مقالات سياسية

حينما يفتح الوطن أذرعه للشبيبة

الكاتب: كمال يلدو
حينما يفتح الوطن أذرعه للشبيبة
 
 

تقول الممثلة الأيطالية صوفيا لورين في احدى كلماتها:
” في كل واحد منّا ينبوع “نافورة” الشباب، انها عقلك، ذكائك والأبداع الذي تحققه لحياتك وحياة الناس الذين تحبهم. وعندما تتقن هذه الأمور، تكون قد تجاوزت فكرة العمر، والتقدم في العمر، والتمتع بالشباب الدائم”.
هكذا اذن وربما اكثر، هي مرحلة الشباب. ولمن عاشها بشكل مستقر سيعي حقا معناها بالمقارنة مع شقيقاتها في وطننا العراق.
لأكثر من ثلاثون عاما، لم تعرف فصيلة الشباب شيئا عن مرحلتها سوى اللعنات والموت والدمار، من حروب وكوارث ، وعمل بسـن مبكر ، وحرمان من الدراسة او التعليم العالي، حرمان من بناء العائلة في ظروف أمنية مستقرة، ناهيك عن مستقبل ضبابي لا يعلم به حتى اكثر العارفين في علم التنجيم. هذا هو حال شبيبتنا اليوم كما عاشوها اقرانهم منذ عشرات السنين، ويبقى الهدف بالبحث عن المنفذ، بالحث عن الجواب المقنع، وبالبحث عن الأمل!
 
لأكثر من ستون عاما، عرف فصيل الشبيبة الديمقراطي العمل العلني، المهني، وسط الجماهير أقل من 4 سنوات وعلى مرحلتان، الأولى كانت في العام الأول من ثورة 14 تموز والثانية في اول ايام الجبهة الوطنية عام 1973 وقبل تجميد المنظمات الديمقراطية عام 75،هذا السجل الذي يومئ نظرة النخب السياسية والأحزاب والحكومة والدولة الى حركة مهمة تدعى – حركة الشبيبة-لأن دون تلك الأعوام، كانت حركة الشبيبة قائمة، لكنها سرية وملاحقة من قبل السلطات الأمنية، وباتت بعيدة عن عملها المهني، لأن بيئتها اختلفت، فأختلفت شعاراتها وأختلفت مهامها، ورغم ان تنظيم الشبيبة لم يطرح شعار”اسقاط الحكم”، الا ان كوادرها لوحقت وق*ت*لت داخل العراق وحتى خارجه!
 
قـد توفر احوال العراق الجديدة اليوم، وبشكل نسبي، وضعا افضل من السابق لو جرى حقا تعميقه بالقانون والحماية والدفاع عن المؤسسات المدنية أو ما صار يصطلح عليه ب” مؤسسات المجتمع المدني”، والتي تقع المنظمات الشبابية ضمنه. لو جرى حقا فسح المجال رحبا امام هذه التجمعات لتجد مداها رحبا للشعارات الأنسانية والشبابية، بعيدا عن الحزبيات أو الأثنيات او الأنغلاق القومي الذي تطبخه الكثير من الأحزاب لتوريط الشباب به.
الشباب مرحلة، مثلها مثل الطفولة والحداثة، فأن لم يعشها بكل تفاعلاتها وتأملاتها وأحلامها، بكل نجاحاتها وأخفاقاتها، فأن نقصا (ما) سيطبق على سلوكيته المستقبيلية شخصيا، او متمثلة بأسلوب ادارته لعائلة المستقبل، او حتى بالتعامل مع مشاريع الحياة وصعوباتها او احلامها. هكذا هي قوانين الحياة، فأن لم تطبق في العراق سابقا، هذا لا يعني ابدا بأنها لم تكن ضرورية، ويمكن بكل بساطة مراجعة نتائجها السلبية اليوم على الجيل الذي كان شبيبة قبل 20 أو 30 عاما، يمكن تفحصه، ومعرفة ثقافته وألتصاقه بالمدنية والقوانين والأخلاق والعائلة وغيرها من الأمور الحياتية، بالرشوة والتزوير والفساد الأداري، ومع ان الكلام هذا هو عمومي ولا يختص بفئة سكانية او مذهبية محددة، لكنه واقع حال، والعراق متورط فيه اليوم.
 
كانت تجربة “اتحاد الشبيبة” في مطلع السبعينات، واحدة من اجمل التجارب التي اقترنت مع تفتح الوعي الوطني لجيل كبير، نعلم جيدا ان المئات منه مازالوا لليوم يحملون فيه لواء الدفاع عن القيم الديمقراطية والوطنية. لقد علمتنا الأحترام والألتزام، علمتنا تقدير وحب المرأة، والثقافة والأنسانية. علمتنا قرأة الأدب والتفوق العلمي، علمتنا التضامن مع الشعوب والأممية، منحتنا قوة فرز الأشياء والتميز بين حقوقنا وواجباتنا، علمتنا الشجاعة والتفافني للوطن اما الجلاد والحاكم الظالم رغم حاثة عهدنا وصغر اعمارنا،علمتنا احترام العمال وشغيلة اليد والفكر، علمتنا الغناء وألقاء الشعر والتمتع بالحياة عبر السفرات الشبابية والحفلات التي كانت تحتضنها عوائلنا الكريمة وتوفر لها كل مقومات الراحة والأطمئنان، وعلمتنا اكثر الألفة مع الناس وحبهم، وحب الوطن اكثر والعمل لرفعته وتقدمه. لكنها وبسبب طبيعة النظام القائم آنذاك، دفعتنا لتجاوز عملنا المهني، لابل للتجني عليه، لأنه ظل محاصرا ومخنوقا من قبل النظام البعثي ومنظمته الشبابية. ظلت (نوادي الشباب) والفعاليات الشبابية، من فرق مسرحية ورياضية وفنية وأدبية حكرا عليهم، يغدقون الأموال عليها، حتى حولوها الى منظمات رديفة للمخابرات
والأمن، بينما ق*ت*لت تجربة الشبيبة الديمقراطية، بعد ان اصبحت ورقة بين الشيوعين والبعثين، فكان التجميد نزولا عند ضغوط ورغبة البعث، وتفاديا للأعتقالات والملاحقات. هكذا كانت صورة التنظيمات المهنية الديمقراطية المستقلة، هذه التنظيمات التي كان يفترض ان ترعى الشباب، تفتح الآفاق امامهم لعالم جديد، ترعى مواهبهم الفنية والرياضية والأدبية وتصقلها، وتحمي طموحاتهم وتصونها بالضغط على المؤسسات الحكومية لصياغة وسن القوانين الضرورية، فماذا كانت النتيجة التي جاءت في السنين اللاحقة:
تحويل الشبيبة العراقية الى وقود دائم ومدمر لحروب النظام العبثية والتشريد والهروب والملاحقة والغربة والتهجير والهجرة، الى فصيل لا يحمل اية آمال ولا احلام، سوى العيش ليوم آخر فوق سطح هذه الأرض وليس تحت ترابها.
 
رغـم كل ما يمر على الوطن من مآسي وعالم مجهول، ستبقى للشبيبة العراقية مهمة يصعب تجاوزها او الحياد عنها. فهذا الوطن والنهوض به، ووضعه على سكة الصواب، هي من اولى مهماتها، القضاء على المحسوبية والفساد والأداري والطائفية هي صمام امان نهضة الشبيبة العراقية، القضاء على الأمية وأفتتاح مدارس جديدة وتوسيع الجامعات وتنظيف المناهج الدراسية من الخرافات والطروحات العنصرية والطائفية، وتطوير البحوث العلمية ستكون لبنة العمل المستقبلي للجيل الناشئ. ينتظر شبيبتنا الكثير، لكن قبل كل شئ، هم بحاجة الى الحماية القانونية كمنظات مهنية غير حزبية، غير طائفية ولا قومية شوفينية، بحاجة لدعم ورعاية من المثقفين والأدباء والفنانين، من الأعلام الحر والصحافة، بحاجة لتوفير المظلة الوطنية الصادقة من الأحزاب الوطنية والتيار الديمقراطي، دون املاءات ولا تدخل، هم بحاجة للرعاية والحماية وهم قادرون على صناعة المعجزات، حالهم كحال اقرانهم من شبيبة العالم المتحضر.
نحن ننظر بفخر وأعتزاز الى العديد من المبادرات الشجاعة والطموحة من قطاعات شبابية متنوعة، يحسن بنا رعايتها نحو غايتها المنشودة، مبادرة “انا عراقي، انا اقرأ” ، مبادرة زراعة العديد من المناطق، مبادرة الدفاع عن الثروة المائية، مبادرة درء الفتنة الطائفية، مبادرة السلم الأهلي، مبادرة تقديم الموسيقى في الساحات العامة. وينتظر شبيبتنا مهام انسانية رائعة كثيرة، اتمنى ان تعي كيفية التفريق بين ما هو من مهام الحكومة، والأحزاب وبين ماهو من مهامها، حتى لا تختلط علينا الأمور من جديد، فمهمات الشباب يجب ان تكون مهنية بأمتياز وتخص شريحة الشبيبة العراقية، امل العراق ومستقبله، وهي جديرة بها.
 
*التحية لمؤتمر اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي
*المجد لشهداء العراق
 
كمال يلدو
تموز 2013..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!