق مرثيته وختمها ناقلا لوعة أمّ على فلذة كبدها وونيسها الوحيد بعد فقدان الزوج.

◄ قبل المباشرة في الإصلاح يفترض أن تحدّد المسؤوليات ويتعهد القائمون على الإصلاح بالإمضاء على عقود تضبط أشغالهم وطريقة التدخل والنتيجة

هذا غيض من فيض التونسيين الذين تفاعلوا مع الفاجعة إيجابا وعبّروا، كل بطريقته، عن تعاطفهم مع أهالي الضحايا، لكن الحادثة في جوهرها ودرجة شدتها ووقعها على الجميع تبقى عرضية مقارنة بما يعانيه قطاع التعليم العمومي في تونس من مآسٍ إن لم نقل كوارث تتجدد يوميا سواء في المناطق الداخلية أو في المدن الكبرى.

فاجعة المزونة بألمها الذي لامس التونسيين وحرّك سواكنهم للتفاعل معها أكبر من جدار متداعٍ آيل للسقوط بما آل إليه من نتيجة كارثية بسبب البنى التحتية المتهرئة للمؤسسات التربوية وغياب الصيانة وحتى وإن كانت هناك صيانة فإنها لا تتعدى حدود طلاء الجدران مع افتتاح كل موسم دراسي وما خفي كان أعظم. الحادثة تتجاوز الجدار إلى ما هو أعمق بكثير وتمسّ قطاعا حيويا منهكا كان على السلطة أن تفتح الباب للقيام بثورة حقيقية في شأنه منذ أمد بعيد.

بالنتيجة هكذا تكون الآلام مضاعفة. شيء من عدم تقدير السلطة لمسؤوليتها التي يجب أن تراعي أولا وأخيرا حق المواطن في تعليم عمومي بمواصفات معيّنة تحفظ كرامته وصحته، وشيء ثان من واجب المواطن الذي يجب أن يدافع عن حقه في المؤسسة العمومية بالرعاية وتقديم العون أو على أقله بأخذ الحيطة والحذر.

◄ اعتقاد راسخ بأن النتيجة ربما كانت ستكون بهذه الدرجة أو أفظع نتيجة التراخي في تحمّل المسؤولية والتلكؤ في تطبيق القانون

يدرك الجميع أن الحادثة مكررة وتتكرّر يوميا في كل القطاعات تقريبا، من فاجعة عمدون عام 2019 إلى انقلاب شاحنة عاملات الفلاحة عام 2024 إلى حادثة الرضع بمستشفى الرابطة إلى غيرها من الأحداث الأليمة التي تجرّع كأسها التونسيون وأخذ الغليان منهم مأخذا في تفاعلهم وسقط بهم اليأس في دوامة النسيان.

تبدو الأزمة عميقة وأكبر من التضحية بمسؤول أو اثنين ويغلق الملف. عُمق الأزمة يكمن في الإصلاح الذي يتوجب أن تباشره الدولة وترصد له الأموال اللازمة للقيام بما يتوجب فعله سواء تعلق الأمر بالمؤسسات العمومية التعليمية أو الصحية أو غيرهما.

قبل المباشرة في الإصلاح يفترض أن تحدّد المسؤوليات ويتعهد القائمون على الإصلاح بالإمضاء على عقود تضبط أشغالهم وطريقة التدخل والنتيجة. بالنهاية القانون هو الفيصل وتطبيقه يبقى سيّد الحلول ودون ذلك ستظل النتيجة دائما بجني كوارث وفواجع متتالية شاءت الأقدار أم أبت.

عالم اليوم لا يعترف بالسياسي الذي ينتظر الفواجع والكوارث ليتحرّك. تونس فيها ما يكفي من جدران آيلة للسقوط مثلما عبّر عن ذلك أحدهم بحروف نقشها على جداره الفيسبوكي “آه كم فيك من جدار آيل للسقوط يا وطني.” يكفي المناطق الداخلية ما عانته من تهميش واضطهاد وتراخٍ لتأخذ نصيبها هي الأخرى من التنمية والمشاريع الحيوية. يكفي أن تكون هي المصدرة للآلام التي يتسارع الجميع للمتاجرة بها مع كل فاجعة تحصل. فقط هو القرار الجريء المتبوع بإرادة حقيقية لتكون النتيجة جدّ إيجابية في أبعادها الإنسانية قبل الحيوية والوطنية عموما.

الحبيب مباركي
كاتب تونسي

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!