ج#ريم*ة ق*ت*ل أطفال بيت لحم وأسبابها
إعداد / وردا إسحاق قلّو
( في ذلك الزمان، أتى إلى مدينة أورشليم مجوس من المشرق قائلين: أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له) ” متى2:2 “. فاضطرب هيرودوس الملك، المعروف بالكبير، واضطربت أورشليم معه.
كان الملك مريض النفس، شديد الخوف على ملكه، ظنّاناً ، شكاكاً بأهل بيته وأعوانه، بكلّ قريب وبعيد ، حاسباً الجميع متآمراً عليه. ولم يكن خوفه من دون مبرّر ولو بلغ لديه مبلغ الوسواس . فقد حسبه اليهود مغتصباً لأنه آدومي من غير جنسهم ، رغم أن الآدوميين كانوا قد اقتبلوا اليهودية عنوةً كمذهب منذ بعض الوقت ( في حدود السنة ١٢٥ ق.م ) .
ولما كان هيرودوس قد تزوّج عشر نساء فقد أنجبن له ذكوراً كثراً كلهم اشتهوا الخ*لافة حتى بات القصر مسرحاً لعشرات المؤامرات والفتن ويذكر التاريخ أنّه ق*ت*ل الكثير من أبنائه وبالنهاية مات هو والدود يأكله .
في هذا الجو الموبوء ، المشحون ، الحافل بالمؤامرات والمكائد ، لجأ هيرودوس إلى التصفية الجسدية ، ففتك بأبرز أعضاء مشيخته وبزوجته ( مريمني ) وأمِّها الكسندرا وابنيها وورثته وخيرة أصدقائه . وكان مستعداً للتخلّص من أي كان إذا ظنّ أنه طامع بملكه .
لهذا السبب كان لخبر المجوس عليه وقع الصاعقة ، فاستدعى ، للحال ، رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم أين يولد المسيح ، ودينونة رؤساء اليهود أن كتبهم النبوية تخبرعن ولادة الصبي وحالتهم لحب السلطة لا تختلف عن حالة هيرودس .
كان الجو عابقاً بالحديث عن المسيح الآتي . ولم يكن هيرودوس غريباً عن أحاديث الناس ، لاسيما وقد ارتبطت صورة المسيح في الأذهان باسترداد المُلك المغتصب وعودة اليهود إلى الواجهة .
لهذا كان هيرودوس معنياً بالأمر بصورةٍ مباشرة . وإذ فهم أن بيت لحم اليهودية هي المكان اصطنع حيلة للقضاء على الصبي ، فاستدعى المجوس ، سرّاً ، واستعلم منهم منذ كم من الوقت ظهر لهم النجم . هذا كان من المفترض أن يعطيه فكرة عن عمر الصبي . وإذ تظاهر بأنّه مهتم بالسجود لمن يرومون هم السجود له ، أطلقهم إلى بيت لحم ليبحثوا عن الصبي ، ومتى وجدوه أن يرجعوا إليه ويخبروه .
وبعد أن هداهم ملاك الرّب بهيئة نجم إلى موضع الصبي ، سجدوا وقدّموا له الهدايا لبانًا ومرًّا وذهبًا . وإذ همّوا بالعودة إلى بلادهم عن طريق أورشليم ، أُوحي إليهم في حلمٍ فانصرفوا في طريق أخرى . أمّا الصبي وأمه فأخذهما يوسف ، بأمر الملاك ، وانحدر بهما إلى مصر .
انتظر هيرودوس بفارغ الصبر عودة المجوس فلم يعودوا ولا أرسلوا له خبراً بشأن الصبي . ولما طال انتظاره ، على غير طائل ، تيقّن أنهم سخروا به وخدعوه ، فاستبدّ به غضب شديد وقام فأرسل إلى بيت لحم والتخوم وق*ت*ل جميع الصبيان فيها من عمر سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس .
هؤلاء هم الشهداء الأوائل الذين سقطوا باسم الرّب يسوع بعد ولادته بالجسد .
الليتورجية تقول عنهم إنّهم ” مقدِّمة للحمل الجديد الذي سيتألم ويُذبح لأجل خلاصنا” وقد حصلوا ذبيحة أولى لميلاد المسيح الإله الطاهر ، وقُدِّموا له كعناقيد ، وصار لهم أن يتهلّلوا ” لأنّهم ذُبحوا من أجل المسيح” .
متى الإنجيلي الذي أورد خبر أطفال بيت لحم ربطه بإرميا النبي القائل : ” صوتُ سُمع في الرامة، نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزّى لأنّهم ليسوا بموجودين” (١٨:٢).
إرميا كان يتحدّث عن القبائل المنتمية إلى راحيل ، كأفرام ومنسّى ، وهي في طريق السبي إلى آشور وربما بابل . نذكِّر بأن قبر راحيل كان قريباً من بيت لحم وان إرميا بعدما أشار إلى بكاء راحيل أردف قائلاً : “هكذا قال الرّب. امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدّموع لأنّه يوجد جزاء لعملك يقول الرّب… ويوجد رجاء لآخرتك…” (إرميا31:16-17). ثم أضاف، في الإصحاح عينه : “ها أيام تأتي يقول الرّب وأقطع مع بيت إس*رائي*ل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً… أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً… سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم لأني أصفح عن إثمهم…” (إرميا31:31-34).
من هنا يبدو مق*ت*ل أطفال بيت لحم رسماً لمعاناة شعب الله للمؤمن به في كلّ تاريخه وإيذاناً بتمام وعود الله بأنبيائه في تجسّده .
” أيّها الرّب الذي قبل الدهور إنّك لم وُلدت من البتول وصرتَ طفلًا لأجل صلاحك ، قُدّم لك مصفّ الأطفال بدم الاستشهاد ، متلألئّةً نفوسهم الصافية بعدل ، فأسكنتهم في المنازل الدائمة الحياة، معلنًا رداءة هيرودس وغباوته القاسية جدًا “.