مقالات دينية

زيارتي إلى الأماكن المقدسة

الكاتب: وردا اسحاق          

 

 

زيارتي إلى الأماكن المقدسة

بقلم / وردا أسحاق قلّو

 ( فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب ننطلق ، قد وقفت أقدامنا في أبوابك يا أورشليم ) ” مز 1:121 “

الأماكن المقدسة . تلك البقاع التي اختارها الرب يسوع فتجسد وولد وترعرع على ترابها ، ومر في طرقاتها وبشّرَ في مدنها وقراها . قضى فيها كل سنين عمره كفقير منذ الولادة وحتى الموت . ومن تلك الأرض أنطلق إلى السماء بجسده الممجد أمام أنظار المئات ليدخل مرة أخرى في اللازمن . فمن يزور تلك الديار المقدسة بإيمان وخشوع وقلب مضطرم بالحب لسيده ومخلصه سينال النعم والبركات وحياة مسيحية أكثر نقاوة  . الزيارة هي دعوة لكل مؤمن لكي فيبتعد عن أرضه وأهله وعشيرته متجهاً إلى تلك الديار التي أختارها الله لأبينا أبراهيم ونسله ، فأبراهيم الذي سمع الدعوة ، ولبى الطلب ( أترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك وأنطلق إلى الأرض التي أريك ) ” تك 1:12″ . أبراهيم أطاع الله ، فتجلى له وكلمهُ وباركهُ ، كذلك أيليا النبي أنطلق في مسيرة مباركة إلى جبل حوريب فألتقى بالرب من خلال نسيم لطيف وسمع صوتاً يدعوه ويحدثه ( طالع 1مل 19: 12-13 ) هكذا يجب على الذي يزور تلك الأماكن أن يشعر بلقاء الرب ليعيش في كنفه ويتبرك بعطاياه الكثيره ويغيّر حياته فيسمو ويرتقي نحو الأفضل . أديان كثيرة عرفت الزيارة إلى أماكنها الدينية المختارة منذ القدم . فعند الرومان والهندوس كانوا يزورون أقدس الأماكن الخاصة بمعتقداتهم . أما شعب الله المختار فكانت الزيارة لديهم فريضة لزيارة الهيكل المقدس في ثلاث أعياد مقدسة خلال سنة واحدة ، وهي ( الفصح – العنصرة – المظال ) كانوا يقدمون خلالها الذبائح تكفيراً عن خطاياهم . وفي عودتهم كانوا فرحين يرتلون بأورشليم قائلين ( أن نسيتك يا أورشليم فلننسى يميني ويلتصق لساني بحنكي أن لم أذكرك ) ” مز 137: 5-6″ .

أما المسلمين فقلدوا اليهود واعتبروا الزيارة إلى الكعبة حجاً ، وأعتبروا الحج ركناً من أركان دينهم ، وهم كاليهود أيضاً يقدمون الأضاحي الحيوانية لمغفرة خطاياهم في عيد الأضحى .

أما نحن المسيحيين فأُلغيت الذبائح الحيوانية بعد موت حمل الله على الصليب ، هذا الذي دفع الثمن كاملاً للعدل السماوي فحرر الأنسان .

كانت زيارة الهيكل مفروضة عند اليهود على كل من بلغ الأثني عشر سنة ، وما زيارة يسوع إلى الهيكل مع والديه في عيد الفصح عندما ضاع  إلا زيارة مفروضة عليه ، وكانت تلك الزيارة الأولى له ، وكانت ترمز إلى زيارته الأخيرة لأورشليم والتي فيها أسلم نفسه طوعاً للصلب من أجل خلاص كل من يؤمن به وبعمل صليبه المقدس ومن الصليب انطلق الى أورشليم السماوية .

الزيارة في المسيحية بدأت في القرن الرابع الميلادي بعد أن تم بناء الكنائس الضخمة من قبل الملكة هيلانة المؤمنة في مكان بشارة الملاك للعذراء في الناصرة ( كنيسة البشارة ). وفي موضع مولد الرب في بيت لحم ( كنيسة المهد ) ، ومكان موته على الصليب ، ومكان وضع جسده في القبر ( كنيسة القيامة ) وغيرها من الكنائس .  

لزيارة الأماكن المقدسة معنى ديني عميق ومهم ، لهذا على الزائر أن يتهيأ نفسياً وروحياً أولاً قبل الأنطلاق في رحلته التي يجب أن تبدأ أولاً بالصلاة والتأمل وسماع الوعظات وقراءة الكتب المقدسة والأشتراك في الأسرار الألهية قبل الرحلة  . الغاية الأساسية من الزيارة ليست لمشاهدة آثار ومناظر كما يفعل السائح الذي يتمتع بالمشاهدة وألتقاط الصور وشراء الهدايا ، بل لكي يتمتع بالصلاة المشتركة مع المجموعة للعبادة والتأمل العميق في المكان المقدس وكذلك بمستقبل حياته الروحية طالباً من الرب الذي مات من أجله في تلك الديار أن يدخل إلى قلبه ويغيّر حياته نحو الأفضل ، بل ليصبح معه كياناً واحداً ( وأما ما أقترن بالرب فصار وأياه روحاً واحداً ) ” 1 قور 17:6 ” . فالأشتراك مع الجماعة في الصلاة يخلق منهم كنيسة صغيرة على مثال الجماعة المسيحية الأولى التي كانت تعيش قلباً واحداً ونفساً واحدة ( أع 32:4 ) كما على الزائر أن يتأمل بالعذراء مريم منذ زيارته التي يجب ان تبدأ من الناصرة قرية العذراء وذلك لأن للطوباوية مريم تأثير خلاصي للبشر ، وهذا لن يولد عن حتمية ما ، بل ينبع من رضى الله ويصدر عن فيض استحقاقات أبنه الوحيد ، انه يرتكز على وساطته ، ويتعلق بها تماماً ، ويستمد منها كل قوته ، وهذا لا يعيق أتحاد المؤمنين بالمسيح بطريقة ما ، بل يعززه ( المجمع الفاتيكاني الثاني / دستور عقائدي في الكنيسة عدد 60 ) . وهكذا بالنسبة إلى زيارة أماكن القديسين وأضرحتهم ، هم أيضاً شفعاء لأبناء الكنيسة المجاهدة وطلباتهم مسموعة من قبل الرب . بعد هذه المقدمة سأبدأ بالتحدث عن زيارتي مع المجموعة التي كان يقودها الأب سرمد باليوس راعي كنيسة العائلة المقدسة في وندزر – كندا إلى الأراضي المقدسة  ، والتي بدأت من يوم 15 -9 – 2018 وأنتهت يوم 26 – 9 – 2018.

نزلنا في مطار اللُد في العاصمة تل أبيب يوم 16 – 9-2018 والمطلة على البحر المتوسط . أقول عن اللد بأنها كانت في زمن المسيح مدينة صغيرة مر فيها بطرس وشفى مُقعداً أسمه ( أينياس ) ” طالع أع 9: 32-35 ” . أما تل أبيب الحديثة التي بنيت في تلك المنطقة  فمعنى أسمها هو ( تل الربيع ) وباللغة العبرية ( أفيف ) وأصل الكلمة أكدي ، أي من اللغة الأكدية ، حيث جاءوا به اليهود من بلاد النهرين  ، من اللُد أنتقل بطرس إلى يافا ونحن أيضاً دخلنا إلى يافا الملتصقة بتل أبيب ، يفصل بين المدينتين شارع أسمه ( باركون ) . زرنا في يافا أول كنيسة بأسم القديس بطرس ، يعلوها برج عالي يشبه برج كنيسة الساعة في الموصل . بنيت تلك الكنيسة في يافاعلى آثار بيت سمعان الدباغ القريب من ساحل البحر  ، كان الرسول بطرس ضيفاً فيه ، فعندما كان يصلي فوق سطح بيته ، رأى رؤية فشاهد وعاء نازل من السماء وفيه أنواع الحيوانات الدابة ( طالع أع 10: 9-12 ) وعندما انتهت الرؤية سمع صوت الطرقات على الباب ، فإذ هم رجال بعثهم قائد المئة ( قرنيليوس ) أليه . وفي يافا أيضاً أعاد بطرس الحياة إلى تلميذة أسمها ( طابيثا) أي ظبية بعدما أرسلوا التلاميذ إلى بطرس للحضور من اللد القريبة إلى يافا يتوسلون إليه للحضور من أجلها ( أع 9 : 36-41 ) . يافا مدينة قديمة عمرها يتجاوز 3300 سنة . ومن يافا رجعنا إلى تل أبيب ومنها توجهنا إلى القيصرية التي كان فيها القائد قرنيليوس والقريبة من يافا قطعها بطرس ورجال قائد المئة بيوم واحد ، وفي بيته ألقى عظته فآمن الجميع وأعتمدوا وتكلموا بلغاتٍ غير لغاتهم ( طالع أع 10 ) . كانت رحلتنا في اليوم الأول مطابقة لرحلة بطرس المدونة في سفر أعمال الرسل ، أي كنا نسير وفق النصوص وترتيبها .

أنطلقنا من هناك في رحلة طويلة نحو الشمال فوصلنا إلى جبل الكرمل . قضينا الوقت في الطريق بالتراتيل والصلوات ، نزلنا على الرابية التي عليها عمل أيليا المحرقة ، وتحدى جماعة أيزابيل الوثنية السفاحة . وعلى ذلك الجبل العالي المغطى بالغابات متنوعة الأشجار شيد جماعة الروم الكاثوليك الكرمليين كنيسةعلى مكان المحرقة تسمى بكنيسة ( المحرقة ) تقع على قمة الجبل ، وأمام الكنيسة نصب عالي يحمل تمثال ما أيليا وبيده سيف يق*ت*ل به إله البعل .

 تأمل الأب الكاهن بنص الموضع في وعظته التي قدمها لنا في القداس الذي أقامه في نفس الكنيسة ( أول قداس في رحلتنا ) وقال بأن الله لا يق*ت*ل أحداً بل ق*ت*ل الوثنية وأزال عبادتها ( 1 مل 18- 40 ) لهذا تمرد الشعب على إله أيزابيل وآخاب الملك وتبعوا إله أيليا المنتصر .

كرمل تعني ( كرم أيل ) أي كرم الله . يوجد على سطح تلك الكنيسة مخطط مرسوم من أسهم موجهة صوب الأماكن الأثرية والمدن المحيطة بالجبل وخاصة نحو الشرق والشمال الشرقي ، كجبل الطابور والناصرة  ،  تقع على شمال الشرق من جبل الكرمل ، وجبل التجلي يقع الى الشرق وغيرها .

وهذا هو المخطط مع صورة المجموعة :

جبل الكرمل مطل على وادي فسيح يُزرع ثلاث مرات في السنة لخصوبته . حقل نابوت اليزرعيلي القريب من قصر الملك في السامرة كان سبب غضب الله على آخاب ، فأرسل أليه الملك أيليا لينقل أليه هذه الرسالة  ( في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضا ) ” 1مل 19:11 ” . ولما سمع أخآب هذا الكلام، شق ثيابه وجعل مسحاً على جسده، وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت . فكان كلام الرب لأيليا ( هل رأيت كيف اتضع أخآب أمامي ؟ فمن أجل أنه قد اتضع أمامي لا أجلب الشر في أيامه ، بل في أيام ابنه أجلب الشر على بيته ) ” 1مل 11: 27-29 ” . أقسمت أيزابيل  لق*ت*ل أيليا فهرب إلى جبل حوريب ودخل إلى مغارة وبات فيها ، وهناك تجلى له الرب وأعطى له أوامر.

من جبل الكرمل أتجهنا نحو مدينة الناصرة التي تبعد 105 كم شمال أورشليم . أسمها أرامي  ܢܨܪܬ . كانت قرية صغيرة في عهد العذراء ومار يوسف ، واليوم فهي مدينة كبيرة مبنية على سفح الجبل ويبلغ عدد سكانها حوالي 85 ألف ، 30 % من المسيحيين . تحيطها مدن وقرى ( المشهد ، عين ماهل ، إكسال ، وكفركنا ، وعيلوط ، الرينة  ) وتعتبر الناصرة من المدن الأكثر قداسة في المسيحية كأورشليم وبيت لحم . وعلى أسمها دعي المسيح  ( ناصرياً ) . قبل وصولنا إلى مدينة الناصرة وصلنا إلى سلسلة من الجبال منها جبل الخوف ، تعلوه قمة صخرية بارزة إلى جهة الجنوب ذات شكل مخيف ، وعلى حافة تلك القمة أصعدوا اليهود يسوع ليطرحوه إلى الأسفل بسبب قرائته في كتاب النبي أشعيا ، وبعد القراءة قال ( اليوم تم ما قد سمعتم من آيات … وقاموا يدفعونه إلى خارج المدينة وساقوه إلى حافة الجبل الذي بنيت عليه مدينتهم ليطرحوه إلى الأسفل ، إلا أنه أجتاز من وسطهم وأنصرف ) ” لو 4: 21-30 ”

وصلنا إلى الناصرة ونزلنا في فندق ( كولدن كراون ) المطل على معظم أحياء المدينة وبقينا فيه خمسة أيام . في صباح اليوم التالي بدأت رحلتنا إلى أهم الكنائس في المدينة ، ففي الناصرة يوجد الكنائس التالية :

كنيسة البشارة لللاتين الكاثوليك

داخل الكنيسة

  1. كنيسة البشارة للاتين الكاثوليك : كما تسمى بكنيسة الملاك جبرائيل .وهي أكبر الكنائس في الشرق الأوسط ، تتكون من طابقين ، في الطابق السفلي يوجد بيت العذراء ، يستطيع الزائر أن يرى منه الدرج المؤدي إلى غرف البيت الصغير ، تعلو الكنيسة قبة جميلة على شكل سلة مقلوبة . في هذا المكان حضر الملاك جبرائيل على العذراء وألقى عليها السلام الملائكي . الكاتدرائية كبيرة وبنائها جميل ، نجد على جدرانها تماثيل غائرة وبارزة وعليها صلبان خماسية تمثل جروح المسيح الخمسة ، ومريم موجودة تحت الصليب ، مريم تمثل الكنيسة ، فيجب إذاً تشيّد الكنيسة المقدسة  تحت الصليب ، ويبقى المؤمنون تحت ثقل الصليب إلى يوم مماتهم فيرفعهم الصليب إلى السماء . باب هذه الكنيسة جميل جداً  عليه منحوتات برونزية للعذراء مريم التي ترمز إلى الكنيسة ، ويوحنا الرسول ، تم تشبيهه  بالنسر ،  فلاهوته العميق الخارق يرمز إلى بصر النسر الخارق ، وترتيب هذه التماثيل على الباب الرئيسي للكاتدرائية ( بابان ) تبدأ من ميلاد المسيح وحتى صلبه وحسب التسلسل التالي : الميلاد – الرعاة – المجوس – يسوع في الهيكل – شمعون الشيخ وحنى – مذبحة أطفال بيت لحم – الهروب إلى مصر – الناصرة ، كذلك طفولة يسوع وحياته الخفية – معمودية يوحنا – التبشير – صليب المسيح – القيامة ) . أما الباب الواقع على اليسار فهو أصغر من الباب الرئيسي ويتكون من باب واحد فقط عليه المنحوتات التالية ( آدم وحواء مع الحياة في جنة عدن وبداية الخلق – طرد الأنسان من الجنة – ميلاد أول طفل حسب العهد ومق*ت*ل هابيل من قبل قايين – سفينة نوحرمز المعمودية– خصن الزيتون – قوس قزح ، عهد الله مع نوح ، يرمز إلى آلوهية يسوع .- أبراهيم وأسحق والذبيحة الألهية – الكبش ، يرمز إلى الذبيحة الإلهية ) . كل هذا الصرح الجميل العظيم لبناية الكاتدرائية تم تشييده بتبرعات المؤمنين من جميع الأمم المؤمنة ، وهو تطويب لأمنا العذراء ، والمبني على بيتها البسيط . الله خلق الأنسان على صورته ومثاله ، لكن بعد السقوط طرد الأنسان من الجنة إلى الأرض ، ومن الأرض إرتفع إلى الأيمان للعودة ثانية إلى الله ، والله أخيراً أرسل أبنه الوحيد لكي يضمن للأنسان عودته إليه .أجتمعت المجموعة في كنيسة صغيرة ملتصقة بكنيسة البشارة الكبيرة لحضور ثاني قداس ألهي أقامه لنا راعي خورتنا ، وبعد القداس أتجهنا نحو كنيسة مار يوسف .
  2. كنيسة مار يوسف القريبة جداً من كنيسة البشارة وعلى بعد مئة متر ، تفصل بينهما ساحة مشتركة  ، وأمام كنيسة مار يوسف  يوجد تمثالاً له من البرونز وهو جالساً . الكنيسة مبنية على بيت القديس ، وتتكون من ثلاث مذابح في الطابق العلوي ، وتحت الكنيسة الطابق الأرضي فيه بيت القديس يوسف ، هناك درج ينزل إلى الغرف شاهدنا بعضها . تم أكتشاف أمام بيته أيضاً منجرة ومخزن وحمام .                                                     مار يوسف شخصية محورية بين العائلة المقدسة والله عن طريق الملاك . يوسف الصامت كان يصغي إلى الملاك وينفذ أوامره ، فعلينا نحن أيضاً أن نقتدي به لأنه مدرسة عظيمة ، مدرسة الصمت والأصغاء والطاعة ، علينا أن  نصمت أيضاً أمام الزمن ونتحمل ضيقاته بصبر والله سينقذنا . كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس
    3- كنيسة البشارة للروم الأرثوذكس : المبنية على عين ماء العذراء ، ومن تلك العين كانت العذراء تأخذ الماء إلى البيت ، ويقال على تلك العين ظهر الملاك أولاً للعذراء لكي يبشرها لكنها خافت فتركت جرتها وهربت إلى بيتها ، لكن الملاك جبرائيل ظهر لها في البيت أيضاً لكي يلقي عليها السلام الملائكي .  عين العذراء الموجود داخل مغارة عميقة ( 5 م ) ويسمى ب ( بئر مريم ) . شربنا من بئر ماء مرتفع أسس لتسهيل أستعمال مائه من قبل الزائرين . وهناك من يأخذ ماءً من ذلك النبع إلى بلده .بئر العذراء


    وفوق مذبح الكنيسة نجد لوحة للبشارة , في أسفل الكنيسة توجد مغاور تعود إلى القرن الأول الميلادي وتشكل جزءاً من القرية القديمة . كما هناك كنائس أخرى في الناصرة  لم نزورها وهي :

    4- كنيسة المجمع . 5- كنيسة البلاطة . 6- كنيسة يسوع الشاب ( السالزيان ) . 7- كنيسة القديس أنطوان ( المارونية ) . 8- الكنيسة المارونية الجديدة .

    أشهر الجبال الموجودة في منطقة الناصرة هي : جبل الخوف – جبل الكرمل – جبل الطور أو التجلي – جبل التطويبات  – جبل جرمق ) .

    كنيسة قانا الجليل


    في اليوم التالي أتجهنا نحو بلدة  قانا الجليل . قانا باللغة الفينيقية ، وهي لغة البلاد الأصلية تعني ( الأحمر ) ومنها أخذوا العرب أسم ( الأحمر القاني ) .. أتجهنا نحو الجنوب لنمر بقرية رينيه الملتصقة بالناصرة ، وبعدها قرية المشهد المبنية على سفح الجبل ، وتليها قانا الجليل الواقعة في أسفل الجبل كما تسمى ب( كفر كنا ) وهناك بلدة أخرى بنفس الأسم  ( قانا الجليل ) في شرق قضاء الصور بلبنان . يوجد في أسفل كنيسة قانا الجليل في الناصرة أجر يشبه الأجران في عهد المسيح وهذه صورته :


    أهل قانا الجليل قدموا لنا الخمر فشرب الجميع . دخلنا إلى كنيسة قانا الجليل وهناك تم تجديد زواج خمس كبلات من المجموعة من قبل كاهن كنيستنا الجليل ، وتم تزويدهم بشهادات تجديد الزواج المنظمة من قبل أدارة تلك الكنيسة .

       تركنا بلدة قانا وأتجهنا نحو الجنوب صوب مدينة طبرية التي بناها الملك هيرودس الكبير وسماها بأسم الملك طباريوس قيصر الأول في سنة 20 م .

       في سنة 132 أمر الأمبراطور بأخراج كل اليهود من أورشليم إلى طبرية . أصبحت المدينة عاصمة الرومان لفترة من الزمن . وطبرية قريبة من بحيرة طبرية ، وللبحيرة ثلاث أسماء وهي:

  1. بحيرة طبرية .  2- كينيرت ، بالعبرية ((כנרת ) وتعني القيثارة . 3- بحر الجليل .طول هذه البحيرة 41 كم وعرضها 17 كم وعمقها 46م أي 153 قدماً وهو عدد السمكات التي تم أصطيادها من قبل التلاميذ عندما أمرهم الرب بطرح شباكهم إلى يمين القارب . والبحيرة منخفضة عن سطح البحر ب ( 213) م من سطح البحر ، وتعتبر ثاني أخفض مسطح مائي بعد بحر الميت . ماء البحيرة حلواً . سكان مدينة طبرية الآن هم من ( المسيحيون – اليهود – الأسلام – الدروز وغيرهم ) وإلى جنوب المدينة وادي فسيح يحتوي على مزارع للفواكه المتنوعة كالمنكة الذي تم تطوير زراعته وأنواعه من قبل اليهود فتنضج في مواسم مختلفة . والتفاح بألوانه المختلفة والموز وغيرها من الفواكه أما النخيل الذي يزرع في الجنوب وخاصة في أريحا فكل شجرة تنتج محصولاً يصل إلى 1500 $ سنوياً . تعتبر الزراعة أول دخل قومي لدولة اليهود وتأتي بعدها السياحة. أنحدرنا نحو الجنوب فوصلنا إلى قرية المجدلة ( قرية مريم المجدلية ) كانت في حينها قرية الصيادين ، بعدها وصلنا إلى بحيرة الطبرية في طريقنا إلى كفرناحوم . تلك المدينة الشهيرة القديمة التي لعنها المسيح فوجدنا فيها مجمع يهودي قديم والذي دخله المسيح . غاية ذهاب يسوع إلى المدينة  هو لجعلها مركزاً للتعايم والأعاجيب ، ولأنها كانت أكبر مدينة في زمانه في تلك المنطقة . فيها بيوت قادة الرومان ، وكانت المدينة غنية لكونها مركز الكمارك لكل الشعوب الذين يعبرون إلى سوريا ، مثل ( اليونانيون – الرومان – السامرين – الوثنيين – اليهود ) فكانوا يدفعون ضريبة الكمرك هناك . المعبد الذي دخله يسوع مازالت جدرانه شاخصة وكذلك أعمدة مسرح المعبد ، وكما هو واضح في الصورة التي التقطناها مع مجموعتنا على مسرح المعبد:


    في عام 1894 تم شراء المعبد والمنطقة المحيطة به من المسلمين من قبل الرهبان الفرنسيسكانيين وبدأوا بالحفر والتنقيب باحثين عن آثار مسيحية ويهودية ،كما شيدوا كنيسة جميلة مدورة مرتكزة على أعمدة فوق تلك الآثار وذلك لكي تبقى الآثار شاخصة ومن بين تلك الآثار بيوت كبيرة كل منها يتكون من 24 غرفة ومنها بيت بطرس الواقع تحت الكنيسة الجديدة وهناك دخل يسوع وشفى حماة بطرس . البيت واقع إلى غرب المجمع ببضعة أمتار فقط . الأحجار المستخدمة في البيوت صغيرة لكن المستخدمة في جدران المعبد كبيرة تتراوح ما بين 60 – 80 سم طولاً و 60 سم عرضاً . سبق وأن لعن المسيح كفرناحوم ، قائلاً ( وأنت يا كفرناحوم ، أتراك ترتفعين إلى السماء ؟ سيهبط بك إلى الجحيم ) . زلزالاً دمر هذه المدينة كلياً . خرجنا من هناك وأبتعدنا على مسافة 500 م لندخل إلى كنيسة أسمها ( تكثير الخبز ) المبنية على المكان الذي عمل يسوع معجزة تكثير الخبز والسمك . منذ القرن الرابع الميلادي بدأ المسيحيون ببناء الكنائس وعاشوا مع اليهود بسلام إلى  سنة 614م جاء الفرس ليدمروا معظم الكنائس ، لكن تم تجديدها لاحقاً . دخلنا إلى كنيسة تكثير الخبز وصلينا فيها . أما عن معجزة تكثير الخبز فيقال ، يسوع صلى على رغيف واحد فقط فزاد العدد إلى الآلاف وأعطاها لتلاميذه ليوزعوها على الجمع الغفير البالغ 5000 شخص ما عدا النساء والأولاد فأكل الجميع وشبعوا ، ثم رفع التلاميذ أثني عشر قفة ملأوها بما فضل من الكسر ( مت 14 ) .

    من هناك أنتقلنا إلى جبل التطويبات الواقع إلى جنوب كفرناحوم ، والجبل مطِل على وادي الحمام الذي يحده من الشرق ، أما بحيرة طبرية فتقع إلى غرب الجبل .

    كنيسة التطويبات


    صممها وبناها المهندس الأيطالي ( برلوسي ) والتي تحي ذكرى التطويبات وعظة المسيح على الجبل ، وذلك في عام 1937م . والكنيسة على شكل ثماني الأضلاع نجد على كل جانب أحدى التطويبات  الثمانية . بينما تزين الأرضية رموز الفضائل السبعة وهي :

  1. الأيمان 2- الرجاء – 3- المحبة. والتي تشكل الفضائل اللاهوتية . أما 4- الفطنة 5- العدل 6- القوة 7- القناعة ، وهذه هي الفضائل الأدبية .    على ذلك الجبل ألقى يسوع موعظته على جموع الناس المحتشدة ، وكان  الموضوع عن التطويبات الثمانية ( مت 5 ) . في عام 2000 ألقى البابا القديس مار يوحنا الثاني موعظته على نفس الجبل على 75 ألف مؤمن كانوا حاضرين في جبل التطويبات . شيّدَ الرهبان الفرنسيسكانيون ديراً على ذلك المكان للراهبات الفرنسيسكانيات وسمي ب ( دير جبل التطويبات ) . خارج الدير كان هناك كنيسة صيفية مسقفة بألواح الخشب ، والمقاعد مسطبات خشبية ، هناك أقام لنا الأب الكاهن القداس الثالث وأشترك الجميع في تناول القربان المقدس . من هناك  أنطلقنا إلى ساحل بحيرة طبرية وجلسنا في قارب كبير وكان عددنا مع طاقم القارب خمسون راكباً . قطعنا مسافة كبير داخل البحيرة في جو رائع وتأملنا بيسوع الذي كان يبحر مع تلاميذه في تلك البحيرة الواسعة . نهر الأردن ينبع من الأراضي السورية ويمر بتلك البحيرة ويخرج منها ليروي كل الأراضي الزراعية ويستمربالجريان إلى أن ينتهي في بحر المَيّت . على ساحل تلك البحيرة أختار الرب الرسل الأوائل بطرس وأندراوس وأبني زبدي ، وعلى ماء تلك البحيرة سار الرب . بعد القيامة ظهر يسوع للمرة الخامسة بعد قيامته من بين الأموات على ساحل تلك البحيرة ، فقال لتلاميذه ( يا فتيان ، أما عندكم سمك ؟ أجابوه ( لا ) فقال لهم ألقوا الشبكة إلى يمين القارب ، تجدوا )  ” يو 21 “.

    القارب الذي كان يحمل التلاميذ يرمز إلى الكنيسة ، أما الأسماك التي صادوها فترمز إلى جماعة الكنيسة . أما الصياد الأعظم الذي علم التلاميذ الصيد فهو الرب يسوع .

    بحيرة طبرية طبيعية محاطة بجبال وتلال ، وتسمى ببحيرة الخلاص لكثرة التعليم الذي علم الرب فيها وعلى ساحلها للجموع . وفي تلك البحيرة وقف الرب العاصفة عندما زجر الريح والبحر فأطاعوه . العاصفة ترمز إلى الشر الذي أراد به الشيطان تحطيم السفينة ( الكنيسة ) لكن الرب أنتهر عمل الشر فهدأت العاصفة ، وكنيسة المسيح لا يقوى عليها الشر .

    في المكان الذي كان فيه الرب عندما صاح إلى الرسل هل لديكم سمك ؟ كان يعد لهم سمكاً وخبزاً على الجمر . على نفس المكان تم تشييد كنيسة تسمى ( كنيسة الرئاسة ) المطلة على البحيرة وهناك قال الرب لبطرس ثلاث مرات ( هل تحبني يا بطرس ؟ ) أرعى خرافي …

    كنيسة الرئاسة على بحيرة طبرية


    جبل التجلي ( جبل طابور )

     في اليوم التالي انطلقنا من الناصرة إلى جبل طابور ( جبل التجلي ) والقديس بطرس فيسميه ب ( الجبل المقدس )2 بط 18:1 ”  ويسمى أيضاً ب ( جبل طابور) أو تابور كما هو مذكور في سفر القضاة ( 6:4 ). الجبل بارز لوحده كهرم ضخم يقع إلى شماله جبل حرمون ( جبل الشيخ ) وسمي بهذا الأسم لأن الثلج يكسو قمته وقتاً طويلاً من السنة .

    جبل التجلي عليه تجلى الرب أمام تلاميذه الثلاثة ( بطرس – يعقوب – يوحنا ) وهو أقدس مكان وقف عليه يسوع وأكتمل معه الثالوث الأقدس ( الآب والروح القدس ) ، كما حضر هناك موسى الذي يمثل العهد القديم ، وأيليا الذي يمثل عهد الأنبياء ، أما المسيح فكان يمثل العهد الجديد . كل هؤلاء حضروا على ذلك الجبل العظيم العالي والبالغ أرتفاعه 588م عن سطح البحر ، أو 1600 قدم .

    كنيسة جبل التجلي الكاثوليكية

    على الصخرة التي تجلى الرب يسوع تم بناء كنيسة كاثوليكية جميلة بين عامي 1919- 1924 سميت ب ( كنيسة التجلي ) هندسها المهندس المعماري ( أنطوني بارلوزي ) كما صمم كنائس أخرى في الأراضي المقدسة . بنيت الكنيسة على بقايا كنيسة بيزنطية بنيت في القرن الخامس والسادس . الكنيسة من الداخل لها ثلاث صحون ، تفصلها صفين من الأعمدة تحمل أقواس السقف . أمام المذبح وسقفه توجد جدارية كبيرة من الفسيفساء توضح موضوع التجلي . في مقدمة الكنيسة يوجد برجان تحمل نواقيس . وعلى جانبي مدخل الكنيسة أيضاً هناك مصليان لموسى النبي . يظهر موسى في جدارية مرسومة على مذبح المصلى ، وهو يستلم لوحي الوصايا العشر . أما المصلى الواقع من الجهة الأخرى فمخصص للنبي أيليا . وهناك كنيسة أخرى بنيت في القرن الثاني عشر . كما نجد دير للرهبان الفرنسيسكان بالقرب من الكنيسة ، شيّد في عام 1873م . يستقبل هذا الدير الرهبان الجدد لمدة ثلاث أسابيع لممارسة الرياضة الروحية وذلك لفحص أيمانهم وقدراتهم لكي يقرروا هل يصلحون للأنضمام إلى سلك الرهبنة وتكريس النفس ليسوع مدى الحياة أم لا . وفي نفس الدير هناك مصحة للمدمنين يتم شفائهم بعزلهم ، وبممارسة الصلاة والتقوى من أجل الشفاء . كما يوجد على نفس القمة  كنيسة أرثوذكسية متواضعة تم بنائها عام 1862م بنيت من أموال بعض الناس من رومانيا مكرسة للنبي أيليا . كما هناك إلى الجانب الشمالي الغربي للكنيسة كهف يسمى بكهف ملكي صادق ، بحسب الروايات المسيحية كان هناك لقاء بين أبراهيم وملكي صادق ، والكهف كان معروفاً للزوار المسيحيين في العصور الوسطى .

    في كنيسة التجلي أشتركنا في الذبيحة الألهية وتناولنا الجسد المقدس ، مع سماعنا للوعظة من الأب الفاضل التي تناولت موضوع التجلي . وكان ذلك القداس الرابع في رحلتنا المباركة .

    الكنيسة الأرثوذكسية على جبل التجلي


    الطريق المؤدي إلى الجبل متعرج وصعب للسيارات الكبيرة التي لا تستطيع الصعود إلى القمة ، بل فقط تصل إلى وسط الجبل ، وبعدها يتم تحميل الزوار على السيارات الصغيرة .إلى قمة الجبل الواسعة التي يبلغ طولها 300 م وعرضها أكثرمن 100 م  . في القديم كان يجب قطع الطريق إلى القمة سيرا على الأقدام وذلك بصعود 4300 درجة للوصول إلى القمة . من على الجبل يمكن رؤية جبال كثيرة كجبال السامرة ، وجبل الكرمل الى الغرب ، وشرقاً جبال الجولان ، وشمالاً الجليل الأعلى وجبل الشيخ الواقع في الأراضي السورية واللبنانية .

    في كنيسة التجلي أقام كاهن رعيتنا القداس الرابع ، وتناولنا الأسرار المقدسة ، وشرح لنا الكاهن في وعظته موضوع التجلي . تأملنا فيه جيداً في ذلك المرتفع المقدس والتمسنا من الموضوع ثلاثيات كثيرة منها : حضور الثالوث الأقدس – حضور ممثلين العهود الثلاثة – حضور ثلاث تلاميذ – مقترح ثلاث مظال – المكان يرسم لنا أيضاً مثلثاً يتكون من الناصرة إلى الشمال حيث طفولة المسيح . وجبل التجلي يرمز إلى لاهوت المسيح . أما قرية نائين الواقعة على الغرب من الجبل ، وفيها أقام الرب وحيد الأرملة ، فترمز إلى قيامة المسيح . جبل التجلي منظره جميل مكسو بغابة كثيفة من أشجار السنديان والسرو والصنوبر وكينا والزيتون . ويوجد على سفح الجبل ثلاث قرى أكبرها دبورية الواقعة على السفح الغربي للجبل ، في أحدى مطاعمها أخذنا قسطاً من الراحة بعد النزول وتناولنا الغداء .  قرية الشبلى ، على السفح الشرقي . وقرية أم الغنم على سفح الشرق الجنوبي للجبل .

    نزلنا من جبل الطابور وأتجهنا نحو الغرب قاصدين بلدة نائين التي تتوسطها كنيسة مبنية على المكان الذي أقام الرب يسوع أبن الأرملة . يسكن البلدة يهود من أثيوبيا ، وعرب ، لكن لا يسكنها اليوم مسيحياً واحداً .

بعد اليوم الخامس تركنا فندق الناصرة متوجهين نحو أورشليم بأتجاه الجنوب ، فمرت سيارتنا في وادي هرمجدون ( طالع رؤ 16:16 ) ، وبعدها مدينة الجنين التي هي من مدن السامريين . وقرية مجدو الواقعة على يمين الطريق ، وبعدها وادي عارة ، ثم مدينة كفرقاسم ، وبعدها وصلنا إلى مدينة بيت لحم ، هناك نزلنا في فندق جديد أسمه ( قصر جاسر ) المتكوّن من سبع طوابق . الفندق قريب من قبر أمنا راحيل .

في صباح اليوم التالي أنطلقنا إلى أورشليم ، زرنا جبل صهيون أولاً وفيه بناية العشاء الأخير ، وكنيسة نياحة العذراء ، وكذلك كنيسة صياح الديك المبنية على بيت قيافا .

بيت قيافا وكنيسة صياح الديك

 في بيت قيافا حُكِمَ على يسوع يهودياً بالموت . وعلى ذلك المكان شيّدَت كنيسة أسمها ( كنيسة صياح الديك ) ، هناك نكر بطرس المسيح ثلاث مرات وبعدها سمع صياح الديك ، فبكى وتندم ، وعلى قبة الكنيسة صليب وفوقه يوجد ديك .

 في بيت قيافا سجن منحوت في قلب الصخرة واقع في الطابق السفلي ، فيه تم سجن المسيح 13 ساعة ، شكل السجن مربع ، قياساته أربع أمتار عرض وأربع أمتار طول وأربع أمتار أرتفاع . نجد على أحد الجدران تقبان المسافة بينهما 2.5 م كان يثبت فيها الزناجيل التي يربط بها السجين , وفي أرضية السجن حفرة صغيرة لوضع الماء والخل ، وكان السجين يجلد هناك . طريقة أنزال السجين إلى السجن كان من فتحة دائرية قطرها 60 سم تبدأ من الطابق الثاني  وسمك الصخرة من أرضية ذلك الطابق إلى سقف السجن أكثر من متر ونصف . نزلنا جميعاً إلى السجن عن طريق درج حجري ، رفعنا الصلاة والتراتيل هناك ، وبعد ذلك قرأ الأب الكاهن النص الخاص بذلك المكان الرهيب فلمس الحزن والبكاء جميع الحضور ، كان عددنا 47 شخصاً ، وأخيراً رتلنا وصعدنا إلى الطابق الثاني

تمثال يسوع وهو مقيد في بيت قيافا

 حيث تمثال يسوع وهو جالساً مقيداً بالحبال ينظر بأتجاه الساحة التي كان فيها بطرس يسطلي حول النار مع بقية الموجودين وهناك نكر ربه ثلاث مرات . بيت قيافا كان مبنياً من ثلاث طوابق ( العلوي كان فيه المحكمة – الوسط البيت – والسفلي السجن ) من هناك أرسل المسيح في صباح يوم الجمعة إلى بيلاطس ليحاكمه ، وبدوره أرسله إلى هيرودس لكون المسيح جليلياً . بيت قيافا كان مبنياً على قمة جبل لكي يراقبون حراسه الناس . أسوار القدس تقع إلى اليسار والمبنية على أرتفاع 12 م . على أبواب تلك الكنيسة نجد رسومات ليسوع في علية صهيون ( العشاء الأخير ) وعلى الباب الأيمن والأيسر نجد بطرس يقول أنا لا أنكرك والرب يرد عليه  وفوق صورة بطرس نجد صورة الديك والذي يرمز إلى نكران بطرس للرب ، لكن نكرانه للمسيح الرب يختلف عن نكران يهودا ، لأن بطرس الذي عاند وقال ، لا أنكره ، نكره وتاب فشملته رحمة الرب ، أما يهودا فلم يتوب بل فضّلَ الموت شنقاً على التوبة .

 في هيكل الكنيسة الرئيسي نجد جدارية كبير للرب واقفاً مقيداً بسلاسل وحوله من الجهتين أعضاء السنهدريم يحاكمونه ، في الجهة اليمنى هناك لوحة كبيرة للعشاء السري . أما في الجهة اليسرى فهناك لوحة أخرى تبين يسوع وهو يتحدث مع قيافا اللابس بدلته الكهنوتية وجالساً على الكرسي . هناك تنبأ قيافا قائلاً ( أنه خير أن يموت رجل واحد عن الشعب ) ” يو14:18 “

في ساحة القصر نار مشتعلة والجالسين وحولها من الحراس وبطرس واقف معهم  . في الساحة الخارجية للكنيسة المبنية على قصر يافا  نجد تمثال لبطرس مع ثلاث شخصيات تمثل الذين قالوا له أنت كنت مع يسوع ونكر:

 إلى جانب سياج الساحة يوجد طريق قديم من مدرجات حجرية ، هذا كان الطريق الذي سيق به يسوع من البستان إلى بيت قيافا . هناك جدارية منحوتة بطول عشرة أمتار وعرض خمسة في البوابة الخاجية يظهر فيها يسوع مقيداً بحبال واليهود يقودونه إلى بيت قيافا ، كما في الصورة التالية :

تركنا كنيسة صياح الديك متجهين إلى علية صهيون حيث بناء العشاء الأخير الواقعة في الطابق الثاني . قاعة جميلة في تصميمها ترتكز على عمودين متقابلين في وسط القاعة ، يسمى المكان ( علية صهيون ) في ذلك المكان أسس الرب سر القربان المقدس ، وهو مكان حلول الروح القدس على التلاميذ ، فالكنيسة أسسها الروح القدس في يوم العنصرة في تلك القاعة . حاول المسلمون السيطرة على المبنى فبنوا فيه محراباً للصلاة ، كما ثبتو على جدرانه آيات قرآنية ما زالت موجودة ، لكن الحكومة اليهودية تمنع الآن المسلمين من الصلاة فيها لتصبح مزاراً للجميع . يوجد في القاعة وعلى مرتفع قريب من أحدى الجدران تمثال لشجرة الزيتون عليها عنب وكؤوس فوق أذرع وأغصان الشجرة ترمز إلى عمل المسيح للأفخارستيا في علية صهيون . الصليبيون هم الذين بنوا ذلك البناء على مكان العلية القديمة ، ويعتقد بانه كان بيت التلميذ مرقس . أما في الطابق السفلي فنجد قبر داود النبي .

كنيسة نياحة العذراء ( رقاد العذراء )  :

” فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفاً قَالَ لأمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ هُوَذَا ابْنُكِ» ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ ” ( يوحنا 19 : 26 – 27 )

العذراء مريم ظلت في بيت يوحنا الرسول حتى يوم نياحتها . وفوق أطلال بيت يوحنا شيدت هذه الكنيسة من قبل الآباء الفرنسيسكان في القرن الحادي عشر ، تم هدمها سنة 1490م ، على اثرها تم تشييد كنيسة باسلوب الفن الروماني والتي أخذت شكل حصن من القرون الوسطى ، والكنيسة تتكون من طابقين ، العلوي مزين بالفسيفساء والبرونز . والسفلي فيها تمثالاً لنياحة العذراء مريم من الخشب والعاج موضوع على تابوت ، وفوق التمثال قبة مرتكزة على ست أعمدة ، والقبة مزينة بمناظر من الموزائيك فيها صور ( حواء ، راعوت ، نعمي ، أستير ) . ويحيط المكان بفسحة بيضوية ترتكز على أثني عشر عموداً ، أي بعدد رسل المسيح .

 
هناك جدارية لنياحة العذراء عليها  كل رسل المسيح عدا توما ، يظهر في اللوحة يسوع يحمل أمه على كتفيه وكأنها طفلة . توجد أيضاً جداريات أخرى توضح للزائرين موضوع النياحة . الكنيسة حالياً هي ملك الرهبان البندكت الألمان.

 بعدها غادرنا تلك الكنيسة واتجهنا إلى بيت ساحور ، وهو مرتفع جبلي في بيت لحم ، هناك أستلم الرعاة من الملاك نبأ ولادة الطفل الألهي . في ذلك المرتفع دخلنا إلى كهف واسع من الداخل محفور من قبل الرعاة الذين كانوا يحتفظن بقطيعهم تحت سقف ذلك الكهف من البرد والثلوج والأمطار . الكهف يسع لحوالي مئة خروف . ويسمى ذلك المكان ( حقل الرعاة ) . أستخدمت كأول كنيسة بالمنطقة والتي كانت تعرف بسهل ( بوعاز ) نسبة إلى ما ورد في التوراة . أيمانياً نحن أيضاً يجب أن نحفر مغارتنا بيدنا كالرعاة لكي يأتي يسوع الإله ويولد فيها ، وهذا ممكن بالعمل على تطهير نفوسنا وتنظيم سيرتنا حسب أوامر الأنجيل المقدس . على بعد عشرة أمتار فقط نجد كنيسة صغيرة دائرية أسمه كنيسة الرعاة .

( كنيسة الرعاة )

تم تشييدها عام 1952 م . في داخلها مذبح واحد ، وعلى جدرانها جداريات مرسومة بالألوان الزيتية تتناول موضوع تبشير الملاك للرعاة وكذلك الجوقات الملائكية التي تنشد ليوم ميلاد الرب ( المجد لله في العلى ! وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرة ! ) ” لو 2: 13-14″ . فوق باب الكنيسة الخارجي نجد تمثالاً برونزياً للملاك وبيده بوق ينفخ فيه ليعلن البشارة للرعاة ، وفوق الكنيسة ثلاث نواقيس كبيرة وقبة .  ومن ذلك المرتفع انحدرنا كما فعل الرعاة نحو الأسفل بأتجاه مكان مولد الطفل يسوع في مغارة بيت لحم ، تقع الآن في قلب مدينة بيت لحم ، شيد عليها كاتدرائية كبيرة تسمى ( كنيسة المهد ) .

كنيستي المهد والقديسة كاترينا

 وهي الكنيسة الأولى من بين الكنائس الثلاثة العظمى التي بنيت في زمن الملك قسطنطين في بداية القرن الرابع ، وكان ذلك استجابة لطلب الأسقف مكاريوس في المجمع النيقي 325م ، وفي السنة التالية زارت المكان الملكة هيلانة ، وبعدها تم التنفيذ . الكنائس الكبيرة التي بنتها الملكة هيلانة هي ثلاثة ( 1- المهد . 2- القيامة . 3- الزيتون بالعبرية ( يونا ) وغيرها من الكنائس .

دخلنا إلى كنيسة المهد من باب ضيق وقليل الأرتفاع تحيطه ثلاثة أحجار كبيرة منحوتة ,

مدخل كنيسة المهد

 في داخل الكنيسة  نجد كنيستين الأولى كنيسة المهد مبنية على مكان مولد الطفل ، يزورها المؤمنون بكثرة لها مذبح واسع وعالي ، ومن سقفها تتدلى ثريات كبيرة وجميلة وعلى جدرانها ايقونات كثيرة وقناديل قديمة . في الجانب الأيمين من مذبح الوسط نجد درج ينزل من تحت مذبح الوسط إلى مكان مولد الطفل . في بداية الدرج وعلى الجدار نجد أيقونة أم المعونة وتحتها هدايا ذهبية كثيرة كالمحابس والحلقات والحلي المختلفة مهداة من قبل الزوار تكريماً للعذراء وأبنها الإله . في نهاية الدرج نصل إلى الطابق الأرضي نجد كهفاُ صغيراً تحته نجمة فضية موضوعة على مكان مسقط رأس الطفل . وحول النجمة مزين بالمرمر ومكتوب عليها باللاتينية ( هنا ولد المسيح يسوع من مريم العذراء ) تتدلى من سقف الكهف نحو النجمة خمسة عشر قنديلاً تمثل كل الطوائف المسيحية .

مكان مولد الطفل يسوع

مذبح المغارة الصغير فوق مكان مولد الطفل يسوع

وعلى بعد ثلاث أمتار هناك موقع المذود ، فيه وضعت العذراء طفلها بعد الولادة . بقينا في ذلك المكان المقدس ثلاث دقائق وكما يسمح لكل زائر لنترك المكان من درج حجري آخر يصعد بأتجاه كنيسة ( القديسة كاترينا ) لندخل إلى جانب هيكلها الرئيسي .

في بيت لحم تذكرنا دخول العذراء ومار يوسف الفقيران اللذان أضطرا إلى اللجوء إلى مغارة الحيوانات لكي يولد أبن الله كأفقر فقير بين الحيوانات ومن ثم يضجع على القش ، والحيوانات تقوم بخدمته وذلك بتدفئته من البرد القارص بواسطة زفيرها لكي يبعث في جسد ذلك الطفل الصغير الدفْ . إنه درس سماوي مهم يعلمنا حياة البساطة والفقر ، فعلينا أن نتقبل الدرس بفرح ونفهم ولادة يسوع في تلك المغارة بأنها ولادة رائعة ومدهشة لأنها ردمت الهوى بين أغنى إله مقتدر وبين الفقير ، ذلك الطفل الصغير أمر ملائكته أن يبشروا أولاً أفقر الناس وهم الرعاة وبعدها جاء الملوك المجوس ليشمل خلاصه كل فئات المجتمع .

كنيسة المهد من الداخل

صحن كنيسة المهد

كنيسة المهد عبارة عن مجمع ديني كبير يحتوي على مبنى الكنيسة بالإضافة إلى مجموعة من الأديرة والكنائس الأخرى التي تمثل الطوائف المسيحية المختلفة فهناك الدير الأرثوذكسي في الجنوب الشرقي، والدير الأرمني في الجنوب الغربي ، والدير الفرنسيسكاني في الشمال الذي شيد عام 1881 م لأتباع الطائفة اللاتينية، وتمت توسعة الكنيسة في عام 1999.

تقام الطقوس الدينية يومياً في كنيسة المهد من قبل الطوائف المختلفة (الروم، اللاتين والأرمن) بحسب جدول للصلوات وضع في الفترة العثمانية وما زال يعمل به حتى يومنا هذا، كما تم في الفترة العثمانية تحديد حقوق وصلاحيات كل طائفة متواجدة في الكنيسة وهو ما يسمى الـ “ستاتو كوو”، والجدير بالذكر أنَّ بتلك الكنيسة هنالك ثالثة طوائف رئيسية (الروم الأرثوذكس، اللاتين والأرمن) ولكن يتم السماح للأقباط والسريان مرتان في السنة بالصلاة داخل الكنيسة. تعد الطقوس الدينية لدى الطوائف الشرقية أساس التحليق في سماء الإيمان القويم لأنها تخاطب كل حواس المؤمن: فالأعين تتمتع بجمال الأيقونات المقدسة، وتشنف الآذان بسماع الترانيم الروحية الغنية بمضامينها العقائدية وألحانها العذبة ، وأما رئتا المؤمن فتمتلئان بشذى الروائح العطرة المنبعثة من البخور المقدس وبواسطة هذه الرموز ينتشي المؤمن روحيًا وجسديًا ليكون مستعدًا كي يمجد الخالق بكل قلبه وبكل قدرته .

مدخل كنيسة سانت كاترين

 وصلنا إلى كنيسة ( سانت كاترين) المبنية على عشر أعمدة طولاً ، يقابلها عشرة أخرى لتقطع الكنيسة إلى ثلاث مذابح كبيرة . في هذه الكنيسة يقام قداس الميلاد كل سنة يحضره رؤساء الدول وسفراء ومسؤولين ، ويتم نقل القداس عن طريق الفضائيات . أقام أبينا الكاهن قداساً على المذبح الأوسط ، وهو القداس الخامس في رحلتنا  ، وتناولنا جسد الرب في ذلك المكان المقدس . والكنيسة ذات المذابح الثلاثة  رائعة الجمال ، مذابحها ، سقفها ، أعمدتها ، جدارياتها . مقاعدها . وساحتها الخارجية.

كنيسة سانتا كاترينا من الداخل

للكنيسة سقف جميل ومذبح كبير  وفي نهاية الكنيسة وعلى جدار اليمين جدارية كبيرة برونزية يظهر فيها النبي صموئيل وداود ويس والد ه ووالدته . والنبي يمسح داود بالزيت المقدس ليصبح ملكاً بلا عرش بديلاً لشاول وعلى تلك الجدارية نجد تمثال البابا بندكتس السادس عشر وضع عندما زار البابا المكان في عهده .

داود ولد في تلك المدينة ، فكان على المسيح الذي يدعى أبن داود أن يولد أيضاً في نفس المدينة ، فالمرسوم الذي أصدره أغسطس قيصر والذي كان يقضي بأحصاء سكان الأمبراطورية أجبر كل مواطن بأن يكتتب في منطقته ، لهذا كان على مار يوسف أن يأخذ العذراء من الناصرة إلى بيت لحم في منطقة اليهودية لكي هناك يولد المسيح أبن داود .

تحت كنيسة سانتا كاترينا يوجد مقابر صغيرة الحجم يعتقد بأنها كانت لأطفال بيت لحم الذي أمر هيرودس بق*ت*لهم ” مت 16:2″  .

وصف كنيسة سانتا كاترينا من الداخل

يرتبط تاريخ الكنيسة المسمى ب (  البازيليك ) منذ بنائها بتاريخ المدينة فهي بمثابة قلب المدينة النابض يمكن الوصول إليها من البازيليك عبر بابين ، أحدهما إلى اليسار فور الدخول إلى البازيليك والآخر من المدخل الجانبي لهيكل الأرمن أو مباشرة من دير الفرنسيسكان

يؤدي إليها رواق من العصور الوسطى غاية في الجمال . تمّ ترميمه عام 1949. تقوم الكنيسة على بقايا دير القديس هيرونيموس القديم . على الجانب الجنوبي للرواق تمّ اكتشاف كنيسة صليبية مع رسومات للعذراء .

على الجانب الأيمن ( للداخل إلى الكنيسة ) تحت الهيكل الجانبي يُحتفظ بتمثال الطفل يسوع والذي يعرض ليلة عيد الميلاد في المغارة . قبل بلوغ هذا الهيكل نجد درجاً يهبط بنا إلى مغارات تحت الأرض.

تشير الحفريات التي قام بها الأب باچاتي الفرنسيسكاني إلى أن هذه المغارات كانت مستخدمة منذ القرن السادس ق.م. وتحولت في القرن الأول إلى قبور للمسيحيين الذين كانوا يرغبون بأن تدفن أجسادهم قرب الأماكن المقدسة

  • مغارة القديس يوسف – ننزل الدرجات من كنيسة القديسة كاترينا فنبلغ غرفة المدخل وهي جزء من مغارة القديس يوسف الذي تم تكريس الجزء العلوي له منذ عام 1621. يمكن بلوغ هيكل القديس يوسف بواسطة 5 درجات من كلا الجانبين. نجد إلى اليمين ممرا محفورا في الصخر يؤدي إلى مغارة الميلاد. يفتح كل يوم الساعة الثانية عشرة ظهراً خلال الدورة اليومية للآباء الفرنسيسكان
  • مغارة الأطفال الأبرياء – عندما نقف في الجزء السفلي من مغارة القديس يوسف نجد إلى اليسار مغارة أخرى فيها هيكل مكرس للقديسين الأبرياء أطفال بيت لحم الذين ذبحهم هيرودس. في جوانب المغارة نجد بضعة قبور هي قبور الأتقياء الذين رغبوا بأن تدفن أجسادهم في هذا المكان المقدس منذ القرون الأولى للمسيحية. إذا تابعنا السّير إلى اليسار نجد بعد مغارة الأطفال هوة مغلقة بقضبان يبلغ عمقها خمسة أمتار وهي قبر الأطفال الأبرياء بحسب التقليد

على يمين الناظر إلى هيكل القديس يوسف هناك ممر يؤدي إلى عدة كهوف أخرى محفورة في الصخر

في الممر الضيق المؤدي إلى المغارة الثالثة نجد قبر أوسبيوس الكرموني ، خليفة القديس هيرونيموس . ومن ثم نبلغ إلى قبر محفور في الصخر، وهو قبر پاولا وابنتها أوستيكيو. وفي الواجهة قبر القديس هيرونيموس . يشهد القديس هيرونيموس ذاته لهذا الواقع ففي حياته حفر لنفسه قبراً قرب تلميذتيه. وقد تم نقل رفاتهم ولم يتبق سوى المقام . ومنذ القرن الثالث باتت رفات القديس تكرم في كنيسة القديسة مريم العظمى في روما مغارة القديس هيرونيموس – يعتقد أن القديس عاش هنا وعمل في هذا المكان

القديس هيرونيموس والحياة النسكية في بيت لحم وصل القديس هيرونيموس إلى بيت لحم عام 386 وكان عمره 46 عاما. وعاش في بيت لحم ثلاثين عاما مكرسا حياته للتأمل. وفي هذا المكان أخذ على عاتقه ترجمة الكتاب المقدس من لغته الأصلية العبرية إلى اللغة اللاتينية

ولم يكن الغرب يعرف الكتاب المقدس حتى ذلك الحين إلا من خلال الترجمة السبعينية . لم يكن الحصول على نسخة أصلية من الكتاب المقدس في ذلك الوقت أمرا سهلا ولكنّ هيرونيموس اتفق مع أحد الربانيين أن يعيره درج الكتاب في الليل ليعمل على ترجمته ويعيده في الصباح الباكر قبل أن يشعر اليهود باختفائه.

ترجمته بالترجمة الشعبية وقد اعتمدت في الكنيسة نصاً رسميا طيلة قرون طويلة

توفيت پاولا حوالي عام 402 وتوفيت ابنتها أوستيكيو عام 417 أما هيرونيمس فتوفي عام 420. ودفنوا جميعا في هذا الموقع. ويشهد الحاج من پياشنسا (570) أنه زار المغارة ( التي حفرها هيرونيموس بيديه قرب مغارة الميلاد والتي دُفن فيها ) .

في يوم آخر ذهبنا إلى باب العمود ، وهوأحد أبواب أورشليم القديمة على سور أورشليم . الآن ذلك المكان هو مركز مدينة أورشليم . ومن ذلك المكان أنطلقنا إلى كنيسة الأبانا .

كنيسة الأبانا

“للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكارٌ، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه ) ” متى ٢٠:٨)

هذا المكان هو أحد الأمكنة الثلاثة التي تردد إليها المسيح (بيت عنيا ومغارة الجسمانية) ، وهنا ك رأينا مغارة كانت تطل على مدينة أورشليم ؛ أوت من لم يكن له موضع يسند إليه رأسه

كان يسوع يعتكف مع تلاميذه في هذه المغارة ليشرح لهم تعاليمه ويفسّر لهم ما لم يستطيعوا فهمه أثناء كرازته للشعب ويجيب على أسئلتهم . تكلم عن دمار أورشليم وعن نهاية العالم ، وأجاب على سؤال أحد التلاميذ فأعاد تعليم الصلاة الربّانية (أبانا الذي..) (لوقا ١١)، بالرغم من أنه علّم هذه الصلاة كما جاءت في إنجيل (متى ٦) كجزء من التطويبات ، 
لهذا كانت هذه المغارة مدرسة لإعداد التلاميذ لمواصلة الرسالة المسيحية، مما جعل المسيحيين الأولين يعتبرونها واحدة من الثلاث مغاور التي كانوا يجتمعون فيها للعبادة مواظبين عليها إلى الزمن الذي حضرت فيه القديسة هيلانة وأخذت في بناء الكنائس ، وأقامت على هذه المغارة كنيسة ، وهذا يدل على أهمية المكان عند المسيحيين .
هدم الفرس الكنيسة التي بنتها القديسة هيلانة ، وأعيد بناؤها ثم هدمها الحاكم بأمر الله. وأعاد الصليبيون بناءها ثانيةً وسمّوها كنيسة أبانا الذي… حوّل السلطان صلاح الدين الأيوبي جبل الزيتون إلى مكان للوقف (تابع لعائلتين من المسلمين) ومع الوقت خربت الكنيسة واندثرت آثارها ولم يُشاهَد في مكانها سوى قطعة أحد الأعمدة من آثار الكنيسة
ثم اشترت المكان أميرة فرنسية أسمها ( دوبرونية ) من عائلة مسلمة كانت تمتلكها حتى عام 1875م ، قامت ببناء كنيسة فيها وعندما رقدت على رجاء القيامة تم نقل رفاتها في تابوت حجري داخل  تلك الكنيسة ، بناءً على رغبتها
نزلنا من ساحة الكنيسة إلى مغارة عميقة يبلغ أرتفاعها ما بين 2.5 – 4.5 متراُ وفي تلك المغارة علّمَ يسوع صلاة الأبانا لتلاميذه . ونحن أيضاً صلينا تلك الصلاة معاً في ذات المكان  باللغة الآرامية القديمة مع الأب الكاهن.

بعد الكشف عن هذه المغارة تم بناء كنيسة جديدة على آثار الكنيسة الصليبية التي اكتشفت في الجهة الشرقية من المغارة وكذلك الدير والأروقة حيث توجد الصلاة الربّانية بلغات متعددة يزيد عددها عن 173 لغة وما زال عددها يزداد 
عند دخول الكنيسة اليوم يمكن مشاهدة بقايا الكنيسة القديمة والجوانب الأصلية ، ومدخلها الذي كان يطل على أورشليم لم يعد مفتوحًا، بل يوجد بداخله بعض القبور المسيحية .

الكنيسة تقع على جبل الزيتون  ومن هناك تنبأ يسوع بهدم الهيكل وتمت نبؤئته عام 70 م وبني هيكل جديد بدله ، لن تبنيه الأيادي البشرية ، بل هو بناه في اليوم الثالث بعد قيامته ، أي جسده الذي هدم من قبل اليهود على الصليب ، وهو من أقامه ليني بدل الهيكل الحجري عهداً جديداً ، وتعليماً جديداً ، لا وبل معبداً جديداً وهو كنيسته المقدسة .

من ذلك الجبل شاهدنا منطقة ( الباب الذهبي ) الذي يتصل مع سبع بوابات أخرى والواقع قرب كنيسة مريم المجدلية ذات القباب الذهبية الجميلة . كما كنا نشاهد قبة الصخرة خلف أسوار أورشليم والمبنية على الصخرة التي أراد أبراهيم ذبح أبنه أسحق ، ويعتقد بأن الملك سليمان بنى الهيكل العظيم على نفس المكان وبعده المسجد الأقصى .

في اليوم التالي شملت جولة مجموعتنا في مدينة أورشليم أيضاً ، أتجهنا إلى كنيسة الجثمانية ( النزاع ) والمبنية على الصخرة التي صلى عليها الرب يسوع ، والواقعة في بستان الزيتون . في ذلك المكان تم إلقاء القبض عليه . في مذبح تلك الكنيسة نجد ما تبقى من تلك الصخرة المباركة . وفي داخل أسوار تلك الكنيسة يوجد غابة من أشجار الزيتون ، ثمانية منها قديمة لها أكثر من ألفي عام مُسّيجة بسياج محكم للحفاظ عليها . تحت تلك الأشجار كان يجلس يسوع مع تلاميذه .

مسيرتنا في درب الصليب إلى الجلجلة

 في صباح يوم جديد بدلأت مجموعتنا مع الأب الكاهن بالمسير على طريق الآلام الذي سلكه الرب يسوع متجهاً نحو قمة الجلجلة . بدأت مسيرتنا الصلاتية من مكان المرحلة الأولى . في ذلك المكان شيّدت كنيسة سمي ب ( كنيسة الجلد ) في ذلك المكان تم جلد الرب يسوع ، بدأنا أولاً بالصلاة والخشوع في تلك الكنيسة مع قراءة نص المرحلة الأولى . وخرجنا إلى ساحة الكنيسة وقرأنا المرحلة الثانية وتأملنا معاً بتلك المرحلة التي حمل بها يسوع صليبه على كتفه ليصعد به إلى الجلجلة البعيدة العالية . أقتدينا نحن أيضاً بيسوع فحملنا صليباً خشبياً كبيراً كان يشترك بحمله أربعة من المؤمنين والمؤمنات ، ويتبادلون بحمله مجموعات أخرى إلى دخولنا في باب كنيسة القيامة على جبل الجلجلة .  بعد حوالي 500 م وصلنا إلى مكان المرحلة الثالثة فوجدنا تمثالاً كبيراً ليسوع الساقط تحت الصليب ، فقرأنا نص المرحلة مع الصلاة والترنيم وبعدها دخلنا إلى كنيسة تبعد عشرة أمتار من تمثال المسيح لنبدأ فيها المرحلة الرابعة . صعد الأب الكاهن على شرفة أمام الطابق الثاني للكنيسة ليطل على مؤمني مجموعتنا في ساحة الكنيسة وقرأ نص المرحلة الرابعة ، وبعدها الصلاة والترتيل الحزين لنغادر بعدها صعوداً في طريق الآلام .  الطريق اليوم محيط بدكاكين صغيرة يبيعون فيها ما يحتاج أليه الزائر من هدايا دينية وغيرها ، والطريق يرتفع كلما تقدمنا نحو الأمام وصمم على شكل مدرجات عريضة لكي لا يشعر الصاعد بصعوبة الصعود ، أما كبار السن فقد تم حملهم بكراسي متحركة الخاصة بذوي الأحتياجات الخاصة. بعد أن قطعنا مسافة 150 متراً تناولنا نص المرحلة الخامسة وقد أشترك بعض الأخوة والأخوات في قراءة نصوص المراحل في الطريق المؤدي إلى كنيسة القيامة فكنا جميعاً مشتركين بالصلاة والتراتيل وكأننا في داخل الكنيسة . بعد مئة متر وصلنا إلى المرحلة السادسة ، وفي كل مرحلة أن لم نجد كنيسة أو نصب موجود كنا نجد لوحة مكتوب عليها رقم المرحلة ، نص هذه المرحلة كان يخص بمسح وجه المسيح بالمنديل من قبل أمرأة ، وهكذا أنتقلنا إلى المرحلة السابعة داخل فسحة مسقفة فصلينا فيها مرحلة سقوط يسوع تحت الصليب للمرة الثانية ، وفي ذلك المكان نجد حفرة عميقة ويقال بأن في تلك الحفرة سقط يسوع تحت الصليب . والمرحلة الثامنة تم صلاتها في ساحة ملحقة بالمكان الأول ومسيجة بسياج ، تناول النص كلام يسوع وهو يعزي بنات أورشليم عندما تحدث مع النساء بعد قيامته من تحت الصليب . . خرجنا من هناك لنستمر بالصعود إلى المرحلة التاسعة ، في هذا المكان يوجد قطعة مكتوب عليها رقم المرحلة فقط  ، هناك صلينا ، ثم صعدنا إلى مكان المرحلة العاشرة .في ذلك المكان تم بناء كنيسة كبيرة تابعة للبطريركية القبطية الأرثوذكسية ، وعلى مدرجاتها صلينا مرحلة سقوط الرب للمرة الثالثة . وبعدها صعدنا ونحن نرتل تراتيل الحزن ، على بعد 300م وصلنا إلى باب كنيسة القيامة وعلى بعد وهناك تمت بقية المراحل ، حيث صلب المسيح على قمة الجلجلة :

كنيسة القيامة :

الباب الرئيسي لكنيسة القيامة:

تقع الجلجلة في الطابق العلوي للكنيسة يصعد إليه الزائر من درج على أرتفاع عشر أمتار فيجد مذبحين كبيرين مزينة بأيقونات وثريات وقناديل كثيرة  وهناك نجد حفرة في ذلك المكان تم نصب الصليب المقدس ، إنها الجلجلة.

الجلجلة هو المكان المقدس الذي نصب عليه الصليب بعد أن بصمر عليه رب المجد . وعلى الصليب تم دفع ثمن الخطيئة فتمت المصالحة لكي تعود العلاقة بين السماء والأرض ، هناك تدفقت دماء ومياه الفادي الثمينة فروت عطش الأنسان . الجلجلة صارت بيتاً لله وبيت أبنائه المؤمنين به . بعد موت الرب أنشق ستار الهيكل اليهودي ، بل أنشق الحجاب الذي كان يرمز إلى حجب الله عن البشر ! فالذي يزور الجلجلة ويتأمل بها فأنه يتأمل بأهم حدث تاريخي مهم وقع على قمتها فيشعر كالذين كانوا حاضرين تحت الصليب فيصل إلى الحب والعلاقة الحميمية والقلبية بينه وبين المصلوب الذي أحبه ومات من أجله ، فحينذاك يشعر بأنه قريب منه .

الجلجلة هي قلب المسيحية ومركز الأرض والكون ، بل مركز الألم البشري ، ومركز الخلاص لكل من يؤمن . هناك تألم المسيح . هناك ثبتت يداه ورجلاه على الصليب قبل أن يرفع الصليب ليصبح يسوع معلقاً بين السماء والأرض . هناك فتح جنبه بالحربة على الصليب بعد أن أسلم الروح لأبيه السماوي ، وبعدها أذيق الموت . فطوبى لمن آمن به ، ومن يقتدي بحبه لبني البشر فيضحي من أجل أن يؤمنوا بالمخلص فيكون لهم الخلاص .  

 وبعد العودة نزولاً من نفس الدرج وعلى بعد خمسة أمتار نجد حجراً من الرخام ، مستطيل الشكل طوله متران وعرضه 80 سم ، تحيط بها شمعدانات كبير ، ينحني الزوار على ذلك الحجر ليعانقوه بأيمان ، متأملين بصلاة حارة قبل ذهابهم لزيارة قبر مخلصهم الإله . في ذلك المكان المقدس تم تطويب جسد الرب المقدس بعد أن أنزل من خشبة الصليب .

 ومن هناك إلى مسافة عشرة أمتار نحو الغرب نجد قبر يسوع المقدس . القبر واقع تحت فناء الكنيسة العالي وحول القبر أعمدة رخامية عالية تحمل السقف والقبة الكبير المرسومة من الأسفل في الداخل وحسب الصورة :

وتحت القبة والسقف هناك بناء عالي مسّقف من الرخام يحيط بالقبر ، فيه باب من جهة الشرق يدخل إلى القبر المقدس :

وقفت مجموعتنا خلف طابور طويل للمؤمنين القادمين من كل أقاصي الأرض لكي يأتي دورنا للدخول إلى أقدس مكان على وجه الأرض ، وبعد ساعتان دخلنا من باب ضيق لندخل وننحني ساجدين أمام الحجر الذي يغطي القبر الفارغ لكي نعانقه ونتحدث مع يسوع الغائب الحاضر في ذلك المكان . المدة المسموح لكل زائر للبقاء داخل القبر لا يتعدى بضع ثواني فقط . يدخلون إلى القبر أربع مؤمنين معاً ، وبعدها يأمرهم راهب مسؤول بالخروج من هناك من لكي يسمح لأربعة آخرين بالدخول . يشعر الخارج من ذلك المكان المقدس أنه ألتقى بالرب كما ألتقت به مريم المجدلية عندما زارت قبره بعد قيامته فيشعر بأمان وراحة وطمئنينة وفرح . 

أجل لن ينتهي تأمل الزائر إلى القبر بموت المخلص فحسب ، بل يستمر التفكير بمريمات اللواتي زرن القبر الفارغ وظهور الرب للمجدلية . إذاً على الزائر أن يستمر في تأمله بموضوع القيامة والأنتصار والفرح . فالقبرإذاً هو مكان التحدي والنصر والخلاص وأتمام الوعد ، لكن الزائر القادم من كل بقاع الأرض إلى هناك سيشعر ايضاً بالحزن والكآبة عندما يسمع بصراع مستمر بين الأقوام التي تعيش اليوم على تلك الأرض المقدسة دون أن يشعروا شعور المؤمنين الزائرين لكي يحصلوا هم أيضاً لمسة أيمان من الرب ، بهذا يصلوا إلى الهدف الحقيقي وإلى الكنز الذي يجب أن يسعوا من أجل الوصول إليه ، وذلك الكنز يقودهم إليه تعليم المسيح في أنجيله المقدس الذي يقود الجميع 

لأدراك الدرس والهدف الحقيقي الذي جاء ومات المسيح من أجله . والأرض التي فيها كنوز لا تبلى ليست على هذه الأرض ، بل في السماء التي رفع إليها المسيح بعد القيامة . فلماذا الصراع ، لماذا البؤس والحروب والموت من أجل أرض زائلة ؟ علام يقيم الحقد والنزاع حيث لا يسوغ أن يقيم على تلك الأرض سوى الحب ؟ وبسبب ذلك الصراع المستمر نشعر بأن المسيح مابرح يجلد ويسام العذاب ، بل وكأنه ما يزال على صليب الجلجلة يقول لهؤلاء ( نفسي حزينة حتى الموت ) أما من يتوب ويؤمن فسيحصل على وعد المصلوب الذي قال للص اليمين ( الحق أقول لك ، أليوم ستكون معي في الفردوس ) . فعلى كل أنسان أن يبحث عن المسيح ويقترب منه  . وبقدر ما يقترب الأنسان من الله ،يقترب الله منه أكثر . فحينئذ يستطيع الأنسان أن يعقد علاقة ذات غنى مع الله ويسمع صوته فيحصل على فرح دائم لا ينزع منه .

في كنيسة القيامة قبل دخولنا إلى القبر المقدس أقام لنا الأب الكاهن القداس السادس في أحدى قاعات الكنيسة القديمة ، فأشعرنا المكان بقدم وأصالة وقدسية المكان . هناك تناولنا جسد الرب المقدس قبل توجهنا نحو قبر المخلص . وهذه هي قاعة الكنيسة الحجرية :

في اليوم التالي أنتهت زياراتنا لأهم كنائس أورشليم لنتجه نحو الجنوب فأنحدرنا من أورشليم إلى أريحا ، كما في قصة السامري الصالح . فوجدنا الأرض تفقد خضارها وتنبسط مرتفعاتها لتتلون لاللون الرملي الصحراوي مع وجود تلال ووديان ، كوادي القار والخان الأحمر ، وفي هذا الطريق وقعت عدة مواقف سجلها لنا الأنجيل كقصة الجريح الذي أنقذه السامري ، وشفاء البرص االعشرة وغيرها . منطق أورشليم واليهودية وأريحا كانت لسبطي يهودا وبنيامين . شاهدنا في طريقنا قرى بدوية ومخيمات وعلى الطريق ألتقينا ببدوي معه جمل مزين فتوقفنا عنده في أستراحة قصيرة وهناك من ركب على الجمل والتقط الصور معه وكانت خلفية الصورة تلك التلال الرملية . كما شاهدنا الطرق القديمة التي كان يسلكها الأنسان في تلك الأيام سيراً على الأقدام . شاهدنا أيضاً خلال مسيرتنا نحو الجنوب منطقة يطلق عليها ( النبي موسى ) تتكون من مرتفعات وجبال قليلة الأرتفاع وخالية من الأشجار ويظن البعض بأن موسى من تلك المرتفعات شاهد ارض الميعاد دون أن يدخل أليها ، فهناك جبل نيبو فيه مقام لموسى بناه المسلمون جامعاً وسمي بأسم موسى . لكن في الحقيقة وحسب التوراة ، موسى لم يمر من تلك المناطق وللمزيد ( طالع تث 3: 23-27 ).

ما زلنا نسير نحو الجنوب ومدينة أريحا وجبلها صارت على يميننا إلى أن وصلنا إلى نهر الأردن الواقع إلى الشرق . النهر يستمر إلى أن يصب في البحر الميت ، وفي جنوبه تقع الحدود المصرية ( صحراء سيناء ) والسعودية . الشعب العبري جاء من صحراء سيناء ، فأول مدينة سقطت بأيديهم هي أريحا ، بقيادة يشوع بن نون ( يش 6: 16-21) . وصلنا إلى نهر الأردن حيث المغطس ( قصر اليهود ) . قبل الوصول إلى النهر وجدنا في طريقنا وعلى الغرب شاهدنا كنيسة مار يوحنا الأرثوذكسية . وبعدها كنيسة الأحباش . ومن ثم الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الروسية ، وبعدها وصلنا إلى نهر الأردن ، حيث المغطس ، المكان الذي تعمد فيه يسوع على يد مار يوحنا المعمدان .

قام الأب الكاهن بتجديد معمودية كل المجموعة . وهنا لا يقصد بالتجديد أعادة المعمودية لأن المعمودية واحدة لا تتكرر . في الجانب الآخر للنهر وعلى بعد خمسة أمتر فقط وجدنا أفراد من شرطة الحدود الأردنية مع بعض السواح على الجانب الأردني . في تلك المنطق أنطلق أيليا النبي بالعربة التي تجرها خيول نارية التي فصلته عن أليشع إلى السماء ( طالع 2 مل 11:2 ) .  بعد ذلك تهيأنا للأنطلاق نحو جبل التجربة سالكين طريق الرب يسوع الذي أعتمد هناك ومن ثم صعد إلى ذلك الجبل الكئيب الذي تأويه الغربان والذي يبعد ب ( 6 ) كم من المغطس . الجبل ملىء بالمغاور المحفورة من قبل النساك الذين أرادوا أن يقلدوا صوم المسيح الأربعيني فكانوا يتناولون رغيفاً واحداً وماء كل يوم .

في الجبل يوجد كنيسة ودير ارثوذكسي قبطي . وجدنا مدينة أريحا القديمة وعمرها يتجاوز عشرة آلاف سنة . وتعتبر أقدم مدين في التاريخ ، وكانت تسمى بمدينة القمر . في شمالها يوجد نبع ماء ، وهو نفس النبع الذي جعل النبي ايليشع مياهه المرة حلوة بعد أن وضع ملحاً في صحن وطرحه في نبع الماء ، وقال ( هذا ما تكلم به الرب : لقد أبرأت هذه المياه فلن تسبب الموت أو الجذب بعد الآن ) ” 2مل 2:  21- 22″ هناك نجد جدار كونكريتي منه تنزل المياة لتصب في حوض ، وعلى الجدار مكتوب بالأنكليزية :

The Oldest Sity Of The Word

يسكن حاياً في مدينة اريحا الجديدة 42 الف نسمة يعيشون على الزراعة والسياحة . يزرعون الفواكه بأنواعها والخضراوات التي تعتبر الأفضل في أسرائيل . يكثر فيها زراعة النخيل العالية الجودة والنوعية وأصلها من نخيل البصرة العراقية ، تم أخراجها من هناك بخطة دقيقة قام بها ضابط هولندي الذي أستطاع أن يرشي ضباط عراقيين لأخراج ثمان شجرات نخيل من البصرة إلى أمستردام ، ومنها إلى أريحا .

في أريحا ثلاث كنائس للكاثوليك والأرثوذكس ومنها كنيسة الراعي الصالح ذات القبة الذهبية . وكنيسة زكا العشار الذي كان من تلك المدينة ، كما شاهدنا شجرة الجميزة مزروعة في نفس مكان الشجرة التي تسلق عليها زكا بسبب قصر قامته وذلك لكي يتسنى له مشاهدة يسوع بين الجموع المحتشدة . ويقدر عمر تلك الششجرة ب ( 700 ) سنة  . كذلك يوجد في أريحا مدرسة للراهبات الفرنسيسكانيات . ومن جبل أريحا أنطلقنا إلى البحر الميت فوجدنا هناك أعداد كبيرة من السواح على الساحل وهناك من يسبح في مياه البحر الثقيلة المالحة حيث نسبة الملوحة تصل إلى 33% ، سبح قسم من مجموعتنا في تلك المياه الثقيلة التي ترفع جسد الأنسان إلى الأعلى ، فلقينا صعوبة في التعامل مع المياة أثناء السباحة ، أضافة إلى ما يعاني منه السابح عندما تدخل قطرة واحدة من مياه البحر في العين فيشعر بالحرقة فعليه أن يغادر المياه بسرعة  ليغسل العين التي مسها الماء المالح .

  في اليوم الأخير أتجهنا نحو الجبال اليهودية ، وهي منطقة جبلية كثيرة المرتفعات المتقاربة من بعضها مغطاة بالأشجار الكثيفة . أتجهنا نحو قرية زكريا الكاهن ( نحو بيته الصيفي ،كان زكريا غنياً فكان يملك بيتان ، صيفي وشتوي )  هناك ألتقت العذراء مع نسيبتها أليصابات عندما قال ( فمن أين لي هذا : أن تأتي إلي أم ربي ؟ فأنه ما إن وقع صوت سلامك في أذني حتى قفز الجنين أبتهاجاً في بطني ! .. ) ” لو 43:1 ” . في ذلك المكان أنفجر عين ماء تسمى ب ( عين كارم ) تصب بمياهها لحد اليوم . وهذه صورتها :

 قام المسلمين بأحتلال المكان وبناء جامع صغير على العين وفوقه منارة على ارتفاع خمسة أمتار فوق الجامع ، لكن السلطة اليهودية بعد أن سلطت نفوذها على المنطقة بعد عام 1947 أزالت الهلال من فوق المنارة ليصبح المكان مزاراً للجميع . ذلك المكان واقع في أسفل الجبل ومن هناك سلكنا طريق يلتف حول جزء من الجبل الذي عليه بيت زكريا الصيفي فبدأنا بالصعود ألى الجبل فصعدنا سلماً كونكرتياً يتكون من 90 درج فوصلنا غلأى قمة الجبل وهناك دخلنا إلى ( كنيسة  زيارة العذراء )

 فيها جدارية مرسومة فوق هيكل الكنيسة وعلى جدرانها الجانبية لوحات أخرى تصف لحظات اللقاء الذي حصل بين العذراء وأليصابات والروح القدس ينزل عليهما . وهناك جدارية أخرى توضح للمؤمن موضوع ق*ت*ل أطفال بيت لحم . وبالقرب من الكنيسة نجد بيت زكريا الصيفي . كما نجد جدارية أخرى لملاك يحمي العذراء والطفل يسوع ، وأخرى نجد فيها زكريا وهو يقدم البخور في الهيكل عندما رأى ملاكاً . وفي الثلث الأخير من الجبل يوجد كنيسة أخرى جميلة تسمى ب ( كنيسة الزيارة ) فوقها خمس قباب ذهبية فوقها صلبان وفيها هيكل واحد عليه صورة العذراء ، أما على الجدران فنرى جداريات كثيرة منها : 1- جدارية المجمع . 2- أمومة العذراء . 3- قانا الجليل . 4- العذراء تحفظ الكنيسة . 5- صورة للعذراء ويظهر فيها القديس فرنسيس الأزيزي وهو يزور الأماكن المقدسة . ومن هناك نزلنا لنصعد جبل آخر قليل الأرتفاع حيث بيت زكريا الشتوي وهناك دخلنا إلى :

 كنيسة مار يوحنا المعمدان

 وفي تلك الكنيسة أقام لنا الأب الكاهن القداس السابع والأخير وتباركنا بالأفخارستيا , الكنيسة مبنية على خمس أعمدة تقابلها خمسة أخرى لتقسم الكنيسة إلى ثلاث مذابح . في مذبح الوسط تمثال العذراء ، وعلى اليمين جدارية توضح لقاء العذراء مع أليصابات . والثالث على اليسار تحت مذبحه زجاجة في وسطها دائرة حمراء ، في ذلك المكان ولد يوحنا المعمدان ، وهناك جدارية تظهر فيها العذراء حاملة يوحنا الطفل وتقدمه إلى والده زكريا ، كما هناك جدارية تصّور موقف الملاك وهو يتحدث مع زكريا في الهيكل .

أما على جدار الكنيسة الشرقي يوجد باب حديدي مشبك  رأينا من خلاله درج حجري يؤدي إلى بيت زكريا وفي نهايته موزع نحو غرف البيت .

 بيت زكريا يبعد من أورشليم ب ( 15 ) كم . وللوصول إلى هذه المنطقة من الناصرة التي أتت منها العذراء فتحتاج إلى ( 15 ) يوماً مسير ، واليوم يقطع بساعتان بالسيارة . إلى الغرب من أورشليم تقع عمواس ، فيها دير يسمى ( نوتردام ) وهي منطقة جبلية كثيفة الغابات . وإلى القرب منها تقع القرية التي كان فيها تابوت العهد عندما كان بيد الفلسطينيين في مرتفع يقع ما بين عمواس واورشليم والتي تسمى الآن ب ( أبو خوش ) وفي الجهة الثانية من الجبل توجد كنيسة تسمى ب ( تابوت العهد ) .

رجعنا إلى الفندق . وفي اليوم التالي كان مخصصاً للتبضع ، فتوزعت المجموعة في أسواق بيت لحم لشراء الحاجيات اللازمة ، وخاصةً الهدايا الدينية للأهل والأصدقاء .

أما في اليوم الأخير فغادرنا الفندق في الساعة العاشرة صباحاً وأنطلقنا برحلة العودة نحو مطار اللد ومكثنا فيه ساعتان ، تبضعنا أيضاً من سوق الحرة الكبير ومن ثم تركنا الأراضي المقدسة لنعود إلى مطار تورنتو الدولي ومنه إلى وندزر بطائرة صغيرة فوصلنا جميعاً بسلام وفرح المسيح ، له المجد .      

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!