مقالات

رواية -دفاتر القرباط- هموم المجتمع والعشق المحرم


الراوي هو شاب “لم تكتمل رجولته” بحسب تعبير امه التي تبسمل وتحوقل والتي تبحث عن حل لزوجها عند المشايخ الذي أصبح رجلا كهلا يهتم بالسلاحف والعناكب والبغال وتريده ان يعود شاباً وسيماً كما كان من قبل. وكانوا يعيشون في “العنابية” وهي قرية عربية الى جانب منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية. والعنابية من “عناب” المؤسس للقرية والذي دفن في مزار بجانب بالقرية تحت شجرة الزيزفون الضخمة. وجدتي هي سنديانة العنابية التي تحفظ أسرار القرية، وصوتها الهادئ، وهي مجللة بالرهبة، وتفهم لغة المطر وهو يخبرها ع. أحوال العنابيين الغائبين، وتفوح منها رائحة القرفة التي تتبارك بها عائشة ذات النهدين الصارخين، وكنت انا حارسها وخادمها الصغير والطفل المدلل عندها. واخواتي فاطمة التي تزوجت بشبقها الجنسي، وعائشة التي تنام عارية وتئن طوال الليل وتتلوى، وزليخة الصغيرة الخائفة التي لم تكتمل أنوثتها بعد.
وهادي العنابي الذي يراقب الغرباء، وأضاع خريطة الذهب المدفون، ويريدني ان ارسمها من جديد، كي نجد فيها خاتم الملك وعصا الخليفة المطرزة بالذهب، وفشلت في ذلك لمرات عديدة، وفي رحلته الى. مصر حيث استقبله الراهب جرجس وماريا القبطية الجميلة، وكان يصلي في الازهر، وقال له الشيخ: العشق عبادة، وفي الكنيسة أيضا بارك الراهب زواجنا، وماريا وافقت على الزواج منه، رغم اختلاف الأديان، لكنها لا تستطيع ترك الإسكندرية، وهو ابن العنابية. وودعته على رصيف الإسكندرية. وعاد مهزوما يبحث عن الخريطة، حيث داهمه الجنون، وبدأ يأكل اعشاب البراري، والعنابية ضائعة وسط البراري.
واحمد الرسام الانيق صاحب الألوان المتعددة. الذي يريد ان بق*ت*ل ابيه لان أخته بدرية توفيت لأنه لم يأخذها للمشفى. فسرق خزنة ابيه وعمل لها قبرا من المرمر. ويرغب برسم وجه الله، ويقول: ليس لله يدان او وجه او اقدام. ووجه الله في مخيلته لكنه يفلت منه ويضيع، وغالبا يشوبه الغموض ويضيع ولا يستطيع تبيان ملامحه وسط الضباب. ولن ينتهي من لوحته خلال حياته

و”القرباط” الذي. جاؤوا بالأصل من جبال قرباط في أوروبا الشرقية، ينتقلون من مدينة الى أخرى وفق قانون الترحال لذلك تمت تسميتهم ب “النَوَر” بدلا من “النور” لجمال بناتهم، وفي الصيف وصلوا مع خيمهم وحميرهم الى العنابية. وبدأت رحلة العشق التي لم تنتهي بين “الخال ونشمة” ملكة القرباط.
نساء القرباطيات بصدور مفتوحة وأقمشة متسخة يقايضون القمح والشعير بالصحون والأشياء الناعمة من أمشاط وأزرار، وكانت نشمة ووضحه يحملون صورا جنسية للرجال ويعرضوها امام البنات في غرفة عائشة، ونشمة تغنج في مشيتها المثيرة، وتهز ردفيها، وهي تطأ الأرض كدجاجة حبشية، ونهداها البارزان من تحت ثوب الموسيلين، وحلمتاها المتدفقتان بشبق جامح حلم كل ذكور العنابية. وعند أية خرابة تذهب مع رجل يداعب صدرها، وتهرب كزئبق اخضر حين النزول الى اسفلها، لان ذلك مخصص لزوجها القرباطي القادم..
والخال ابو الهايم العاشق الولهان، وكان فاتنا بأثوابه الانيقة والنظيفة يرقص بين النساء ويغامزهن فتحمر وجوههن، وكان يعشق نشمة ملكة القرباط المتربعة على كرسي عال كأنه العرش. واقسم بانه سيصبح قرباطيا حتى يتزوج نشمة. وقالت له امي ستبهدلنا، كيف لعنابي ان يتزوج قرباطيه. وكان دائما مع نشمة صاحبة العينين الواسعتين والصدر الواسع الذي ينبثق منه نهدان لم يخلقا الا للصراخ. وفي عرس الغزاوية شاعت إشاعة حول جنسية السهرة فساءت العلاقة مع القرباط ورحلوا من العنابية.
وحين رحلوا أصبح أبو الهايم كالمجنون، جلس على حجر وبكى. ثم حمل حقيبته التنكية ورحل ولا يعرف سوى الشرق الذي تنبعث منه رائحة أثواب نشمة المهفهفة. وقالت جدتي انه عاشق وسيبحث عن معشوقته وعشقه سيق*ت*له. وكان رحيل الخال من العنابية اسطوريا، وكأنهم ظنوا انه ولي من اولياء الله.
وإحدى حبكات الرواية حول عشق الخال لنشمة ورفضهم الزواج من خارج القرباط وإقامة علاقة جنسية معه هي حبكة جميلة تنقلنا الى العقلية الضيقة للقرباط والعنابيين. الذين يرفضون الزواج بين الأعراق المتعددة، وهناك تزوجت من زعيم القرباط، لكن هذه العقلية لم تمنع نمو العشق بين الخال ونشمة، حيث استمر العشق بينهم، وكانت تقول له: الله كن رفيق دربي، وانا احبك ولن أموت الا في حضنك، وكل أسبوع تأتي الى الخال، وكالنسيم يحيطها بذراعيه وسينجب ولدا يسميه عناب ويصبح ملكا للقرباط. وتعيش معه يوما جنسيا كاملا. فالعشق حالة إنسانية تتجاوز كل الأعراق والديانات، وهو مغارة مظلمة لا تعرف متى تدخلها، ولا متى ستخرج منها.
لكن هذه الحبكة غير كافية لمعرفة القرباط،. فالروائي لم يقدم للقارئ أشياء هامة عن القرباط، كما يوحي بذلك العنوان والدفاتر المذكورة. مثلا، لم يقدم للقارئ أصولهم، علاقاتهم الداخلية، اذ كيف للملك العجوز للقرباط ليس قرباطيا بالأساس انما هو عنابي. وايضاً طعامهم، وزواجهم، ولغتهم الدومرية ام غيرها، وثقافتهم العامة، ورفضهم الاندماج، وديانتهم، وشىء عن اسرارهم الخ حتى نتلمس معنى القرباط والذي نال في الثقافة العالمية جدلا واسعا حول منشئهم من الهند ام غيرها، ودياناتهم وعاداتهم. فالرواية لم تقدم المسكوت عنه عند القرباط وثقافتهم.

وأهالي العنابية وهم عرب يحبون عفرين والأكراد عموما. فهم يبيعون لبنهم وماشيتهم والعنب والتين في عفرين ويتسوقون حاجياتهم، خاصة يوم البازار، حيث يجتمع فيه القوميات المتعددة من عرب وكرد وآشوريين، وديانات تضم الاديان السماوية مثل المسيحيين والإسلام وبعض اليهود واليزيدين، إضافة الى اللادينيين، وكل هؤلاء ذات الأغلبية لكردية يعيشون مع بعض بؤام ومحبة بدون اية مشاكل. وكان الطلاب في العنابية يستكملون دراستهم الإعدادية والثانوية في عفرين، حيث ينزلون من جبل قيبار اليزيدي الى عفرين.
وتدافع الرواية عن حقوق الإنسان، وان الأكراد ليسوا خونة. حيث جاء استاذ المدرسة وقال لنا: أنتم بهائم واولاد قحبة، وأنتم خونة ان لم تكونوا حزبيين وتشاركون في احتفالات الثورة، ومع الاحتفال بعيد الثورة جمع مدير الناحية أهالي عفرين وهو يخطب فيهم، وصفقنا وهتفنا له، الا ان ذلك لم يكن كافيا، لوصف مدير المدرسة لنا باننا معادين للدولة، وعمل الأستاذ على تسليم بعض الطلاب للأجهزة الأمنية. وفي النهاية وزعوا الجوائز على الطلاب الكسالى وهم اولاد المسؤولين.
وكذلك ابن عمي صاحب المواخير الذي قال: من ليس مع الحكومة فهو ضد الوطن وضد الأمة. ورفضته جدتي وجرائمه التي لن تغتفر، فهو مرشح للانتخابات في البرلمان عن الحكومات الفاسدة. وهو ضد الوطن والعنابية، وقالت امي: وهل البرلمان رتبة عسكرية مثل مدير المنطقة! ودخل في قوائم الحكومة ونجح ممثلا للعمال والفلاحين مع الآغوات وملاك الأراضي بعد ان ملأ الموظفون الصندوق بأصوات العنابيين مع أمواتهم. انها مسخرة الانتخابات السائدة منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الآن.
كذلك تدعوا الرواية ضد جرائم الشرف، باعتبار الشرف الإنساني ليس مرتبطا بفرج المرأة، وهو ملك خاص للمرأة كما هو الرجل الذي يملك قضيبه. حيث اان عائشة تعلقت. بمرافق ابن العم والذي قرص فخذها، ثم في بيت عمي استسلمت بجسدها له، وفض بكارتها، ووعدها بالزواج. منها. ومع الأيام توضح حمل عائشة. وحملت الام سكينا وقدمته للراوي كي يذبح اخته لإعادة الشرف لذي لطخته للعائلة والعنابية، لكنه رفض ذلك ولذلك وصفته بان رجولته لم تكتمل، ولم تجعله سيد البيت بعد وفاة ابيه. وخصصت اسطبل البغلين لتلد فيه عائشة، واصبحت مقطوعة عن العالم الخارجي. وكان الطفل جميلا، ومع اشتداد حصار الام رحل الراوي الأخ مع. عائشة الى عفرين بلاد الخضرة. والهواء النقي والزيتون.. لكن. الروائي يصف الطفل بالأعمى. مع انه ذو عينيين جميلتين، لأنه لم. يرى. النور منذ ولادته وحتى سفره وهو قابع في إسطبل البغال. وهكذا لا يفي المرافق بوعود عودته، وكذلك ابن العم لم يدافع عن. الفلاحين باعتباره عضوا في مجلس الشعب ولم يدخل عينتاب بعد الانتخابات أطلاقا. من “القدس”

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!