مقالات دينية

الطوباوي يعقوب الكبوشى من لبنان

الطوباوي يعقوب الكبوشى من لبنان

إعداد / وردا إسحاق قلّو

الطوباوي يعقوب الكبوشى من لبنان

***وُلِدَ خليل ابن بطرس صالح حداد وشمس يواكيم حداد، في بلدة غزير، قضاء كسروان ، في الأول من فبراير 1875، وقبل سر العماد في كنيسة سيدة الحبشيّة في 21 فبراير من السنة ذاتها، وتثبَّت على يد المطران يوحنا الحاج في 9 فبراير سنة 1881. ترعرع في عائلة تميَّزت بالتقوى، ومخافة الله، وقد تركت أمه أثرًا في نفسه، تاركة له مسبحتها إرثاً ثميناً : “يا ابني ، في ساعة الشدة صلّ بمسبحة أمِّك “.

تابع دروسه الأولى لدى الرهبان الكبوشيين في غزير، وفي مدرسة المزار، والحكمة في بيروت . بعدها سافر الى الإسكندرية ليُعلِّم اللغة العربية ، في مدرسة القديس مرقس لإخوة المدارس المسيحية . هناك ناداه الرب للإلتحاق برهبنة مار فرنسيس ، متأثراً بفقر راهب فرنسيسكانيّ شاب ، عندما رآه مُسجًّى في الكنيسة، فهتف :

“أريد أن أكون مثل هذا”.

عاد إلى لبنان ، ودخل دير الابتداء في دير مار أنطونيوس – خَشبَو – المجاور لبلدته غزير، مُصرِّحاً : ” دَخَلْتْ طَيِّبْ ، ما بِطلَعْ إلا مَيِّتْ “. قضى فيه سنوات الفلسفة واللاهوت ، وتميَّزَ باندفاعه في خدمة إخوته الطلاب الفرنسيين ، إثر إصابة الكثيرين منهم بمرض التيفوئيد . إنتقل مع الدارسين إلى بلدة القرية المجاورة لبحمدون ، وسيم كاهناً في 1نوفمبر 1901م.

كلّفه الرؤساء بإدارة المدارس الريفيَّة ، فوسَّع فروعها حتى بلغت أكثر من 200 مدرسة ، يُشرف عليها كهنة الرعايا ومدرسون انتقاهم بعناية لقيادة الجيل الطالع ، وركَّز عنايته على تهيئة الأولاد للمناولة الاحتفالية ، ومن كلماته المأثورة :

“إزرعوا بُرشاناً تحصدوا قديسين”.

إلى جانب العناية بالمدارس ، صبَّ جهوده على نشر رهبانية مار فرنسيس للعلمانيين ، وهي جمعية التزمت أن تعيش وفق مبادىء الإنجيل ، دون ترك العالم والحياة العائلية . لمّا نشبت الحرب العالمية الأولى ، ارتحل المرسلون الكبوشيون وسلموا مسؤولية الرئاسة للأب يعقوب . قام بها رغم ما عاناه من عوز ومضايقة وملاحقات إذ أُدرِجَ اسمه في لائحة المطلوب إعدامهم.

منذ دخوله الرهبنة ، كانت تراوده فكرة رفع صليب على إحدى قمم لبنان . فبدأ بمشروع صليب جل الديب سنة 1921 ، وألحقه بمؤسسة سيدة البحر. إستقبل فيها سنة 1926 أول كاهن عاجز ، سلَّم العناية به الى فتيات كنَّ نواة لجمعية راهبات الصليب . إعترفت بها السلطات الكنسية في 8ديسمبر1930م.

نصب على تلَّة دير القمر صليباً كبيراً ، يبارك المنطقة ولبنان كله . ووسَّع نشاطه لخدمة الفقراء والأكثر حرماناً . وزرع في مختلف المناطق مؤسسات خيرية، من مدارس للفقراء وملاجئ ومستشفيات ، وغيرها من أعمال الرحمة، رافضاً أيَّ تمييز، متخذاً شعاراً له ولبناته راهبات الصليب :

“تَشَبَّهوا بالينبوع؛ لا يسألُ العطشانَ قبل أن يسقيَهُ: مِن أيِّ دينٍ أو بلدٍ أنت”.

سهر على تدريب بناته على الحياة الرهبانية الصالحة ، مشدداً على خدمة من هم أكثر حرماناً ، والذين ينفر منهم الشعور البشريّ، قائلاً :

“من جهة المبدأ، لا يمكن أن نرفضهم لأنهم إخوتنا وقد أوصانا المسيح بهم”.

تعامل بإخلاص مع السلطات اللبنانية والوزارات والبلدية ، كان نجاحه الأكبر في مؤسسة دير الصليب لمعالجة الأمراض العصبية والنفسية . تميَّز بروح الصلاة وبإكرام الصليب مردِّداً : “يا صليب الرب ، يا حبيب القلب”. أحب وطنه لبنان ، وكان على اتصال مع رجالاته ، لكنه كان يخاف ويتألم من انقسام أبنائه :

“ما في محبة ، ما في نجاح”.

كان آخر إنجازاته بناء معبد يسوع الملك سلطان السلاطين ، الذين حفروا أسماءهم على صخور نهر الكلب ، وزالوا، بينما بقي ملك الملوك ينادي الشعوب إلى الإخاء والعودة إلى الله . كان سبّاقاً في اندفاعه لتكريم القربان المقدَّس ، فنظَّم الزياحات وحفلات المناولة الاحتفالية والترانيم الروحية.

كان الأب يعقوب متين البنية ، لا يوقفه الحرّ ولا البرد والثلج، يتنقّل ماشياً بين الساحل والجُرد للوعظ والإرشاد وتفقُّد بناته ومشاريعه . حلَّت به أمراض عديدة وأشدها فقدان البصر. ووصف نفسه : “مستشفىً مُتجوِّلاً” ، إلى أن لوى تحت وطأة سرطان الدَّم ، فرحل إلى جوار ربِّه يوم السبت 26 يونية 1956، الساعة الثالثة بعد الظهر ، يوم عيد سيدته العذراء ، وغداة حبيبه قلب يسوع .

وبما أنه كان ابناً محباً للعذراء ، تمنى أن تُدفن صورتها في مثواه الأخير

تمَّت مراحل تطويبه بنجاح . فإعلنته الكنيسة طوباوياً ضمن احتفال جرى في بيروت عاصمة لبنان ، وأُحصي بين الطوباويين بتاريخ 22 يونية سنة 2008 .

فلتكن صلاته معنا . آمين

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!