مقالات دينية

ممارسات وعادات خاطئة في يوم الجناز

ممارسات وعادات خاطئة في يوم الجناز

بقلم / وردا إسحاق قلّو

ممارسات وعادات خاطئة في يوم الجناز

( لا تجرحوا أجسامكم حزناً على الميت ) ” لا 28:19 “

   الرب يسوع لم يطلق على موت المؤمن موتاً بل رقاداً أو نوماً . الله لم يخلق الموت ( حك 13:1 ) ، ولم يدخل في خطته عندما خلق الإنسان الذي خلقه للخلود لا للموت ، صنعه على صورة ذاته ، لكن حسد الإبليس وخطته أسقط الإنسان في الخطيئة ليموت كما ماتت طغمات الملائكة الساقطين فأراد أن يتذوق الإنسان هذا الكأس . الأبليس أدخل أولاً الموت الروحي للأبوين وعاقبه الموت الجسدي بسبب الخطيئة ( حك 2: 23-24 و ، رو 12:5 ) . الله يخلق ويحيى ولا يميت لأنه ليس هناك أي علاقة بين الله والموت ، كما أن الله ليس سبب الموت ، وكذلك هو ليس سبب أي شر أو حزن .

    الإنسان مخلوق من العدم وغير كامل . وخالقه هو وحده الكامل والذي لا يعرف الموت والفناء ، عندما خلق الإنسان على صورته كمثاله دعاه لأن يتعاون عبر تلك الصورة المباركة المتمثلة في الإرادة الحرة الواعية مع خالقه فيستثمر عبر صورة الله التي زرعت به ، وحدث السقوط يعبّر عن توغل الإنسان في محدوديته وفنائيته . فالسقوط جاء بسبب سوء إستعمال الحرية التي شاءها الله للإنسان للإرتقاء من المحدودية إلى كمال الله الذي يريدها لكل إنسان . فهل نلوم الله على حريتنا التي أسأنا فهمها وإستعمالها ؟

  الإله يسوع أمات الموت بموته على الصليب ، فمن آمن به وإن مات موت الجسد فسيحيا . فالموت الروحي في الكتاب المقدس هو الإبتعاد عن الله الذي هو مصدر الحياة . أما موت الجسد بيولوجياً  فهو نتيجة طبيعية ، وروح المؤمن ستنتقل من خلال باب موت الجسد إلى حياة افضل . سنرقد جميعاً لكن أجسادنا نحن المؤمنين لن تبقى في القبر كمن لا رجاء لهم ، بل يقول الكتاب ستتغير في برهة ، بعد أن تنحل في التراب أولاً ، لتأتي فترة الأندماج النفس بالجسد الجديد فتحدث قيامة كما حصل ليسوع الفادي . فجسد المؤمن لا يتعذب بظلمة القبر ، بل يلتقي بنور يسوع ( اليوم ستكون معي في الفردوس ) .

  بعد هذه المقدمة نقول : لماذا إذاً نمارس عادات وثنية بعد رقاد أحد أخوتنا علماً بأن تلك العادات تعود إلى الأزمنة الوثنية كإرتداء السواد حداداً للراقد ، والندب والبكاء ونزع الشعر واللطم على الوجوه وعدم الأستحمام لعدة أيام أو حلق الذقن وغيرها من العادات الغربية عن تعليم الكتاب المقدس . إنها أمور خاطئة تستعمل للدلالة على المبالغة بالحداد والتي تتعارض مع الرجاء الذي يؤمن به كل مسيحي والناتجة من ضعف الإيمان وقلة الثقافة المسيحية . كل هذه الأعمال الخاطئة تدنس فرصة القيامة مع المسيح . لماذا نحزن إلى من أنتقل إلى جوار المسيح ، وإن كان في الجحيم فهل يستحق دمعة من عين المؤمن ؟  . لماذا نحوّل الراحة الأبدية التي دخلها الراقد إلى حزن ورعدة عند الموت ؟ لا وبل هناك من يكفر عندما يوجه التهم إلى الله الذي أراد أن يريحه من أتعاب وآلام هذا العالم وخاصةً عندما يكون الراقد وحيداً لأهله أو شاباً أو متزوجاً لديه أطفال صغار ، الله هو الخالق والمسؤول عن كل الخلائق . ظاهرة وجود الندابين في يوم الجناز يتناقض مع تعليم الكنيسة فعلى كل مؤمن أن يتجنب ويتحرر من هذه العادات الموروثة من المحيط الوثني ، فعلاً يتم جَلب ندابين من أديان أخرى محترفين في زرع الألم والحزن والبكاء بكلماتهم وأقوالهم وطرقهم الوثنية .

جسد الميت لا يحتاج إلى غسل كما تفعل بعض الشعوب لأنه سيعود إلى التراب. ومن الممارسات الخاطئة نذكر قيام المشرفين على دفن الراقد بحلق ذقن المين وتجميل وجهه بالمستحضرات الخاصة بالتجميل لكي يظهر وجهه جميلاً أمام الحاضرين في قاعة التوديع ، وهل يحتاج من سيدفن تحت التراب إلى مدح جماله ؟

  من الواجب أن يقف الأقرباء والأصدقاء  إلى جانب أهل الراحل لأجل تعزيتهم بكلمات لائقة تخفف عنهم الحزن على قريبهم ، لكن الكثيرين يفعلون العكس عندما يقابلون اهل الميّت فيشرعون بالبكاء والعويل وذرف الدموع بدلاً من تقديم كلمات لائقة تخفف عنهم الحزن ولكي يزيدهم صبراً وعزاءً . فهل كان الشعب المسيحي يمارس تلك العادات يوم جناز الفقيد ؟ 

   كتب المؤرخ فيلكس في القرن الأول المسيحي ، إلى كيفية إقامة الجناز في وصفه لما كان يجري في الأزمنة المسيحية الأولى :

 ( لا يوجد ندب في الجناز . لماذا وجدوه ؟ نحن نُزَين الجناز بالهدوء العظيم ، كما نزين حياتنا . لا توضع أكاليل الزهور التي تذبل على جبين الميت ، لأننا نرجو أكاليل أبدية دائمة الأخضرار. بهدوء وإحتشام ، محفوظين في فيض إلهنا وتسامحه ، نحن نفعم بهجة بالرجاء بالفرح الآتي والثقة بعظمة الله الحاضرة . وهكذا نرتفع بالبركة ونحيا بتأمل ما سوف يأتي ) .   بعد هذا نقول للذي يكفن جسده بالسواد بسب إنتقال أحد من أحبائه إلى السماء ، هل هو نابع من مبادىء إيماننا ، أو هو لأجل إرضاء المحيط الفاسد ؟ أهو لإكرام الراقد أم لنستمر على دروب الخطاة ؟ وأي إكرام يقدمه النادب والشاعر للميت الذي لم يعرفوه يوماً ، بل سمعوا عنه بعض صفاته الحسنة من المقربين له . وهكذا ورثنا من المحيط الغير المؤمن إقامة ولائم كبيرة من أجل إطعام المئات من الحاضرين بحجة ( لقمة الرحمة ) ولماذا لا نخصص تلك اللقمة للفقراء والمحتاجين ، اليس السبب هو لحبنا للمظاهر والتباهي أمام الحاضرين ؟ لماذا قالوا التلاميذ ( أليس الأجدى أن يباع هذا الطيب ويوزع ثمنه للفقراء ؟ علماً بأن تلك المرأة عملت عملاً صالحاً لتكريم ربها ليوم دفنه القريب ) لنقول هذه الآية اليوم لمن يفعلوا تلك الأخطاء .

لماذا نرتدي السواد علماً بأن الميت سيرتدي الثوب الأبيض الذي يعبّر عن الفرح والخلاص وكما تلبس العروس في يوم فرحها .

عَلّمَنا القديس يوحنا الذهبي الفم ، وقال ( لا مكان للدموع حيث تكون المعجزات ، وحيث يحتفل بهذا السر . إسمعوا لي ، أنا أرجوكم .. يحتفل بسر عظيم عندما يرقد أحد منا . إذ كنا نجلس معاً وارسل الإمبراطور في دعوتنا إلى قصره ، أيكون من الصواب أن ننوح ونندب ؟ ألا تعرفون أي سر يجري الآن ، وكم هو رائع ويستحق الترنيم والمديح ؟ إنه سر عظيم من أسرار حكمة الله . النفس تقوم مستريحة إلى ربها ، وأنتم تندبون ؟ إذ كما أن الشمس تشرق ساطعة بهية ، كذلك النفس بعد أن تترك الجسد بضمير نقي ، تلمع بالبهجة … تترك النفس الحسد برفقة الملائكة ، فكروا في كيف ينبغي أن نكون ! في أي دهشةٍ ، وأي روعة ، وأي إبتهاج ! فلماذا تندبون ؟ هذا هو سبب الصلوات والمزامير والتمجيد لله ، حتى لا تندبوا ولا تنوحوا ، بل بالأحرى لنشكر الله الذي أخذ الراقد .. ) .

 فلنكف إذاً من الممارسات الخاطئة في الجناز لنفرج بالعزيز الذي انتقل إلى فرح السماء . علينا أن لا نفضل كلمات الوداع على كلمات اللقاء . توديعنا له ليس نهائياً لأننا نؤمن باللقاء القريب به ، وهذا اللقاء عبّرَ عنه الرسول بولس بقوله :     ( وأرى أن آلامنا في هذه الدنيا لا توازي المجد الذي سيظهر فينا ) ” رو 18:8″ .

        نختم المقال بذكر ما ينبغي أن نفعله في يوم الجناز للذي غادر عالمنا . علينا أن نقدم الصلوات والتراتيل أثناء الجناز لكي نعيش في محبة الله وتعليمه ، والكنيسة المقدسة ستودعه بقداس إلهي لكي تسلمه إلى الكنيسة الممجدة .

 سئل أحد أبطال الإيمان قبل إستشهاده : ( لم لست خائفاً من الموت ؟  فأجاب ، لأني مت مسبقاً ) ما عناه هو : لقد ودعت الخطيئة وأمور هذا العالم ، وأنا جاهز لسماع المرحبا الأبدية إذ يقولها يسوع ( نعماً أيها العبد الصالح … إدخل فرح ربك … كنت أميناً في القليل.. رث الملكوت المعد لك من قبل إنشاء العالم ) ( طوبى للأموات الذين يموتون بالرب ) ” رؤ 4 “

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1″

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!