مقالات دينية

تأمّلات في اسبوع الآلام

مشرف

مشرف المنتدى الديني    

 

 

تأمّلات في اسبوع الآلام
نافع البرواري
“ما أغباكُما وأبطأكُما عن الأيمان بكل ما قاله الأنبياء! أما كان يجب على المسيح أن يعاني هذه الآلام فيدخل في مجده؟ “لوقا 24:25,26 .
كان هناك أعتقاد عام في فكر اليهود وحضارتهم انّ المُصيبة أو الكارثة أو المرض او الألم  هو نتيجة لخطيئة كبرى مُعيّنة . أمّا الرب يسوع المسيح استخدم معاناة الناس وآلامهم لترسيخ الأيمان وليُمجد الله ، فنحن نعيش في عالم ساقط وأحيانا كثيرة يتألم الأبرياء ، وهكذا قد لا تكون معاناتنا عقاباً ، بل مُجرّد آثار لجروحات المعركة بين أظهار ولائنا لله .
من كان يُمكن أن يُصدّق بأن الله يمكن أن يختار ليُخلّص العالم بعبدٍ متواضع متألّم ، وليس بملكٍ مجيد؟ فهذه الفكرة على النقيض من الكبرياء البشرية والطرق العالمية ولكن الله يعمل بطرق لايمكن أن نتوقّعها ، فقوة المسيح تجلّت في الأتضاع والألم والرحمة ، كان يسوع المسيح (العبد المتألم ) هو رجل الأحزان ، مُحتقر، مرفوض من قبل المحيطين به ، ولا زال الى يومنا هذا مُحتقرا ومرفوضا من قبل الكثيرين .
كثيرين من غير المسيحيين(وحتى من المسيحيين ) لا يفهمون أن طريق المجد والأنتصار على الموت لا يمر الآ من خلال الآلام ، كما أنّ هناك من الناس من يقول لماذا لم يتدخّل الله لانقاذ ابنه يسوع المسيح من الصليب .
لقد تألّم يسوع المسيح من أجلنا ، حاملا خطايانا ، ليجعلنا مقبولين عند الله ، فبماذا نبرّر انكارنا لهذه المحبة الفائقة ؟ لماذا لا يزال هناك من الناس الذين يُريدون أن يحجبوا نور المسيح في حياتهم؟ لماذا هذا العناد الغير المبرر؟ لماذا يكره ويضطهد العالم المسيح والمسيحيين كما يخبرنا الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة؟
انها اسئلة مطروحة عبر التاريخ وليس هناك جواب لها سوى أنّ هذا العالم يخضع لسلطة الشيطان ولا يريد أن يأتي الى المسيح لانّ الشيطان قد أغوى الكثيرين واستعبدهم .
سارتر وكامو وغيرغراد وغيرهم من الفلاسفة الوجوديين قالوا أن الحياة لامعنى لها طالما هناك الألم والموت ، وقد كتب الكاتب الأمريكي ارنست همنغواي كتاب بعنوان لا جديد تحت الشمس مُستمدا عنوانه هذا من سفر الجامعة “لاشئ تحت الشمس كل شئ باطل” .
وكان الفلاسفة اليونان (الأبوقراطيين ) يقولون طالما الحياة قصيرة فعلينا أن نأكل ونشرب ونتمتع بهذه الحياة لان كل شئ باطل وحتى انعكس ذلك على تلاميذ المسيح بعد أن عاشوا أحداث آلام المسيح  وصلبه وموته قبل القيامة .
اصابهم الأحباط والحزن واليأس ، والسبب لأنّ الناس كانوا وما زالوا  ينشغلون بالسلطة السياسية والقوة العسكرية والأمجاد الفانية بينما القيم السماوية(في مملكة الله) هي عكس ذلك تماما فالأخير يصبح أوّلا والحياة تنبع من الموت(حبة الحنطة لن تاتي بثمرٍ جيّد الا بعد أن تموت في الأرض).
اليوم لا زال العالم لم يتغيّر من قيمِهِ فما زال العبد المتالم (اشعيا 53) مكروها .
ولكن ليس شهادة الأنبياء في العهد القديم فقط هي التي تشير الى انتصار الرب يسوع المسيح على الألم و الموت “أشعيا 53:12 ، بل هناك شهادة الرسل”يوحنا21:24 في العهد الجديد  وتاريخ الكنيسة المسيحية”أعمال 1:2 وأختبارات المؤمنين في حياتهم “مئات بل الاف الأختبارات للمؤمنين والقديسين الذين غيّر يسوع المسيح حياتهم الى الأبد علما بأنّهم كانوا متألمين ومضطهدين ، ولا زال المسيح الحي يعمل المعجزات في حياة الكثيرين.
الألم ينقي الأنسان مثل النار التي تنقي شوائب الذهب ، الألم يبلور الأنسان ويصقّل شخصيته
الألم قد يكون سيف ذو حدّين فقد يُبعدنا عن الله واحيانا يلجأ الكثيرين الى التذمر وحتى الأنتحار. أو يجعلنا الألم أكثر ايمانا عندما نتأمّل في هول الام المسيح من أجلنا فنكون واثقين انّ المسيح سيساعدنا في حمل الصليب وهو الذي يوجّه نظرنا الى ما بعد الآلام الى القيامة والحياة وكما يقول الرسول بولس”الموت مع المسيح هو ربح لي”.
الألم هو جزء من حياة الأنسان والأنسان الغير المتألم لا يفهم الآخرين المتالمين، الألم موجود في حياتنا والمسيح لم يلغيه بل أخذ الألم مثلنا وتعلم الطاعة بالألم “من يريدني يتع صليبه ويتبعني”.
من خلال صرخة الألم  من قلب الصليب نكتشف الله (قائد المائة)” حقا كان هذا ابن الله”متي 27:54 .
اليونانيون يطلبون الحكمة واليهود يطلبون الآيات أما نحن المؤمنين فنكرز بيسوع المسيح مصلوبا”روميا ” ، الموت  على الصليب هو آخر الأنحدار الذي وصل اليه يسوع المسيح ولكن الله رفعه وأعطاه اسماً هو فوق كل الأسماء ….
فهو عند لوقا البشير هو الطريق لدخول المجد ، فلأننا متألمين أراد المسيح أن يشاركنا في آلامنا ويتألم معنا ، عرف يسوع المسيح آلام الآخرين فأنفتح عليهم ، درب الصليب يمثل لنا طريق آلام البشرية كُلّها التي تأنُّ وتتالم بسبب انفصالها عن الله بسبب الخطيئة.
لقد صار عرق يسوع المسيح دماً في بستان الزيتون لانّ آلامه كانت مُرعبة ومهولة فآلامه لم تكن جسدية خارجية فقط بل كانت ايضا آلام نفسية داخلية(معنوية) فيها تحمّل ثقل قصاص الخطيئة لكل البشرية وتحمل لعنة الخطيئة وتعيير الناس وسخريتهم له وهو في طريقه الى الجلجلة ، ولكن كل هذه تحمّلها يسوع المسيح اما الم انفصاله عن ابيه السماوي بسب تحمله لخطيئتنا فكانت من الهول والألم حتى صرخ تلك الصرخة المشهورة صرخة المتألمين المتروكين “ايلي ايلي لما شبقتني ” .
انّ صرخة مُخلصنا يسوع المسيح على خشبة الصليب وهو في قمة الآلام والتي فيها صلّى مزمور 22″ايلي أيلي لما شبقتني”  هي صرخة كلِّ المتروكين وصرخة كلِّ المهمّشين والمقهورين والمضطهدين والمظلومين والمشردين والمهجّرين والمتألمين لاسباب كثيرة وهي صرخة كل الذين تركوا أوطانهم وارضهم وأفترقوا عن أحبائهم وأعزائهم وأهلهم . انها صرخة الذين طُعنوا من الخلف بسب الخيانة والغدر22:1 .
لقد تعرّض أيوب للأمتحان لكن حياته كانت مبنية على يسوع المسيح الذي هو الصخرة القويّة ، فالأساس في غاية الأهمية لكلّ بناء ويجب أن يكون من العمق والصلابة بحيث يتحمَّل ضغوط المبنى الواقعة عليه وحياة المؤمنين وقوّة صمودهم لضغوطات الحياة والآلام تعتمد على مدى أيمانهم المبني على الأساس القوي الذي لايتزعزع وهو يسوع المسيح  .
انّ يسوع المسيح لم يحمل على خشبة الصليب خطيئة العالم ليسمّرها على الخشبة فقط بل حمّل الام البشرية وأخذ اللعنة لكي يمحي لعنة الخطيئة لنصبح بر الله .
العالم كلّه اتفق ضدّ المسيح(رجال الدين اليهود والساسة الرومانيين) وحتى تلاميذه تركوه لابل يهوذا خانهُ وسلّمه للموت .
قد نتالم احيانا كثيرة في هذه الحياة ولكن الألم الأشد هولاً وقساوة هو عندما لانجد حولنا من أحبائنا من يشاركنا هذا الألم وهذا ما حدث للمسيح في بستان الزيتون فقد كان يتألم حتى صار العرق في وجهه كقطرات دم في حين كان التلاميذ نائمين ولم يشعروا بما ينتظره معلّمهم  يسوع المسيح من الآلام .
يسوع المسيح سلّم روحه بين يدي الآب السماوي ونحن أيضا علينا أن نسلّم حياتنا بين يدي ابينا السماوي فهو يعرف أكثر مما نعرفه ، قد يظن الكثيرين انّ المحبة تتناقض مع الموت ! الا أنّ هؤلاء الناس لا يعرفون المحبّة الحقيقية ، لأنَّ المحبة تتضمّن في الغالب التضحية والألم لانّ المحبّة هي عطاء ، ويسوع المسيح لم يأتي الى العالم ليكسب جاها أو سلطة سياسية ، كماهو تفكير الكثيرين من الناس ، لكنه جاء ليتألّم ويموت حتى نحيا نحن”عبرانيين 2:9,10 .
انّ الحياة تنبع من الموت وعندما نتألّم في هذه الحياة فلا ننسى أنّ يسوع المسيح أيضا تألّم وعُذّب وصُلب على خشبة الصليب ومات ، ولكن بعد ثلاثة أيام قام وانتصر على الموت ،
نعم سياتي يوما ينتصر الأنسان على الموت ، لانّ المسيح انتصر على الموت بالموت ، فمحبة المسيح لنا كانت أقوى حتى من الموت بل بهذه المحبة قهر المسيح الموت ليعطينا ملئ الحياة”….الله نفسهُ معهُم(مع الناس) ويكون لهم الها ، يمسحُ كُلِّ دمعة  تسيلُ من عيونهم . لا يبقى موت ٌ ولا حزنٌ ولا صُراخٌ ولا وجعٌ ، لانَّ الأشياء القديمة زالت “رؤيا 21:3,4 .
والسؤال الموجه الينا نحن مسيحيي العراق المتألمين هل المطلوب منا أن نهتم بالسلطة والكراسي والمناصب والمكان البارز في هذا العالم أم رسالتنا هي خدمة الآخرين والعطاء بلا مقابل ويصبح كبيرنا خادماً للصغير وأن نقبل احيانا كثيرة الألم من أجل أن نقتدي بيسوع المسيح الذي ضحّى بحياته من أجلنا ولم يكن له موضع ليضع عليه رأسه بل كان يجول ويصنع خيرا واخيرا أُقتيد الى الجلجلة ليصلب ويموت من أجلنا؟
الأجابة الصحيحة على هذا السؤال هي:
طالما الرب يسوع المسيح الذي هو قدوة لنا في تعلّم الطاعة من الآلام التي قاساها وبذلك أصبح مؤهلا لمهمته الخلاصية هكذا نحن نصبح خُدّاما أفضل لله ، فمن عرف الألم وأختبره يقدر أن يمدُّ يدهُ بحساسية الى المتألمين”عبرانيين5:8,9 .
يسوع المسيح وهو يحاكم في محكمة الأشرار قال مملكتي ليست من هذا العالم.
في سر الأفخارستية والتأمل في هذا السر سنستطيع الغوص في محبة الرب يسوع لنا بلا حدود حتى أنه بذل نفسه وسفك دمه ليصير لنا قربانا وخبزا نأكله ليتّحد معنا الى الأبد
يسوع المسيح جاء الى هذه الأرض وقدّم نفسه مثالا للتضحية وبذل الذات ليساعدنا ويضع كتفه على كتفنا ويقول لنا هيا معا لأن نصل الى المجد القادم الى الهدف الأسمى الى ما وراء الآلام الى القيامة والحياة الأبدية”اشعيا 53 “.
يسوع المسيح تألّم ولكنه فتح لنا الطريق الى الخلاص وهكذا حوّل الموت الى نعمة  .
حمل عاهاتنا وتحمّل أوجاعنا ….وهو مجروح من أجل معاصينا مسحوق لأجل خطايانا. سلاما أعدَّ لنا وبجراحه شُفينا  ……فالقى عليه الرب إثمنا جميعا“اشعيا 53 .
يسوع المسيح علّمنا أنّ بالامنا تجمع كلِّ العالم المتألّم ، وبآلامنا نعطي دروس المحبة للأنسانية
يسوع المسيح أخلى ذاته وصار يبكي في بستان الزيتون ، انّ الحب بدون الم فهو عقيم وسطحي فالذي يحبُّ لابد أن يتألّم ، عندما رُفعت الحيّة النحاسية في البريّة على عمود لم يدرك بني أسرائيل معناها الحقيقي الكامل الذي أشار اليه يسوع المسيح :”وكما رفع موسى الحيّة في البريّة ، فكذلك يجب أن يُرفعُ أبن الأنسان . لينال كُلِّ من يؤمن به الحياة الأبدية”يوحنا 3:14,15 .
اننا سنخلص من لدغة الخطيئة القاتلة وذلك برفع نظرنا الى يسوع المصلوب مؤمنين أنّه المخلّص الذي بدمه أزال خطيئتنا وسحق الموت بالموت على الصليب .

فالخطيئة تفقد قوّتها في الألم “وأذ كان المسيح تألّم في الجسد ، فتسلّحوا أنتم بهذه العبرة ، وهي أنّ من تألّم في الجسد أمتنع عن الخطيئة ، ليعيش بقية عمره في العمل بمشيئة الله ، لا في الشهوات البشرية”1بطرس 4:1,2 .
الكثيرون من الناس يفعلون أي شيء لتجنب الألم ولكننا نحن المؤمنين بالمسيح علينا ان نواجه الألم اذا لزم الأمر ونكون مستعدين لعمل مشيئة الله ، فحين تتألّم أجسادنا أو تتعرض حياتنا للخطر تتضح معادننا تماما وتبدو ملذات الخطيئة أقل أهمية لنا”وأن كان لابدَّ أن تتألّموا في سبيل البر فطوبا لكم!”1بطرس 3:14 .
أيوب كان انسانأ تقيّا ولكن سمح للكبرياء (الخطيئة) أن تساوره ، والله عاقبه لينقّيه ليجعله يتّضع ، لأنّ الآلام تُنقّي ايماننا كما ينقي النار الذهب من الشوائب”سفر أيوب .
شكرا والى اللقاء

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!