مقالات

التخريب الصحي في العراق :

بقلم العارف الحكيم عزيز حميد مجيد
قبل أشهر أثناء وجودي في العراق , دار حديث بيني و بين طبيبة عراقية من أرحامنا تعمل في أحد المستشفيات ببغداد مدّعية بأنها تفحص و تعالج يومياً أثناء الدوام الرسمي بحدود 1500 مريض!
لمجرد سماعي للخبر في الوهلة الأولى لم أصدق ذلك, و تصورت أنها تمزح جرياً مع الخراب و الفساد المتغلغل في العراق أو ربما تريد بيان دورها البطولي .. لكني عندما كرّرت سؤآلي منها للتأكد من دعواها؛ بكونها حقاً تقوم بفحص و علاج 1500 مريض يومياً !؟
أجابت : نعم بآلتأكيد هذا واقع .. و هذا عملي كل يوم .. فكانت بآلنسبة لي بمثابة الصدمة ؛ بينما الحضور جميعأً إعتبروا الأمر مسألة طبيعية للأسف!

و لأني أعلم بخصوص النظام و الأدارة الحديثة للمنشآت و المعامل و المصانع بضمنها الصحية و الصناعية و الزراعية و التكنولوجية لكونها جانباً من دراساتي العليا في عدة دول منها كندا, بل و كنت مديراً في مصنع السيارات و التراكتورات في مدينة (أراك) وسط الجمهورية, فآلأدارة ضمن إحد إختصاصاتي المتعلقة بإلإدارة و التنمية كخبير أقدم.

المهم قلت لها : إسمحيلي .. أن أقول بصراحة؛ إنها ج#ريم*ة .. و المشكلة بآلمناسبة هو ظلم أيضاً للأبرياء الفقراء و تبعاته لا تتعلق بك فقط بل و تتعلق بإدارة المستشفى و حتى الحكومة العراقية الفاسدة كلها و معها الطبقة السياسية بآلأخص وفي المقدمة لأنهم جهلاء تمّ إنتخابهم من قبل شعب غير مثقف .. بل مثقفيه لا يعلمون شيئاً عن الحياة لأن خريجهم لا يتقن سوى حساب الراتب الذي يتقاضاه شهرياً ليملأ بطنه للأسف و هكذا .. لأن أوضاع العراق كانت و لا زالت فاسدة على كل صعيد للأسف.

ثم بيّنت لها و للحضور الذين كانوا مستغربين من الحديث و (الخبر) و بضمنهم قريب آخر لي ولها تنّكر للخطأ الجسيم ضمنياً و إعتبره عادي مع آلأسف محاولاً الدفاع عنها, حيث أراد إنتقادي والتنقيص من شأني بلا دليل علميّ أو منطقي وأدبي أو أخلاقي أيضاً مدّعياً بأني لست طبيباً و لست مختصاً, محاولاً التخفيف عن خطأ(ج#ريم*ة) الطبيبة, وكان ردّه باهت و سطحي ولا علاقة له بأصل المشكلة, لذلك فضلتُ كعادتي ترك النقاش معه فأمثاله دون مستوى الموضوع ولا يملكون آلوعي أو الثقافة أو الفكر!

و قال قريب آخر لأنّ(المجلس كان عائلياً) كان من ضمن الحاضرين في نفس المجلس و يعمل موظفاً(مهندساً) في وزارة النفط العراقية : [المشكلة تكمن في عدم وجود”إستاندارد” و نظام في العراق) أيّ نظام (الجودة) للصحة كما غيرها في العراق]!

قلت له أيضاً؛ رغم إني قد سبقته فيما مضى بإعطائي له بعض الدروس حول هذا الأمر, قلت :

[صحيح ما تفضلت به و أعرف ذلك يا بني, لكن أَ لَا يوجد فكر وقلب و وجدان لمعرفة و حلّ المشكلة؟ فهؤلاء الناس المرضى يأتون صباحاً و كلهم أمل لأخذ آلعلاج الصحيح و اللازم و المناسب و يقضون يوما كاملاً للمجيئ في الزحام .. لكنهم يأتون و برجعون بلا نتيجة منطقية للأسف و ربما يأخذون العلاج الخاطئ, ف(آلمقدمات عندما تكون خاطئة فأن النتائج تكون خاطئة)]؟

فكيف يتم فحص كل ذلك العدد الكبير .. خلال بضع ساعات فقط و الحال إن الوقت لا يمكن أن يستوعب حتى ربع أو عشر العدد مهما حسبنا و رتبنا آلأمر و كل مريض يحتاج لربع ساعة على ألأقل حتى في البلاد المتخلفة لمعالجته .. فكيف يتم خلال أقل من دقيقة!؟

أَ لا يتم السؤآل من المريض/المريضة عن إسمها/إسمه أو أعراض مرضها و أسبابها و تطوراتها و نوعها و تأريخها ثمّ فحص درجة الحرارة أو ضغط الدم و غيرها من الفحوصات الأولية العادية التي تجريها حتى نظام السودان و دول أفريقيا وأي طبيب و في أي بلاد في العالم!!؟؟

فلا بد من تلك المقدمات مهما كان حال و وضع المرض إبتداء .. ليتسنى للمعالج (الطبيب) كتابة (النسخة) المطلوبة و بيان و توضيح و مقدمة وافيه عن كيفية و زمان إستخدام الدّواء و نوع الغذاء المطلوب وووو غيرها من الوصايا المطلوبة؟
و هذا بطبيعته يستلزم بعض الوقت على الأقل 15 – 20 دقيقة و ربما نصف ساعة إلى ساعة أحياناً لكل مريض!؟
و هكذا لو حسبنا عدد المرضى 1500 مريض حسب إدّعائها و قسّمناهم على الزمن المتوفر لما إستطاع المعالج(الطبيبة) من فحص و علاج نصف ربع ذلك العدد الكبير ؟!
و تلك هي حقوق الأنسان في العراق!؟
طبعاً لو حسبنا بأن طبيبتنا لا تصلي ولا تأكل و لا تشرب ولا ترتاح بعض الوقت أثناء الدّوام .. و هذا أيضاً مستحيل!؟
و فرض فيه خلل .. و خلل كبير.
المهم يبدو أن كل مستحيل و غير ممكن و كل شيئ غير منطقي بات ممكناً في العراق .. لكن بالجانب السلبي طبعا لا الأيجابي,
و آلمشكلة الأكبر و الأخطر هو خراب العقل الجمعي و هذه خطورة عواقبها وخيمة .. ولو حاولت إصلاح أو حتى إنتقاد مثل تلك الأوضاع الخطيرة في بغداد أو العراق و كما حدث في مجلسنا ؛ فإنهم يعتبروك من الجهلاء و عديمي الفهم, و السياسيون يعتبرونك معارضا و عدواً لهم .. بمعنى كل شيئ أصبح معكوساً في بلادنا نتيجة العزوف عن القراءة و إعتقادهم بأنّ الشهادة الجامعية (الورقية) هي المنى و المعيار للشخصية و الحياة, متناسين بأنّها(الشهادة) مجرّد مهنة لخدمة الناس وكسب لقمة المعيشة مقابل خدمة الناس طبياً و حتى هذه (المهنة) لم يعد يتقنوها لفساد التعليم في العراق و لتنامي الجهل و التعصب و الغباء الذي تشعب في كل بيت و ركن و زاوية و جامعة و وزارة في العراق حتى في الخط الأول في الحكومة و البرلمان و القضاء و باقي المؤسسات للأسف !؟

و من هنا توقع كل محظور و كل مستقبل و مصير أسود يكون للعراق مع الفساد و تلك العقول المعصّبة و المتخلفة و كأنهم يعيشون خارج الزمن!؟

و لو تعلم عزيزي القارئ بمعلومة أخرى إضافة لما ذكرته عن الفساد و الخراب الصحي في العراق لجُننت حقاً مما يجري!
وتلك مصيبة عظيمة لا تقف عند الحدود التي أشرنا لها آنفاً فقط .. بل و تُؤكد كلّ ما كتبناه و عشناه في العراق لحد الآن, و المعلومة هي أنّ عدد الأطباء فيه كبير جداً و فوق الإستندار العالمي بحيث يأتي العراق في المرتبة الـ 13 من بين دول العالم و كما يبين التقرير الذي أوردته المجلة الامريكية CEOWORLD ، من أن العراق إحتل المرتبة الـ 13 عربيا والـ 118 عالميا للبلدان التي لديها اعلى و ادنى عدد من الأطباء لكل فرد للعام 2023م(1).
إذن ؛ مشكلة الفساد و الخراب الصحي في العراق لا تتعلق بعدد الأطباء؛ إنما بآلثقافة و الفكر و الدين و السياسة الفاسدة المنتشرة في النظام و بين الناس, و بآلنظام السياسي بآلذات و الذي يقود البلد نحو الهاوية و ذبحه بآلقطن بسبب المحاصصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) للأطلاع على التفاصيل عبر الرابط التالي
https://www.sotaliraq.com/2024/01/23/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%aa%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%80-13-%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d9%84%d9%84%d8%a8%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa/

العارف الحكيم عزيز حميد مجيد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!