مقالات دينية

القديسة بربارة العظيمة

القديسة بربارة العظيمة

إعداد / وردا إسحاق قلّو

القديسة بربارة العظيمة

ولدت القديسة بربارة من أبوين وثنيين ، وكان والدها غنياً ووثنياً وصاحب إسم كبير يدعى ديوسقورس وكان غيوراً على العبادة الوثنية . والدتها توفيت وهي ما زالت صغيرة .

عاشت بربارة في أيام الملك الطاغية مكسيميانوس ( 284- 305 ) . كان والدها يسكن في بلدة جلسون التي تبعد 2200 متراً عن أيليوبليس . كانت بربارة وحيدة لأبيها وجميلة الطلعة والتربية يفتخر أهلها بحسن أخلاقها ، وبسبب صغر سنها وجمالها أرادوا أن يحفظوها من أنظار العالم فبنوا برجاً عالياً وحجزوها فيه وتعطى كل ماتحتاجه من أطعمة وألبسة ووسائل أخرى دون أن يراها أحد .

   عندما بلغت سنها القانوني تقد من أبيها الكثيرون من أشراف المدينة الذين وصلهم صيتها طالبين الزواج منها ولم يرد الأب أن يعد أحداً منهم قبل أن يحصل على موافقة إبنته بربارة .

   صعد يوماً إلى البرج وسألها إن كانت ترغب في الزواج ، لكنها قبل أن ينهي كلامه أجابته غاضبة : لا أريد ان اسمع شيئاً عن هذا الموضوع وإلا سوف أق*ت*ل نفسي وتخسر إبنتك . فلم يضلقها أبوها لأنه كان يعرف أنها لم تخالفه في الرأي وكانت تبدي رغبة في البقاء عذراء فنزل من البرج دون توجيه الكلام القاسي لها .

تذكر مصادر أن القديسة بربارة كانت قد تلقنت العلوم من بيان وتاريخ وفلسفة مما قادها البحث عن الإله الحقيقي وكان خدامها المسيحيون قد أخبروها عن العالم الكبيرفي ذلك العصر وهو أوريجانس فأسرعت وكتبت له رسالة فجاوبها بسط فيها عن الإيمان المسيحي .

   في تلك الأيام قرر ديوسقورس أن يبني خارج البرج حَمّاماً جميلاً  فوضع له التخطيط وأرشد الفنيين إلى ما يلزم لبنائه وأعد إياهم بالمكافأة إذا هم أتقنوا البناء وتجميله ثم غادر بلدته وذهب إلأى مكان آخر كان له فيه عمل ، ولما تأخر في العودة نزلت بربارة من البرج وذهبت تتفقد الحَمّام القريب وكان من المنتظر أن تفتح فيه نافذتان فقط . سألت بربارة البنائين لمَ لا يصار إلى فتح نافذة ثالثة من الجهة الجنوبية حتى يتلقى الحَمّام إنارة كافية . فأجاب البنائون أن هذه مشيئة أبيها ، وبعد ذلك نفذ البنائؤون النافذة الثالثة حسب طلب بربارة وهي سوف ترد على والدها إذا سأل عن السبب . وفي أحد المرات وقفت بربارة في بركة الحمّام وتطلعت إلأى الشرق راسمة بأصبعها علامة الصليب الإلأهي على المرمر فظهرت علامة الصليب ، وما زالت إلى اليوم تشهد لهذه الأعجوبة . فالصليب والحَمّام موجودان إلى يومنا .

   في يوم من الأيام بينما كانت بربارة عائدة من الحَمّام لاحظت الأصنام التي كان أبوها يسجد لها فتنهدت من أعماق النفس ثم بصقت عليها وقالت ليكن على شبهكم كل من يسجد لكم ويطلب عونكم بعد ذلك دخلت البرج وبقيت فيه صامته ومصلية منتظرة عون من السماء ، وبعد أيام عاد ديوسقورس فرأى النافذة الثالثة فتحير كيف فتحت بدون أمره فأخبره الفنيون بما حصل . فسأل غبنته ، فقالت : أنا التي أمرت بهذا لكي يصبح الحمّام أجمل ، فغضب منها وقال ، لماذا يبدو جميلاً ؟ قالت بربارة إن النوافذ الثلاثة تضىء كل إنسان آتٍ إلى العالم . وكانت تقصد الثالوث الأقدس ، وشرحت لوالدها عن الثالوث الأقدس ، ورسمت له إشارة الصليب ، وقالت هذا هو النور الذي تستنير بهِ الخليقة . فإزداد غضباً ذلك الملحد القاسي القلب ناسياً أبوته ونواميس الله فشهر سيفه وهم بق*ت*لها ، ولكن بربارة هربت إلى جبل قريب حيث وقفت ورفعت يديها وعينيها إلى السماء طالبة العون من الله فإستجاب الله لها سريعاً كما فعل مع الشهيدة تقلا . إقتبلت بربارة  صخرة في الجبل فأنشقت لقسمين بفعل إلهي لكي تخفيها عن أنظار أبيها فبدأ الأب بالبحث عنها فنظر راعيين مع خرافهما فسألهم ، الأول كان عطوفاً ، فقال لم أرها . أما الآخر فكان ماكراً فقد دل بأصبعه على المكان الذي فرّت منه ، لكن مشيئة الله أدانته للحال فتحولت الخراف التي يملكها إلى نوع من الحشرات .

   أخيراً عندما وجدها أبوها على الجبل ضربها بدون شفقة ثم أمسكها بجدائل شعرها وجرها بقوة إلى بيته وهناك أقفل عليها غرفة صغيرة ، ووضع حراساً على الغرفة ، ثم ذهب إلى الحاكم مركيانوس ، وقال له : إن ابنتي تزدري آلهتنا ولا تحترم إلا يسوع المسيح المصلوب ، وتكرّمه من كل نفسها ، بعدها جاء بإبنته وسلّمها إلى مركيانوس وأقسم عليه بألا يشفق عليها أبداً ، بل يذيقها أمر العذابات وأقساها . جلس مركيا نوس على كرسي القضاء وأمر أن يأتوا بها لتمثل أمامه ، ولما رآها أندهش من جمالها البارز وخلقها الوقور فنسيَ للوقت قسم ديوسقورس وقال بصوت ناعم وبوداعة : ألا تشفقين على نفسك يا بربارة ، لماذا لا تقدمين الذبائح للآلهة التي يعبدها أهلك ، أنا أحزن لإماتة شابة تتمتع بمثل هذا الجمال ، لذلك أرشدك للطاعة والسجود للآلهة وإلا سوف أضطر لإستعمال أبشع الوسائل لإماتتكِ . فأجابت بربارة ، أنا أقدم السجود لخالق السماء والأرض ، وأما الآلهة التي تعبدوها فهي من صنع الذهب والفضة ، فهي صنع أيديكم . فغضب القاضي وأمر بأن تعرى من ثيابها وتضرب بدون رحمة ، وتُلَف جروحها بالشعر . بعد ذلك وضعت في السجن لفترة مؤقتة ، وفي منتصف الليل ظهر لها نور ، وفوق النور المسيح ، وقال لها : ( لا تخافي أبداً من عقابات الناس وعذاباتهم ، بل ظلي على موقفك ) . بعد ذلك إختفت للوقت جراحاتها وشفي جسمها .

   بعد ذلك أمر القاضي بأن تأتي إليه ، فأندهش من معافاتها ولم يجد أثر للجراح على جسمها ، لقد تعذبت بربارة العذابات الكثيرة من قبل الحاكم فقد أحرق أعضاء جسمها بمشاعل مضاءة وضرب رأسها بالمطرقة ، وأمر القاضي بقطع ثدي كل من القديسة بربارة والقديسة يولياني التي عانت مع القديسة بربارة العذابات الكثيرة ، وبعد ذلك أمر الحاكم بأن تقاد بربارة عاريةً وهي تضرب بلا شفقة في المدينة ، ولعظمة الله القدير فقد طلبت القديسة من المسيح بأن يستر عريتها حتى لا يهزأ الناس بها ، فألبسها الملائكة حلةً بيضاء ، وداوى المسيح جراحها ، وعندما أحضرها الخدم أمام الحاكم حيث رآها ترتدي الحلة البهية فخجل وعرف أنه لن يستطيع أن يغلبها بالتهديدات والعذابات فقرر أن يميتها مع يولياني فأمر بقطع رأسهما .

  حضر ديوسقورس التعذيبات التي أخضعت إليها الشهيدة بربارة ولم يحزن من أجل إنتهِ ، فعندما أمر القاضي بقطع رأس القديسة برابرة والقديسة يولياني إقتاد ديوسقورس إنته إلى الجبل مع يولياني لينفذا الحكم هناك . كانت القديستان تتهللان فرحاً وكأنهما ذاهبتان لعرس أو نزهةٍ . وبعد تنفيذ الحكم وقطع رأسي الشهيدتين ، وما إن نزل ديوسقورس من الجبل حتى سقطت صاعقةً من السماء وأحرقتهُ ، ولم يكتفي الغضب عليهِ فقط ، بل على مركيانوس الذي أصابته الصاعقة نفسها كعلامة سابقةٍ للنار الأبدي . وبعد ذلك تسلم رجل مسيحي جسد الشهيدتين ونُقِلتا لقرية جلسون حبث تم دفنهما بكل وقار . فكان كل الإكرام والتقدير لجسد الشهيدة بربارة .  

القديسة بربارة شفيعة كرمليس

القديسة الشهيدة بربارة شفيعة كرمليس ، ولها ضريح في كنيسة التي شيدت بإسمها مع صديقتها القديسة يولياني . كما يوجد لوحة في الكنيسة ترمز إلى محاكمة الوالي للشهيدة بربارة مع صديقتها ، والضريح يحتوي على أجسادهن .

  بني الضريح سنة 1797م ، ويوجد على الضريح وعلى المحراب كتابات بالكلدانية لتراتيل تغني للشهادة ولحب المسيح وبذل الذات من أجله . في ذلك الزمن المر والصعب تم تكليل الشهيدة بربارة وصديقتها عروسة الإبن ، وكتب على الضريح بربارة أسمك لمع في سماء العالم .

   تم تشييد كنيسة القديسة بربارة في كرمليس في بداية تأسيس المزار في القرن السابع الميلادي عن طريق التجار اليونانيين القادمين من آسيا الصغرى ( تركيا ) في طريقهم لأنعاش تجارتهم فأعتبروا المكان منتصف الطريق ما بين اليونان والجنوب فأسسوا مزار لشفيعتهم القديسة بربارة ووضعوه مع صديقتها يوليني في ضريح واحد وتم توسيع المزار إلى محراب وهيكل آخر مع الكنيسة المرفقة به ومساحته تتراوح حوالي 390 م مربع .

كما يوجد لوحة في الكنيسة للشهيدة بربارة عمرها 350 سنة  أي رسمت سنة 1740 م تُعَبّر اللوحة عن طريقة إستشهاد القديسة . ظل الضريح سليماً حتى دخول نادر شاه الى كرمليس سنة 1743 فقام بتفكيك القبر ، وشوَّهَ الزخارف والنقوش على الضريح . كذلكالعابثين من المغول أصابوا هذه اللوحة سنة 1771 م وصولاً إلى عصابات د*اع*ش وتم ترميمها بعد تحريرها من د*اع*ش لتعود إلى حالتها الأصلية وهي الكنز الوحيد في هذا المزار . رسام هذه اللوحة مجهول ، واللوحة تحكي معاملة والدها القاسي لها وطريقة إستشهاد بربارة على يد الوالي مكسيميانوس . في البداية كان المزار يتكون من صومعة صغيرة على شكل قبة تتحول على ضريح لكن أهل كرمليس وبتبرعات المحسنين الذين ساهموا لتوسيع المزار لكي يحتوي أكبر عدد من الزائرين . كما يوجد في منتصف الدير بئر وهو مَعلَم من المعالم الأثرية فيه . كذلك يوجد مَعلَم آخر في الدير هو الدير الذي يعود إلى القرن السابع عشر أو الثامن عشر والذي بني من قبل أهل القرية . يبلغ عمقه 23 متراً . أمام المنبر يوجد صورة للقديسة بربارة وهي ترتدي الزي الكرمليسي .

   في القرن السابع عشر تحولت البلدة إلى مقر للبطريركية فتوسعت البلدة وتم توسيع مزار القديسة بربارة .

تعمدت القديسة بربارة على يد فانتيانوس تلميذ القديس مار أوجين .

تحول هذا المزار ليصبح ديراً أيضاً بعد زيارة راهبات أخوات يسوع المصلوب اللبنانيات فتحول المزار وبتدبير إلأهي إلى دير بتاريخ 15 / 5 / 2022 أي نفس يوم تذكار مريم العذراء حافظة الزروع بعد أن أصدر مطران الأبرشية مار ميخائيل نجيب مرسوم أبرشي بتثبيت راهبات أخوات يسوع المصلوب في كرمليس ، وأن يكون مقرهم بين ثنايا وأروقة مزار القديسة العظيمة بربارة .

تحتفل كرمليس بعيد شفيعتها القديسة بربارة في الجمعة الأولى من شهر كانون الأول والمثبت في التقويم الكنسي يوم 4 كانون الأول . صلوات القديستين تكون معنا . ولربنا المجد الدائم .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!