مقالات دينية

تذكار ميلاد والدة الاله الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم

تذكار ميلاد والدة الاله الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم

إعداد / وردا إسحاق قلّو

تذكار ميلاد والدة الاله الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم

  تحتفل الكنيسة بتذكار ميلاد العذراء مريم في يوم 8 أيلول ( سبتمبر ) من كل عام .

لقد خلق الله الإنسان ووضعه في الفردوس لكي لا ينشغل بغير زرع الخير والتأمل في أعمال الله وتسبيحه . لكن ، بحسد الشيطان الذي أغوى حواء ، المرأة الأولى ، سقط آدم في الخطيئة وحسم من فردوس النعيم . بعد ذلك ، أعطى الله البشر شريعته بواسطة موسى ، وأعلن مشيئاته بواسطة أنبيائه . فعل ذلك لأنه أراد أن يُعدَّ البشرية لحدث عظيم هو تجسّد ابنه الوحيد ، كلمة الله ، الذي يخلّصنا من فخاخ العدو ومن الخطيئة والموت . واذ اتخذ ابن الله طبيعتنا ، أراد ان يشترك ، في حالنا الساقطة ، اشتراكاً كاملاً ، باستثناء الخطيئة لأنه المنزّه عن الخطيئة ، فأعد له الله مسكناً لا عيب فيه هي القديسة العذراء مريم . ومع ان مريم كانت تحت اللعنة والموت اللذين حلاً بآدم وحواء ، فإن الله اختارها ، منذ الدهر، لتكون حواء جديدة وأُما للمسيح المخلّص وينبوعاً لخلاصنا ومثالاً لكل قداسة.

وبتدبير الهي ، ترك الله يواكيم وحنّة ، والدي مريم ، بلا ذرية الى ان تجاوزا سن الإنجاب ، ثم أعطاهما ما تمنّياه طوال حياتهما ، فكانت لهما مريم ثمرة النعمة والبركة والحنان الالهي ، لا ثمرة الطبيعة . وطبعا ، كان فرح يواكيم وحنّة بالعطية الإلهية عظيما جدا. تقول ترنيمة الاكسابستلاريا الخاصة بيوم تقدمة العيد ــ أي اليوم السابع من شهر أيلول ــ ما يلي :

” تهلّلي ايتها الخليقة كلها لشعورك بورود الفرح من حنّة المتألهة اللّب التي معنى اسمها النعمة ومن يواكيم الإلهي ، اللذين على غير أمل ولدا مريم الكلية الطهارة والدة الاله النقيّة…”

ان ميلاد مريم هو المصدر فرح وتهليل لكل الخليقة . مريم وردت من يواكيم وحنّة ، بنعمة الله ، لكنها تخصّ العالم كله ، لأنها هي التي ولدت المسيح الإله ، مخلّص العالم . مريم هي غاية تاريخ وتمامه ، ومآل تاريخ الحب والطاعة ، واكتمال تاريخ الاستجابه والرجاء. لهذا السبب ، نجد الخدمة الليتورجية ، في هذا اليوم ، مشبعة بالتهليل والفرح والحبور . ” هذا هو يوم الرب فتهلّلوا يا شعوب…”. ” اليوم ظهرت بشائر الفرح لكل العالم…”. ” اليوم حدث ابتداء خلاصنا يا شعوب…”. “… لتتزيّن الأرضيات بأفخر زينة ، ولترقصنّ الملوك طرباً ، لتسرنّ الكهنة بالبركات ، وليعيدنّ العالم بأسره ، فها ان الملكة عروس الآب البريئة من العيب قد نبتت من جذر يسّى ، فلن تلد النساء أولادهن ، بعد ، بالأحزان ، فإن الفرح قد أزهر، وحياة الناس عادت تسري في العالم…”

واذا كانت عطية الله ، مريم ، تخص الخليقة بأسرها ، فان يواكيم وحنّة هما صورة هذه الخليقة التي ما لبثت مقيمة في العقر منذ ان سقط آدم وحواء في المعصية . في المزمور 13 هذه الاقوال التي تعبّر عن حال البشرية قبل ورود المسيح :

“… ليس من يعمل صلاحا ، حتى ولا واحد . أطلّ الرب من السماء على بني البشر ليرى هل من فاهم أو طالب لله. ضلّوا كلهم جميعا وتدنّسوا. ليس من يعمل صلاحا . كلا ولا واحد” . ( مزمور 13: 1 ــ3) . طبعا ، كان هناك صدّيقون أرضوا الله من قريب أو بعيد، ولكن ، وحده الرب يسوع المسيح كان على قلب الآب السماوي ، وأرضي الله إرضاء كاملاً غير منقوص . لهذا السبب، كان الرب يسوع الوحيد الذي قال عنه الآب السماوي :

” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا” ( متى 17 : 5) . العالم ، اذاً ، كان عاقراً عقيماً كيواكيم وحنّة. لذلك تقول احدى ترانيم صلاة السحر:

” يا للعجب الباهر، فان الثمرة التي برزت من العاقر باشارة خالق الكل وضابطهم قد أزالت عقم العالم من الصالحات بشدّة بأس…”

وكما إن يواكيم وحنّة هما صورة العالم العقيم ، كذلك مريم صورة العالم الجديد المخصب ، صورة الكنيسة . كلاهما نعمة من عند الله . فنحن نتحدّث ، بصورة تلقائية ، عن انحلال عقر يواكيم وحنّة وانحلال عقر طبيعتنا باعتبارهما شأنا واحدا ، كما نتحدث عن ولادة مريم” التي بها تألهنا، ومن الموت نجونا” وكأن الامرين واحد.

هذا، ولابد من تأكيد ما ينبغي ان يكون مبدأ كل فرح وغايته ، ان فرحنا بمريم وتهليلنا لها هو فرح بالرب يسوع المسيح وتهليل له. لا قيمة لمريم في ذاتها كما ان البشرية كلها لا قيمة لها في ذاتها. المسيح هو الذي جعل مريم أم الحياة ، كما يجعل الكنيسة ينبوع الحياة . هذا امر كثيرا ما ننساه فنتعامل مع مريم وكأنها قائمة في ذاتها . الكنيسة الارثوذكسية تسمي مريم والدة الاله . كل الترانيم في الكنيسة لا تذكر مريم الا مقرونه بابنها ، مخلص نفوسنا . كل الخليقة تحيا اذا ما أضحت مسكناً للمسيح ، على غرار سكنى الرب يسوع في احشاء مريم . كما ان كل الخليقة تزهو وتتمجّد اذا ما كانت إيقونة للمسيح وشاهدة للمسيح.

هذه هي المعاني والحقائق الخلاصية التي تؤكدها الكنيسة في هذا اليوم المبارك ، وتفرح بها ، وهذا هو الأساس الذي عليه تقيم تذكار ميلاد والدة الاله الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!