مقالات سياسية

تهريب السجائر في الدبلوماسية العراقية

د. رياض السندي

د. رياض السندي

في البدء أود القول انه يؤلمني أشد الالم أن يكون هذا هو حال الدبلوماسية العراقية التي أنجبت أسماء لامعة مثل عصمت كتاني وعبد الامير الانباري وآخرون كان الغرب يتمنى أن يكون له دبلوماسيون بهذا المستوى من الكفاءة والخلق. ويؤلمني أكثر أن أسمع عن بعثة عملت فيها لاربع سنوات متواصلة مسؤولا لملف حقوق الانسان، ثم نائبا للسفير، واحيانا قائما بالاعمال المؤقت، الا وهي بعثة العراق الدائمة لدى ىمكتب الامم المتحدة في جنيف بسويسرا. ولطالما كان خلافي وإعتراضي على تصرفات العديد من الدبلوماسيين الذين لم يفهموا من الدبلوماسية سوى سرقة الاموال بأي طريقة لانهم يعلمون علم اليقين إنهم طارئون على هذه المهنة التي لم يدخوها الا بالواسطة أو وفقا لنظام المحاصصة المقيت. وللاسف فان عبء هذه السفارات والبعثات عادة مايقع على الشخص الثاني فيها، لان السفير هو درجة خاصة ممثلة لاحد الاحزاب السياسية التي دخلت العراق بعد الاحتلال عام 2003، ومعظمهم ينتمي لدول أجنبية أو لاجهزة مخابراتها، ويدين بالولاء لها بحكم تمتعه بجنسيتها الاجنبية. وهذا كان حال بعثة العراق في جنيف. فأول سفير عيّن لها بعد برزان التكريتي كان السفير بهاء الشبيب وهو بعثي سابق وكان كبيرا في السن وغير قادر على حضور الاجتماعات لمرضه الذي اقعده لاحقا وتوفي به ولم يكمل دورته الدبلوماسية. ثم عينت الوزارة السيدة أحلام الكيلاني وهي زوجة الوزير السابق رائد فهمي، إلا انها حوربت كثيراً من الجناح الشيعي في الوزارة الذي كان يقوده وكيل الوزارة محمد الحاج حمود وعصابته من أمثال محمد الحميميدي الذي جلب من نيويورك ليرقى الى درجة سفير على قائمة التحالف الكردستاني على الرغم من إنه شيعي ومن محافظات الجنوب وبعثي سابق ارتقى ليصبح نائباً للسفير محمد الدوري في نيويورك عام 2002. وقد نقله هوشيار زيباري معه كمستشار عند إنتقاله لوزارة المالية ومازال يعمل بهذه الصفة. وكذلك مقداد إبن أخت الوكيل الذي أحيل على التقاعد عام 2013. وعباس كاظم عبيد الفتلاوي الذي تربطه بالوكيل محمد الانتماء المكاني لنفس المحافظة والانتماء الحزبي لحزب البعث العربي الاشتراكي، لاسيما وانهما عملا معا في وزارة الخارجية في ظل حزب البعث قبل عام 2003، وقد تفانى في خدمة الوكيل المذكور حتى إنه كان يداوم في البعثة أيام العطل للاتصال به وإبلاغه أخبار البعثة أول بأول، والتغطية على ملفات الفساد فيها بما لامجال لبحثه هنا، وقد أعيد الى نفس البعثة في العام الماضي ومازال فيها. وقد حارب كل هولاء القائم بالاعمال العراقي في البعثة أحلام الكيلاني لكونها سنية ولحرصها على العمل ولطوحهم في أخذ منصبها أيضا، لذا لم تمنح درجة سفير وبقيت بدرجة وزير مفوض حتى الان. أما محاربة هذه العصابة التي كان الوزير السابق هوشيار زيباري ينصاع لها تماما فقد سرت الى الدكتور عبد المجيد العنبكي الذي اضطر لترك البعثة وطلب اللجوء في سويسرا عام 2009. وبعد ذلك، حللت انا في المركز الثالث في قائمة المستهدفين في هذه البعثة من عصابة وكيل الوزارة المذكور محمد الحاج حمود والتي كانت تتعامل بازدواجية واضحة فهي تخفي فضائح جماعتها وتلفق على الاخرين فضائح مختلقة، ورغم عدم قدرتهم على ايجاد مثل ذلك عندي وعند الاخرين لحرصنا في العمل وإخلاصنا للعراق بدافع ديني وأخلاقي وهذا أمر مشهود للعراقيين المسيحيين دوما والحمد لله. الا انه وجدوا في تقرير رفعته عن احوال البعثة بعد نقل السفير محمد علي الحكيم (أمريكي الجنسية) الى نيويورك تجاوزا يستوجب عقوبة التنبيه التي لم اتقبلها ولجأت لكل الاساليب القانونية لالغائها ولم افلح في ذلك، فأضطررت الى ترك البعثة. وبعد ذلك جرى تعيين عديل جلال الطالباني سفيرا لبعثة جنيف وهو السفير محمد صابر اسماعيل زوج شقيقة زوجة الطالباني. وكانت واحدة من ملفات الفساد فيها هو تفرغ الدبلوماسيين والمستخدمين في البعثة من الذين عُينوا من قبل الاحزاب الشيعية للعمل فيها لجمع الاموال بأي طريقة حتى لو كانت غير شرعية ولربما كان مرغمين على ذلك لدفع المال لتلك الاحزاب أو لاشخاص توسطوا لتعيينهم. ومثل هذه الامور أصبحت شائعة ومعروفة.

وقد كتبت في مقال سابق بعنوان (باي باي هوشيار) بتاريخ 1/5/216 نشرته العديد من المواقع الالكترونية من بينها موقع كتابات والحوار المتمدن، عن ملفات فساد كثيرة بملايين الدولارات، من بينها ملف الاتجار بالسجائر مستغلين المزايا الدبلوماسية للاتجار غير المشروع. أقتطع منه الفقرة التالية:

ومن الامثلة على ذلك ماحدث في صيف عام 2012 حيث القت الشرطة الفرنسية القبض على مستخدم محلي يدعى ( ح. ع.) وسائق سويسري يعملان في بعثة العراق في جنيف ، واشارت التحقيقات الى انهما القي القبض عليهما متلبسين ببيع مايقارب مليون يورو من السكائر الاجنبية التي تحصل عليها الهيئات الدبلوماسية من السوق الحرة بسعر 25 يورو لتباع بسعر 75 يورو للعبوة الواحدة. وبعد التدقيق تبين ان العديد من موظفي البعثة قد اشتركوا في تلك العملية التي جرت لعدة مرات ولفترة استغرقت عدة سنوات، وذلك من خلال تقديم كتاب مختوم ووصولات باسم السفارة لاستلامها، ومن بين الذين اشتركوا فيها محاسب السفارة (لطيف السعدي)، واداري اخر يدعى (عمار نايف الياسري)، وبمجرد كشف العملية انهالت الاتصالات على السفارة مما يشير ان المشتركين في العملية يتبعون جهات متنفذة في الدولة، كان من بينها اتصال من عادل عبد المهدي القيادي في حزب الدعوة.

وكالعادة في العراق، فقد سعت دوائر الفساد الى لملمة الموضوع. الا أن الحق كشعاع الشمس لايمكن حجبه مهما طال الزمن.

واليوم طالعتنا الصحف السويسرية عن هذا الموضوع تحديداً في فضيحة جديدة للدبلوماسية العراقية التي باتت تعرف على مستوى العالم بسلسلة فضائحها.

فكتب موقع سويس إنفو الرسمي يوم 23/8/2016 تحت عنوان: إساءة إستغلال المزايا الدبلوماسية – غرامة مالية ثقيلة لموظفيْن بالبعثة العراقية بجنيف يهربان السجائر ويتاجران بها، بما نصه:-

” فُرضت غرامات صارمة على موظّفيْن إثنيْن تابعيْن للبعثة الدبلوماسية العراقية في جنيف لتورّطهما في عملية احتيال ضخمة تتعلّق بتهريب السجائر. وقام هذان الموظّفان بإعادة بيع 600.000 علبة سجائر في السوق السوداء في شمال غرب فرنسا من دون دفع الأداءات الضريبية.

وكعقوبة لتجاوزهما القانون، تم تغريم هذيْن الموظّفيْن الأوّل 170.000 فرنك سويسري (177.000 دولار)، والثاني 120.000 فرنك للسجائر المهرّبة، والتي تقدّر الضريبة التي لم تسدّد عليها ب 2.4 مليون فرنك.

وقد أكّدت إدارة الجمارك الفدرالية يوم الإثنيْن 22 أغسطس صحة التقرير الذي نشرته صحيفة “سونتاغس تسايتونغ” والذي جاء فيه أن الشخصيْن أساءا إستخدام الإمتيازات الممنوحة في العادة للدبلوماسيين وبشكل غير قانوني لبيع السجائر المعفاة من الرسوم الجمركية في السوق السوداء في فرنسا على مدى ثلاث سنوات.

ونظرا لكون مخالفة التهريب تسقط بمرور سبع سنوات، فإن ثلث حجم البضائع المهرّبة لا يمكن معاقبة المهربيْن عليه. في المقابل رفضت السلطات الفدرالية طلبا تقدّمت به البعثة العراقية لدى الأمم المتحدة بجنيف والقاضي بخفض الغرامة بالنسبة لأحد الموظفيْن، الذي سبق أن أطرد من عمله بالبعثة.

ووفقا لمكتب الجمارك، طلب المهرّبان السجائر من شركة في شمال ألمانيا، متخصصة في تسليم البضائع المعفاة من الرسوم الجمروكية للدبلوماسيين والسفارات والمنظمات الدولية، وتم تسليم الشحنات إلى شركة تنشط في سويسرا الناطقة بالفرنسية.

ولاحقا، نُقلت البضاعة إلى مستودع مستأجر في فيرناي – فولتير في فرنسا (بلدة على حدود فرنسا مع جنيف)، محاذية لمطار جنيف. ومن هناك، أُرسلت السجائر إلى مدينة رين (Rennes) في شمال غرب فرنسا، حيث أُعيد بيع السجائر في الشوارع.

ولم يطلب المهربان السجائر بإسم البعثة العراقية فقط، ولكن أيضا بإسم البعثات الدائمة لهونغ- كونغ، والبحرين، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان.

وقد انتبهت الشرطة السويسرية لهذه العملية المحبكة الخيوط بعدما اشتكت الغرفة التجارية بهونغ- كونغ إلى السلطات السويسرية من أن مجهولين قد طلبوا استيراد سجائر نيابة عنها”.

كما نشرت صحيفة (20Minutes) السويسرية التي تصدر باللغة الفرنسية تفاصيل عن هذه القضية في عددها الصادر يوم أمس 22/8/2016 تحت عنوان: (دبلوماسيون عراقيون متهمون بتهريب السجائر الى فرنسا يقعون في كماشة الشرطة السويسرية).

والغريب في الامر، إن العملية جرت بإسم بعثات أخرى مثل هونغ –كونغ والبحرين والسعودية وسلطنة عمان.

والادهى من ذلك، إن بعثة العراق مازالت تدافع عن الفساد وكتبت الى السلطات الفدرالية السويسرية طالبة تخفيض مبلغ الغرامة على منتسبيها التي رفضته تماما، كما تقول الصحيفة ذاتها.

ويتزامن ذلك كله مع فضيحة نجلي سفير العراق في لشبونة بالبرتغال الذان إعتديا بالركل والدهس لمراهق برتغالي.

حقا إنه زمن الفضائح الدبلوماسية في العراق.

د. رياض السندي

٢٠١٦/٨/٢٣

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!