اخبار الكنيسة الكلدانية

“لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ”

“لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ”

المطران المتقاعد رمزي كرمو

اسطنبول 13 آيار 2024

 نقرأ في سفر “أعمال الرسل” بأن المعجزة الاولى التي قام بها الرسل بعد حلول الروح القدس عليهم، كانت شفاء الرجل المُقعَد، الذي كان جالساً على باب الهيكل، يطلب الصدقة من بطرس ويوحنا: “فحَدَّقَ إِلَيه بُطرُس وكذلكَ يوحنَّا، ثُمَّ قالَ له: أُنظُرْ إِلَينا. فتعَلَّقَت عَيناهُ بِهِما يَتَوَقَّعْ أَن يَنالَ مِنهُما شَيئاً. فقالَ له بُطرُس: لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ! وأَمسَكَه بِيدِه اليُمْنى وأَنهَضَه، فاشتَدَّت قَدَماه وكَعْباه مِن وَقتِه، فقامَ وَثْباً وأَخَذَ يَمْشي. ودخَلَ الهَيكَلَ معَهُما، ماشِياً قافِزاً يُسَبِّحُ الله” (أعمال الرسل 3/ 4-8). على ضوء هذه الآيات، يكشف لنا بطرس الرسول، مصدر وينبوع قوة وثروة التلميذ الحقيقي ليسوع المسيح. إنه يعترف بكل صراحة أمام الرجل المُقعَد، بأن لا ذهب ولا فضة عنده، أي إنه لا يستمد قوته وثروته من غِنى وثروات هذا العالم، بل إن ثروته الحقيقية التي يستمد منها قوته هي فقط: أسم “يسوع المسيح الناصري” لا غير. إنه فقير حسب العالم لكنه غَني بيسوع المسيح، له كل المجد والأكرام والسجود. “فأَنتُم تَعلَمونَ جُودَ رَبِّنا يسوعَ المسيح: فقَدِ افتَقَرَ لأَجْلِكُم وهو الغَنِيُّ لِتَغتَنوا بِفَقْرِه” (2 قورنتس 8/ 9).

حينما نقرأ الأنجيل المقدس قراءة تأملية ومعمقة، نرى بأن ربنا وإلهنا يسوع المسيح، أعار المساكين والفقراء أهمية خاصة، إذ كان لهم الأولوية في رسالته المقدسة. هذا ما نقرأه في الآيات التالية: “وَرَفَعَ عَيْنَيْه نَحوَ تَلاميذِه وقال: طوبى لَكُم أَيُّها الفُقَراء، فإِنَّ لَكُم مَلَكوتَ الله” (لوقا 6/ 20)، “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين” (لوقا 4/ 18)، “ثُمَّ أَجابَهما: اِذهَبا فأَخبِرا يوحَنَّا بِما سَمِعتُما ورَأَيتُما: العُمْيانُ يُبصِرونَ، العُرْجُ يَمشُونَ مَشيْاً سَوِيّاً، البُرصُ يَبَرأُونَ والصُّمُّ يَسمَعون، المَوتى يَقومونَ، الفُقَراءُ يُبَشَّرون” (لوقا 7/ 22)، “ولَكِن إِذا أَقَمتَ مَأَدُبَة فادعُ الفُقَراءَ والكُسْحانَ والعُرْجانَ والعُمْيان” (لوقا 14/ 13). هذه الآيات وآيات كثيرة أخرى، تؤكد لنا على أن الفقراء كان لهم مكانة خاصة في حياة ربنا والهنا يسوع المسيح، الذي تشبَّهَ بهم منذ ولادته في مذود بيت لحم وحتى موته على خشبة الصليب، هو الذي قال: “إِنَّ لِلثَّعالِبِ أَوجِرَة ولِطُيورِ السَّماءِ أَوكاراً، وأَمَّا ابنُ الإِنسان فلَيسَ لَه ما يَضَعُ علَيهِ رَأسَه” (لوقا 9/ 58)، والذي قال أيضاً: “لا تَخَفْ أَيُّها القَطيعُ الصَّغير، فقد حَسُنَ لدى أَبيكم أَن يُنعِمَ عَليكُم بِالمَلَكوت. بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها واجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد. فحَيثُ يَكونُ كَنزُكُم يَكونَ قَلبُكم” (لوقا 12/ 32 – 34).

هناك خطر حقيقي يهدد اليوم حياة الذين دعاهم الرب ليكونوا خُداماً لأسرار كنيسته المقدسة ومبشرين بإنجيله الطاهر. الخطر هو في أن يجعلوا من مسؤوليتهم ورسالتهم وسيلة للإثراء وكسب المال وتحقيق أهداف دنيوية باطلة بعيدة كل البعد عن رسالتهم الروحية المقدسة، لا بل تشوِّهها وتتحول إلى حجر عثرة للناس، وهكذا يفقد المسؤول الكنسي مصداقيته ولا يثق أحد بكلامه.

يا لها من خسارة كبيرة للكنيسة وللمجتمع! هناك ظاهرة أخرى متفشية في مجتمعنا الاكليروسي والرهباني تدعو إلى الأسف والقلق وهي: أن يقاس نجاح الأسقف أو الكاهن أو الرهبنة بما يحققونه من إنجازات عمرانية، كبناء كنائس أو ترميمها وتجميلها وإنشاء مدارس ودور عجزة ومستشفيات، التي تدرّ على أصحابها أموالاً طائلة، وغالباً ما هي في خدمة الأثرياء والأغنياء، أما الفقراء والمساكين فهم محرومون من خدماتها التثقيفية والصحية والاجتماعية بسبب تكاليفها الباهظة.

إن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، له كل المجد والاكرام والسجود، حينما قال لبطرس: “أنتَ الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي” لم يكن يقصد كنيسة الحجر بل كنيسة البشر التي هي جسَده السرّي لكيما تشهد له من خلال التزامها بتعاليمه السامية والعيش بموجبها، خاصة فيما يخص فضيلة الفقر والتجرد عن غِنى وأموال العالم. إن معلمنا الكبير، بولس الرسول، مبشِّر الأمم وشهيد الحب الألهي، يحذرنا من مخاطر الغِنى المادي الذي هو أخطر عدو للكنيسة قائلا: “أَمَّا الَّذينَ يَطلُبونَ الغِنى فإِنَّهم يَقَعونَ في التَّجرِبَةِ والفَخِّ وفي كَثيرٍ مِنَ الشَّهَواتِ العَمِيَّةِ المَشؤُومَةِ الَّتي تُغرِقُ النَّاسَ في الدَّمارِ والهَلاك، لأَنَّ حُبَّ المالِ أَصْلُ كُلِّ شَرّ، وقَدِ استَسلَمَ إِلَيه بَعضُ النَّاس فضَلُّوا عنِ الإِيمان وأَصابوا أَنفُسَهم بِأَوْجاعٍ كَثيرة” (1 طيموثاوس 6/ 9 – 10).

يسرني أن أقتبس هنا بعض ما قاله الطوباوي أنطوان شفرييه، مؤسس جمعية كهنة البرادو، الذي عاش في أواسط القرن التاسع عشر في فرنسا، بخصوص أهمية فضيلة الفقر، في كتابه الذي يحمل عنوان: “درب التلميذ والرسول“: الكاهن هو زينة ومجد بيت الله. يجب عليه أن يكون هو غناه ومجده. ما قيمة كل الزينة الخارجية دون الكاهن؟ لا نضيعن فكرنا ووقتنا في الاهتمام بما هو عرضي ونهمل الأصل. ما ذا تنفع كل الشموع والأضواء إن لم تكن الصلاة هي النور الحقيقي للمؤمنين؟ في الفقر يجد الكاهن سلطته وقوته وحريته. من يقدر أن يقف ضد كاهن فقير ومتجرد؟ اليوم أكثر من أي وقت مضى يجب أن نكون فقراء لكي نحارب عالم البذخ، ضد الملذات الأرضية والرفاهية والرفاه الذي يتضخم في كل مكان بشكل رهيب. على الكاهن أن لا يتبع العالم، عليه أن يقوده وأن يكون سيده لكي يوقفه ويوجهه. إن يسوع المسيح هو قدوتنا، لم يكن له منزل ولا شيء خارجي. كان يستعين بما له. لا نراه قد بنى أي شيء. كان هو نفسه جمال وغنى المؤمنين. كاهن قديس وفقير هو كل الغنى. كاهن قديس وفقير في كنيسة من خشب يُرضي الله ويُفيد المؤمنين أكثر بكثير من كاهن عادي في كنيسة من ذهب” (إنتهى الإقتباس). من دون شك، إن ما قاله الطوباوي انطوان شفرييه عن الكاهن، ينطبق أيضاً على الااُسقف والراهب والراهبة.

لنصلي، ونحن نعيش في زمن اجتاحته التيارات الإلحادية والمادية، وسيطرت عليه ثقافة الحريات الإباحية التي تنبذ، من دون خجل، كل القيم الأخلاقية والروحية السامية، وتسنّ القوانين التي تخالف التعاليم السماوية والطبيعة البشرية، لكيما نسمح للروح القدس، الذي سوف نحتفل بنزوله على الكنيسة بعد أيام قليلة، أن يقودنا في الطريق التي قاد بها قديسي وشهداء كنيستنا المشرقية منذ ألفي سنة، أي طريق الصلاة وشهادة الحياة من خلال الالتزام الجدي بتعاليم الأنجيل وتجسيدها في تفاصيل حياتنا اليومية. لنطلب هذه النعمة بشفاعة أمنا العذراء مريم، أيقونة القداسة وقمة الحياة الروحية ونحن نعيش في شهر أيار المخصص لتكريمها.

“لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ“

أرجو من الذين يقرأون هذه الأسطر، ان يُصلّوا من أجلي كي أعيش ما تبقى لي من الحياة الزمنية، بالإيمان والرجاء والمحبة وشهادة الحياة حتى النهاية. مع الشكر، ولنبقَ متّحدين بالصلاة رباط المحبة الذي لا ينقطع.

“لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ”

ملاحظة: هذا الخبر “لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ” نشر أولاً على موقع (البطريركية الكلدانية) ولا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. يمكنك الإطلاع على تفاصيل الخبر كما ورد من (مصدر الخبر)

معلومات عن الخبر : “لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ”

عرضنا لكم أعلاه تفاصيل ومعلومات عن خبر “لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ” . نأمل أن نكون قد تمكنا من إمدادك بكل التفاصيل والمعلومات عن هذا الخبر الذي نشر في موقعنا في قسم أخبار مسيحية. ومن الجدير بالذكر بأن فريق التحرير قام بنقل الخبر وربما قام بالتعديل عليه أو الاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة تطورات هذا الخبر من المصدر.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!