الحوار الهاديء

تساؤلات وتحليل لنداء البطريركية الكلدانية الموجه للمسيحيين في اقليم كوردستان

د. عبدالله مرقس رابي      

 

باحث أكاديمي

               حرصاً منه غبطة البطريرك مار ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية، يؤكد دائماً في توجيهاته ونصائحه الابوية على وحدة الصف المسيحي السياسي في العراق ،وبالرغم من أن نداءاته تكررت في كل مناسبة وحدث وفي مقابلاته الاعلامية ،أنما لم تلق آذاناً صاغية من قبل الاحزاب السياسية ،وبالاخص ما قبل الانتخابات الاخيرة لمجلس النواب العراقي. وهنا لا أعتراض على مثل هذه المبادرات التوجيهية التي تصدر من غبطته منطلقاً من المفهوم المسيحاني التي قد يعتبرها البعض تدخلا بالشؤون السياسية من قبل رجل الدين ،ولكن هي غير ذلك ،تهدف الى المصلحة العامة وترسيخ مفاهيم التماسك والتعاضد والتضامن الاجتماعي والسياسي لتكون أحزاباً مقتدرة تتمكن من أجتياز الصعاب والتحديات المتكررة.وهكذا جاء تصريح البطريركية الكلدانية الاخير المنشور على موقع مار ادي  في 10/6/2018 كنداء الى الاحزاب المسيحية ( المكون المسيحي) في أقليم كوردستان ليوحدوا صفوفهم في قائمة واحدة. وهو أجراء حتمي صادر من رئيس الكنيسة كواجب ديني ،ولكن ارى شخصياً وكباحث في علم الاجتماع السياسي ومطلع  ومتابع على مجريات الامور السياسية الواقعية وحالة أحزابنا السياسية للاثنيات الثلاث الكلدانية والاشورية والسريانية وألاوضاع العراقية السياسية المعاصرة الشاذة بكل المقايييس العلمية ، ارى ان توقيت التصريح من البطريركية غير ملائم ولاسباب اوضحها من وجهة نظري ادناه، علما انا شخصيا من المشجعين لوحدة شعبنا واحزابه السياسية ومذاهبه الدينية وانما بطريقة مدروسة ومتقنة وليس لمجرد اجتماع طاولة مستديرة  كانما نتفق على شراء سيارة او تحديد نوعية وجبة طعام.

لم يبق على الانتخابات في اقليم كوردستان لمجلس النواب سوى ثلاث أشهر،أعتقد انها فترة قصيرة جدا لا يمكن للاحزاب من الاثنيات الثلاث في التحضير للاجتماع على الطاولة المستديرة والتباحث من اجل النزول في قائمة انتخابية واحدة. ان المسالة تتطلب الاستعداد النفسي للقائمين في الاحزاب والتشاورات المفصلة لقبول الاليات والتفيذ .في حين كما أشرت اعلاه ان غبطة البطريرك مار ساكو اطلق نداءاته المتكررة منذ فترة طويلة وليس من مُجيب ،وما المعنى أن بعض الاحزاب متلهفة الان لتوحيد القائمة الانتخابية وتصر على الموضوع؟! هل لفشلها في الحصول على مقعد في الانتخابات الاخيرة ،أو لتقلص كراسيها؟

واقع الاحزاب السياسية من الاثنيات المسيحية الثلاث لا يُبشر ولا يوحي لتوحيد ارائهم وخاصة حول الانتخابات بهذه السرعة للاسباب الاتية:

عندما أطلق غبطة البطريرك مار ساكو ندائه لتبني مصطلح( المكون المسيحي) أعترض عليه معظم بل استطيع القول كافة الاحزاب من الكلدان والاشوريين والسريان ظناً منهم هي محاولة  لالغاء الوجود الاثني لهم في العراق أو الالغاء القومي بالمفهوم السياسي .فهل ستوافق الاحزاب على مشاركتها تحت مصطلح المكون المسيحي؟

كما هو معروف أن دستور أقليم كوردستان يتعاطى قانونياً أي رسمياً مع الاثنيات الثلاث بتسمية( كلدان سريان آشوريين) ،فُرضت وكما يظن من روج لها أنها مرحلية لهزليتها وشواذها العلمي غير المدروس من قبل الاختصاصيين ،وهي تسمية أعترض غبطة البطريرك على وجودها بشدة وفي كل المناسبات، كما أن الاحزاب الكلدانية لا تقبل بهذه التسمية ،فضلا أن الرابطة الكلدانية العالمية لا تقر هذه التسمية في التع-اط*ي الرسمي علما لها دورها وثقلها الكبيرين في ترسيخ وبناء البيت الكلداني  وتبني مقولة البطريرك مار ساكو ( استيقظ يا كلداني) وبدليل دورها في الانتخابات الاخيرة في دعمها وتعضيدها للاحزاب الكلدانية المؤتلفة في قائمة واحدة.

الاختلاف الفكري العميق والاجندات السياسية المتناقضة التي يحملها كل حزب سواء كانت الاشورية بينها أو السريانية أو الكلدانية ،ومن جهة اخرى والاهم بين الاحزاب للاثنيات الثلاث. فضلا على انها متأثرة بمفاهيم قومية الغائية ومنها تفكر بامبراطوريات ، وأخرى ترضى بوجودها ضمن العراق الموحد فقط .واخرى متأثرة بالمذهبية .

الاختلاف في الخبرة والممارسات والقاعدة الجماهيرية .

الشكوك بمصداقية الاحزاب، وهي موضع الشك بحكمتها وشفافيتها ،بدليل التناحرات حول الكرسي البرلماني والانفرادية والانسحابات الجماعية  التي مارستها بالرغم من لقاءاتهم وثم تفرقهم وبقاء ما توصلوا اليه حبر على ورق منذ وجودها على الساحة السياسية، فكم من مرة أجتمعوا وبعضهم وحدوا خطاباتهم وثم تفرقوا، وذلك لامتلاك قيادييهم عقليات دكتاتورية وشخصية نرجسية وتمجيد الذات وأصبحت احزابهم بمثابة الدكاكين ملك صرف، وهناك أمثلة متعددة ، ومنها انشطار الحركة الديمقراطية الاشورية وولادة جماعة ابناء النهرين، تراجع الحزب الديمقراطي الكلداني وانحسار نشاطه السياسي كليا من الساحة السياسية وانسحاب العديد من قياديه للاختلاف في وجهات النظر، تحكم المجلس الكلداني السرياني الاشوري وفرض اجنداته على الاحزاب الاخرى من الكلدانية والاشورية والسريانية التي افتقرت للاموال لتملكه خزانة مالية كبيرة وفضائية اعلامية سُخرت لتحقيق اجنداته ومصالحه، وثم نزول الحركة الديمقراطية الاشورية بقائمة منفردة  في الانتخابات السابقة بالرغم من وجودها ضمن تيار المجلس الشعبي وتنظيمات شعبنا، وفي الانتخابات الاخيرة لمجلس النواب العراقي بدلا ان يتوحدوا الا انهم تفرقوا بقوائم انفرادية او لائتلاف حزبين لا اكثر .

يُؤكد التصريح أن النداء جاء بعد لقاءات مع بعض الاحزاب السياسية)

أولا كان من المفروض تحديد من هي تلك الاحزاب ، وماذا عن الاحزاب الاخرى ،ومن يقول انها ستلبي الطلب والنصيحة لتوحيد القائمة ، ماذا عن الرابطة الكلدانية العالمية التي كما أشرت اعلاه اثبتت دورها التوعوي القومي للمشاركة في الانتخابات الاخيرة وترسخ هذا الدور بجدارة لدعمها ومساندتها لقائمة أئتلاف الكلدان في الانتخابات الاخيرة .وأصبحت منظمة مجتمع مدنية مؤثرة عالمياً. وقطعت شوطاً كبيرا في فترة قياسية لا تعدو ثلاث سنوات من تاسيسها. وبحسب علمي لا تعلم قيادتها بالموضوع. فهل يبقى النداء منسجماً مع تطلعات الاحزاب التي التقت البطريركية؟!

يقارن التصريح حالة حصر الكوتا المسيحية بالمسيحيين فقط كما هو المعمول به في الاردن وايران، فهي مقارنة غير موفقة ،لان شتان بين تلك الانظمة السياسية والنظام السياسي الشاذ المتدهور الفاسد ادارياً منذ تاسيسه عام 2003 م،ففي الاردن هناك نظام دستوري مقنن لايمكن الخروج عنه ،وكما ان السلطة التشريعة لايمكنها تشريع قانون ما، ما لم يكن هناك مصادقة وارادة ملكية عليه، فضلا ان انتخابات الاردن هي وطنية وليست بحسب محاصصة طائفية مذهبية متخلفة..فالامور جارية باليات محكمة مقارنة مع العراق الذي يقدم الى الانتخابات البرلمانية فيه 88 قائمة تمثل 205 كيان سياسي و27 تحالف سياسي وهي ارقام لا نراها في اي بلد في العالم بهذا الشواذ. أما أيران فهي دولة تقر بالنظام الاسلامي ومبدأ ولاية الفقيه والاحزاب القائمة فيها مجتمعة لايمكنها الخروج عن الاصول الاسلامية وبالرغم من انها تنقسم الى محافظة ومعتدلة واصلاحية الا ان جميعها تعمل في سياق اسلامي وهذه الحالة لا يمكن مقارنتها مع الحالة السياسية المضطربة في العراق الذي يحظى باحزاب دينية مستحوذة ومذهبية وقومية ومتداخلة قومياً ودينيا ومذهبيا واحزاب اخرى علمانية مدنية متباينة ايضا في تطلعاتها السياسية.

هناك تساؤل ، لماذا الاحزاب التي تنادي الان وتصر على ان التصويت للمرشحين من الكوتا يكون محصورا بالمسيحيين؟ علماً نفسها مارست عدة دورات انتخابية منذ عام 2003 تحت نفس الظروف وحصلت على مقاعد الكوتا ، انما الان يبدو لفشلها او لحدوث النقص في مقاعدها تصر على مسالة الحصر؟ كان عليها اما الاعتراض وعدم القبول نهائيا بتلك الظروف أو مقاطعتها للانتخابات. نفس الاحزاب لها ممثلون في مجلس النواب في تلك الدورات، فكان من الاجدر الحاحهم واصرارهم على تغيير المادة الدستورية التي تقر ان التصويت حق لكل عراقي وله الحق في منح صوته لاي عراقي بغض النظر لانتمائه الديني والاثني  والمذهبي. فلا جدوى من المناداة بحصر التصويت بالمسيحيين للكوتا المسيحية طالما هذه المادة لايزال مفعولها القانوني جاري.

لو اعتبرنا فرضاً ان الاحزاب المسيحية من الاثنيات الثلاث اتفقت على الترشيح في قائمة موحدة ، ووافقت حكومة كوردستان او المركزية مستقبلا ان التصويوت للكوتا ينحصر بالمسيحيين فقط .هل سنضمن شفافية وعدالة في الانتخابات في ظل الاحزاب المتنفذة في الحكم سواء في المركز أو الاقليم وفي ظل الفساد الاداري وضعف القانون الى أقسى الدرجات.؟ كيف نضمن عدم تدخل بفرض قوته وتاثيره الحزب الديمقراطي الكوردستاني أو الاتحاد الوطني الكوردستاني او غيرهما على المسيحيين لكي يدلون باصواتهم لمن يؤازرهم في القائمة المسيحية وكما حدث في الانتخابات الماضية؟ شعبنا مسالم وفي قرانا المسيحية بالذات وعناصر الاحزاب الكبيرة المتنفذة هي في الناصية العليا فيها ولها الياتها وامكاناتها في التاثير على سير عملية الانتخابات سواء استقلالية الكوتا او من عدمها، هل يتخلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني من حليفه المجلس الكلداني السرياني الاشوري مثلا ؟ كلا.. ومن يضمن ان بعض من الاحزاب المسيحية سوف لم تجر معاهدات سرية مع الاحزاب الكوردية او في المركز لمساندتها في الانتخابات للتاثير على الناخبين؟ شخصياً اشك في مصداقية الاحزاب في ضوء تاريخها وصراعاتها على الكراسي وتعلقها بالكرسي كما سماها الكاتب “ابرم شبيرا” “بفايروس الكرسي”.

عليه أن وجود تصويت مسيحي للكوتا من عدمه في الانتخابات مرتبط بالازمة التشريعية والتفيذية للحكم الشاذ في العراق. فالحل هو في ايجاد صيغ للتخلص من النظام السائد في العراق من حيث النظام الطائفي المذهبي والديني والقومي المتخلف ،والتركيز على سيادة القانون ووضع دستور مدني بعيد عن الاصول الدينية.

واما بخصوص توحيد احزاب شعبنا من الاثنيات الثلاث ،في هذه العجالة سوف لانجني ثمارها ، المسالة بحاجة الى دراسات معمقة وجلسات متعددة واختصاصيين لتقريب وجهات النظر والتضحية لتنازل الاحزاب عن افكارها الالغائية الاثنية لبعضها وهنا المقصود كل الاحزاب من الاثنيات الثلاث. لا افهم كيف يتحدون وانهم يفتقرون الى الاعتراف الاثني المتبادل بينهم؟! ولخلق حالة جديدة وافكار ايديولوجية تنسجم مع الواقع ولتقريب وجهات النظر ارى من الضروري ابعاد القادة الذين مضى عليهم اكثر من عشرين سنة في قيادة الاحزاب سواء عند الاشوريين او السريان او الكلدان وتغذية احزابهم بعناصر قيادية شابة مجهزة بمفاهيم حضارية معاصرة لقبول الاخر ،وان كانت العقلية لقادة احزابنا متاثرة بالعقلية العربية الاسلامية القبلية في الزعامة عليهم ان يتجنبوا تلك العقلية ويتسلحوا بعناصر الحضارات الراقية التي يفسح قادة الاحزاب فيها المجال لغيرهم لممارسة تجربتهم القيادية ،فالتنوع القيادي ومداولته بين المنتسبين للاحزاب هي وسيلة للابداع والتطوير ،اما البقاء على حالة زعامة مرتبطة بالكرسي لمدى الحياة كما عند العرب والاسلام القبلي سيكون مؤشرا للتخلف والصراعات وهذا ما نلاحظه في واقع البلدان النامية من هذا القبيل في الفكر .

رابط تصريح البطريركية

نداء الى المسيحيين في إقليم كوردستان

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!