صوم الأربعين يوماً ودلالاته
صوم الأربعين يوماً ودلالاته
بقلم / وردا إسحاق قلّو
( ليس بالخبز وحدهُ يحيا الإنسان ) ” لو 4:4 “
الصوم أول فريضة فرضها الله على الإنسان في جنة عدن فأمر آدم وحواء بأن يصوما من تناول ثمرة شجرة معرفة الخير والشر . لكن الإنسان سقط في التجربة فطرد . إستمر الصوم مع الإنسان في العهد القديم وإلى أن دخل في العهد الجديد ليستمر بالصوم وبحسب وصايا الكنيسة إلى جانب الصلاة .
للصوم حسناته ، ففي فترة الصوم يتسلح المؤمن بسلاح قوي يتحدى به تجارب الإبليس ، فعليه أن لا يستسلم لحياة رخوة ليبالغ في الطعام والشراب ، إنما عليه أن يلتزم بالصوم كما صام المسيح الذي صار قدوة للمؤمنين به فعلمهم عبادة الله أولاً أكثر من عبودية البطن وشهوات الجسد . لهذا أسس الصوم كنظام إيماني ليعمِل به الجميع .
يسوع المسيح صام أربعين يوماً علماً بأنه لم يكن بحاجة إلى الصوم ، صام ليصبح مثالاً للإنسان ، فتنازل لأجل البشرية وصام ليعلمنا كيف نقاوم التجربة بعد الإيمان والمعمودية وكما حصل له بعد عماده . نحن البشر سنتعرض للتجارب وملاحقات الشيطان كما تعرض يسوع بعد المعمودية . صام يسوع اربعين يوماً وأربعين ليلة في البرية لم يتناول شيئاً طوال تلك الأيام ، وذلك لكي يميت رغبة الجسد بمثابرته في الصوم وإستمراريته . صام يسوع نفس المدة التي صامها النبيين موسى وإيليا اللذان لم يذكر الكتاب عنهما بأنهما قد جاعا عكس يسوع الذي كتب عنه بأنه جاع . فهل جاع فعلاً إلى الطعام ، أم جاع لخلاص البشر ؟ علماً أنه إعترف بأنه جاع جسدياً . إذاً جوع الرب يسوع كان حيلة تقية ضد الإبليس ، فإخضاع يسوع جسده للجوع أعطى لعدوه فرصة وحجة لمهاجمته ليقاومهُ كإنسان كامل دون أن يلجأ إلى إستخدام لاهوته .
عندما رآه الشيطان جائعاً إنتهز الفرصة لتجربته كإنسان وكما فعل مع الأبوين . فتظاهر بأنه مهتم بصحة يسوع الجائع فطلب منه أن يحول الحجر إلى خبز ومن ثم يتناولها فيقضي على جوعه . حيلته كانت لإغضاع يسوع إلى آرائه وأوامره لكنه فشل .
ماهو رمز الصيام لأربعين يوماً ؟
رقم الأربعين عدد بارز مستمر مع تاريخ الإنسان . يبدأ من مياه الغمر التي سالت لمدة أربعين يوماً فأغرقت الأرض كلها ( تك 4:7 ) . وهكذا جاء صوم موسى لعدد مماثل فأعطي نعمة وإستحق أن يتلقى الشريعة ( خر 28:34 ) ، كما أن هذا العدد هو لسنين التي عاشها الشعب العبري في البرية بعد خروجهم من أرض العبودية . فتناولوا هناك خبز الملائكة ، وحسنات السماء ، وبعد ما أكتمل هذ العدد بالسنين ، إستحقوا الدخول إلى أرض الميعاد ( يش 6:5 ) . وبعد موسى جاء إيليا النبي في جبل حوريب مشدداً بالطعام الملائكي ، ومن ثم جاء العهد الجديد ليصوم فيه يسوع نفس الفترة ، لا أكثر لكي لا يتهم بأنه قد إستخدم قدراته اللاهوتية لأجل المقاومة . كما أنه لم يتلق اي معونة خارجية ، لا من السماء ولا من الأرض .
قال القديس غريغوريوس الكبير عن العدد أربعين أنه يرمز إلى فعالية الوصايا العشر إلى ملئها في كتب الأنجيل المقدس الأربعة . فنتيجة حاصل ضربها هو الرقم أربعون .
نحن نتمم تعاليم الوصايا العشرة بكاملها عندما نلتزم بتعاليم الأنجيل المقدس الأربعة . كما أن العدد أربعين يشير إلى مجمل الحياة الحاضرة ، وعلى البشر في كل صقاع العالم الأربعة أن يتسلحوا بالوصايا العشرة ضد التجارب ، أو يعني العدد أربعة كل حركة غير جائزة للجسد وعلى الوصايا العشر أن تعارض تلك الحركات . والعدد عشرة هو مجموع ثلاثة وسبعة . ثلاثة وصايا تخص الله ، وسبعة تخص القريب .
عبَّرَ ( جان دولاروستيل ) ليشرح الإصحاح الرابع من إنجيل متى عن الصوم ، فقال : بخصوص السر في الصوم الأربعيني ، فهو بالفعل علاقة على غفران الخطايا . وإتمام مدة الحكم ، وتحقيق العدالة . غفران الخطايا ، لأن مجموع قواسم العدد أربعين يؤدي إلى الخمسين ، رقم اليوبيل وصورة الغفران ، لأن الرقم أربعين هو حاصل ضرب أربعة في عشرة . الصوم أربعين يوماً يعني إكمال مدة الحكم لكل من خالفوا الشريعة والآناجيل . تحقيق العدالة لأننا بهذا العدد نوفي ديوننا من العشور وبواكير الزمن .
في الختام نقول : فترة الصوم هي أقدس أيام السنة لأن الإنسان يلجأ للإقتراب من الله من أجل غفران ذنوبه ولكي يتطهر ويشبع لا من خبز الجسد ، لأن ( ليس بالخبز يحيا الإنسان ) ، بل هنا خبزاً للروح موجود في كلمة الله المدوَّنة لنا في الكتاب المقدس ، فأثناء الصوم يلجأ الإنسان إلى تناول كلام الله من خلال القراءة ، أو السماع . وبكلمة الله يرتبط وجوده وقيمته الغذائية . الإنسان الذي يتغذى بالخبز فقط لا يعيش بواسطة الخبر ، بل بكل كلمة من الله ( لو 4:4 ) وهذا يدل على ثلاث أشياء :
أولاً : كلمة الله غير المخلوقة ، وهي مسبب الواقع الذي نعتبرهُ .
ثانياً : الكلمة التي هي علّة هذا الواقع المخلوق بالكلمة الإلهية وبحسب الفكر الإلهي . الإنسان يعيش من كل هذا . أن مادة الخبز لن تغذي إن لم يكن الغذاء في الفكر الإلهي الخاص بالخبز . وما كان هذا الفكر ليوجد لو لم تكن هناك كلمة الله التي هي علّة إستمرار كل حقيقة خلقها وسبب هذا الإستمرار .
الجسد يتطلب الغذاء المادي . أما الجزء الآخر من الإنسان فهو روح يتغذى من الخبز السماوي ، والله هو خبز الملائكة والبشر المؤمنين الذين يتناولوه في الخبز السري ومن كلامه الجوهري ووصاياه فيحيوا به ويقودهم إليه إلى حياة لا جوع فيها ولا ألم ولا حزن ، بل فرحٍ دائم .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” 16:1 “.