مقالات دينية

العِمْيان يَبصْرونَ والمِبصْرون يَعّمونَ

العِمْيان يَبصْرونَ والمِبصْرون يَعّمونَ

العِمْيان يَبصْرونَ والمِبصْرون يَعّمونَ

بقلم  / وردا إسحاق قلّو

قال إشعياء النبي ( أعمى عيونهم ، وقسى قلوبهم ، لئلا يبصروا بعيونهم .. ) ” يو 40:12 “

   يسوع المسيح كان الكلمة ، والكلمة هو الله الذي تجسد فينا لكي يضيء ظلامنا فندركهُ ، لأن الظلام لم يدرك النور ( يو 5:1 ) . ويوحنا المعمدان أعد الطريق ليؤدي الشهادة للنور أمام الجموع فيؤمنوا به . والنور ينير كل من يعترف ويعلن إيمانه بهِ . النور هو رمز للمسيح الذي هو نور العالم . فمن يتبع نور المسيح لا يعثر ، بل تكون له الحياة . وكما قال يسوع ( أما نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة ، بل يكون له نور الحياة ) ” يو 10:8 ” .

   نور المسيح يضيء ظلام قلب الإنسان وبصيرته لكي يعرف الحق ، والحق يحررهُ ويقودهُ نحو الخلاص بعد أن يفتح عيونه نحو الطريق المؤدي إلى الحياة الأبدية . فالذي يملك عيوناً سليمة ومنيرة فأن جسده كلهُ يكون منوراً ( مت 22:6 ) .

   حياة بني البشر تشبه برحلة وسط عالم مظلم يحتاج إلى نور يشرق أمام السائر في الطريق لكي لا يعثر ويسقط . فعين الإنسان التي ترى النور سيكون لها سراجاً للأرجل التي تحمل الجسد وتنقله نحو المستقبل لتتمتع النفس بعربون الأبدية . فمن يريد النور عليه أن يعترف به أولاً . أما الذين يدّعون بأنهم مبصرون دون أن يعترفوا بالنور الحقيقي الذي جاء إلى العالم ، فانهم يؤكدون للعالم عماهم الروحي كالفريسيين في زمن تجسد الرب . أو كالذين آمنوا بهِ وظلوا أمناء لعقيدتهم اليهودية القديمة كالنصارى اليهود . فلمثل هؤلاء قال أشعياء أن الرب ( أعمى عيونهم وقسى قلوبهم ، لئلا يبصروا بعيونهم ويفهموا بقلوبهم ، ويتوبوا فأشفيهم ) . فاليهود الذين كانوا يظنون بأنهم يبصرون كالكتبة ومعلمي الشريعة ، لم يبصروا إبن الإنسان في زمنهم ، ولم يفرزوا زمن مجيئه ، والذي كانوا هم وأجدادهم ينتظرونه ، بل قاوموه وسلموه للصلب والموت . بينما نقرأ في الإنجيل المقدس أن عدد من العميان عرفوا الرب وشاهدوه ببصيرتهم الروحية وإعترفوا به ، وطلبوا منه الشفاء بعد أن أعلنوا بكل إيمان عن قدرته لشفائهم فكانوا يصرخون ويقولون له ( إبن داود ) وإبن داود يعني المسيح المنتظر . . فشفاهم بسبب إيمانهم .

   فتح عيون الأعمى ، موضوع جديد في عهد جديد . لم نسمع بأن نبياً في العهد القديم فتح عيون إنسان لم يبصر ، إلا المسيح الذي تنبأ به النبي إشعياء في ( 19:26 و 35: 5-6 )  . وهذا ما قاله الرجل المولود أعمى للذين دعوه ( منذ الدهر لم يسمع أن أحداً فتح عيني مولودٍ أعمى ) ” يو 32:9 ” .

برهن لهم بالعمل أنه ابن ذاك الذي شكلت يداه آدم الأول من التراب.

    قال يسوع للمرسلين من قبل يوحنا المعمدان ( أذهبا وإخبرا يوحنا بما قد رأيتما وسمعتما : أن العميان يبصرون ، والعرج يمشون … ) “ لو 22:7 ” . وحتى الذي كان مولوداً أعمى ، خلق له المسيح الخالق عيوناً ، وكما خلق الله آدم من طين ، تقول الآية ( ثم جبل الرب الإله آدم من تراب الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفساً حية ) ” تك 7:2 ” هكذا أيضاً فعل يسوع مع المولود أعمى ليثبت بأنه الله الخالق . فيسوع لم يفتح عيونه ، لأنه لم يكن له عيون منذ الولادة إلا عيون ميتة ، بل خلق له عيوناً جديدة فخرج من قلب يسوع المحب عطية لهذا الإنسان لكي يرى أمامه نور السماء ، ونور الأرض . أخذ يسوع تراباً من الأرض وتَفلَ وعجّنَ التراب ليتحول إلى الطين ، ثم دهن به أثر عيون الأعمى ، ثم أمرهُ ليذهب إلى بركة سلوام  ، بالآرامية ( شيلوحا )  والتي تعنى المرسل من الله . وعبّرَ عن هذه المعجزة القديس مار أفرام السرياني قائلاً ( برهن لهم يسوع بالعمل أنه إبن ذاك الذي شَكَّلَت يداه آدم الأول من التراب ) وعلى البركة إلتقى مع المسيح الرب النازل من السماء بعد أن فتح بصيرته ليراه ويؤمن به ، فدخل في سّرِهِ ،  فلا يستطيع أحد أن يبعده عنه ، بل ظل ملتصقاً بالمخلص رغم تهديدات قادة اليهود له ولأهله لكي ينكر هذه الحقيقة بعد أن أبصر النور الإلهي .

  أعتبر المفسرون غسل هذا الإنسان في ماء البركة هو مشهد للمعمودية ، والمعمودية تأتي بعد إعلان الإيمان ( من آمن وإعمد خلص .. ) ” مر 16:16 ”  فالمعمودية هي إستنارة ، وولادة جديدة . إذاً المسيح لم يفتح بصيرة ذلك الرجل البالغ فحسب ، إنما إستنارهُ ليخلق منه إنساناً جديداً ، فحدث فيه إنقلاباً في كيانه ليتحدى الذين كانوا يتحققون معه لإعتقادهم الكاذب بأنهم هم المبصرون ، لكنهم في الواقع كانوا عميان لإستمرارهم بالإصرار على موقفهم رغم إعتراف والدي الرجل لهم ، إضافة إلى إعترافه هو لهم بالمعجزة ، لأنهم أرادوا أن يؤكدون للتاريخ عماهم الروحي .

   يسوع جاء نوراً للعالم ليفتح بصيرة العميان فيلدوا ولادةً جديدة . وهكذا نقرأ عن السامرية على بئر يعقوب والحوار الذي حصل بينها وبين يسوع ، فقصتها تشبه قصة المولود أعمى ، فهي الأخرى وصلها نور المسيح ، وعلى بئر الماء لكي يعطي هو لها ينبوع ماء الحياة ، بعد أن أستنارت بكلمات الرب ، فخرجت من ظلمتها فذهبت مسرعة إلى بلدتها بعد أن تركت جرتها على البئر لكي تنقل البشرى وتنير الآخرين بعد أن كشف لها النور كل أسرارها .

   المسيح شفى الأجساد لكي يروا النور الذي يحررهم من الظلمة فيخلقهم من جديد .

    أخيراً نقول : معجزة المولود أعمى ، أكَدَّتْ أن يسوع هو نور العالم ، وكَشفتْ حقيقة عمى الفريسيين الذين لم يستطيعوا الوصول إلى نقطة الإيمان التي وصلها الأعمى . كان عليهم أن يلقوا برداء الشريعة القديم جانباً وكما فعل أعمى أريحا عندما قيل له أن المسيح يطلبك ، ليلبسوا رداء العهد الجديد ، عهد النعمة والمصالحة ، ليتعرفوا إلى كل جديد جاء به المسيح لهم فيتحرروا ويتحولوا ألى شموع محترقة تنير الدروب أمام الآخرين ، فالمسيح هو الإنارة والإستنارة الحقيقية لجميع البشر . له كل المجد .

  التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!