مقالات دينية

كنيسة المشرق في أواخر العهد العثماني

سامي خنجرو

1كنيسة المشرق الكلدانية الكاثوليكية

بعد أن أقدم الكرسي الروماني على دمج بطريركية دياربكر (امد)، بعد موت مار أوغسطين هندي سنة 1828م، مع بطريركية بابل، قام البابا بيوس الثامن بالمصادقة على تعيين مار يوحنا هرمزد بطريركا في 5 تموز سنة 1830م. ولابطال القاعدة الوراثية نهائياً في المنصب البطريركي ، عيّن الكرسي الرسولي المطران نيقولاؤس زيعا مطران سلامس معاوناً بطريركياً مع حق الخ*لافة. وبهذه الوسيلة، تمّ ابطال القاعدة الوراثية والتي استمرّت قرابة 400 سنة في كنيسة المشرق، منذ عهد شمعون الرابع الباصيدي (1437-1497)م.

بعد موت البطريرك مار يوحنا هرمزد سنة 1830م ، تم تعيين مار نيقولاؤس زيعا بطريركا بدون انتخاب، وهو أول من نال الفرمان العثماني الذي يعترف به بطريركا على الكلدان. كما وتمّ تثبيت الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كملـّة(Mellet) لدى سلطات الباب العثماني وذلك سنة 1844م. لكن البطريرك زيعا وجد نفسه أمام مصاعب جمّة، فقدّم استقالته من المنصب البطريركي وذلك سنة 1847م، ورجع الى مسقط رأسه خسراوا (ايران)، وتوفي هناك سنة 1862م.

وفي المجمع الذي عقده الاساقفة الكلدان في أواخر 1847م، تم انتخاب مار يوسف أودو مطران ابرشية العمادية بطريركاً(وهو من الرهبنة الانطونية الهرمزدية الكلدانية). ومن الاعمال التي قام بها مار يوسف أودو: ترميم وتوسيع كنيسة الشهيدة مسكنته التي صارت مركزاً للكرسي البطريركي. وتم تكريس الكنيسة الجديدة في 21 أيلول سنة 1851م. وفي زمانه تمّ بناء دير السيدة شرق القوش، بعد أن ضاق دير الربان هرمزد  لكثرة الرهبان، وذلك بهمة القس اليشاع رئيس دير الربان هرمزد، وكذلك القاصد الرسولي هنري أماتون بالاموال التي قدّمها لهذه المشروع. كما وقسّم أبرشية العمادية الواسعة ( وكان غالبا يرأسها المطران ناطور الكرسي) والتي كانت تشمل اقليم البهدينان كلـّه الى ثلاث أبرشيات، هي العمادية وأقام عليها المطران الراهب توما دوشو، وأبرشية عقرة والزيبار وأقام عليها المطران ايليا سفرو، ثم أبرشية زاخو ونوهذرا وأقام عليها المطران عمانوئيل أسمر.

وبعد أن رتـّب مار أودو الابرشيات، قرّر أن يجمع أساقفة الطائفة لعقد مجمع لرسم بعض القوانين التهذيبية. واستشار لهذا الغرض البابا بيوس التاسع. وعيّن قداسته بمنشور خاص الاب بلانشيه اليسوعي، نائب القاصد الرسولي، ليترأس أعمال المجمع. وعقد المجمع في 7 حزيران في دير الربان هرمزد، واستمر خمسة عشر يوماً.  أما الابواب التي تمّ مناقشتها فهي بأختصار: الايمان، الاسرار الكنسية، التدبير الكنسي، الاكليروس والمدرسة الاكليريكية. كما وتمّ اضافة بعض الاعياد وحذف اخرى، اضافة الى اختصار الاصوام على مدار السنة. كما أجاز المجمع استعمال الحساب الجديد الغريغوري، وترك للاساقفة حرية ذلك لاستعماله في أبرشياتهم.

وجرت لمار أودو البطريرك مع روما مناقشات خطيرة منذ سنة 1860م، وأهم أسبابها كانت القضية الملبارية في الهند. فان الكلدان الملباريين طلبوا من مار اودو ان يرسم لهم اسقفاً من طقسهم، وأوفدوا الى البطريرك رسلاً ورسائل لهذا الغرض. وكان تمسّكهم الشديد (أي الملباريين) بهذا الطلب، اضافة الى بعض الكهنة ووجهاء الطائفة في الموصل الذين ارادوا الحفاظ على التقاليد الموروثة، سبباً لاصرار البطريرك لتلبية مطلبهم. وجرت مراسلات ونزاعات شديدة بين البطريرك والكرسي الروماني واستمرّت زماناً طويلاً. لكن مار أودو كان ذا ضمير حي وشديد التمسّك بالخضوع لروما طوعاً، فتراجع عن مطاليبه بخصوص ملبار. وتمّ اجتياز هذا المأزق الشاق برسالة رفعها الى البابا بيوس التاسع سنة 1877م. وتوفي في السنة التالية، ودفن في دير السيّدة.

اجتمع الاساقفة الكلدان لاختيار خلف لمار أودو في دير السيدة في 26 حزيران سنة 1878م. وتمّ انتخاب مطران الجزيرة مار بطرس ايليا عبّو اليونان بطريركاً. وقد أيّد الحبر الروماني البابا لاون 13 هذا الانتخاب وأنعم عليه الباليوم أي الدرع المقدّس في 28 شباط سنة 1879م. وأهم ما جاء في زمان بطريركيته هو، أولاً: ألاتفاق والصلح الذي جرى بين أبناء طائفته في الموصل، التي كانت قد انقسمت الى قسمين في زمن سلفه بسبب المشكلة الملبارية، وثانياً: سعى مار ايليا لطبع طقس الصلوات الفرضية (الحوذرا) على مدار السنة. وأوكل ذلك الى العلامة الاب بولس بيجان اللعازري من خسراوا (ايران). كما وأوفد لهذا الغرض المطران العلامة عبديشوع خياط مطران دياربكر، الذي قصد روما للتباحث مع الكردينال سيمونيه رئيس مجمع انتشار الايمان، حول هذا العمل الخطير. وتمّ طبعه بثلاثة أجزاء أنيقة في ليبزيك في النمسا في شباط 1887م. وكانت الامال معقودة على البطريرك الشاب، لعلمه الواسع وحكمته لتقدم وخير الطائفة. لكنه تعرّض لحمى التيفوئيد احتملها بصبر، وتوفي بعد 14 يوما من اصابته بها في 27 حزيران 1894، ودفن في كاتدرائية الشهيدة مسكنته.

أقام الكرسي الرسولي مار عبديشوع خياط مطران دياربكر نائباً بطريركياً. واختار الاباء الاساقفة مار جبرائيل ادمو مطران كركوك بطريركا، الاّ أنه اعتذر عن قبول هذا المنصب. ثمّ اختاروا مار عبديشوع خياط بطريركاً في 28 تشرين 1 سنة 1894م. وأسيم في دير السيدة في القوش. وكان مار عبديشوع قد درس في روما وأحرز تفوقاً باهراً في دراسته ونال شهادة الملفنة (الدكتوراه) في الفلسفة واللاهوت، اضافة الى علمه الواسع في اللغة الكلدانية وادابها. وتوفي في بغداد في اواخر سنة 1899م، بعد أن كرّس كنيستها الجديدة امّ الاحزان في منطقة عقد النصارى  .

2. كنيسة المشرق (النسطورية)

رجوعا الى السلسلة البطريركية لمار يوحنا سولاقا الكاثوليكي (1552-1555)م وخلفائه، فان الكرسي البطريركي انتقل من امد الى سعرد (تركيا)، ثم تأرجح بين سلامس وأورمية (ايران)، الى ان نقله البطريرك شمعون الثالث عشر دنحا (1662-1700)م الى قوجانوس (قوذشانوس) في جبال هكاري. ثمّ قطع الاتصال مع الكرسي الروماني لاحقاً، بعد ان كان قد بعث بصورة ايمانه الى البابا كليمنت سنة 1670م. وعاد الى العقيدة التقليدية لكنيسة المشرق (النسطورية)، كما وأدخل القاعدة الوراثية في هذا الخط من البطاركة أيضا. وتعاقب البطاركة الشمعونيون على هذه السلسلة البطريركية في قوجانوس. وبقيت أخبار هذا الخط من البطاركة شحيحة لانعزالها في جبال الهكارية، وعاشوا شبه مستقلين عن الدولة العثمانية. وكان البطريرك يعتبر نفسه الرئيس الديني والمدني لاتباع طائفته.

ومن أهم الكوارث التي حلـّت بكنيسة المشرق النسطورية، هي هجوم بدرخان بيك الكردي حاكم الجزيرة في تركيا سنة 1843م. فهجم على العشائر النسطورية وأجرى مذبحة وق*ت*ل خلقاً كبيراً منهم، وأحرق القرى وسلب مواشيها وأتلف غلـّتها. وأقدمت قواته على سبي العذارى، حتّى أن بعضهن ألقين أنفسهن في الانهر للنجاة من الفضائح، التي يكـّل اللسان عن وصفها. ولقد فرّ البطريرك مار شمعون 17 أوراهم (1820-1861)م الى مدينة الموصل بسبب هذه المذابح التي استمرت الى سنة 1847م. لكن القوات العثمانية بقيادة عثمان باشا، جهّزت حملة لمحاربة بدرخان بيك، واستولت على مواقعه الحصينة. وأخيراً سلـّم نفسه لعثمان باشا وارسل الى المنفى. فاستولت القوات العثمانية على كردستان الشمالية ومراكز العشائر النسطورية، وأقامت فيها الولايات والاقضية وفرضت عليها الرسوم الاميرية.

 وبقيت الحالة الامنية مستقرة نسبياّ الى أن بدأت الحرب العالمية الاولى. هذه الحرب التي حطّمت امال مؤمني هذه الكنيسة في العيش في ديارهم التقليديه هكاري بسبب الاضطهادات والمطاردات من العشائر الكردية والحكومة التركية. خاصة بعد أن أعلن البطريرك شمعون 19 بنيامين (1903-1918)م وقوفه واالعشائر الاثورية مع الحلفاء ضد العثمانيين الاتراك ودول المحور في تلك الحرب. لكن مار شمعون أغتيل على يد الاغا سمكو رئيس عشيرة شكاك الكردية. وتسارعت الاحداث وانسحبت العشائر الاثورية من قراها في هكاري الى اورمية، تحت ضغط القوات التركية والعشائر الكردية، ثم الى العراق تحت أنظار القوات البريطانية. وأقام الانكليز مجمّعا لهم على ضفة نهر ديالى في بعقوبة. وأدت هذه الاحداث الى استشهاد عدد كبير من أبناء هذه الكنيسة، اضافة الى وفاة عدد اخر منهم أثناء الانسحاب، خاصة من الشيوخ والاطفال.

 ان الحرب العالمية الاولى دفع ثمنها المسيحيون عموماً في تركيا: الارمن، الكلدان، السريان والاثوريون. أن الكلدان الكاثوليك خسروا جميع أبرشياتهم الخمس في تركيا وهي: دياربكر، سعرد، الجزيرة، ماردين، ثمّ وان، أضافة الى أبرشية أورميه وسلامس في أيران، مع استشهاد ثلاثة مطارنة، وهم: مار توما أودو مطران اورمية، مار أدي شير مطران سعرد ومار يعقوب أوراهم مطران الجزيرة، مع عدد كبير من مؤمني تلك الابرشيات، بسبب الاضطهاد الجائر على المسيحيين عموماً أنذاك. (للمزيد عن تلك المذابح، أحيل القارئ اللبيب الى كتاب: اضطهاد المسيحيين في تركيا، من تأليف المطران اس*رائ*يل أودو مطران ماردين للكلدان (وهو شاهد عيان)، تعريب الشماس خيري فوميه سنة 2009م.

   سامي خنجرو – استراليا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!