مقالات

دعوى أجر المثل بين الشركاء في العقار بين القانون المدني والشريعة الإسلامية ح 11

قرار تميزي تطبيقي
أصدرت محكمة التمييز الأتحادية قرارها المرقم 212 /هيئة مدنية / 2008 في 2008/4/22 (ان دعوى المدعي تضمنت طلب رفع التجاوز بالبناء الواقع من قبل المدعى عليه على القطعة وهي بستان مملوكة للدولة وحق التصرف فيها الى عدد من الشركاء من بينهم مورثي الطرفين، وقد ردت محكمة الموضوع الدعوى بحجة وجود قسمة مهايأة مكانية بين المميز والمميز عليه وباقي الشركاء وان الأبنية المطلوبة ازالتها شيدت على الجزء المخصص للمدعى عليه نتيجة تلك القسمة ومن ان موضوع اقامة الأبنية شأن يعود للشريك ضمن الجزء المحصص له، وهذا الأتجاه لا سند له من القانون حيث ان قسمة المال الشائع مهايأة كما اشارت اليه المادة “1078” من القانون المدني وهي طريق للأنتفاع بالمال وبالتالي فأن مجرد وجود قسمة المهايأة لا يبيح للمتقاسم البناء على الجزء المختص دون الحصول على موافقة الشركاء (.
من دراسة هذا القرار ندرك أن محكمة التمييز الأتحادية وبحكم خضوعها التام لمبدأ النصية في القانون سارت على وفق التناقض الموجود في المادة 1061 / 2، أي أن مفهومها للملكية يعتمد على وصف التقيد والملكية الناقصة، مع أن القسمة المكانية أو المهايأة المكانية وفقا للفهم التشريعي والفقهي أذن ورضا وجواز قانوني وإن كان محدود المدة، إلا أنه أحرز الأذن المطلوب في المادة 1063، فيكون تصرف الشركاء في الأبنية تصرف صحيح ولا غبار عليه طالما أنه جرى بإرادة الشركاء، هنا تدخل القضاء في تقيد ما لم يقيد أو غير قابل للتقييد وتفسيرا جامدا لروح القانون والعدالة التي أرادها المشرع ولضرورات الحياة العملية.
ما يثار في تطبيق هذا القرار هي الأسئلة التي تجد لها مجالا واسعا في أستيعاب القرار وفهمه منها:.
1. ما هو مصير الأبنية المشيدة والضرر الذي يلحق الشريك جراء طلب بقية الشركاء هدمها؟.
2. ما هو مصير بقية الأبنية أو التصرفات المحدثة على ذات العقار من الشريك الملزم بالقرار أو من بقية الشركاء؟.
3. ما قيمة الأتفاق والرضا والأذن الممنوح من بقية الشركاء جراء قسمة المهايأة المكانية التي تم إبرامها بين الشركاء؟.
4. وفق أي قاعدة قانونية أو مسئولية يمكن للشريك الملزم بهدم الأبنية طلب التعويض عما أصابه نتيجة إخلال الشركاء بما تم الأتفاق عليه. هل وفقا للمسئولية العقدية الناشئة عن القسمة. أم وفق المسئولية التقصيرية الناتجة عن الرجوع عن إرادة مستقلة في منح الرضا؟ أم على أساس المسئولية القانونية الناتجة عن الفعل الضار؟ أم لا يستحق المتضرر أي تعويض طالما أنه يدرك منذ البداية أن القسمة محدودة زمنيا تنحل بعدها بألتزاماتها وحقوفها؟.
ولو أن محكمة التمييز قد صوبت هذا الأتجاه لاحقا نحو المزيد من المرونة في قضية الهدم في قراراتها اللاحقة، إلا أنها ما زالت لا تعترف بكون ملكية الشريك هي ملكية تامة بحق الحاضر الذي لا يعترض كما جاء في أحكام المجلة، فقد ورد قرار الهيئة العامة لمحكمة تمييز العراق الأتحادية بالرقم /464 الهيئة العامة /2011 في 2011/2/25 والذي قضى (لدى التدقيق والمداولة من قبل الهيئة العامة في محكمة التمييز الأتحادية، وجد ان الطعن التمييزي واقع ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا، ولدى عطف النظر في الحكم الأستئنافي المطعون فيه وجد ان موضوع الدعوى انصب على طلب المدعي ــــ المميز ــــ قلع المحدثات التي شيدها شريكه في العقار موضوع الدعوى المملوك على وجه الشيوع وان محكمة الأستئناف قضت في حكمها المميز المؤرخ 2010/16/4 بتأييد الحكم البدائي المتضمن رد الدعوى عن المدعى عليه الذي حصرت الدعوى به من حيث النتيجة معلله ذلك بأن الآذن بالبناء كما يكون تحريريا يكون شفاها ايضا، ولدى امعان النظر بالحكم المذكور وبالأحكام القانونية التي تعالج موضوع الملكية الشائعة فأن المواد من 1061 الى 1069 من القانون المدني العراقي قد نظمت المالك في الشيوع وواجباتهم في ادارة المال الشائع، فكل شريك في الشيوع يملك حصته الشائعة ملكا تاما وله حق الأنتفاع بها واستغلالها بحيث لا يضر بشركائه، وكل شريك اجنبي في حصة الآخر، ولا يستطيع القيام بالتصرف الضار بشريكه إلا برضاه وهذه هي القاعدة العامة في الملكية الشائعة والتي اوردها المشرع بالمادتين 0611 و 1062 من القانون المدني، ولكن هذه القاعدة العامة ليست مطلقة بل انها مقيدة بحكم المادة التالية لها رقم 1063 من القانون المدني، فبمقتضى احكام الفقرة الأولى منها اجازت للشركاء الأنتفاع بالعين الشائعة مجتمعين، ولكن الفقرة الثانية منها اجازت ايضا لكل واحد من الشركاء حق الأنتفاع بحصته منفردا، ولكن اذا انتفع هذا الشريك بالعين كلها في سكنى او مزارعة او ايجار او غير ذلك من وجوه الأنتفاع وبطبيعة الحال فأن (اقامة المشيدات) يدخل ضمن تلك الوجوه من الأنتفاع ألنها جاءت على الإطلاق ولم تأت على سبيل الحصر بنوع معين من وجوه الأنتفاع، فأن كان هذا الأنتفاع الذي انفرد به الشريك قد حصل بدون اذن شركائه وجب عليه لهم اجر المثل، ولما كان القانون قد رسم الطريق في حالة استحواذ احد الشركاء بالأنتفاع بالملك الشائع كلا او جزءا ان يكون هذا الشريك ملزم قانونا بأجر مثل حصة باقي الشركاء فلا يبقى موجب لبحث ما اذا كان الآذن الصادر من الشريك شفويا ام تحريريا لأن للملكية الشائعة طبيعة قانونية خاصة بها تميزها عن الملكية الفردية، اذ في الملكية الفردية اذا حصل التجاوز عليها من قبل الغير فهنا للمالك الحق برفع التجاوز وازالة المحدثات اضافة الى استحقاقه لأجر المثل باعتباره ريع مستحق في ذمة الحائز سيء النية، اما في الملكية الشائعة فاذا حصل فيها الاستغلال او الأنتفاع ليس من الأغيار بل من احد الشركاء بدون اذن شركائه فلا يصح للشركاء الآخرين قلع المحدثات بل يكون لهم الحق بالمطالبة بأجر المثل كتعويض لهم جراء حرمانهم من الأنتفاع بحصصهم من قبل الشركاء الآخرين، واذا كان ذلك التعويض غير مجزي لهم فلهم الحق بطلب ازالة شيوع الملك الشائع وفق القانون، وحيث ان محكمة الأستئناف انتهت الى تأييد الحكم البدائي المتضمن رد دعوى المدعي ــ المميز ــ لسبب اخر فيكون حكمها موافقا للقانون من حيث النتيجة لذا قرر تصديقه ورد الطعون التمييزية وتحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالأكثرية(.
ومع أن هذا القرار يعتبر حالة متقدمة عالجت مشكلة قانونية إلا أنه أيضا شابه عيب قانوني في التعليل والتخريج طبقا لما ذهبت إليه في تطبيق أحكام المادة 1063 ق م، والتي أشترطت الأذن في المطالبة بأجر المثل، وحيق أن محكمة الموضوع توصلت في تحقيقاتها على أن الشريك المتصرف بالبناء كان قد حصل على الأذن المسبق من الشريك المدعي قبل إحداث الأبنية، فكان مقتضى الحكم أن لا يحكم له لا بقلع المشيدات ولا بأجر المثل للفترة السابقة للدعوى ولا حتى اللاحقة لأن ما قام به الشريك المحدث للمنشاءات كان برضا وموافقة وجواز شرعي من شريكة وتطبيقا لقاعدة الجواز الشرعي ينفي الضمان وفقا للمادة 6 من القانون المدني، فتكون دعوى المدعي (المميز) فاقدة للسند القانوني الملزم.
إذا ان اساس المطالبة بأجر المثل هو تكيف وضع اليد غير الصحيح قانونا على حق مملوك لأخر بدون أذن الأخير ورضاه الحقيقي أو المفترض، ما لم يثبت العكس وفي إطار زمني محدد يسقط بسقوط حق المطالبة، ومن ثم فإن دعوى رفع تلك اليد هي دعوى من دعاوى الملكية التي تتصل بحق محمي بالقانون لما يشكله من تعدي عليها، وهذا لا يسقط معه المطالبة بأجر المثل، لأن الأخير ليس تعويضا عن ضرر اصاب الشريك بل هو تعويض عن فوات منفعة، ومن هنا نرى أن محكمة التمييز الأتحادية عليها بالعودة الى اتجاهها السابق والقاضي بمنح الشريك الحق في الرجوع على شريكه الآخر المتجاوز على حصته بطلب رفع التجاوز وازالة المحدثات دون التسليم قبل القسمة او بتسليم الحصة بعد القسمة، مع مراعاة حقه بطلب اجر المثل كتعويض عن فوات المنفعة عن الفترة التي غصب بها الشريك الآخر حصته الشائعة طالما نبهه وأعلن معارضته له في التصرف وفقا لقواعد الفضالة التي تحدثنا عنها والمدة الزمنية اللازمة لمن كان حاضرا أو عالما بالتصرف دون معارضة ثابتة وقضائية، وإلا سقط الحق أصلا بالرضا والقبول والسكوت الذي هو في معرض الحاجة بيان بالإيجاب.

.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!