مقالات دينية

معرفة الله والمعرفة عن الله

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

 

 

معرفة الله والمعرفة عن الله
الجزء ألأول
نافع البرواري
يقول الرسول بولس“كُلِّ شيء نفاية من أجل معرفة الله” .
الحياة لا تنفع بدون علاقات أنسانية ولكن الحياة تبقى بلا معنى وبلا رجاء وخاوية دون العلاقة المباشرة مع الله الخالق . يقول الرب يسوع المسيح عن المؤمين به والذين عرفوه وأختبروه في حياتهم “أعرفُ خرافي وخرافي تعرفني , مثلما يعرفُني ألآب وأعرف أنا ألآب “يوحنا 10:14,15”.
لن نستطيع أن نعرف حقيقة أيُّ أنسان من مجرد رؤية وجهه أو صورته ولن نعرفه من خلال رؤيته شخصيا الاّ اذا أقمنا علاقة قريبة من هذا الشخص لنعرف المزيد عن شخصيّته من خلال : 1- سلوكه ، 2- أعماله ، 3- كلامه ، 4- الشركة معه (اقامة علاقة معه) أي أن أعرفه كشخص وليس فقط أن أعرف عنه كمعلومات , لأنّ المعرفة نوعان :
1- معرفة معلوماتية أي أن أعرف أشياء حدثت أو معلومات عن أشخاص ولكنها ليست الاّ معرفة معلوماتية ، هكذا لن نستطيع معرفة الله الاّ أذا أقمنا رحلة مع طرقه (سلوكه) وعرفنا عن أعماله , فنستمتع  بحضوره في حياتنا عن قرب ونختبرها فعليا .
2- المعرفة (أنا أعرف) باللغة اليونانية تعني أنا “أختَبَرتُ” .
يقول بولس فغالي (عالم في دراسة الكتاب المقدس) :
“ويعرفون أنّي أنا الرب” هذا التعبير يتكرّر خمسا واربعين مرة في سفر حزقيال وهناك ثماني عشرة مرة أُخرى يردُّ فيها التعبيري ذاته في الكتاب المقدس . انَّ هذا التعبيري , كما هو يحمل أهمية لها مغزاها , انَّهُ يلمح الى الهدف الذي ينبغي أن يبلغهُ الشعب (الأسرائيلي) , وهوَ معرفة يهوه من خلال أفعاله (أفعال الله) , وهو تعبير عن علاقة وجودية ( حسب اللغة العبرية) , حيث “علِمَ بشيئ ما , يعني أنّهُ أختبره , يُقال عرف فلان فلانا , أي دخلَ معهُ في علاقة ما. ويستعمل الكلمة للدلالة على التضامن العائلي , والعلاقة الزوجية وحتى العلاقة  (الجنسية) الحميمية , بهذا التعبير التصويري يُعلن حزقيال عودة علاقة العهد بين الشعب والههِ (وهذا ما تم في العهد الجديد) .
وهنا الفرق بين من يقول أنا أعرف الله (معلوماتيا) وبين من يقول أنا أعرف الله (أختباريا) أي بتكوين علاقة شخصية مع الله , والمسيحي “المؤمن الحقيقي” يجب أن يختبر معرفة الله وذلك من خلال العيش والعشرة مع الله والتألم معه والفرح معه وأختبار تدخلات الله في حياته وشعور المؤمن بلمسات الله وكيف أنّ الله كان دائما يرافق حياته في كُلّ الحالات سواء عند المرض أو موت عزيز على القلب , في الضيقات والشدائد , في أ لآلام والمصائب , في السعادة والنجاح أو في ألأفراح والمسرات….الخ انّها حياة معاشة مع الرب .
يقول أحد الآباء “انّه ما من ماساة أكبرمن عدم أكتشاف محبّة الله” .
كثيرون من المسيحيين يعتقدون أنّ المسيحية ديانة وعقيدة تتبع تعليمات وردت في الكتاب المقدس ويؤمنون بيسوع المسيح ربا والها , وتراهم غيورين على مسيحيّتهم ويقومون بتطبيق الشعائر الدينية والذهاب الى الكنيسة وترديد صلوات حفظوها عن ظهر قلب ويمارسون الطقوس والفرائض الدينية , ولكن للأسف الكثيرون منهم ليست لهم علاقة شخصية مع الله ولم يختبروا هذه العلاقة في حياتهم اليومية والمؤسف حقا هو أنّ الكنيسة وخاصة كنيستنا الشرقية لم تُركز على تعليم الناس المؤمنين أنّ المسيحية ليست ديانة ولاعقيدة , لأنّ العقيدة تعني الأعتقاد بوجود الله بينما المسيحية هي يقين تام وأختبار حقيقي بعلاقة شخصية بشخص يسوع المسيح أبن الله الذي تجسّد وأصبح أنسانا مثلنا . رأيناه وسمعناه ولمسناه , كما يقول يوحنا البشير , لأنّ الأبن يسوع المسيح هو الوحيد والفريد الذي أخبرنا عن طبيعة أبيه السماوي وأعطانا روحه القدوس ليسكن فينا ومعنا وهو بدوره يكشف لنا ألأبن وهكذا أصبحنا نعرفه ونتذوقه ونتحاور معه في كُلِّ حين لابل أصبح يسكن معنا وينوّر حياتنا بحيث أصبحت حياتنا كُلَّها حياة صلاة وعشرة ومعرفة الله عن قرب , وهذا ما يشعر به كُلِّ من أختبر تدخلات الله في حياته بل أصبحت حياته معجزات يصنعها هذا الأله المحب , فيكتشف أنّ الله معه في السراء والضراء , في المحن والمشاكل , في الألآم والمصائب , حتى يرى ألأنسان المؤمن , الذي يختبر هذه العلاقة الحميمة , أنَّ حياته أصبحت فرحا وسعادة وشكر وتسبيح بسبب هذه العشرة , فيُسلِّم حياته كُلّها لهذا الأله في طاعة كاملة لايشوبها أي شك , ولا يتزحزح هذا اليقين مهما كانت الضروف أو الحالات التي يمُرُّ فيها ألأنسان المخلوق لكي يشترك مع خالقه بعلاقة ولا يمكن أن تكون هذه العلاقة حميمة  دون أن يتعَّرف على هذا الخالق . كثيرون يقولون انّنا نعبد الله الواحد ولكن قليلون يعرفون انَّ حقيقة الله وطبيعته وصفاته لايمكن أن تُعلن الآّ اذا عرفوا ألأبن “يسوع المسيح” فهو وحدهُ عرَّفنا ويعرِّفنا على حقيقة أبيه السماوي . انّها حقيقة مُرّة أن يدعي أحدُ أنَّه يعرف الله ولكنه لم يتعرّف على أبنه يسوع المسيح الذي هو الوحيد الذي أخبرنا عن أبيه وكشف لنا بسرَّ التجسُّد طبيعة هذا الله “يوحنا 17:25,26″.فيسوع المسيح هو الدليل والمرشد الذي يقودنا الى حقيقة الله , وهذه الحقيقة هي أنّ الله” محبَّة”. وكُلِّ من يقول انَّه يعرف الله دون أن يعترف أنَّ الله محبّة فهو لم يعرف الله . وكُلِّ من يقول أنّه لوحده عرف الله وأقامَ معه علاقة بدون” الولادة الجديدة” بالروح القدس فهو يكذب”يوحنا 14:17″.
الذي لايسكن الروح القدس في قلبه بالأيمان فهو لا يعرف الله , والذي لايعرف طبيعة الله “المحبة” التي تجلّت في أبنه يسوع المسيح فهو لم يذق ولا يعرف طعم محبة الله “ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب” .
الذي لم يتأصَّل فيه روح المسيح فهو لن يعرف طعم “غذاء الروح النازل من السماء” وهو يسوع المسيح خبز الحياة .
الذي لايفتح قلبه للمسيح ليسكن المسيح فيه فهو تعيس وبائس ومسكين .
فالمؤمن المسيحي الحقيقي هو من يعرف وقادر ويختبر ويدرك محبة المسيح فيصبح مثل العضو في الجسد ومثل الغصن في شجرة العنب ومثل شجرة دائمة الخضرة لأنّ جذورها تستمد مياهها من النبع الصافي(يسوع المسيح).
لو أنّ العالم عرف الله لأتَّبع يسوع المسيح وتعرّف على شخصه كأنسان وكإله .
يقول يوحنا البشيرعن يسوع المسيح الكلمة المتجسّدة ” …وكان في العالم , وبه كان العالم , وما عرفه العالم…أمّا الذين قبلوهُ , المؤمنون باسمه , فأعطاهم سُلطانا أن يصيروا أبناء الله , وهم الذين وُلِدوا لا من دمٍ ولا من رغبة جسد ولا من رغبة رجلٍ , بل من الله”يوحنا 1:10,12″ .
من هذه الآيات نستنتج أنّ العالم لايعرف الله الحقيقي الا من خلال يسوع المسيح ألأبن , وهذا واضح من خلال الديانات أو المعتقدات حيث الناس يعتقدون بوجود الله ولكنهم في الحقيقة لا يعرفون الله (لأنّهم لا يقتدون بأعماله واقواله ) , لأنّ معرفة الله تأتي من معرفة يسوع المسيح ألأبن , وبالروح القدس وحده يستطيع ألأنسان معرفة ألأبن لأنّه هو(الروح القدس) الذي يكشف لنا حقيقة يسوع المسيح كانسان وكإله وهذا لن يتم الاّ بالولادة الجديدة , أي الولادة الروحية ( ليصبحوا خليقة جديدة) , لأنّ الولادة الجديدة (الثانية) تُعطي ألأنسان الجديد حياة روحية وتضعه في عائلة الله وهكذا يتعرَّف على الله عن قرب , فلا يستطيع أحد معرفة الله الاّ بالروح والحق لأنَّ”الله روح ُ, وبالروحِ والحق يَجِبُ على العابدين أن يعبدوهُ”يوحنا4:24″ , وهنا ألأختلاف بين المسيحية والديانات والمعتقدات ألأُخرى , فالمسيحية ليست شرائع ولا نظريات ولا فلسفة بل هي علاقة مباشرة مع الله , وكُلِّ الذين يعترفون ويقبلون الوهية المسيح و تجسُّدهُ , عندها المسيح يُعلن لهم ذاته ، فالذين ولدوا بالجسد (الولادة الطبيعية)  هم لا زالوا عبيدا للشهوات والرغبات الجسدية (الخطية) , بينما الذين ولدوا بالروح القدس فقد أعطاهم الله الحق ليصبحوا أبنائه , وكما نعرف أنَّ ألأبن له علاقة مباشرة مع الأب ويستطيع أن يعرف أبيه عن قرب ويحصل على جميع حقوق البنوّة , بينما العبد ليس له الحق أن يعرف أسرار سيِّده ولا يرث ملكوته.
نعم قبل المسيح كان الناس لا يعرفون الله الاّ جزئيا , أمّا بعد المسيح فقد أمكن للناس أن يعرفوا الله الكامل , لأنّه صار ملموسا ومرئيا لهم في المسيح “الذي كان من البدء , الذي تأمَّلناه ولمسته أيدينا من كلمة الحياة , والحياة تجّلت فرايناها “1يوحنا 1:1,2”, فالمسيح هو التعبير الكامل لله في صورة بشرية “عظيم هو سر التقوى ,الله ظهر في الجسد”  ويقول لنا البشير يوحنا” ….ونعرف أنَّ أبن اللهِ جاء وأنَّهُ أعطانا فهما نُدركُ به الحق(الله)“. ونحنُ في الحق , في أبنهِ يسوع المسيح”1يوحنا5:19,20: اليوم هناك الكثيرون لايفهمون ولايعرفون الله الحقيقي لأنَّ العالم منجرف وراء المنجزات ومعجب بالسلطة السياسية والقوّة العسكرية وبالشهوات الجسدية . فبالرغم من نبوات الأنبياء وشهادة الرسل وشهادة تاريخ الكنيسة وشهادات المنتصرين على الموت بالقيامة وشهادات لناس أجرى الله معهم معجزات كثيرة وأختبروا الله في حياتهم , أقول رغم كُلِّ هذه الشهادات فهناك الملايين من الناس لايستوعبون الخبر السار (خبر الخلاص بالأبن يسوع المسيح) الذي ضحَّى من أجلنا بعد أن عاش بيننا ورأينا مجده وهو الوحيد الفريد الذي نزل من السماء لأنّه كان في السماء , وهو الوحيد الفريد الذي أخبرنا عن طبيعة وجوهر الله الآب  “ما من أحدٍ رأى الله . ألأله ألأوحد الذي في حضن ألآب هو الذي أخبر عنهُ “يوحنا 1:18” ، نعم يسوع المسيح كشف لنا هذه الطبيعة (طبيعة الله) بطريقة يُمكن رؤيتها ولمسها وأحساسها , ففي المسيح صار الله أنسانا يحيا على الأرض وهو(أي الأبن) هو الذي جعل النور يُشرق ُفي قلوبنا , لأشعاء معرفة مجدُ الله المُتَجلّي في وجه المسيح الذي هو ألأعلان الكامل لله”يوحنا 14:9″ فرحلة البحث عن الله تنتهي بمعرفة المسيح”كلَّمَ الله ابائنا من قديم الزمان بلسان ألأنبياء مرّات ٍ كثيرة وبمُختَلِف الوسائل , ولكنَّه في هذه الأيّام ألأخيرة كَلَّمنا بِأِبنِهِ الذي جَعَلَهُ وارثا لكُلِّ شيء وبهِ خَلَقَ العالم”عبرانيين1:1,2″ .
 والى اللقاء في الجزء الثاني  

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!