تعيين مستشار للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق : أزمة
يأتي قرار الأمانة العامة لمجلس الوزراء بتعيين مستشار للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في سياق أزمة مؤسسية متفاقمة تعيشها المفوضية، حيث تفتقد المؤسسة إلى مجلس مفوضين يدير شؤونها، ما يجعل هذا التعيين خطوة مثيرة للجدل من حيث الشرعية والجدوى. فبدلاً من حل الأزمة الهيكلية داخل المفوضية، يبدو أن القرار يمثل محاولة للهروب إلى الأمام، في ظل فشل مجلس النواب في أداء مسؤوليته الدستورية والقانونية في اختيار مجلس جديد، وهو ما يضع شرعية المفوضية وعملها على المحك.
إشكالية تعيين المستشار: هروب من الأزمة أم التفاف عليها؟
وفقاً للقانون، تعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعمل بموجب مبادئ باريس، التي تشترط الاستقلالية والوضوح المؤسسي لضمان فاعليتها في حماية وتعزيز حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن غياب مجلس مفوضين يجعل تعيين أي شخصية جديدة، حتى لو كانت تحت مسمى “مستشار”، خطوة تفتقر إلى الوضوح القانوني والمؤسسي، إذ لم يُعرف وفق أي صلاحية تم هذا التعيين، ولمن ستكون استشاراته ذات جدوى؟
في الظروف الطبيعية، يكون المستشار جزءًا من هيكل إداري مكتمل، يرفد المؤسسة بآراء فنية وقانونية توجه صناع القرار فيها. لكن مع غياب مجلس المفوضين، يصبح هذا الدور ضبابيًا بل وربما بلا قيمة فعلية، إذ لا توجد سلطة مخولة بتلقي هذه الاستشارات أو العمل بموجبها. وهذا يثير تساؤلات جوهرية:
• هل يمكن اعتبار هذا التعيين محاولة لشرعنة استمرار المفوضية رغم غياب قيادتها القانونية؟
• هل يشكل خطوة أولى لإعادة تشكيل المؤسسة بعيدًا عن الآليات القانونية التي نص عليها القانون؟
• إلى أي مدى يمكن أن يؤثر هذا القرار على استقلالية المفوضية، خاصة إذا أصبح المستشار قناة غير مباشرة للتأثير الحكومي على أعمالها؟
الفراغ القانوني وتأثيره على شرعية عمل المفوضية
من الناحية القانونية، لا تزال المفوضية تعمل دون الإطار الرسمي الذي يمنحها صلاحياتها الكاملة. فمجلس المفوضين هو الجهة الوحيدة المخولة قانونًا بإدارة المؤسسة، وإصدار التقارير السنوية، واتخاذ المواقف الرسمية بشأن حالة حقوق الإنسان في البلاد. ومع غياب هذا المجلس، تصبح جميع القرارات والمخرجات الصادرة عن المفوضية محل تشكيك من حيث الشرعية والاعتراف بها.
الأثر الأخطر لهذا الفراغ القانوني هو أنه يجعل المفوضية فاقدة لشرعيتها الوطنية والدولية، حيث لا يمكن اعتبار تقاريرها أو توصياتها ممثلة عن مؤسسة وطنية مستقلة كما نصت عليه مبادئ باريس. وهذا يضعف دورها الرقابي، ويؤدي إلى تراجع مصداقيتها أمام الجهات الحكومية والدولية، مما قد يفتح الباب أمام استغلال هذا الضعف من قبل أطراف مختلفة لتعطيل عملها أو فرض أجندات غير مستقلة على قراراتها.
التداعيات السلبية: تقويض الاستقلالية وتكريس الهيمنة الحكومية
يمثل تعيين مستشار في ظل غياب مجلس المفوضين سابقة خطيرة قد تؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل، ومنها:
1. التأثير على استقلالية المفوضية:
o قد يكون هذا التعيين مقدمة لتكريس تدخل الحكومة في عمل المفوضية، خاصة إذا تم استخدام المستشار كواجهة لتمرير قرارات باسم المفوضية، دون أن تكون لهذه القرارات شرعية قانونية.
o يمكن أن يصبح المستشار قناة خلفية للتأثير الحكومي على توصيات وتقارير المفوضية، ما يقوض دورها كمؤسسة مستقلة يُفترض أن تمارس الرقابة على السلطات وليس العكس.
2. إضفاء شرعية وهمية على مؤسسة تعاني من الفراغ المؤسسي:
o تعيين مستشار قد يُستخدم كـ”حل بديل” عن تشكيل مجلس المفوضين، مما قد يؤدي إلى تأجيل الأزمة بدلًا من حلها، وإعطاء انطباع زائف بأن المفوضية لا تزال تعمل بشكل طبيعي رغم غياب هيكلها القانوني.
o هذا النهج قد يخلق سابقة خطيرة، حيث يتم تعيين شخصيات بصلاحيات غير واضحة لملء الفراغ، بدلًا من معالجة المشكلات الجوهرية المتمثلة في عدم تشكيل مجلس جديد.
3. إضعاف الدور الرقابي للمفوضية:
o بدون مجلس مفوضين، لا يمكن للمفوضية أن تؤدي دورها الرقابي على الحكومة بفعالية، حيث ستفقد تقاريرها أي صفة إلزامية أو رسمية.
o هذا الوضع قد يؤدي إلى تآكل ثقة المجتمع المدني والمنظمات الدولية في المفوضية، مما قد يجعلها مجرد هيكل إداري بلا تأثير حقيقي على حالة حقوق الإنسان.
4. إرباك المشهد الحقوقي والمؤسسي في البلاد:
o عدم وضوح دور المستشار يخلق حالة من الضبابية، حيث لا أحد يعلم لمن يقدم تقاريره أو من المسؤول عن تنفيذ توصياته.
o قد يؤدي ذلك إلى إضعاف جهود التنسيق مع الجهات الوطنية والدولية، حيث ستفتقد المفوضية الصوت الشرعي الذي يعبر عنها.
ما المطلوب؟ حلول جذرية بدلًا من المسكنات المؤقتة
بدلًا من اتخاذ إجراءات ترقيعية تزيد من تعقيد الأزمة، يجب التركيز على الحلول الحقيقية التي تعيد للمفوضية شرعيتها واستقلاليتها، ومنها:
1. الإسراع في تشكيل مجلس مفوضين جديد وفق معايير الشفافية والاستقلالية، بحيث يُعاد للمفوضية دورها الفاعل وفق القانون.
2. ضمان عدم تدخل الحكومة في قرارات المفوضية عبر تعيين شخصيات بمهام غير واضحة، مما قد يؤثر على استقلاليتها.
3. التأكيد على دور البرلمان في تحمل مسؤوليته وعدم السماح باستمرار هذا الفراغ المؤسسي الذي يقوض عمل المفوضية.
4. إعادة الاعتبار لمبادئ باريس من خلال التأكيد على ضرورة وجود مجلس مستقل وفاعل، يكون المسؤول عن إصدار التقارير واتخاذ القرارات المهمة.
خاتمة: نحو حل مستدام وليس مجرد إجراءات شكلية
إن تعيين مستشار للمفوضية العليا لحقوق الإنسان، في ظل غياب مجلس مفوضين، يعكس أزمة أعمق تتعلق بإدارة المؤسسات الوطنية، ويكشف عن مخاطر الانزلاق نحو حلول مؤقتة لا تعالج جذور المشكلة. إن تجاهل التحديات المؤسسية قد يؤدي إلى انهيار مصداقية المفوضية على المستوى الوطني والدولي، مما سيؤثر على قدرتها في الدفاع عن حقوق الإنسان بفعالية. المطلوب اليوم ليس مجرد تعيين أفراد في مناصب بلا صلاحيات، بل إعادة بناء المؤسسة على أسس قانونية سليمة، تحفظ استقلاليتها وتعزز دورها في المشهد الحقوقي.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.