مقالات

نقاش على فيسبوك: متى نتجاوز أسلوب الدردشة إلى النقاش المثمر

“لا نطلب اعتذاركم، نحن نعتذر بدلا عنكم، لكن لا تفرضوا وصايتكم علينا، انزاحوا قليلا حتى نستطيع أن نستنشق هواء نقيا، ونرى بصيص نور، ونستمتع بموسيقى الحياة..
رجاء لا تعاندوا استكبارا، اتركونا نعيش، لأن الحياة الجديرة بالاحتفاء وجيزة، ولا تطيق هذا الغم.”
كاول معلق، عقبت على هذه التدوينة للأستاذ عزيز البومسهولي برد جاء على شكل رسالة كما يلي:
الى صديقي عبد العزيز بومسهولي
تحية صادقة، وبعد
لو استغرق الفيسبوك المرحوم محمد عابد الجابري كما يستغرقنا الآن لما ذهب قدما في مشروعه “نقد العقل العربي”، ولما ألف كتبه الأخيرة حول القرآن الكريم..
لاحظت، يا بومسهولي، أن الاقتصار على تعميم الدردشة في هذا الفضاء الأزرق، أي جعل تطبيقه الخاص بالتعبير العام امتدادا لتطبيق الاتصال الخاص، يجعل المرء سجين الشذرات تلو الشذرات، محاولا في يأس لم شتات التعليقات المكتوبة على هامشها..كل ذلك، في نظري مضيعة للوقت والجهد كليهما..
في 2015، دون أن تجرؤ الذاكرة على خيانتي، قرأت للأستاذ جليل طليمات تدوينة فيسبوكية موجزة وهي عبارة عن قولة لأحد الفلاسفة يقول فيها انه لا يريد أن يعيش في الجنة وحده. بعيدا عن أسلوب الشذرات المبتسرة، دخلت مع طليمات في حوار مطول نشرته على موقع “الجديدة اليوم” في عشر حلقات أطور فيها فكرته، أعني تدوينته، وأناقشها فلسفيا على ضوء مفهوم الاعتراف عند هيغل. وكنت حريصا على أن تتصدر كل حلقة من تلك الحلقات مقدمة أشير فيها الى صاحب التدوينة ووعدي بتعميق النقاش الفلسفي حول مضمونها..لكن المؤسف هو أن الأخ جليل طليمات لم يتجاوز تفاعله مع ما كتبت ونشرت نطاق الجمجمة ولم “يكمكم” حتى أفهم، وعوض ذلك كنت أصادفه يتسكع بعيدا عني بشدرات تتلو شذرات!!
واش أخويا بومسهولي حتى أنت باغي تدير بحالو؟ جليل طليمات، للتذكير، طاقة ثقافية وفكرية نادرة ضمن غابة “خروب” بلادنا، غير أنه يبدو لي تائها في شبكة الفيسبوك ما جعله مقلا على مستوى كتابة المقالات الرزينة والوازنة ونشرها في الجرائد الالكترونية السيارة.
والجواب في الحين.
صديقك: أحمد رباص
بمجرد ما قرأ البومسهولي ما كتبت حتى انبرى معلقا بما يلي:
“شكرا صديقي العزيز على تقديرك. بالطبع، وفر لي الفضاء الازرق فرصة لتدوين الشذرات حتى لا تضيع، هي تحربة جديدة بالنسبة إلي، ولكني الآن اصحح كتابي الخامس عشر الذي اتمنى ان يصدر قبل المعرض الدولي للكتاب والنشر،، معك كل الحق لابد من اتخاذ مسافة ضرورية من هذا العالم حتى لا نسقط في الابتذال، محبتي..”
عندما لاحظت أن الصديق انحرف فهمه عن المقصود من كلامي، بادرت إلى تنبيهه قائلا:
أنا لا أقصد تأليف الكتب، وإنما استغلال الفضاء الفيسبوكي العام للبحث والتناظر، خاصة وأنه أكثر سعة واتساعا من التويتر الذي لا يسمح الا بحيز ضيق..
عقب المسهولي بهذه الكلمات: “هذا هو دورنا جميعا لابد أن نشكل كيانا ثقافيا وفكريا يستثمر هذا الحوار بين.المثقفين والمتنورين، أنه فعلا فضاء فكري للحوار. شكرا على التوضيح”.
دخل أحد أصدقاء البومسهولي على الخط ليدلي بدلوه في هذا الجدال، فكتب يقول:
“هل يمكن فهم منطق الكتابة في الفضاء الأزرق الافتراضي عوض الكتابة في الفضاء الواقعي.. على ضوء تحليل هيدغر لعلاقة التقنية بالكينونة..؟!! الطقطقات على الحاسوب لإبراز قدرات الذات المعرفية والوجدانية.. هي دات حرة تفعل ما تريد.. تجعلنا ننسى الكتابة على الورق.. أو تبعدنا عن نشوة تصفح الكتب والمراجع بشكل ملموس بدل مايسمى ب(PDF)، وبالتالي نتحول إلى ذوات خاضعة لما يريده الحاسوب الذي يتحكم فينا أكتر مما نعتقد أننا نتحكم فيه.. وفي الأخير تقبلوا مني هذه المداخلة المتواضعة جدا بحيت لاتضاهي نبرتكم النقدية وعلو مستواكم المعرفي..”
أحد أصدقائي أراد هو الآخر المشاركة في النقاش فجاء تعليقه على الشكل التالي:
“أعتقد ان الباحث الأكاديمي يتبرم من هذا الفضاء، لانه ملتقى جميع الأنسجة الاجتماعية، و كما تعلم فغالبية مرتادي الفايس هم من الدهماء والصحافة الهاوية.. كما انه رغم وجود كتاب مهمين ومرموقين إلا أن الثقافة لا تكاد تجد لها مرتعا على صفحات هذا الفضاء، وحثى محدودية تفاعل بعض الكتاب (إن جاز أن نتحدث عن كتاب) تبقى نسبية، فاعتقد أن غاية الفايسبوكي لا تتعلق بإشاعة المعلومة أو المعرفة والتواصل الجدي، بقدر ما تبحث عن لايكات و تعليقات مجاملة لا تعبر عن عمق و جمالية ما ينشر، وليس عن الارتسامات الحقيقية للمتفاعلين، لذلك تجد أن الصورة تستفرد باهتمام أكبر مقارنة بالمنشور المكتوب.. وبالنسبة للتيه ،أعرف أستاذا ينشر في جميع المواضيع، في شعر والنثر، والسرد القصصي، وعلم النفس، والهايكو، والفلسفة، والاساطير، ويكتب مقالات.. وله عدة صفحات، ربما هو يجني من وراء ذلك ماديا. فهل يكلف نفسه كل هذا العناء من أجل نشر المعرفة؟”
للتفاعل معه وتشجيعه على إغناء النقاش عقبت عليه بهذه الكلمات:
إذن، الفيسبوك مرآة لمجتمع الاستهلاك المطابق لتخطيطات ومخططات دهاقنة الرأسماية والليبرالية المتوحشة اللتين تراهنان على تسطيح الفكر الإنساني وجعله يضمحل نهائيا أمام جبروت سوق الأشياء والسلع واختلاق حاجات وهمية تؤدي الى مزيد من الاستهلاك لأجل الاستهلاك..لكن دواء هذا المرض العضال يكمن في الفلسفة التي ينبغي على المهتمين بها والمنتسبين إليها توظيفها من أجل الرقي بالفكر الإنساني، ومن أجل استعادة المعاني والقيم لمكانتها، وهكذا نعيش مرحلة أنوار جديدة، وهكذا ينسحب اللاهثون وراء الربح مثل من ذكرت الى الوراء ويولون الأدبار..”
أجابني بطريقة فيها تأييد لما ذهبت إليه، حيث كتب ما يلي:
“أشاطرك الرأي.. فالتقدم لدى الرأسمالية لم يعد تقدما من أجل التقدم بل من أجل الإخضاع و السيطرة، وتجلياته سواء كانت تقنية او علمية او.. هي ما نعيشه من استلاب في ظل العولمة كشكل جديد للاستعمار الثقافي و الدفع بالشعوب المتخلفة إلى مزيد من الاستهلاك والإذعان..”

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!