مقالات دينية

البطريرك يوسف أودو والقضية الملبارية (1)

سامي خنجرو

samdesho
المرحلة الاولى من المطالبة بالملبار
سامي خنجرو – استراليا
يكتب البطريرك أودو عشية عيد الميلاد المجيد سنة 1849م رسالة الى رئيس مجمع البروباغندا الروماني، بشأن القضايا الراعوية التي تخص كنيسته الكلدانية. ويتطرّق فيها الى رسالة وصلت اليه من قبل الملباريين، ويقول: وردتنا رسائل من أبنائنا كلدان الملبار، يسألون فيها بحرارة أن نقيم لهم اسقفاً صالحاً لكنيستهم. ولكن بما ان ارادتنا وسلطتنا منوطتان بنيافتكم، راينا أن نعرض هذا الامر على نيافتكم. كما ونرفق طياً الرسائل التي وصلت الينا من كهنة تلك البقاع، والمعنونة الى خلفنا مار نيقولاوس زيعا البطريرك (1838-1847)م. لذا لنا الثقة بأن ترخيصا رسوليا سوف يعطى لنا لرسامة اسقف لادارة الكنيسة الملبارية المذكورة، لكي تعود تحت ادارة البطريرك الكلداني، الذي يستمدّ التفويض من الكرسي الرسولي الروماني. لذا فاننا قد عهدنا الامر الى نيافتكم ومنكم ننتظر جوابا سريعاً.
وتدل رسالة مار اودو باحترام عظيم للكرسي الروماني، ويعتبر بان سلطته مستمدة من سلطة البابا وفق تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. ويجدد البطريرك اودو طلبه الى البروباغندا في 4 نيسان 1850م، اذ يطالب برسامة اساقفة لكلدان الملبار. ويخبر روما بانه قد كتب الى الملباريين ان ينتظروا اجراءات المجمع المقدس، لكنه لم يشأ ان يتخذ اي اجراء حاسم دون اخذ موافقة روما ومشورتها. ويستلم البطريرك اودو رسالة جوابية من البروباغندا في 15 تموز 1850م، وفيها تشعره  بانها تمتحن طلبه وتسأله ان ينبّه الملباريين ويحرّضهم على الصبر. بينما في رسالة لها الى النائب الرسولي لود وفيكو في فيرابولي، بعد ثمانية ايام من تاريخ الرسالة الموجهة الى مار اودو، تنكر اي سلطان للبطريرك الكلداني على الملبار. وليس من اي شك بان المرسلين البرتغاليين لعبوا دوراً كبيرا في هذه القضية، اذ يكتب المونسنيور لود وفيكو بتاريخ 4 تشرين الثاني 1850م الى البروباغندا مظهراً استغرابه ومؤكداً بان الملباريين لم يطالبوا ابداً باسقف من طقسهم، بل انهم يجهلون ان في بابل (الموصل) بطريركاً كلدانيا. وهذا ما حدا بالبروباغندا ان تكتب الى مار اودو بتاريخ 1 أيار 1851م بان طلب الملباريين امر مشكوك بصحته، وهو من تدبير بعض الفوضويين. لذا يرى المجمع المقدس ارجاء هذا الطلب أقلـّه الى حين.
ويجيب مار اودو في 7 نيسان 1852م ويقول: انه لم يعد يعلم ماذا يفعل. فقد قيل له تمهّل واحمل الملباريين على الصبر، بينما يطالبونه الان بالتزام الصمت. لكن المجمع الروماني في رسالة محررة الى وكيل القاصد الرسولي بلانشيه في الموصل، ينكر قيام اي طائفية بين كلدان وادي الرافدين وبين سريان- كلدان ملبار. انما ثمة علاقة تاريخية ليس الاّ بين الملباريين وبطاركة بابل النساطرة. لعلّ الاب اوغسطين ماركي رئيس الدومنيكيين في الموصل يفيدنا عن القضية أكثر حياداً. فهذا يذكر طلب الملباريين في رسالة موجهة الى روما بتاريخ 16 أيار 1851م ويقول: ان طلب الملباريين هو للتخلـّص من رئاسة الرعاة (اللاتين). وان الكلدان والبطريرك سألوه عن رأيه في الموضوع، فاجاب: لا ينبغي القيام باي شئ ما لم يكن بعلم الكرسي الرسولي. ويبعث ماركي برسائل الملباريين وفيها تأكيد صريح بان مار اودو هو بطريرك طقسهم.
تطور القضية الملبارية
يكتب النائب الرسولي في فيرابولي برنردينوس الكرملي بعد بضعة أشهر من تعيينه في 12 اذار 1853م الى روما، ويخبر البروباغندا بوصول كاهن كلداني اسمه دنخا بر يونا. لكنه سرعان ما يصحّح معلوماته في رسالة ثانية فيقول: ان هذا الكاهن هارب من وطنه وبطريركه. لكنه رغم ذلك يلقي تبعية الامر على البطريرك أودو. وبينما كان مار اودو في بغداد عام 1855م، وردت اليه رسائل اخرى من الملباريين. وعند رجوعه الى الموصل وجّه رسالة تهنئة الى الكردينال الكسندر برنابو، الذي تعيّن حديثا رئيسا لمجمع البروباغندا، ويستغل الفرصة لبسط قضية الملبار عليه.
وفي اب 1856م، استلم مار أودو رسالة موقعة من 31 كاهنا ملباريا. لذا جمع في كنيسة مسكنته اقليروس المدينة، ورئيس الرهبان الانبا الياس، ورئيس الدومنيكيين الاب اوغسطين ماركي، والقاصد الرسولي بلانشيه، فيقررون ارسال التماس الى البابا بيوس التاسع لترخيصهم برسامة مطران (رئيس أساقفة) كلداني للملبار. وفي حالة رغبة روما الاطلاع بنوع أفضل على الوضع القائم، فعليها أن ترسل الى الملبار أربعة زائرين، اثنين من اللاتين واثنين من الكلدان. لانّه ثابت بالوثائق والوقائع بان أولئك المسيحيين كانوا دوماً وما يزالون بحسب الطقس الكلداني، وتحت ادارة الكنيسة الكلدانية قبل النسطرة وبعدها بزمن طويل. كما وأرسل البطريرك أودو الى الملباريين رسالة مشجعة.
وكانت البروباغندا قد هيّأت موجز ملف جلسة ومعدّاً لاخضاعه لحكم الكرادلة اباء المجمع المقدس، حول وضع الكنيسة السريانية-الكلدانية الملبارية. لذلك طلبت من البطريرك أودو أن يبعث بكل الوثائق التي يراها مفيدة، لتناول القضية من جميع جوانبها المختلفة. لكنّها اي البروباغندا تجدّد في رسالتها منع البطريرك من التدخّل بما محفوظ أمر البت فيه الى صلاحية الحبر الاعظم وحده. وبالرغم من ذلك، يجدد البطريرك أودو في جوابه الى البروباغندا بتاريخ 12 تشرين2 1858م ، طلب ارسال زائرين من اللاتين والكلدان للاطلاع بنوع أفضل على الوضع في الملبار. وأعلمت روما البطريرك بان القضية لم تنسى. فلم يقتنع مار أودو من الجواب، ونراه يقول في رسالة مؤرخة في 12 كانون1 1859م بان واجبه البطريركي يلزمه الاهتمام بكلدان الملبار. وكان القس انطونيوس الملباري قد رجع الى العراق مع عدد من التلاميذ الاكليريكيين لم يقبل النائب الرسولي في الملبار برسامتهم في الدرجات المقدسة الكنسية، لانهم لم يتبعوا الدروس في المعهد الكهنوتي اللاتيني للكرمليين. وكان الاتفاق أن يأتي هؤلاء الملباريون الى ما بين النهرين لغرض تعلم اللغة السريانية-الكلدانية. غير أن ستة منهم توفوا في بغداد، بينما واصل البقية طريقهم الى الموصل، حيث استضافتهم هناك عائلات كلدانية. لكن هؤلاء التلاميذ اصبحوا مصدر قلق للبطريرك بسبب ازعاجاتهم، لذلك رأى البطريرك أودو أن يبتعد فترة عن الموصل، فمضى الى القوش مسقط رأسه.
ونزولاً عند الحاح البروباغندا، وصل الى بلاد ما بين النهرين القاصد الرسولي الجديد هنري أمانتون الدومنيكي. وفي هذه الفترة، كان البطريرك أودو قد جمع أساقفته في دياربكر (امد) وهم: المطران ديناتالي، المطران دشتو، المطران بر تتر، المطران هندي والمطران أسمر، وذلك للتباحث في قضية كلدان الملبار.  وفي هذا الاجتماع، اتـّخذ البطريرك مع أساقفته قرارات مهمة وحاسمة بخصوص الملبار. وأصبحت هذه القرارات مصدراً للتباعد بين روما والبطريرك واساءت الى العلاقة بينهما لفترة طويلة.
هذا ما سنتناوله في مقالتنا القادمة انشاءالله…

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!