اخبار الكنيسة الكلدانية

الكتاب المقدس رفيق الكاهن(والمؤمن) في حياته ورسالته

الكتاب المقدس رفيق الكاهن(والمؤمن) في حياته ورسالته

كلمة البطريرك ساكو في افتتاح الرياضة الروحية للكهنة 19-22 اب2024 

 

من دون هذه الرياضات الروحية، والوقفات الصامتة لمراجعة الذات، وشحنها والتثقيف المستدام لتجديد المعلومات ومواكبة الثقافة الحالية، سوف نستهلك ونستنفد ونصير “نحاساً يطنُّ وصنجّاً يرنُّ” (1 قورنثية 13/ 2).

الكتاب المقدس مقدسٌ لأنه كلمة الله.هو كلمةُ الحياة بالهام الروح القدس، لكن في لغةٍ وكلماتٍ بشرية. الكتاب المقدس دعامة حياة الكنيسة والمؤمنين ويغذي ايمانهم”ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (متى4/4). يُعلّمهم كيف يسلكون بشكل صحيح في ظروفهم الصعبة. كلمة الله تكشف عن حقيقة سرّ الله الفائق الادراك، خصوصا عندما اقترنت بيسوع المسيح. لذلك هي مُحَرِكة ومتجددة، وليست جامدة ورتيبة، بكونها رسالة الحبّ مستدامة الى كلِّ انسان يدخل في العهد مع الرب، كما يحلو لمار افرام أن يُسميّها. ولولا الكتاب المقدس لما كان بوسعنا ان نكتشف وجه الله، ووجه يسوع المسيح.

الكلمة نورٌ إلهيٌّ لنكتشف حقيقتها ونستقبلها ونفهمها ونجسِّدها في تفاصيل حياتنا اليومية: “كان النُّورُ الحَقّ الَّذي يُنيرُ كُلَّ إِنْسان آتِياً إِلى العالَم”(يوحنا 1/9). الانسان الحي الذي يعيش من كلمة الله، هو مجدُ الله كما يقول القديس إيريناوس، أسقف ليون الفرنسية، وبمعنى آخر أن الله هو مجدُ الانسان، الله ينبوع الحياة والمحبة والرحمة. هذا ما يؤكده الانجيل: كلمة الله قوة فاعلة دائمة، وليست طارئة.

مريم العذراء قبلت كلمةَ الله ورحبّت بها:” لِيَكُنْ لي كما قلت”(لوقا 1/38)، وحملته في احشائها، واحبّته بكل كيانها، وبشَّرت به نيسبتها اليصابات (لوقا 1/29-45). مريم تُعَلِمُنا ان الحياة تكون أكثر سعادةً وفرحاً عندما نُصبح أهلا ليسكننا الله، ونسلم له ذاتنا ونعيش معه وفيه. مريم التي أعطت الكلمة جسداً، تحمل لنا الرجاء. انه حدث مصيري حاسم في تاريخ الخلاص. 

يسوع كلمة الله ” في البَدءِ كانَ الكَلِمَة.. والكَلِمَةُ هو الله.. والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا”(يوحنا 1/1 و14). المسيح كلمة الله بذاته، ولا انفصال فيه. عاش طوال حياته على الأرض بشريا حياة الله، وإلهيا حياة الانسان: “ذاك الَّذي كانَ مُنذُ البَدْء، ذاك الَّذي سَمِعناه، ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا، ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه ولَمَسَتْه يَدانا …,نُبَشِّرُكم بِه أَنتم أَيضًا لِتَكونَ لَكَم أَيضًا مُشاركَةٌ معَنا ومُشاركتُنا هي مُشاركةٌ لِلآب ولاَبنِه يسوعَ المسيح” (الرسالة الأولى ليوحنا 1/1-3). ينقل لنا انجيل يوحنا شهادة الرائعة عنه: ” ما تَكلَّمَ إِنسانٌ قَطّ مِثلَ هذا الكَلام”(يوحنا 17/46). 

آدم الانسان الاول الذي اختبأ امام وجه الله في الفردوس(تكوين3/9)، ها هوذا يتجلى ممجدا في شخص المسيح.

الليتورجيا احتفال بكلمة الله التي هي يسوع نفسه، قوة الله وحكمته (1قورنثية1/ 24)

الليتورجيا ليست مجرد شعائر دينيّة نمطيّة نكررها حتى المغالاة، بل الليتورجيا احتفال بسرِّ لقاء الله بالإنسان. انها الانجيل الحي المعاش في الكنيسة ومعها. وما إعلان كلمة الله (الكتاب المقدس) في الليتورجيا سوى ان الله حاضر في كل مراحل الاحتفال، والا فقدت الليتورجيا معناها. الكتاب المقدس يشكل الفضاء الذي تحتفل به الكنيسة بالليتورجيا، ولا يمكن الاحتفال بها بمعزل عنه. الكتاب المقدس هو كتاب الصلاة ايضاً.

 الكتاب المقدس في القداس حسب الطقس الكلداني. يبدأ الاحتفال بـ “الـمَجدُ للهِ في العُلى، وعلى الأرض السلام “(لوقا2/14)، يليه أحد المزامير. ثم في ليتورجيا الكلمة، يدعو الشماس الحضور الى الجلوس والانصات بانتباه وخشوع الى قراءة من العهد القديم، وقراءة من رسائل بولس، وقراءة من الانجيل المقدس. هذه القراءات كانت مرتلة لنذوب فيها بالصمت! ان الصوت الهادئ الذي يلفظ الكلمات بوضوح وتركيز يساعد على كشف المعنى لذاته وللحضور. و ايضا الحركات تكون معبرة، عندما يتم اداؤها بخشوع واحترام، وليس بطريقة الية وسريعة. كما ان صلاة” ابانا الذي في السماوات..” (متى 6/6-14) وترتيلة ” قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوس… الأَرضُ كُلُّها مَمْلوءَةٌ مِن مَجدِك “(اشعيا 6/3)هي نصوص من الكتاب المقدس , هذا يعني ان الكتاب المقدس هو دوما في مركز ليتورجيا القداس والاسرار الأخرى.

الموعظة، على الكاهن ان يركز في موعظته على كشف معاني هذه القراءات للمؤمنين، لكي تستقر في نفوسهم، والا يستغلها لتعليمات ثانوية وتوبيخات(رزالات)!

الكتاب المقدس وتقدمة القربانanaphora ” يكشفان وجه المسيح، لان كل شيء موجه نحو حضوره، وهو الذي ينعش الاحتفال. في بركة الختام لقداس اداي وماري لايام الاسبوم جاء: ” المسيح الذي احتفلنا به وكرمناه. هو يؤهلنا للقيام عن يمينه بوجه مشرق” ( الطبعة العربية 2023 ص 75). من المؤسف ان المصلين أحيانا لا ينتبهون الى المحتفى به، لذا لا تأثير للاحتفال على حياتهم، كما ان دور المحتفل مهم جدا عندما يكون وجهه مصليا معبراً، وليس مشوّشاً!  

الليتورجيا المعدة والمتناغمة هي ليتورجيا السماء على الأرض. ينبغي اعداد الاحتفال اعداداً جيداً وليس روتينيا: اعداد المكان وتحديد الساعة المناسبة، والأشخاص المحتفلين، وتحضير النصوص والتدريب على ادائها، والالحان والموسيقى والزينة، لتغدو احتفالا رائعا يعكس حضور الله. حضورٌ مفعمٌ بالرجاء والفرح يدمجنا في المسيح، ويُحركنا للبلوغ الى كمال الليتورجيا (المسيح).

الكاهن(والاسقف): هو علامةٌ حيّة للمسيح، وممثله وخادمه وخادم الناس. ينبغي ان يجعل الكتاب المقدس رفيقه – معلمه اليومي في حياته الشخصية وخدمته” كلمتك مصباح لخطاي نور لسبيلي” (مزمور 119/ 105).

 في رسامة أحد الأشخاص كاهنا، يمسح الاسقف يديه بزيت الميرون، لأنه مسيح آخر alter Christus ولينال مواهب الروح القدس. ويضع على يديه الممدودتين الانجيل المقدس، حتى “يُتَمتِم به نَهارَه ولَيلَه”(مزمور1/2)، ويبشر به بكل طاقاته، بعيداً عن الروحانية الكاذبة. وفي رسامة أحد الكهنة أسقفاً يضع البطريرك الانجيل على ظهر الاسقف، وهو منبطح على الأرض حتى يحمله هو وحده ولا شيئا آخر بالحبّ والبهجة، ويحوله الى وقت للصلاة والتأمل والعمل.

 كيف يستطيع الكاهن ان يتكلم عن الله وباسم الله، ويفعل ما يريده الله، من دون ان يعرف كلمة الله (الكتاب المقدس) معرفة عشق عميقة، ويتشبع من معانيها ويتوجه بكل كيانه لعيشها ونقلها؟ من هذا المنطلق يقول اسحق النينوي:” رأس طريق الحياة هو ان يُشغل الانسان نفسه بكلمات الله” (الطريقة الرهبانية ترجمة الاب البير ابونا اربيل 2016 ص 19). بمقدار ما يُصغي الكاهن الى كلمة الله، ويدخل في ألفة حميمية معها، ويتبع الهامات الروح القدس، ويعيشها في تفاصيل حياته اليومية، بمقدار ذلك بوسعه ان يشهد بالحياة ما يبشر به، وأن يجتذب الناس الى الله.

الكاهن بقناعته واعجابه وبهجته وأسلوبه التربوي، وبنبرته النبوية، يُمهِّد لقدوم المسيح الكلمة، مثل يوحنا المعمدان، ويكشفه نورا وحقا وحياة. عليه ان يعرف كيف ينقص كي ينمو الرب في قلبه، وقلب رعيته: “له ينبغي أن ينمو ولي أن أنقص” (يوحنا 3: 13). عليه ان يعيش كهنوته ليتورجيا دائمة لكلمة الله الحيّة مع المؤمنين.

جميع هذه الحقائق الخفية يحققها الروح القدس لمن يُصغي اليه، ويتفاعل معه ليعيش حياة حقة..

 أسئلة للمناقشة في الحلقات الصغيرة

هل تقرأ الكتاب المقدس قراءة يومية تأملية على ضوء الدراسات البيبلية العلمية الرصينة والمتوفرة بالعربية بفضل دار بيبليا للترجمة والنشر العراق( الاب بيوس عفاص)؟

اين انت من هذا النضوج الايماني، وهذه المسؤولية الرسولية الحيوية من خلال عمل المحبة(الرحمة) والصلاة والحضور الأخوي؟

اين انت من هذه العلاقة الوجدانية بالكتاب المقدس” كلمة الله في حياتك لشخصية وخدمتك الرعوية؟ 

ما تأثير مدلولات الرموز على خدمتك، كمسح اليدين ووضع الانجيل على اليدين وعلى ظهر الاسقف؟

 حان الوقت لإعادة النظر في خدمتنا وعملنا الرسولي تجاه الكتاب المقدس والليتورجيا، لأنهما الينبوع الاهيّ الذي يروي عطشنا وعطش رعيتنا!

الكتاب المقدس رفيق الكاهن(والمؤمن) في حياته ورسالته

ملاحظة: هذا الخبر الكتاب المقدس رفيق الكاهن(والمؤمن) في حياته ورسالته نشر أولاً على موقع (البطريركية الكلدانية) ولا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. يمكنك الإطلاع على تفاصيل الخبر كما ورد من (مصدر الخبر)

معلومات عن الخبر : الكتاب المقدس رفيق الكاهن(والمؤمن) في حياته ورسالته

عرضنا لكم أعلاه تفاصيل ومعلومات عن خبر الكتاب المقدس رفيق الكاهن(والمؤمن) في حياته ورسالته . نأمل أن نكون قد تمكنا من إمدادك بكل التفاصيل والمعلومات عن هذا الخبر الذي نشر في موقعنا في قسم أخبار مسيحية. ومن الجدير بالذكر بأن فريق التحرير قام بنقل الخبر وربما قام بالتعديل عليه أو الاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة تطورات هذا الخبر من المصدر.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!