مقالات دينية

الميراث في العهد القديم والعهد الجديد

الكاتب: الشماس نائل بربري
                                  الميراث ( في العهد القديم والعهد الجديد )
الشماس – نائل بربري
من الرسالة الأولى لبطرس الرسول 1 : 3- 4 ( مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح , الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حيّ , بقيامة يسوع المسيح من الأموات, لميراث لا يفنى ولا يتدنـّس ولا يضمحل , محفوظ في السموات لأجلكم. )
مفهوم الميراث في العهد القديم يرتبط ارتباطا وثيقا منذ البداية بمفهوم العهد . فكان اس*رائ*يل هو ميراث الله وأرض الميعاد هي ميراث اس*رائ*يل وتصبح بذلك ميراث الله نفسه . فالعلاقة الأولى أساسية لأنها توحي بعلاقة حميمة بين الله وشعبه الذي هو خاصّته ايضا كما في سفر الخروج 19 : 5 ( والآن ان سمعتم لصوتي , وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب , لأن كلّ الأرض لي. ) وصيغة العهد كما في سفر ارميا 24: 7 ( وأعطيهم قلبا ليعرفوني أني انا الرب , فيكونوا لي شعبا وأنا أكون لهم الها, لأنهم يرجعون اليّ بكل قلبهم ). والعلاقة الثانية هي ايضا متصلة بالعهد. وفي هذا يكون لوعد الله لأبراهيم هدف مزدوج وارث : هواسحق وذريته وميراث: وهوارض كنعان . وفي هذه الحالة فأن ورثة ابراهيم سيرثون ايضا الوعد . كما في سفر التكوين 26: 3 ( تغرّب في هذه الأرض فأكون معك وأباركك, لأني لك ولنسلك أعطي جميع هذه البلاد , وأفي بالقسم الذي أقسمت لبراهيم ابيك .) وايضا في سفر الخروج 6: 8 ( وسأدخلكم الأرض التي رفعت يدي مقسما أن اعطيها لأبراهيم واسحق ويعقوب وأعطيها لكم ميراثا , انا الرب .) ونلاحظ في هذا الوعد أن ارض كنعان لم يمنحها الله ميراثا لأبراهيم ولكن فقط وعد بها ورثته . فبدأ الميراث يتحول من المادي الى الروحي ويأخذ هذا الأعتقاد بكل معناه عندما يسحب الميراث المادي وهوأرض كنعان من شعب الله وفي سفر مراثي ارميا 3: 24 ( نصيبي هو الرب , قالت نفسي , ولذلك أرجوه.) وابتدأ من ذلك الوقت يتحوّل مفهوم الميراث تحولا روحيّا تامـّا . وفي مزمور 16: 5 يقول ( الربّ نصيب قسمتي .) فهو يشير الى الخير الكامل الذي يملأ قلبه ومن زاوية هذه الرؤية الجديدة تصبح الصياغة القديمة ( تملـّك الأرض) أكثر تعبيرا متفقا عليه للدلالة على السعادة الكاملة .
أما مفهوم الميراث في العهد الجديد هو: كان العهد القديم يحتفظ بصفة الوارث للوعد أولا لشعب الله وحده, وفيما بعد للبقية من الأبرار . ونلاحظ في العهد الجديد أن هذه البقية هي المسيح ففيه تركزت سلالة ابراهيم , ولكونه الأبن فقد جعله الله وارثا لكل شيء لكونه قد ورث اسما أعظم من اسم الملائكة فهو اسم يهوه نفسه. ولكن لكي يتولى المسيح هذا الميراث فعليا كان لابد ان يجتاز الآلام والموت . حيث نقلنا من حالة العبودية الى حالة البنوّة وبالتالي الى حالة الوراثة. وهذا هو الواقع الحالي للمسيحيين , فهم أولاد الله بالتبنـّي لأن روح الله يقودهم وهم بهذه الصفة ورثة الله وشركاء المسيح بالميراث وذلك بالأنتماء الى المسيح اي ( بالأيمان ). فماذا يمكن ان يفهم المولود الجديد عن الميراث الذي له من بيت كبير واراضي واسعة ولقب كبير وأمجاد الأجداد كلها تنتظره , ولكن سنين عديدة لا بد ان تمر حتى يدرك هذا الوريث ماهو ميراثه ويتلمسه .
ونحن ايضا عندما اصبحنا اولاد الله وذلك بأيماننا بيسوع المسيح أصبح لنا ميراثا . السنا ابناء الله ؟ فنحن أحقّ الناس بالميراث ولكننا رغم ذلك لا نمتلك من هذا الميراث شيء من الماديّات . ولكن سمنتلك الله , اي سنرث كل أمجاد الطبيعة الألهية . وقد عبّر المزمور 73 عن هذا ( من لي في السماء ومعك لا اريد شيئا على الأرض.) ولكننا لا نستطيع ان ندرك الكل دفعة واحدة لأن المحدود لايمكن ان يدرك غير المحدود . ولكن بدخولنا الحياة الجديدة نبدأ بالحصول على جزء من هذا الميراث . وبدراستنا كلمة الله نعرف مكان هذا الميراث . وعند تقدمنا في الحياة نبدأ بفهم صفات الله ونعرف كيف نستفيد منها في حياتنا اليومية . وعندما يسكن الروح القدس فينا نتشبّه بالطبيعة الألهية. وبذلك يصبح الله لنا بقدر ما نحن له. ولكن اين ميراثنا ؟ فكما قرأنا – انه محفوظ في السموات.
في الرسالة الأولى الى كورنثس 13 يقول الرسول بولس ( اننا ننظر الآن في مرآة ولكن حينئذ وجها لوجه.) ويمكن تشبيه الميراث بفتاة جميلة وقد وضعت رداء تخفي وراءه هذا الجمال ولكن كيف ستكون لو رفعت هذا الرداء؟
فما هي صفات هذا الميراث؟
اولا: لايبلى : لأن مادته غير قابلة للفناء . عندما ننظر للأشجار الخضراء نعرف انها لابد ان تصفر عند قدوم الخريف. ونحن عندما نكون في اسعد الأوقات نشعر بالحزن يتسلل الى قلوبنا ليذكّرنا ان هذه الحالة لن تدوم طويلا . ولكن معرفة الله هي الكنز المحفوظ في السموات لنا ولا يمكن ان يسلب او تمتد يد اليه.
ثانيا : لايتدنـّس : لأنه نقي. فكل المقتنيات الأرضية تتدنـّس وتتلطخ بالعيوب والنقائص , فلا توجد ثمرة بلاعطب ولا يوجد فرح بلا كدر ولا يوجد قلب يخلو من الخطيئة ماعدا قلب واحد . ولكن معرفة الله تقودنا الى نبع النقاوة الخالصة. وبما ان ميراثنا بعيد عن الدنس فلا يمكننا ان نتمتع به الا اذا كنا ممتلئين بالطهارة والنقاء . وفي الموعظة على الجبل في انجيل متى قال المسيح ( طوبى لأنقياء القلب , فأنهم يعاينون الله ).
ثالثا : لا يضمحل : من حيث الجمال. نجد ان شركتنا مع الله هي نبع متجدد من السرور والفرح وفي محبته لا نشعر بالسأم او الملل.
اذن هذا الميراث لا نناله باستحقاقنا ولا بالميلاد الطبيعي وكما قال ربنا يسوع المسيح ” ان كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يرى ملكوت الله ” والقانون الذي لا يتغيّر هو ( ان كنا اولاد فاننا ورثة ) وليس من الصعب ان نفهم لماذا ينبغي على الأنسان أن يولد من فوق . وكما قلنا ان الميراث روحي ولابد من توفر الطبيعة الروحية حتى يمكن ان يدركه الأنسان . ولهذا لابدّ لنا ان نولد من جديد لنحصل على هذه الطبيعة الروحية . قد يقف الأعمى امام اجمل المناظر ولكن لا يحس بوجودها لأنه لا يملك الحاسّة التي يتذوق بها هذا الجمال . وكذلك لو وقف غير المؤمن في السماء سيفوته ان يرى الله لأنه تنقصه قوى الأدراك الروحي . ولأن الخطيئة تعمي العينين وتصمّ الأذنين وتقسّي القلب. فالحاجة الأولى هي الحياة , والحياة تبدأ فقط عندما تولد من جديد . وان العلامة الأكيدة على وجود الحياة هي الأيمان بالمسيح ” أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا ان يصيروا اولاد الله اي المؤمنون بأسمه ”  ولهذا يستهل الرسول بطرس كتابته هذه الرسالة بهذه التسبحة ” مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح “.
ونحو هذا الميراث المجيد المحفوظ لنا في السموات يمدّ الرجاء كلتا يديه محفزا ومشجعا في كل لحظة من الحياة أنه – الرجاء الحي – واساس هذا الرجاء هو قيامة المسيح من الأموات .
فرحمة الله كبيرة ومن يستطيع ان يدرك عمق رحمته . الرحمة التي جعلته يعطي ابنه ليموت ثم يقوم . الرحمة التي رفعتنا الى مقام تحسدنا عليه حتى الملائكة لأننا اصبحنا ابناء ثم ورثة .
فالميراث المعد من الآب لمختاريه منذ انشاء العالم هو:
أولا: النـعـمـة : كما في رسالة بطرس الأولى 3: 7( واكرموهن كالوارثات معكم لنعمة الحياة لكي لا تنقطع صلواتكم)
ثانيا: الخـلاص : كما في رسالة الرسول بولس الى العبرانيين 1 : 14 ( اليسوا جميعهم ارواحا خادمة ترسل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص ).
ثالثا : ملكوت الله : كما جاء في انجيل متى 25: 34( حينئذ يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ انشاء العالم).
رابعا : الحـيـاة الأبديـة : كما جاء في انجيل متى 19: 29 ( وكل من ترك بيتا أو اخوة أو اخوات أو ابا أو اما أو أمرأة أو بنين أو حقولا لأجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية).
وبوصفه الحياة الأبدية يكون مشاركا في حياة المسيح القائم من بين الأموات وبالتالي في حياة الله ذاته . وسوف نبلغ بلوغا كاملا الى الميراث بعد الموت عندما نلتحق بالمسيح في مجده , اما حاليا فلا نناله الا في الرجاء . ولكن الروح القدس الذي وهبنا الله اياه يكون منذ الآن عربون ميراثنا . وبأنتظار عودة المسيح الذي يكفل لنا نواله كاملا. كما جاء في رسالة الرسول بولس الى افسس 1: 14 ( الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده ). وايضا في رسالة الرسول بولس الى العبرانيين 9: 15 ( ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد لكي يكون المدعوون – اذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول- ينالون وعد الميراث الأبدي)…

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!