منوعات

كيف أعادت السعودية تشكيل النفوذ في الشرق الأوسط؟

في عام 2015، رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوحة تشير إلى تريليون دولار، في إشارة إلى صفقة تسليح ضخمة مع السعودية. لم يكن أحد يتوقع أن هذه الصفقة ستكون مجرد بداية لتحول جذري في المشهد السوري والشرق أوسطي. اليوم، وبعد سنوات من الصراع، تعود سوريا إلى أحضان العرب بفضل اتفاق تاريخي بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، مدعوماً بدور سعودي استراتيجي.

صفقة التريليون: أكثر من مجرد أسلحة

عندما دفعت السعودية تريليون دولار في صفقة تسليح وصفت بأنها الأضخم في التاريخ، لم تكن الأموال مخصصة لشراء الأسلحة فقط. وفقاً لمحللين غربيين، كانت هذه الصفقة ورقة استراتيجية وضعتها الرياض على طاولة الكبار، بهدف إعادة تشكيل النفوذ الإقليمي. اليوم، وبعد دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بمؤسسات الدولة السورية، يتحدث مراقبون عن بصمة سعودية واضحة في هذا المشهد المعقد.

الدور السعودي: الوسيط الخفي

الدور السعودي: الوسيط الخفي

تقول مصادر إعلامية دولية إن السعودية لعبت دور الوسيط الخفي بين قسد ودمشق، بدعم من واشنطن وموافقة موسكو. المال السياسي الذي أنفقته المملكة لم يكن مجرد استثمار مالي، بل كان جزءاً من إعادة تشكيل النفوذ في سوريا، بما يتجاوز حدود صفقة السلاح. قسد، التي كانت لعقد من الزمن الحليف الأقوى لواشنطن، أصبحت اليوم جزءاً من الجيش السوري الوطني، وفقاً للاتفاق الذي رحب به العرب.

إعادة تشكيل النفوذ: إيران وروسيا في موقف دفاعي

اتفاق 2015 لم يكن مجرد صفقة تسليح، بل كان استثماراً سياسياً ذا أبعاد استراتيجية. إيران، التي كانت تعتبر الخاسر الأكبر، وجدت نفسها مضطرة للانسحاب من شرق سوريا بعد أن نصت بنود الاتفاق على خروج جميع الميليشيات الأجنبية. روسيا أيضاً، التي كانت تراهن على فرض نفوذ دائم في طرطوس، وجدت نفسها مضطرة للتراجع أمام التمدد الخليجي في الموانئ والمطارات السورية.

الشرع: الرجل المناسب في المكان المناسب

أحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد كما تصفه مراكز بحثية، هو خيار توافقي رعته العواصم العربية وعلى رأسها السعودية. الشرع، المدعوم عربياً، أصبح خياراً مريحاً للغرب، خاصة مع ضمان ولاء الجيش وابتعاد دمشق عن المحور الإيراني. السعودية، التي لم تخض حرباً في سوريا، تقود اليوم مرحلة إعادة الإعمار عبر شراكات مع دول الخليج، مع وضع شروط واضحة أهمها الالتزام بوحدة سوريا والابتعاد عن التحالفات المعادية للعرب.

الخطوط الحمراء: السعودية ترسم مستقبل المنطقة

عندما عاد ترامب للواجهة ملمحاً إلى صفقات جديدة، تحدث مقربون من دوائر صنع القرار في واشنطن عن “التريليون الجديد”. لكنهم أشاروا إلى أن الرياض هذه المرة لن تشتري سلاحاً فقط، بل ستضع شروطاً لتعزيز دورها في رسم الخرائط الجديدة للشرق الأوسط. في العراق، بدأت ملامح التحرك السعودي تتضح مع تراجع نفوذ الحشد الشعبي وانسحاب بعض الفصائل الإيرانية. في لبنان، تتحدث مصادر دبلوماسية عن خطة سعودية إماراتية لإعادة تشكيل المشهد السياسي ما بعد الفراغ الرئاسي.

الاستثمار في المستقبل: من يدفع يملك

التريليون لم يكن ثمناً للأسلحة، بل كان استثماراً في مستقبل العرب. السعودية، التي تمسك اليوم بزمام الملف السوري، تدير خيوط التسوية السياسية بينما تفتح واشنطن الباب أمام استثمارات إعادة الإعمار تحت مظلة من الضمانات الأمنية والسياسية. التنسيق العسكري بين البلدين لم يعد مقتصراً على صفقات السلاح، بل شمل ترتيبات أمنية أوسع تهدف إلى تأمين حدود سوريا الجنوبية وضبط المشهد العسكري في شرق البلاد.

الخلاصة: من يدفع يكتب شروط الغد

خلف هذا المشهد، تظهر واشنطن كصاحبة اليد الطولى في إدارة خيوط اللعبة الإقليمية. صعود أحمد الشرع إلى رئاسة سوريا لم يكن ليمر دون موافقة أمريكية واضحة ودعم سياسي محسوب. الإدارة الأمريكية، التي أنهكتها جبهة أوكرانيا وآسيا، رأت في التقارب السعودي مع دمشق فرصة لإغلاق ملف مزمن دون الحاجة للانخراط المباشر في حروب جديدة، مع ضمان إبعاد إيران عن المشهد السوري.

اليوم، السعودية تدفع باتجاه مستقبل جديد في الشرق الأوسط، حيث من يدفع يملك، ومن يملك يرسم مستقبل المنطقة.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!