مقالات سياسية

الأستعمار الأكبر على الأسلام هو الجهل

الكاتب: وردااسحاق
الأستعمار الأكبر على الأسلام هو الجهل
ماذا نقصد بالأستعمار ؟ ما علاقة الأستعمار بالفكر والثقافة ؟ كيف يتحرر الأنسان من مخالب الأستعمار ليتحرر ؟ هذه الأسئلة وغيرها تقودنا الى البحث عن حقائق مبهمة ومخفية تنورنا وتنقذنا من مشاكل كثيرة تدفعنا الى التخلف والضعف والأنحطاط . المقصود بالأستعمار هو ليس السيطرة على الأراضي والممتلكات والخيرات لا وبل على البلدان بأكملها فحسب بل يقصد به السيطرة على العقول والأفكار والسياسات …الخ والخاصة بالشعوب الأخرى ، وقد يكون المستعمر من نفس الأرض سواء أكان أتجاهه سياسياً أو عشائرياً أو دينياً ، فيفرض أوامره وأفكاره على الجميع فيسيطر عليهم ويخضعهم بكل السبل وحتى بالأكراه . حينذاك يجب على كل أمرىء أن يطيع تلك السلطة ، ومن عارض أو قاوم نظامها فسيجلب الحكم على نفسه ، أي كمن يفعل الشر فينال العقاب . لهذا يجب الرضوخ وأطاعة الأوامر ودفع الضرائب والمشاركة في الحروب وحتى وأن كانت غير عادلة . لا مجال للنقاش هنا بل للطاعة فقط . هكذا يسيطر الحكام الظالمين على البلدان الأسلامية ولفتراة طويلة ، فينهبون خيراتها ويسيطرون على شعوبها ، وكل مشاكلها وتخلفها تعلق على شماعة الأستعمار الغربي . كذلك يغسلون هؤلاء الحكام وجوههم بماء الدين فيتحدثون عن الأيمان ويعطون لرجال الدين مساحات من الحرية ليدعموا سياساتهم بالمواعظ على منابر الجوامع . نعم هكذا يفعلون بعض أئمة الجوامع في خطب الجمعة . تلك المواعظ المليئة بعبارات التحريض الى الق*ت*ل والأرهاب وتكفير الآخر وزرع الحقد والكراهية ، أما السلطة فتتطبق على آذانها . هكذا تخدع الشعوب لكي تعيش في جهل مدقع والذي هو أكثر خطورةً وتأثيراً على تقدمها . وهكذا تسقي الحكومات المستبدة أرضية الجهل والأمية والفقر لكي تستطيع أن تحيا بسلام . كانت البلدان الأسلامية تعيش في ظل الأحزاب العلمانية بعيدة عن الأفكار الدينية والتعصب المذهبي الى فترة العقود الأخيرة ، فكانت الشعوب المتعددة الأديان والمذاهب والطوائف تعيش معاً بسلام ووئام وتآلف ومحبة وكذلك مع شعوب العالم أيضاً . أما اليوم وبعد بروز الحركات الدينية الأسلامية الأصولية والتي تستخدم الجهل سلاحاً لها وبه تحارب الثقافة والعلم والسياسات العلمانية لكي يتبع الجميع جهلها الحديث . هذا الجهل الذي تعتبره هدفاً مقدساً لا وبل الطريق الأقصر للوصول الى حور العين والغلمان المزعومة . أذاَ كل من يريد أن يقترب من الله فعليه أن يبتعد عن العلوم والثقافة والتمدن والحضارة ، وكذلك عن كل ما لم يكن موجوداً في فترة صدر الأسلام . أي نحو الأتجاه المدبر لغرض العودة الى الوراء . وهكذا تسعى الأصوليات المعاصرة لتجريد الفكر من كل ما يأتي من العلم والتطور والثقافة والفنون وغيرها . فالسينما والمسرح والفنون التشكيلية والأنترنيت والنظريات الفلسفية والأدبية …الخ تدور في فلك الكفر والهرطقة فيجب محاربتها وتدميرها وحرقها كما حرق أسلافهم مكتبة الأسكندرية العريقة . فمن يريد اذاً أن يصور نفسه لكي يكون طاهراً فعليه أن يجهل كل علم وتطور . فالجهل هنا مقدس وكما قال المفكر الفرنسي أوليفيه روا المختص بدراسة الحركات الأصولية العالمية . نعم وحسب أعتقاد تلك الحركات ، الجهل سيحمي المسلم من التلوث بموسيقى بتهوفن وموزار ولوحات روفائيل ومايكل أنجلو وبيكاسو ومن قصة الف ليلة وليلة ( حوربت مؤخراً في مصر بشدة وطلبوا رفعها من الأسواق ) ومن مؤلفات أجاثا كرستي والمعري وأبن سينا وهيكل ومن كل فكر حديث . أنه حقاً جهل جميل ومقدس ، يحبنا ويسعى الى خلاصنا . فنقول له : ما أجملك أيها الجهل ، وما أرقاك ، وما أعظمك . هذا الجهل الذي يسيطر حتى على عقول المتنورين بالعلم والمعرفة ، نكروا هذا النور فبحثوا عن الظلام والجهل ، ففضلوا الظلام على النور . وهذه قصة من القصص التي صادفتني عندما كنت ضابطاً في الجيش وعلى خط النار من الجبهة ضد أيران . في أحد الأيام بعد تناولنا وجبة الغداء أخذ طبيب الوحدة عود ثقاب من علبة كبريته وبدأ ينظف أسنانه أمام الضباط وينتف العود بأصبعه لكي يقذف بالأوساخ على أرضية البهو . قلت له لماذا لا تنظف أسنانك بالفرشاة يا دكتور ، لو عمل كل منا مثلك فسيتحول المكان الى مزبلة ؟ أجابني : لأن رسول الله لم يستخدمها . تألمت جداً من رده وجهله وحقده وخاصة لكوني أنا مسيحياً . فقلت له اذاً عليك أن تسافر الى أهلك على ظهر البعير ، وتركت المكان …. هكذا حتى الطبيب جرد من العلم وغسل ذهنه بماء الجهل المقدس الذي يقوده الى الهلاك الأبدي . هذه هي أفكار الحركات الأصولية السلفية التي ترى في العلم والثقافة قديماً وحديثاً نوعاً من الوثنية والتي تبعد الأنسان عن الخالق . هذه هي أسباب عداوة تلك الحركات للثقافة والعلم لأنها وفقاً لعقيدتهم لا تخدم الدين والأيمان . لكن في الحقيقة يجب أن يلتقي الدين والعلم لكي يعملان معاً لخدمة الأنسان . فالدين مثلاً ينفع من نور الكهرباء والأنترنيت والفضائيات لنشر الأيمان وتوعية العالم . وهكذا يستخدم الطب لعلاج الأنسان ، والذرة من أجل التطور ولخدمة المؤمنين والعالم . أما الدين فيعمل دنيوياً من أجل السلام والمحبة وتعليم وتربية الأجيال لكي يعيش العالم كله وفقاً لأرادة الله العادلة . الأستعمار الغربي يشجع الجهل في العالم الأسلامي ، كما يشجع الأحزاب المتطرفة للنمو والنهوض لا وبل للوصول الى كراسي الحكم كما فعل في أيران عندما تخلى عن نظام شاه العلماني فأتى بخميني لكي يزرع الجهل والحقد وهكذا فعل في العراق وفلسطين ومصر وغيرها . نعم الأستعمار هو الذي أرضع حركة طالبان وأبن لادن حليباً ومن ثم أطعمها طعاماً لكي تصبح قوية بوجه الشيوعية والى أن سيطرت على أفغانستان . في المرحلة الثانية بدأت بنشر شرورها وجهلها هناك وفي باكستان وفي العالم كله الى أن أصبحت أميركا عدوها الأكبر فشملتها البركات الشيطانية المتمثلة بضربة 11 سبتمبر . هكذا تعمل اليوم أميركا بكل قوتها لنشر الديمقراطية في الدول الأسلامية وهل هناك الديمقراطية في قاموس الأسلام كما قال خميني ؟ وهل أرضية بلدان الشرق الأوسط مهيئة ثقافياً لزرع الحرية ؟ الغرب يعلم جيداً بأن جهل الحركات السياسية المتطرفة سيطفو وينتصر على كل الأحزاب الأخرى كما حدث في فلسطين والعراق وغيرها ، وهكذا ستبدأ الحروب والنزاعات وكأننا في عصر بداية الفتوحات الأسلامية وهذا هو هدف هذه الأحزاب المتطرفة . بعضهم أطلقوا على أنفسهم بالسلفين نسبة الى السلف القديم والصالح حسب معتقدهم ، لذا يجب العودة الى الجهاد ، والجهاد حتى الموت لنشرتلك الأفكارعن طريق الفتوحات والغزوات وكأننا في فترة صدر الأسلام . الجهاد والقتال هو الهدف الأول وكل ما لا يتفق مع هذا الفكر كالعلم والتطور… فهو من الشيطان . ما يتوخاه الغرب من ضرب الأنظمة العلمانية والدكتاتورية الصديقة والعدوة هو لأجل مصالحه الذاتية وهكذا سيخلق سوقاً تجارياً لبيع آلته العسكرية . لكن هل سيخلص الغرب من شر تلك الحركات الأصولية الحاقدة أذا سيطرت على كل البلدان الأسلامية ؟ أم ستصدر النفوس بشكل أو بآخرالى بلدان الغرب لكي يكثروا في العدد فيغزوا عقول أبناء الغرب بأفكارهم ويسيطروا بأموالهم ووحدتهم على تلك البلدان ؟ هذه هي رسالتهم وهدفهم ، لهذا نلاحظ بأن المسلم في الغرب لا يريد أن يتطبع مع الواقع الغربي فيؤسس مدارس أسلامية خاصة ، غايتها للتعليم والتوعية ولتلقين أبنائها الحقد والكراهية وعدم الأمتزاج بالمجتمع الغربي الكافر . أجل فشل الغرب فعلاً في أرضاخ المسلم للأتحاد مع المجتمع المتحضر ، لهذا ظل منطوياً على أفكاره وجهله وحقده . لأن الجهل مستعمر أفكار وعقول من يدعم تأسيس تلك المدارس والمعاهد والجامعات ومن يعلّم بها لا يؤمن بالتطور ولا يقبل الآخر بل يعتبره عدواً له . وهكذا سيبقى المسلم في الغرب كالقطب المضاد لقطب من يؤمن بغير دينه . لهذا يتمرد المسلم في الغرب بلبسه ( الحجاب ) بشكله ( بأطلاق اللحية ) (بدراسته في المدارس الخاصة بهم ). كتابة عبارة ( اللحم الحلال ) على أسواقهم …الخ من رسائل التحدي . الحركات المتطرفة في العراق الجديد الديمقراطي وبعد سيطرتها على بعض المناطق كمحافظة ديالى وغيرها فرضت أفكارها المتخلفة بكل تفاصيلها على أبناء تلك المناطق . فمثلاً حرموا بيع الطماطم والخيار في الأسواق لأعتقادهم بأن الخيار يرمز الى ذكر الرجل ، أما الطماطة فتمثل ما للمرأة . وحسب أعتقادهم لا يجوز ثرم الخار مع الطماطم في صحن واحد لأنها تعتبر ج#ريم*ة الزنا . فلسفة جديدة في عالم الفلسفة المعاصر كان العالم يجهلها . هكذا يرفضون كل ثقافة ودين ، ويرفضون فكرة تقارب الأديان أو الأعتراف بها . لهذا السبب بدأوا بأختيال أبناء الديانات الأخرى ورموزها وحرق معابدها لجبرها الى ترك أوطان أجدادهم بالقوة من أجل تأسيس دول أسلامية كما كانت دولة طالبان أو أيران . أختزلوا فكرة الدين الى مجرد فرائض وشعائر ومحظورات وممنوعات والى الحلال والحرام . كل ثقافة هي حرام والحاد لأنها تبعدهم عن الخالق ، فمن الضروري أن يتحاشاها المؤمن للحفاظ على نقاء أيمانه ، وهكذا يحصل عليه بسهولة كلما أزداد جهلاً حيث الجهل يقوي أيمانه ويزيده عظمة ! وهكذا يصبح الجهل عندهم مطلوباً ومرغوباً ومقدساً فيكاد أن يطلبوه من خالقهم فيقولوا : ( اللهم زدنا جهلاً على جهل ، وظلاماً على ظلام ، اللهم أعمي قلوبنا وبصيرتنا وأفكارنا لكي نعيش في الظلمة ، وفي الظلمة سنلتقي بك ) . لنسأل ونقول لهم من هو الساكن في الظلمة ، الله أم الشيطان ؟ يا أمة ضحكت من جهلها الأمم . بقلم وردا أسحاق عيسى وندزر – كندا..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!